(ب) مجيء الرب سيكون فُجائي كاللص : " أسهروا إذاً لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم، وأعلموا هذا أنه لو عرف رب البيت في أي هزيع يأتي السارق لسهر ولم يدع بيته يُنقب ، لذلك كونوا أنتم أيضاً مستعدين لأنه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان " (مت24: 42 – 44)
ولذلك فإن المسيحي الحقيقي هو مالك نفسه كرب البيت ، فينبغي أن يكون يقظ كالخادم الأمين الساهر على منزل سيده ليحفظه من اللصوص ، فلا ينبغي أن يترك نفسه ويُهملها ، فلا ينبغي أن يغلب عليه صفة الإهمال والخمول الروحي ، بل ينبغي لهُ أن يسهر ويكون في يقظة واستعداد روحي دائم ليستعد لملاقاة الرب عند مجيئه في أي لحظة أو ذهابه إليه ؛ ويقول القديس الأنبا أنطونيوس الكبير : [ وأنا أطلب إليكم باسم ربنا يسوع المسيح أن لا تتوانوا عن حياتكم وخلاصكم، ولا تَدَعوا هذا الزمان الزائل يسرق منكم الحياة الأبدية ، ولا هذا الجسد اللحمي الفاني يبعدكم عن المملكة النورانية . ولا هذا الكرسي الفاني الهالك ينزلكم عن كراسي محفل الملائكة . بالحقيقة يا أولادي إن نفسي لمندهشة وروحي منزعجة لأننا أُعطينا كلنا الحرية أن نكون قديسين ونحن بعمانا سكرنا بأوجاع هذا العالم .
وأنا أطلب إليكم يا أولادي الأحباء أن تعلموا أننا خُلقنا ذوى سلطان على إرادتنا ، من أجل ذلك تقاومنا أرواح الشر لتُضعف هذه الإرادة منا . ولكن ملاك الرب يُعسكر حول خائفية ومن جميع أحزانهم يُخلصهم ] (حياة الصلاة الأرثوذكسية ص 276: 455 – 456)
عموماً، فاليقظة الروحية هي التي تُميز مسلك المسيحي الأمين في طريقه مع الرب. واليقظة تقوم على الحذر والحيطة والاحتراس من أي شيء يُطفئ حرارة عمل الروح القدس في القلب [ لا تطفئوا الروح (1تس 5 : 19) ] .
وطبعاً هذا يتطلب الانسلاخ عن الملذات والشهوات والجري وراء الخيرات الأرضية بهدف التمتع بها كملذات للنفس حياتها الخاصة : [ فاحترزوا لأنفسكم لئلا تُثَقَل قلوبكم في خمار (ملذات) وسكر (خلاعة) وهموم الحياة فيُصادفكم ذلك اليوم بغتة (مجيء الرب) ، لأنه كالفخ يأتي على جميع الجالسين على وجه كل الأرض، اسهروا إذاً وتضرعوا في كل حين لكي تُحسبوا أهلاً للنجاة من جميع هذا المزمع أن يكون وتقفوا قدام ابن الإنسان – لو21: 34 – 36 ]
يقول القديس الأنبا أنطونيوس الكبير : [ لا تعطوا من الآن لعيونكم ولا نُعاساً لأجفانكم حتى ترفعوا ذواتكم ذبائح طاهرة للرب وتستحقوا أن تُعاينوه ، لأنه بغير الطهارة لا يُمكن لأحد أن يُعاين الرب كما يقول الرسول ] (من رسائل الأنبا أنطونيوس)
ويقول القديس مقاريوس الكبير : [ لذلك فلنُصلي لكي ننذبح بواسطة قوته ونموت عن عالم الظلمة الخبيث ولكي تموت فينا روح الخطية ، ولكي ما نلبس وننال حياة الروح السماوي ، وننتقل من حيث الظلمة إلى نور المسيح ، لكي نستريح في الحياة إلى مدى الدهور.
فكما أن المركبات تتسابق في الميدان والمركبة التي تسبق الأخرى تصير لها مانعاً وحاجزاً وعائقاً ، حتى أنها لا تستطيع أن تتقدم وتصل إلى النُصرة ، وهكذا أيضاً سباق أفكار النفس والخطية في الإنسان .
فإذا حدث أن سبق فكر الخطية (أي أن فكر الخطية هو سابق الفكر الصالح) فإنه يعوق النفس ويحجزها ويمنعها ، حتى أنها لا تستطيع أن تقترب إلى الله وتنال النُصرة منه ، ولكن حيث يركب الرب ويمسك بزمام النفس بيديه فإنه دائماً يغلب لأنه بمهارة يُدير ويقود مركبة النفس إلى ذهن سماوي مُلهم كل حين . وهو – أي الرب – لا يُحارب ضد الخبث إذ له دائماً القوة الفائقة والسلطان في نفسه ، بل هو يصنع النصرة بنفسه . ] (عظة 1: 9)
ويقول القديس أنبا أنطونيوس : [ إذ قد بدأنا السير في طريق الفضيلة فعلاً وسرنا فيه ، وجب أن نزداد جهاداً ... وأن لا يفلت الإنسان إلى ما وراء كامرأة لوط ... لأن الإلتفات إلى وراء ليس إلا الشعور بالندم والتفكير في العالم مرة أخرى ] (من رسائل الأنبا أنطونيوس)
ويقول القديس مقاريوس الكبير : [ فحينما تُخَصَص النفس ذاتها كلها للرب، وتلتصق به وحده وتسير بوصياه ، وتُعطي روح المسيح حقه من الإكرام – الروح الذي أتى عليها وظللها – فأنها تُحسب حينئذٍ أهلاً لأن تصير روحاً واحداً وتركيباً واحداً معه ، كما يقول الرسول : " وأما من التصق بالرب فهو روحاً واحداً " (1كو6: 17) ، أما إذا سَلَّمَ الإنسان نفسه للهموم أو لطلب المجد أو العظمة أو الكرامات البشرية ، وسعى وراء هذه الأشياء ، واختلطت نفسه وامتزجت بالأفكار الأرضية . أو ارتبطت وتقيدت بأي شيء من أمور هذا العالم ، فإن مثل هذه النفس إذا اشتاقت أن تنطلق وتنجو وتهرب من ظلمة الشهوات التي قيدتها بها قوات الشرّ ، فأنها لا تستطيع أن تهرب ، وذلك سبب محبتها لأعمال الظلمة ، ولأنها لا تبغض أعمال الشرّ بغضاً كاملاً .
لذلك فلنعد أنفسنا للمجيء إلى الرب بكل عزم القلب وبإرادة غير منقسمة ، ونصير تابعين للمسيح ، لنُتمم كل ما يُريده ، و " لتذكر وصاياه لنعملها " (مز103: 18).
ولنفصل أنفسنا تماماً عن محبة العالم ، ونربط نفوسنا بالرب وحده ،ويكون هو وحده شاغل عقولنا ويكون هو همنا (اهتمامنا) وهو مطلبنا وحده . وإذا كان يلزمنا أن ننشغل بعض الشيء أيضاً بالجسد ، وبالأشغال الموضوعة علينا ، ومن أجل الطاعة لله ، فحتى في هذه الحالات ، لا ندع عقلنا يبتعد عن محبة الرب وطلبه والشوق إليه ، وهكذا إذ نسعى ونجتهد بقلب يقظ ، سائرين في طريق البرّ بقصد مستقيم ، ونحترس دائماً لأنفسنا ، فإننا نال موعد روحه ، ونخلُص بالنعمة من هلاك ظلمة الشهوات التي تُحارب النفس ، فنصير حينئذٍ أهلاً للملكوت الأبدي ويوهب لنا أن نتنعم كل الأبدية مع المسيح ، مُمجدين الآب والابن والروح القدس إلى الأبد آمين ] (عظة 9: 12 – 13)