على ما يبدو أن الخلط بين النقد والدينونة في فكر الإنسان عموماً بحاجة إلى توضيح الالتباس الحادث في ذهن الجميع أو الغالبية العظمى .
سنحاول أن نضع مفاهيم لكل من الدينونة والنقد ، تتضمن أقوال وأفعال رب المجد يسوع بنفسه ، والموضوع مقدم ببساطة دون الدخول في تفاصيل ومعانٍ كثيرة ...
الدينونة: هي أن يتدخل إنسان في حياة إنسان آخر الخاصة بالنقد والتقييم ، وبالتحديد في الأمور التي تخص هذا الإنسان وحده ، ولا تنعكس إيجاباً ولا سلباً على آخرين بل على شخصيته وحده وحريته الخاصة ...
الدينونة بهذا هي انتهاك لحرية الشخص الآخر الذي ننقضه وننقض تصرفاته الشخصية كانتقاد الملابس وطريقة العبادة من جهة قانونه الخاص : من سجود أو صلوات أو أي شكل من الأشكال الخاصة التي تخصه وحده ولا تخص سواه وحرية تصرفاته الخاصة واختياراته ...
وأيضاً الدينونة هي :
الحكم على الآخر أنه يصلح للحياة مع الله أو يقدر أن يتوب أو مقبول أو مرفوض وأن له مكان في الملكوت أم لا !!!!
والذي يرتكب الدينونة – بهذه الحال – إما أن يكون من هواة التقليل من شأن الآخرين لشعور داخلي بالنقص ، أو يحب يجلس في مجلس القضاء منتفخاً متعالياً على الجميع وقواماً على الكل ، أو أن يكون من ذوي الفكر الشمولي، الذين يريدون أن يصبوا الناس في قالب واحد خانق ، أو محب لذاته جداً ويريد أن يتدخل في حياة الآخر الشخصية حتى يكون له الفضل الخاص في حياته ويُمجد في نظر الآخر أو يصير عنده في مرتبه عليا حتى يشبع من المديح الكاذب والفضل الغاش ...
أو بمعنى شامل يكون متسلطاً محباً لذاته لدرجة الجنون
وعلى هذه الحال تكون الدينونة خطيئة عظمى ، وأيضاً جريمة في حق الآخر وحقوق الإنسان عامة والتدخل – بكل جسارة وكبرياء قلب وعناد – في الحكم الإلهي نفسه ...
النقد: هو رصد الخطأ في تصرفات الآخرين في المجالات التي لا تخصهم وحدهم بل يمتد آثارها للآخرين وتؤثر فيهم بالسالب ، وأيضاً تمتد لتؤثر على المجتمع ككل وتخل بتوازنه ، ويدخل ضمن هذه الدائرة ما قد يصدر عن أي فرد من تصرفات شخصية تنعكس آثارها سلباً على آخرين ، كما تتضمن أداء أي شخصية عامة أو خاصة لمهام وظيفتها المؤثرة على المجتمع وتنعكس عليه بالفساد وهدم صرحه ...
أمثلة للنقد:
* نقد من يرمي بالقاذورات في الشوارع والتحدث إليه بهدوء لأنه بذلك يؤثر على الجميع ...
* نقد من يتلفظ بألفاظ بذيئة في مكان عام ، أو في مدرسة أو منزل فيصير قدوة أمام الأطفال
* نقد من يرفع صوته بأي وسيلة فيسبب إزعاجاً للآخرين.
* نقد أداء أي قائم بعمل عام في أي مجال من مجالات العمل العام، سواء كان رجل دولة أو رجل دين أو مدرس ، وسواء كان شخصاً عاديا بسيطاً، أو قائداً أو رئيساً وذلك إن كان يؤثر بسلوكه وأفعاله وأقواله على الآخرين تأثير سلبي يجعلهم قلقون مبتعدين عن الحق والتعليم الصحيح وبناء المجتمع حسب الحق !!!
* محاسبة كل مكلف بمهام عامة ، سواء كان رجل دولة أو دين ، على ما حققه من نتائج إيجابية، وما قصر في تحقيقه ، سواء عن عجز أو إهمال أو تفريط في أمانة ، ومن هذا المبدأ أتت المحاكمات الكنسية للعمل على أصلاح أخطاء الآخرين ...
+ وهذا كله واضح من موقف الرب يسوع المسيح من الفريسيين ونهجهم في التعليم ، وفي موقفهم من وصايا الناموس وتحميل الناس أحمال عثرة وتركوا وصية الله لينفذوا ما علموهم من تعاليم ضد كلمة الله بكل خبث
وأيضاً تتضح من موقف السيد المسيح من الباعة والصيارفة في الهيكل.
أمثلة للدينونة:
*** إدانة التصرفات الخاصة مثل الملبس والمأكل وكفرض الرأي على الآخرين وليس للنصيحة أو التوجيه ...
*** إدانة من لا يلتزم بأداء الطقوس الدينية كالصوم والصلاة والذهاب للكنيسة مش كعامل من المحبة بل كفرض على الآخر والحكم عليه انه مدان أو تقع عليه دينونة من أجل تلك الأمور ؛ ويفرض عليه الرأي أو يأخذ على شكل ساخر جداً في أنه لا يحيا حياة تليق وانه أصبح بهذا مرفوض الخ ...
*** موقف الفريسي الذي وقف ليصلي، فزكى نفسه، وأدان التصرفات شخصية العشار.
*** التدخل المفرط في حياة الآخر وتكبيله بنير عبودية ، حتى يتبعنا ويتفق معانا في الرأي والفكر والسلوك ويصير تابع ويسمع وينفذ كل ما نأمر به ، فنطمس معالم شخصيته ويصير شخصية ممسوخة أو لنجعله نسخة منا متعلقاً تعلق مريض بنا ، وهذا كله حتى نفخر بأنفسنا في الآخرين ...
عموماً بدون تطويل :
بدون النقد الدائم والواعي بمحبة عميقة تفسد المجتمعات ، وتتهاوى المؤسسات والهيئات المكلفة بخدمة الناس ، ومن يقفون ضد النقد البناء – بأي حجة ان كانت – هم حجر عثرة في طريق الحضارة، بل في طريق الحياة ككل ...
ولنعلم يقيناً أن الذين يخرجون عن أصول الواجب المنوط بهم ، لا يحبون النقد البناء أو توجيه أي ملامة لهم بل دائماً يصورون للناس أنهم فوق أي ملامة ، ويرفضونها بحجة (( لا تدينوا )) !!!
مع ملاحظة أن أي نقد بدون تفكير إيجابي لصالح المجتمع وتصليح المسيرة ، أي النقد للنقد فقط سيخرج عن إطاره ويتعداه لمستوى اللا معقول ويسير في حالة من الفراغ والدائرة المغلقة ـ بل يتعدى هذا ويصل للغضب الأعمى والتعصب ويجلب الخصومات ...
اقبلوا مني كل تقدير بكل حب وإخلاص
النعمة معكم جميعاً آمين