كُتب : [ 10-26-2010 - 05:11 PM ]
حروف وفراشة.. بقلم : المستشار : محمد بهى الدين غلوش طالما كانَ ينتظرُها منذُ نعومةِ أظافره كانت لهُ حبيبةً و صديقةً و أكثر... أتت إليهِ بكلِّ شَوقٍ و لهفةٍ تُسابقُ الخُطواتِ للوصولِ إليه مسرعةً سعيدة ينبثقُ العشقُ من عينيها حتى لا ينطفئَ إلا بين زراعيه ... و بينَ زراعيهِ الحنانَ و الأمانَ الذي تنشده كلُّ امرأةٍ و تستغيثهُ حالَ وحدتها .... كانَ احتياجه إليها أكثرَ بكثيرٍ من شوقها الذي كادَ أن يخترقَ جسدها وصولاً إليه ، لكنها كثيراً ما كانت تشعر بفتورٍ في معاملته ... ذلكَ لأنه يبدو صامتاً في أغلبِ الأحيان لا يُبدي تعليقاً إلا في مُخيلته حتى عباراتهِ أغلبها كانت مجردَ تفريجِ شِفاه ، لم يكن يعرفُ أن المرأةَ تنشغلُ بأذُنيها أكثرَ من عينيها ... تحتاجُ إلى أن تتسمعَ منه ما يُسعدُها و يثيرُ عاطفتَها و يُجدّدُ الشعورَ بالعشقِ داخلها أكثرَ من أفعالٍ روتينيةٍ تسأمُ منها وقتاً ما .... لم يكنْ يعلم بأنَّ الكلمات شقيقة الأفعال هُم وجهانِ لعملةٍ واحدة ... الكلمات تمثلُ المشاعر و الأفعالُ تطبقها فكلاهما يكمِّلُ الآخر - ليسَ بمعذورٍ لم يكن يعلم ذلك - كثيراً ما كانت تنظرُ إليه بلهفةٍ و هو يُحدقُ فيها و كأنهُ لأولِ وهلةٍ يراها قائلةً لهُ " تكلَّم " .... لكنهُ و في كلِّ مرةٍ يَمرُّ مُستكبراً كأن لم يتسمَّع إلي نداها .... عدا تلكَ المرّةِ التي لا تُنسي لا لأنها كانت الأخيرة و فقط و لكن لأنه أجابَ مؤخراً ... نطقتْ شفتاهُ بكلماتٍ مُوجزةٍ لم تفهم لها مقصوداً إلا فيما بعد ... قال لها " اذكريني في كلِّ شيء ... فلربما كنتُ هناك " ، أجابتهُ " أينَ هناك ؟ " لكنهُ تبسَّمَ و فارقَ الحياةَ بينَ زراعيها و تجسدت روحهُ في فراشةٍ رقيقةٍ كانت ترفرفُ بينَ الأزهار أحياناً و من بعدِ الأزهار كانت تترددُ علي مَعشوقتها الحبيبة و هي تقفُ في شُرفتها تبكي علي فراقهِ و تتوسلُ للسماءِ أن تردَّهُ إليها ثانيةً - تتراقصُ بينَ كفَّيها و تتمايلُ علي كَتِفيها تتسمَّعُ إلي مُناجاتها و شكواها ... يودُ أنْ يقولَ لها ولو كلمة لكنَّ الأقدارَ تمنعهُ منها و لئِن قالها فما صَوتهُ بمُسمعٍ ولا نداءهُ بمستجاب ... فيستعيد تاريخهُ معها ليزدادَ يقيناً بأن حياتهُ معها كانت مجردَ " شرنقةٍ " حَجزَتهُ عنها و بأنهُ كانَ سبباً في ذلك ... يَوَدُّ لو عادَ ليُشبعَها مما حُرمَتْ منهُ يوماً و لكن ..... قالَ في نفسه إنَّ الكلمةَ و إن كانت لا تُمثلُ شيئاً صَعيباً علي اللسان لكنها ذاتَ أثرٍ كبيرٍ علي المُستمِع إمَّا أن تجعلهُ أسعدَ السعداء و إمَّا أن تنهرهُ و تحزنه ... فلا يَسَعُنا في هذا المقال إلا أن نُقدِّرَ قيمةَ الكلمة و نعلمَ أنَّ الكلمة لا يمكن استردادُها بعدَ نطقِها و لنتذكرُ دائماً بأنَّ الكلمةَ الطيبةَ صدقة ، وأنّا مُحاسبونَ علي ما تنثرهُ ألسنتُنا من كلماتٍ نطقنا بها بمحضِ إرادتِنا ..... فلكمْ مني كلَّ التحيَّة و الثناء و الدعوات الخاشعة و الكلمات الطيبة.. المصدر: †† ارثوذكس †† - من قسم: القسم الادبي