عرض مشاركة واحدة
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 22 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: ذبيحة المحرقة עֹלׇה - الكتاب الثاني من دراسة تفصيلية في الذبائح والتقديمات في الك

كُتب : [ 05-30-2020 - 08:27 PM ]


والسؤال المطروح والهام لنا الآن
هل يُمكن أن ننال هذه الطاعة، طاعة المحرقة أو طاعة الصليب كما أكملها المسيح الرب؟
الجواب نجده واضحاً في طقس ذبيحة المحرقة نفسه إذ يقول الطقس بكل تدقيق: إن مُقدم ذبيحة المحرقة [يضع يده على رأس المحرقة فيُرضى عليه][1]؛ وهنا وضع اليد يُهيئ لمُقدم الذبيحة أن يشترك في صفات الذبيحة، وما لم يكن مُمكناً أن يعمله للرضا عنه (أي الاحتراق) يناله من تقديم الذبيحة لتُحرق عوضاً عنه، فوضع اليد هنا ليست عملية شكل ولا مجرد تتميم طقس إنما إيمان صَدَّق الله فتمم الطقس كما ينبغي على أساس الثقة في أقوال الله، لأن كل ما يقوله الله صدق وحق يستحق الثقة عن جدارة.

==========
وهكذا نجد أن الإشارة واضحة وبليغة للغاية: أن من يؤمن بذبيحة المسيح الرب الذي قدم ذاته ذبيحة طاعة ينال في المسيح طاعته للآب. بل وينال مع المسيح الرب رضا الآب عنه، لأن الآب لا يرضى إلا بذبيحة الابن وحدها وليس سواها أبداً، ولا يقبل بجوارها أي شيءٌ آخر مهما ما كانت رفعته وعظمته، لأنها أكثر جداً من كفاية، لأنها ذبيحة حمل الله الآتي في ملء الزمان كالتدبير.
ونحن صرنا شركاء في ذبيحة الصليب، لا بوضع اليد فقط – كما في العهد القديم – بل والقلب بالإيمان الحي الصادق بذبيحة شخص المسيح اللوغوس المتجسد ابن الله الحي: [مع المسيح صُلبت][2]، فتصديقنا الآن أعظم مما كان في العهد القديم، لأننا لا نضع أيدينا على ذبيحة حيوانية، بل نضع أيدينا وعيوننا وقلبنا بل وكل ما فينا على ابن الله الحي القدوس اللابس جسم بشريتنا متحداً بنا اتحاداً غير قابل للانفصال أبداً، مقدمنا للآب في بره الشخصي وتقواه، لذلك حينما نؤمن يصير فينا طاعته، ولكنها تصير قوة كامنه أن لم تُفعَّل بتوبتنا وخضوعنا لله باستعداد الطاعة الحقيقية على مستوى الواقع العملي المُعاش.

==========
فشكراً لله بالمسيح يسوع ربنا، إذ قد صرنا بدم المسيح الرب رائحة مقبولة لدى الله الآب، [ولكن شكراً لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويُظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان، لأننا رائحة المسيح الذكية لله – εὐωδία – a sweet smell][3]؛ لقد صرنا فعلياً – بذبيحة المحرقة ذبيحة طاعة الابن للآب –موضع رضا ومسرة، آخذين في أنفسنا – بالإيمان – نتيجة ذبيحة محرقة المسيح على الصليب.

==========
+ وما هي إذن نتيجة ذبيحة المحرقة؟
يُحددها الطقس بوضوح – في العهد القديم: [يضع يده على رأس المحرقة فيُرضى عليه للتكفير عنه]، فالرضا يُقدمنا للكفارة، والكفارة تُقدمنا لاستحقاق قبول الصفح عن الخطايا السالفة أو السابقة، لأنه كيف يغفر الله لنا خطايانا وهو لم يرضى عنا بعد!
ولكن شكراً لله لأن المسيح الرب صار ذبيحة رضا ومسرة عن كل الذين يتقدمون به إلى الآب؛ ولو نظرنا لتقديم ذبيحة المحرقة، نجد أن لها ترتيباً خاصاً دون سائر جميع الذبائح الأخرى والتقدمات: إذ ينُص الطقس على ضرورة سلخ الذبيحة وتقطيعها قطعاً وغسلها غسلاً بالماء، كل جوفها وأحشاؤها وقِطَعِها على المذبح، ليُظهر كل ما فيها أمام الله حتى أعماقها الداخلية.[4]

==========
فما هذا الفعل وإلى ماذا يُشير!!!
أليست هذه إشارة واضحة كالشمس إلى الفحص الذي جازه المسيح الرب أمام الله من جهة عمله وسلوكه وخدمته وأقواله؟ فلم يوجد فيه عله واحده على الإطلاق، حتى بشهادة بيلاطس نفسه الذي أمر بصلبه: فقال لهم ثالثة (بيلاطس المتكلم) فأي شرّ عمل هذا. إني لم أجد فيه علّه (علّه = οὐδὲν = nothing = je n'ai rien) للموت[5]، وذلك كما شهد أشعياء بروح النبوة: لم يعمل ظلماً ولم يكن في فمه غش[6]، بل وهو نفسه شهد عن نفسه – وشهادته حق – قائلاً: من منكم يُبكتني على خطية (أي يفحص ويكشف ويُدين ليجد أدنى عيب أو أقل انحراف بسيط جداً يوبخ أو يلوم عليه)[7]، وقد قال هذا وهو يتقدم إلى الصليب كشهادة لبرّ ذبيحته المُطلق، وتأكيد أنه ذبيحة محرقة أفضل – من الرمز الذي قدمه الطقس قديماً – بما لا يُقاس أو يستطيع أحد أن يشرحه، لأن الرمز القديم ضعيف جداً بالكاد يستطيع أن يوضح بعض الأمور بشكل باهت.

==========
وينبغي أن نفهم ماذا يقصد الرب على وجه الدقة بكلمة من منكم يُبكتني ( بمعنى = مُتَأَكّد؛ مُتَحَقّق؛ مُتَوَكّد؛ مُتَيَقّن؛ مُقْتَنِع؛ واثِق): فكلمة يُبكتني في اليونانية - ἐλὲγχειelegchei (convinced = is-exposing) هذه الكلمة اليونانية بحد ذاتها هي اصطلاح قانوني يُفيد الفحص المضاد (البيان والتفسير) من محامي الخصم، وهو نوع من [إقامة الدليل الضد]، وهي تقوم على إثبات الخطأ بالدليل المُدعم (إسْتَثْبَت مِن؛ أيْقَنَ (الأمْرَ أو بِهِ)؛ تَأكّد؛ تَأكّدَ مِنَ الأمْر؛ تَثَبّت مِن؛ تَحَقّق؛ تَحَقّقَ الأمْرَ أو مِنْهُ؛ تَوَكّدَ مِنْ)، إما بشهادة الشهود، أو بالوثائق الدامغة، أو بمهارة المُحقق في جعل المتهم يعترف ضد نفسه. وقد أورد الإنجيل هذا المصطلح في يوحنا 16: 8 عن الروح القدس أنه [يُبكت العالم على خطية]

==========
فالمسيح الرب بقوله [من منكم يُبكتني على خطية] يكون قد كشف كشفاً واضحاً على المستوى التي تعيش فيه بشريته، أنه مستوى يفوق كل قامة البشر – حيث يستحيل أن يوجد إنسان بلا خطية أو أدنى خطأ – وبهذا يكون هذا النص هو استعلان للمستوى الإلهي الذي كان يعيشه المسيح الرب في إنسانيته، وهو المعروف في اللاهوت: أن المسيح "بلا خطية في المُطلق" [لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا بل مُجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية apart from sin (بلا اقتراف خطية – without any sin بدون أو بلا أي خطية – بمعزل وانفصال تام عن الخطية – لأنها لا تستطيع أن تمسه ولو من بعيد أو يتعامل معها – مستحيل استحالة مطلقة أن توجد فيه شبه خطية واحدة أو أقل أو أدنى ميل من نحوها ولو حتى سهواً)][8]

==========
فواضح هنا على مستوى فحص الذبيحة أن الرب نفسه يجتاز أي فحص بجدارة لأنه القدوس المُطلق، حمل الله الذي بلا عيب، ومؤهل كل التأهيل أن يكون ذبيحة محرقة للرضا التام والمسرة الكاملة الدائمة، وبسبب كماله المطلق يستحيل أن تُقدَّم معهُ أو حتى بعده ذبيحة محرقة أخرى لأن فيه الكل صار مرضي عنه، شرط أن يتوب ويؤمن به ذبيحة محرقة تامة إلى الأبد، ويثمر إيمانه طاعة لأنه يستمد الطاعة من طاعة الرب يسوع الذي آمن به بكل قلبه.

==========
ونختتم الكلام عن هذه الذبيحة العظيمة والتي هي أول الذبائح، والتي لا تقدُّم لله إلا بها، ونعود نركز لكي تنطبع هذه الذبيحة في أذهاننا وفعلها يصير في قلوبنا بالإيمان بحمل الله رافع خطية العالم، ونذكر قول الرب لموسى قائلاً:
+ وكلم الرب موسى قائلاً: هذه هي شريعة المحرقة، هي المحرقة تكون على الموقدة فوق المذبح كل الليل حتى الصباح، ونار المذبح تتقد عليه. ثم يلبس الكاهن ثوبه من كتان، ويلبس سراويل من كتان على جسده، ويرفع الرماد الذي صيَّرت النار المحرقة إياه على المذبح، ويضعه بجانب المذبح. ثم يخلع ثيابه ويلبس ثياباً أُخرى، ويُخرج الرماد إلى خارج المحلة إلى مكان طاهر. والنار على المذبح تتقد عليه، لا تُطفأ. ويُشعل عليها الكاهن حطباً كل صباح، ويُرتب عليها المحرقة، ويوقد عليها شحم ذبائح السلامة، نار دائمة تتقد على المذبح، لا تُطفأ.[9]

==========
فلنلاحظ ونركز في الكلام هنا، فأن العهد القديم – في منتهى البراعة – يؤكد على أن هذه الذبيحة تتركز في كونها تظل فوق المذبح – باستمرار – كل الليل وحتى الصباح، والنار على المذبح تلتهم المحرقة مع شحم ذبائح السلامة، نار دائمة تتقد على المذبح، لا تُطفأ، ومحرقة دائمة لا يخلو المذبح منها إطلاقاً. وذلك إشارة واضحة وبليغة جداً إلى ذبيحة المسيح الرب، حمل الله، الذبيحة الكاملة التي صارت محرقة ووقوداً مستمراً إلى الأبد أمام الآب يستنشقه كل حين رائحة سرور ورضا – كما رأينا في شرحنا السابق بتدقيق – فيتحنن على البشرية بسبب برّ المسيح وطاعته الخالصة حتى الموت من أجل خلاص جنس البشر.
وكما التهمت النار الذبيحة، هكذا ابتُلع الموت إلى غلبة بموت المسيح وقيامته. والكتان الذي يلبسه الكاهن لكي يرفع رماد المحرقة ويضعه بجانب المذبح، يُشير إلى برّ المسيح الذاتي وجسد قيامته؛ لأنه إذ أطاع حتى الموت موت الصليب، لكي يكمل مشيئة أبيه الصالح، قام بتقواه وببره الذاتي غالباً الموت وحاملاً معه مفاعيل عمله العظيم الذي أكمله على الصليب. فالرماد إشارة إلى كمال المحرقة وقبولها أمام الله، بكونها احترقت بالتمام ولم يبقى منها شيئاً.

==========
وأما هذا فبعدما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة جلس إلى الأبد عن يمين الله.. لأنه بقربان واحد قد أكمل إلى الأبد المقدسين[10]؛ وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبدياً.[11]
=========================
[1] (لاويين 1: 4)
[2] (غلاطية 2: 20)
[3] (2كورنثوس 2: 14و 15)
[4] (لاويين 1: 9)
[5] (لوقا 23: 22)
[6] (أشعياء 53: 9)
[7] (يوحنا 8: 46)
[8] (عبرانيين 4: 15)
[9] (لاويين 6: 8 – 13)
[10] (عبرانيين 10: 12، 14)
[11] (عبرانيين 9: 12)

رد مع إقتباس