عرض مشاركة واحدة
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 5 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:11 AM ]


ثالثاً: أهمية الذبيحة وشمولها – لمحة تاريخية سريعة
إن نظرة استطلاعية عامة للكتاب المقدس تجعلنا ننتبه لأهمية الذبيحة وشمولها. فهي تملأ كل جوانب التاريخ، لذلك سوف نقوم برحلة عبر التاريخ لنتعرف عليها بشكل عابر سريع:
============
+ [أ - البشريـــــــــة الأولى]
(1) – التقدمة أول مرة نقرأ عن الذبائح هو ما جاء عن هابيل وقبول الله لذبيحته [وقدم (הֵבִ֥יא = أحضر ورفع) هابيل أيضاً من أبكار غنمه ومن سمانها (من أفضلها)][1]، وكان تقديم الذبيحة من نتاج العمل كهدية شكر لإحسان الله وفضله، والله قبلها بسبب قلب مقدمها – كما رأينا سابقا:
+ [بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل (أعظم)[2]من قايين. فيه شهد أنه بار، إذ شهد الله لقرابينه. وبه وإن مات يتكلم بعد... ولكن بدون إيمان لا يُمكن إرضاؤه][3]
وهنا يظهر جلياً سرّ قبول الذبيحة وهو الإيمان الحي التي تُظهره الأعمال البارة التي تكشف عن استقامة القلب الطاهر أمام الله.

وتقول الدسقولية (تعاليم الرسل): [أن الله ليس بمحتاج للقرابين لأنه فوق كل احتياج بطبيعته،.. بل أن المُحب لله الأول هابيل ونوح وإبراهيم والذين جاءوا بعدهم.. لما تحركت ذواتهم من جهة الناموس الطبيعي (وقلبهم الشاكر) أن يقرَّبوا لله، لم يفعلوا ذلك بتكليف – هكذا أعطى الله موضعاً للعبرانيين بأن يصنعوا هذا ولم يأمرهم، لكن سمح لهم أن يكون ذلك منهم إذا أرادوا هم؛ وسُرَّ بقرابينهم إذ قدَّموها بضمائر مستقيمة][4]
================
(2)المحرقة ثم نقرأ عن نوح عقب خروجه من الفُلك: [وبنى نوح مذبحاً للرب מִזְבֵּ֫חַ לַֽיהוָ֑ה (وهذه أول مرة يُذكر فيها [المذبح מִזְבֵּ֫חַ mizbeach] على صفحات الكتاب المقدس، ولو أنه لا يعني أنه أول مذبح يُبنى) وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأَصَعَّدَ וַיַּ֥עַל(صعيده) محرقات على المذبح، فتنسم الرب رائحة الرضا (وهذه أول مرة يُسمع فيها عن رضا الله بعد السقوط)][5]
وعلينا أن نُلاحظ بتدقيق
أن ذبيحة هابيل سماها الكتاب [قرباناً أو تقدمة = هدية شكر] أما هنا – في وضع نوح – سُميت [صعيده (עָלָה– عوله = رَفَعَ) محرقة للرضا]، وهذه أول مرة نقرأ عن وجود هذه الذبيحة [محرقة للرضا، رائحة سرور للرب] وهذا كما جاء أيضاً في ذبيحة المحرقة في سفر اللاويين كالتالي: [ويوقد الكاهن الجميع على المذبح محرقة وقود رائحة سرور للرب][6]
وكما يدعوها أيضاً [محرقة للرضا][7]، وكان ذلك تعبيراً عن منتهى خضوع (نوح) الكلي لله وشكره العميق بعبادة حسنة، مُلتمساً رضاه بعد أن أغضبه البشر بشرورهم التي ظلوا يخترعونها جيلاً بعد جيل متقدمين في كل أنواع الشرّ وألوانه حتى صاروا محترفين، كما أنه أراد أن يُعبَّر عن اعترافه بفضل الله الذي خلصه من الموت، فكان نوح هنا نائباً عن البشرية في هذا الموقف العظيم حينما أصعد محرقاته المُعبَّرة عن شكره وامتنانه وخضوعه التام والتماسه لرضا الله وهكذا [صار وارثاً للبرّ الذي حسب الإيمان][8]
+ [قد اكتنفتني مياه إلى النفس، أحاط بي غمر.. ثم اصعدت من الوهدة حياتي أيها الرب إلهي.. أما أنا فبصوت الحمد أذبح لك وأوفي بما نذرته، للرب الخلاص][9]
ونلاحظ أن نتيجة ذبيحة نوح التي قُدمت كإعلان للطاعة والخضوع: [فتنسم الرب رائحة الرضا وقال في قلبه: لا أعود ألعن الأرض أيضاً من أجل الإنسان لأن تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته. ولا أعود أُميت كل حي كما فعلت][10]، وأن كان نوح وهو من البشر قد قدم ذبيحة ردت غضب الله على إثم الإنسان وشره، وجعله لا يلعن الأرض مرة أخرى وذلك بوعد كما حدث وصار هناك سلام بالرغم من أن الله يعلم الإنسان وتصور قلبه شرير منذ حداثته، فكم تكون ثمرة ذبيحة المسيح وحيد الآب الفائقة جداً والتي لا تُقاس بذبائح ولا بتقدمات العالم كله [الذي أسلم نفسه لأجلنا قرباناً وذبيحة لله رائحة طيبة [11]؛ الذي بروح أزلي قدَّم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي[12]؛ الذي أصعد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليب عن خلاص جنسنا، فاشْتَمَّهُ أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة.] [13]

وطبعاً لا يُخفى علينا أن الله بدأ (في هذا الموقف) بإعلان أن هناك حياة جديدة بعد الطوفان لا يوجد فيها إعلان دينونة هلاك الإنسان كما حدث في الطوفان بسبب الخليقة القديمة (ما قبل الطوفان)، وهذا إعلان نبوي واضح على زمان التجديد: إذاً، إن كان أحد في المسيح يسوع فهو خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديداً [14]
=================
(3) – العهد مع إبراهيم ونسله:

ثم من بعد نوح نصل لإبراهيم، ونجد أنه لم يقدم ذبائح في أور الكلدانيين أو في حاران، وطبعاً السبب واضح جداً في الكتاب المقدس وينبغي أن ننتبه إليه جداً أن كنا نُريد حقاً أن نحيا مع الله على مستوى الفعل والعمل، لأن الله أعطاه أمر ليخرج من وسط الجو الذي يعيش فيه المفعم بعبادة الأوثان، لأن الله مستحيل يُعبد في أرض غريبة وسط أوثان أو في وجود الخطية وتحت سلطانها المُدمر الذي يعمل بالموت في أبناء المعصية:
+ [هكذا قال الرب إله إسرائيل، آباؤكم سكنوا عَبر النهر منذ الدهر، تارح أبو إبراهيم وأبو ناحور وعبدوا آلهة أخرى، فأخذت إبراهيم أباكم من عَبر النهر وسرتُ به في كل أرض كنعان وأكثرت نسله وأعطيته اسحق.. فالآن أخشوا الرب واعبدوه بكمال وأمانة وانزعوا الآلهة الذين عبدهم آباؤكم في عبر النهر وفي مصر واعبدوا الرب] [15]
+ [على أنهار بابل هناك جلسنا، بكينا أيضاً عندما تذكرنا صهيون. على الصفصاف في وسطها علقنا أعوادنا. لأنه هناك سألنا الذين سبونا كلام ترنيمة، ومعذبونا سألونا فرحاً قائلين: رنموا لنا من ترنيمات صهيون. كيف نُرنم ترنيمة الرب في أرضٍ غريبة] [16]

ومن هذا الجو الذي عاش فيه إبرام جاءت الدعوة الإلهية ليترك كل شيء ويتبع الله وهو لا يعلم إلى أين يذهب: [وقال الرب لإبرام أذهب (أرحل) من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أُريك] [17]، فنجد أن إبراهيم تحرك حركة الإيمان الحي وأطاع الله وترك بسهولة كل شيء وسار وفق الدعوة الإلهية: [بالإيمان إبراهيم لَّما دُعيَّ أطاع أن يخرج إلى المكان الذي كان عتيداً أن يأخذه ميراثاً، فخرج وهو لا يعلم إلى أين يأتي] [18]

وعندما تمم خروجه الكامل ووصل إلى شكيم عند بلوطة مورة [19] وقف هناك يُصلي فظهر له الرب فبنى هناك مذبحاً للرب الذي ظهر له [20]؛ وعندما انتقل إلى بيت إيل بنى هناك مذبحاً للرب ودعا باسم الرب [21]؛ ولما عاد إلى مكان المذبح الذي عمله هناك أولاً دعا هُناك باسم الرب [22]، وعندما نقل خيامه وأتي وأقام عند بلوطات ممرا التي في حبرون، بنى هناك مذبحاً للرب [23]، وطبعاً لم يذكر هنا كلمة ذبيحة، ولكن من الصعب إقامة مذبح بلا ذبيحة أو تقدمة.

عموماً نجد أول ذكر لمواصفات ذبيحة أمر بها الرب عندما أقام الرب مع إبراهيم ميثاقاً بعد أن [آمن (أولاً) بالرب فحسب له براً، وقال له: أنا الرب الذي أخرجك من أور الكلدانيين ليعطيك هذه الأرض لترثها؛ فقال (إبرام) أيها السيد الرب بماذا أعلم إني أرثها، فقال له (الله) خذ لي عجلة ثلثيه وعنزة ثلثيه وكبشاً ثلثياً ويمامة وحمامة، فأخذ هذه كلها وشقها من الوسط وجعل شق كل واحد مقابل صاحبه وأما الطير فلم يشقه.. فأخذها وقدمها ذبيحة للرب.. حيث قطع الرب مع إبرام ميثاقاً – عهداً בְּרִית] [24]، وهذه تعتبر ذبيحة عهد ميثاق لا ينفك، وهي أول ذبيحة يأمر بها الرب بمواصفات خاصة مع شقها من الوسط، كعلامة إبرام عهد مُلزم بالتنفيذ المؤكد من قِبل الله وحده فقط، لأن الله هو المسئول عن التنفيذ لأنه هو من جاز فيها وحده في النهاية، لذلك هي ليست تحالف، لأن التحالف يتم بين اثنين متساويين وقادر كل منهما على التعهد والتنفيذ، لكن الخليقة كلها لم ولن يوجد فيها من هو بقادر أن يصنع تحالف مع الله لأنه لن ينفذ بنود العهد أبداً، لأنه أكثر عُرضة للإخلال بشروط العهد، لأن آدم نفسه مع كل المجد الذي كان فيه لم يكن بقادر أن يحفظ مكانته وسقط، فكم تكون باقي البشرية التي عاشت في السقوط ولم تختبر ما كان فيه آدم من حالة مجد فائق بهي، لذلك فأننا نرى هنا ذبيحة عهد ميثاق قطعه الله وحده ولم يدع إبراهيم أن يجتاز معه وسط الذبائح.
+طاعة الإيمان، الامتحان الكبير
ثم نقرأ عن أول مرة يطلب الله من إنسان أن يقدم له ذبيحة في تكوين 22، والعجيب أن الطلب فيه ما هو غريب عن الله الحي تماماً وهو ذبيحة بشرية، كما أنه لم يحدث قط أن يطلب الله ذبيحة بسفك دم بشري، لأنه يمقت كل تصرفات الأمم الوثنية الذين قدموا البشر ذبائح لآلهتهم [25] وبذلك جلبوا على أنفسهم غضب الله – لأن غضب الله مُعلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم، الذين يحجزون الحق بالإثم[26] – فالله لا يُمكن أن يقبل تحت أي مبدأ أو حجه سفك دم إنسان، ولكن هناك قصد عميق من وراء هذا الطلب الذي يُعتبر غريب عن الله كُلياً!
فكل الذبائح التي رأيناها سابقاً – عدا ذبيحة عهد الله مع إبراهيم – كان يُقدمها رجال الله باختيارهم الحُرّ، ويقدمونها من الحيوانات الطاهرة، وكان ذلك تعبيراً عن اعترافهم بفضل الله في وجودهم وحياتهم وخضوعهم وتعبُّدهم وشكرهم له بقلب يشعر بفضل الله وإحسانه.

أما الآن يطلب الله من إبراهيم ذبيحة محرقة محدده الوصف: [خذ ابنك وحيدك الذي تحبه اسحق.. وأصعده محرقة] [27]، وطبعاً السبب واضح في بداية الكلام: [وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن (נָסָהnasah بمعنى وضعه تحت الفحص) إبراهيم]، وحينما أطاع إبراهيم الله ونفذ ما طُلب منه [هناك ناداه ملاك الرب من السماء.. لا تمد يدك إلى الغلام.. فرفع إبراهيم عينية ونظر وإذا كبش وراءه ممسكاً في الغابة بقرنية، فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضاً عن ابنه] [28]، وبذلك تبرر إبراهيم بالإيمان [29] وتبرر أيضاً بالأعمال [30] التي أظهر بها صدق إيمانه بالله الحي، فالإيمان تُظهره أعمال الطاعة، لكن الأعمال لا تجلب إيمان بل تُظهر جهد الإنسان وكبرياء قلبه.
+ بالإيمان قدم إبراهيم إسحق.. الذي قَبِلَ المواعيد وحيده.. إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات أيضاً، الذين منهم أخذه أيضاً في مثال [31]
+ أو: بالإيمان قدم إبراهيم ابنه الوحيد ذبيحة عندما امتحنه الله، قدمه وهو الذي أعطاه الله الوعد وقال له: بإسحق يكون لك نسل، معتبراً أو حسب (بالإيمان) أن الله قادر أن يُقيم من الأموات. لذلك عاد إليه ابنه إسحق وفي هذا رمز [32]
وطبعاً ذلك كان رمزاً واضحاً كمثال حي لعمل الفداء الحقيقي والعظيم حين بذل الله الآب ابنه شخص ربنا يسوع الذي بذل نفسه – باختياره وسلطانة حسب التدبير – كفارة:
+ [الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره، من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله [33]؛ وهو كفارة لخطايانا، ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضاً [34] في هذه هي المحبة ليس إننا نحن أحببنا الله، بل أنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا] [35]
ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [هذه الحادثة ليست إلا رمزاً لذبيحة الصليب. ومن هُنا كانت كلمات الرب يسوع المسيح لليهود: إبراهيم أبوكم، أشتهى باشتياق شديد أن يرى يومي فرآه وغمره الفرح [36]. كيف استطاع أن يراه مع أنه سبق مجيء ابن الله بهذا القدر من القرون؟، لقد رآه في الظلال وفي الرمز، لأنه كما أن الكبش قُدِّم عِوضاً عن إسحق، هكذا الحمل الذي بلا عيب، الذبيحة الناطقة، قُدِّم عن حياة العالم كله. ولكن كان يلزم بالضرورة أن يُشار إلى الحقيقة بالرمز قبل ذلك بوقتٍ طويل] [37]
======================
[1] (تكوين 4)
[2] πλείονα θυσίαν - more excellent sacrifice
[3] (عبرانيين 11: 4و6)
[4] (دسقولية 33: 64)
[5] (تكوين 8: 20و21)
[6] (لاويين 1: 9)
[7] (لاويين 1: 3و13)
[8] (عبرانيين 11: 7)
[9] (يونان 2: 5 و6 و9)
[10] (تكوين 8: 21)
[11] (أفسس 5: 2)
[12] (عبرانيين 9: 14)
[13] (رفع البخور – اعتراف الشعب)
[14] (2كورنثوس 5: 17)
[15] (يشوع 24: 2و3و14)
[16] (مزمور137: 1 – 4)
[17] (تكوين 12: 4)
[18] (عبرانيين 11: 8)
[19] (نسبة لأصحاب الأرض الأصليين)
[20] (تكوين 12: 8)
[21] (تكوين 12: 8)
[22] (تكوين 13: 4)
[23] (تكوين 13: 8)
[24] (أنظر تكوين 15: 9 – 18)
[25] (هناك أدلة مادية قدمتها الحفريات وهي عبارة عن ألواح حجرية يرجع تاريخها إلى القرن ال 18 قبل الميلاد، ووجدت في مدينة ماري عند منتصف نهر الفرات وجاء فيها ذكر تقديم الذبائح البشرية للإله الملك Interpreter's Dictionary, vol. 4)
[26] (رومية 1: 18)
[27] (تكوين 22: 2)
[28] (تكوين 22: 11 – 13)
[29] (رومية 4: 3)
[30] (يعقوب 2: 21)
[31] (عبرانيين 11: 17 – 19)
[32] (نفس الشاهد السابق حسب ترجمة الجامعة الأنطونية)
[33] (رومية 3: 25)
[34] (1يوحنا 2: 2)
[35] (1يوحنا 4: 10)
[36] (إبراهيم أبوكم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح – يوحنا 8: 56)
[37] (للقديس يوحنا ذهبي الفهم نقلاً عن شرح سفر التكوين – دير القديس أنبا مقار صفحة 287)

رد مع إقتباس