( مهيب - مخيف - لطيف - حزين - جذاب - مشجع ...... جميل ! )
يروى أن وفدا من الكهنة قاموا برحلة إلى أثينا اليونان حيث زاروا مما زاروا متحفا للإيقونات يخص راهبا فنانا أصبح متقدما في السن . ووقع نظرهم على إيقونة لوجه المسيح قد باشر هذا الراهب برسمها ولم يكملها منذ اربعين سنة . فسألوه : لماذا تركت هذه الايقونة غير كاملة ؟
فأجاب : لا انا ولا أحد غيري يقدر لوحده ان يرسم ان يرسم " وجه المسيح " بكامله . فان كل إنسان يتصور وجه المسيح حسبما يوحي إليه مزاجه الخاص وتفكيره وبراءة نفسه... فيرسمه حسب مخيلته الخاصة .
أجل منذ الفين سنة ولغاية اليوم ، كثيرون هم الفنّانون الذين تباروا في تمثيل شخص المسيح ، سواء بالرسم او النحت أو بالشعر أو بالنثر ... فنرى في كل رسم وفي كل تمثال وفي كل قصيدة أو في كتاب أومقال ... شكلا خاصا واوصافا مميزة خطرت على بال احدهم ولم تخطر على غيره .
فقد دخلنا اليوم في الالف الثالث لميلاد السيد المسيح . ولا نعرف أحدا حظي برؤيته وجها لوجه في مراحل هذه الحقبة الطويلة . وليس بين ايدينا مستند حسّي تركه لنا المسيح عينه او احد رسله وتلاميذه ... يدلنا على سرائر وجه المسيح وملامح بنية جسمهِ . لذلك لسنا نعرف شيئا عن لونه ،
اهو اسمر اللون او ابيض او اسود...؟ ولا عن قامته : اهو طويل او قصير او مربوع ... ؟
ولا نعرف كيف كان شعره ، فمه ، عيناه ويداه ، جلوسه ، مشيته وسائر حركاته ...
يعود غياب هذه المستندات الحسية الى كون المسيح في حياته على الارض لم يكن يكترث بملامحه الخارجية . بل كانت نفسه هي المفكر والمحرك والعامل من اجل النفوس . فأكتفى ان يترك لنا مستندا واحدا أصيلا هو انجيله الضامن في صفحاته ملامح نفسه المنعكسة على ملامح وجهه . ومن خلال هذا الانجيل وبحسب الظروف التي مرّ بها المسيح ، يتبيّن لنا وللعيان إ ن وجه المسيح كان مهيبا ، مخيفا ، ولطيفا ، وحزينا ، وجذابا ، ومشجعا ... وفي كل هذه المواقف كان وجها جميلا بل كان اجمل وجه ، لأنه وجه إبن الله سبحانه وتعالى المتجلي في وجه ابن الانسان الذي هو صورة الله ومثاله .
ويا للعظمة التي تشعّ من هذا الوجه ! ... يحاول اعداؤه المغرورون والمهووسون أن يرموه عن الصخرة . فإذا به يرشقهم بنظرة من عينيه ويمر فيما بينهم بمهابة وإجلال ولايجسر أحدهم أن يرفع يده عليه !
وياللمجد الذي يتلألأ على هذا الوجه فوق جبل طابور ، وفي البحر الهائج ، وامام سرير الابنة المائتة ، وامام قبر لعازر ... هو المسيح يتكلم ويعمل ، والصمت والاعجاب يستوليان على جميع الحاضرين !
ويا للمهابة الرائعة تتفجر من هذا الوجه المهيب ، فتجندل العساكر في بستان الزيتون وترميهم أمامه على الارض مغميا عليهم ! " من تطلبون ؟ ...أنا هو ! "
ويا لهول أعدائه عندما يحتدم غيظه بسبب تدنيس بيت ابيه المقدس . فيطرد بالسوط من الهيكل جميع التجار والمرابين ! " بيتي بيت الصلاة يدعى ، وأنتم جعلتموه مغارة للصوص "
ويا للذعر يكمّ افواه الكتبة والفريسيين والمرائين ، عندما تتفجر عليهم من فمه كلمات الغضب ...
فتنهال عليهم كالصاعقة " الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون ... ! الويل لكم ايها المراؤؤن ... يا اولاد الافاعي ..." فيذعرهم وما من مجيب .
وما ألطفه ، وانعمه وابهجه ... ! عندما يلمس جباه الاولاد الصغار ويباركهم ... وعندما ينادي الكبار بهذه الكلمات المجبولة بعذوبة قلبه " تعالوا اليّ يا جميع المتعبين وأنا أريحكم ! "
وها هو يقف بعينين دامعتين ، وبقلب ينفطر حزنا على ذلك الشاب " وقد نظراليه واجبه " ثم على الفور رآه يبتعد عنه رافضا مشورته ....
وها هو يغوص في غمرة نزاعه الاخير ، وحيدا ، متروكا حتى من تلاميذه ... فليس من يسهر معه أو يعينه أو يعزيه ... أضف الى ذلك صوت بطرس الذي ينكره ويقسم زوراً بأن لا يعرفه ...
وباضافة ايضا ، كم وكم تجهّم وجه المسيح وتسربل بملامح الحزن ، لما بكى على صديقه لعازر
ولما بكى على أورشليم ، ولما ودّع تلاميذه بكلمته المأثورة " نفسي حزينة حتى الموت " ولما قال لتلميذه يهوذا والغصة في حلقه " أبقبلة تسلمني ؟ " ولما صرخ في البستان صرخته الاخيرة
" أبتاه ، إذا كان ممكننا أن تعبر عني هذه الكأس ... ! "
ماإن ابصره تلاميذ يوحنا ، حتى تركوا على الفور معلمهم وتبعوه . وكذا ايضا ، أبصره فيلبوس
فسُحِرَ بمنظره ، وأسرع فجلب صديقه نتنائيل . وابصره أندرا وس فاخِذَ به ، وجلب اليه أخاه سمعان بطرس .
وهناك جماهير الناس الذين لايحصى عددهم ، قد جذبهم وجه المسيح ؛ فتركوا كل شئ وتبعوه يمشون وراؤه ثلاثة أيام غير مبالين بتعب أو نعاس أو جوع أوعطش ... حتى أحسّ هو بحالهم.
فأشفق عليهم وأطعمهم من الخبزات الخمس والسمكتين ما يسد جوعهم ويفيض ... ويتكرر هذا المشهد اكثر من مرة مع جماهير جذبهم وجهه ، فتهافتوا اليه من كل جانب وصوب .
وهناك ايضا المرأة السامرية التي التقاها عند بئر يعقوب . فسحرها وجهه وكلامه . فأسرعت الى أهل بلدتها تدعوهم ليأتوا إليه . وهم بدورهم دُهشوا لما رأوه وسمعوه . فأبوا إلاّ ان ينزل ضيفا عليهم . وعلى مثال السامرية ، هناك مريم المجدلية ، سرعان ما تعلقت بالمسيح وارتدّ قلبها
الى التوبة الصادقة ، منذ أن أبصرت وجهه وسمعت كلامه. وها هي على الفور تترك كل أباطيل
العالم " وتختار النصيب الأفضل الذي لا ينزعه احد منها " .
سرعان ما يشفق ، ويُعزي ، ويُقوي ، ويُطمئِن ...
يضطرب التلاميذ حين يطل عليهم من بعيد ، ويضنونه خيالا . فإذا به يدنو منهم ويهدّئ روعهم بكلمة واحدة : " انا هو لا تخافوا " وهم على الفور يميّزون وجهه فيستعيدون قواهم ويهرعون اليه . ويخاف الرسل من تعديات الفريسيين ومن غضب معلمهم عليهم بسبب ابتعادهم عنه في محنته . فيوصدون الابواب ويختبؤون ؛ واذا به يفاجئهم بدخوله عليهم مكتفيا بكلمة واحدة :" السلام معكم " .
هناك اربعون معجزة يذكرها الانجيل من بين اعمال المسيح . ومنها عشرون معجزة في شفاء المرضى وطرد الشياطين فضلا عن المعجزات الاخرى التي لاتحصى ويلمح اليها القديس يوحنا في انجيله ... فهذه المعجزات على انواعها كانت المشجع الأكبر الذي يحيي الرجاء في قلوب الناس فيأتون اليه ذرافاتا ووحداتا . وهو بعطفه يجددهم من كل يأس ... .
إنه وجه أمه مريم العذراء الفائق الجمال . وقد ورثه منها بالولادة . فهو ابنها الوحيد المولود منها بسرّ عجيب فأعطته بدورها ما قد اعطاها الثالوث الاقدس من : صفاء ُ في القلب ، وبراءة في العينين وعذوبة في الشفتين ... فهو وجده جدير بأن يقال عنه ما قيل عن امه مريم العذراء في نشيد الاناشيد : " كلك جميل وليس فيك عيب " . وهو وجده جدير بأن تهتف إليه تلك المراة من بين الجموع : " طوبى للبطن التي حملتك وللثديين اللذين أرضعاك ! " .
وإمه وجه ابيه السماوي الحنون الذي يشرق شمسه على الأبرار والأشرار ويسكب غيثه على الأخيار والفجّار .
وإنه مرآة ُ ينعكس عليها قلبه المفعم بالحب . وليس اصدق من كلام القديس بولس الرسول
القائل : " لقد أحبنا حتى بذل ذاته فداء عنا " .