كثيرين اختلطت عليهم الأمور ، لدرجة أنهم أصبحوا يكرمون القديسين كمجرد إكرام وصل إلى التقديس ورفعهم فوق مستوى الله ذاته ، وكأنهم أصبحوا لنا سرّ الحياة ذاتها ، وأصبحت معظم الصلوات والدعاء موجهه للقديسين أكثر ما تقدم لله ذاته ، وتعددت الشروحات والتفسيرات حسب رأي ورؤية كل شخص بعيداً عن رؤية الكنيسة والليتوروجيا المقدسة وصلوات الكنيسة !!!
وبفعل تصورتنا الخاصة – وبخاصة تركيزنا على المعجزات والخوارق وحدها – أحزنا القديسين أكثر مما أكرمناهم ، فما هو السرّ الحقيقي وراء إكرامهم برؤية الكتاب المقدس وحسب التسليم الآبائي الأصيل !!!
حددت الكنيسة الأرثوذكسية أياماً للتعييد بالقديسين والشهداء الأطهار ، الذين أكملوا السعي وحفظوا الإيمان بكل حب لشخص الكلمة ربنا يسوع ، في شركة الثالوث القدوس : " أما شركتنا نحن فهي مع الآب و مع ابنه يسوع المسيح " (1يو 1 : 3 ) وهم قيام حول عرش الله ويتبعون الخروف حيثما ذهب ( رؤ14: 4 ) وذكرهم يدوم إلى الأبد ( مز112: 6 ) .
وفي هذا الذكر ، أي ذكر القديسين في أعيادهم ، وعلى الأخص في عيد نياحتهم واستشهادهم ، نذكرهم كمرشدين لنا لحياة التقوى والالتصاق بالرب يسوع وشركة الثالوث في عبادة مقدسة من قلب طاهر بشدة ...
والهدف الأسمى لذكرهم والتعييد لهم هو أننا ننظر لنهاية سيرتهم ونتمثل بإيمانهم ، فلا شيء أنفع لنا من التأمل في حياة القديسين وإمعان النظر في أعمالهم بحسب قول القديس يوحنا ذهبي الفم ...
فذكر القديسين لا يأتي كي ما نتصور معجزاتهم ، على قدر أننا نرى حياتهم وكيف جاهدوا الجهاد الحسن بكل ثبات على الإيمان وحياة التقوى وخبرة مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ ، وكيف غلبوا بثقة الرجاء والرسوخ في الإيمان وقوة المحبة لله ، العالم وسلطان الموت !!!
+ " قد جاهدت الجهاد الحسن أكملت السعي حفظت الإيمان " (2تي 4 : 7)
+ " اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم " (عب 13 : 7)
+ " و أخيرا قد وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل و ليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضا " (2تي 4 : 8)
+ " طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة لأنه إذا تزكى ينال إكليل الحياة الذي وعد به الرب للذين يحبونه " (يع 1 : 12)
+ " كن أمينا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة " (رؤ 2 : 10)
+ " ها أنا آتي سريعا تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك " (رؤ 3 : 11)
الكنيسة تقوم بإكرام القديسين ، لأن من يكرمهم يكرم المسيح رب المجد شخصياً ، ومن يحتقرهم يحتقره ( حاشا لنا أن نحتقر القديسين أو نهين رب المجد ذاته ، لأن بهذا يكون لنا خزي عظيم ) :
+ " من يسمع منكم يسمع مني و الذي يرذلكم يرذلني و الذي يرذلني يرذل الذي أسلني " ( لو10: 16 )
+ " إذاً من يُرذل لا يُرذل إنساناً بل الله الذي أعطانا أيضا روحه القدوس " ( 1تس4: 8 )
الله عزيز في قديسيه وموتهم كريم في عينيه ( مز116: 15 )
ويقول القديس اغريغوريوس : { إن ذكر القديسين هو في ذاته بركة وتقديس وأمر عظيم للحث على الفضيلة }
ويقول مار اسحق السرياني : أن سيرة القديسين يكون كالغروس المثمرة وأن أخبارهم شهية في مسامع الودعاء .
وفي النهاية لنا أن نعرف أن القديسين والشهادء هم بذار الكنيسة وذخرها الحي ...
أقبلوا مني كل تقدير بمحبة