عرض مشاركة واحدة
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 32 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:29 AM ]


[هـ] تعدد أنواع الذبائح وغايتها وكيفية تقديمها عملياً
إن قارئ سفر اللاويين عندما يتعرض لموضوع الذبائح، يجد أنواع كثيرة جداً منها وتختلف وتتنوع طرق تقديمها وأنواعها وأسمائها مما يُشتت ذهنه للغاية ويُصيبه الملل والسأم لأول وهلة، وذلك من كثرة تفاصيلها الدقيقة والطويلة جداً وأحياناً تكرارها والتأكيد عليها مراراً وتكراراً، ولكن حقيقةً هذا: أنه قيل وكُتب عن قصد، لأن مشكلة الخطية هي التي ألزمت الطقس بذلك!
فالخطية موضوع متعدد النواحي ومعقد جداً، وفي الحقيقة والواقع فأن التخلص منها أمر ليس بسيطاً ولا بالأمر السهل كما يظن البعض، فقد استلزمت أكثر من مُجرد تقديم الندم وعدم العودة إليها والتعامل معها مرة أخرى، لأن آثارها تمتد في قلب الإنسان وتضرب بجذورها في كيانه فيقع تحت سلطان العنة والموت، ويكفي للتعرف على خطورتها والإحساس بشناعتها وعدم قدرتنا على الخلاص من سلطانها، هو أننا نعرف أن الخلاص منها والفكاك من سلطان الموت استلزم تجسد ابن الله وأن يتألم ويُصلب ويموت، كي ما نموت معه ونحيا بحياته فننال الحرية والفكاك من سلطان الموت على المستوى الفعلي والعملي في حياتنا الشخصية اليومية؛ فالخطيئة خاطئة جداً تشوه طبع الإنسان البسيط وتفسده تماماً، ويكفي اننا نعلم اليوم المفارقة التي بين طفولتنا وحالتنا اليوم، بسبب خبرة الخطية التي دخلنا فيها وكم من المشكلات أدخلتنا فيها حتى صار لنا لا سلام، وجزع واضطراب دائم على كل وجه، لدرجة ان أحياناً البعض يتمنى أن يموت ليتخلص من الحياة المُرَّة التي يشعرها بمرارة في حلقه: [أي أنبياء إسرائيل الذين يتنبأون لأورشليم ويرون لها رؤى سلام، ولا سلام يقول السيد الرب[1]؛ لا سلام قال الرب للأشرار] [2]
يقول القديس مقاريوس الكبير: [أن ملكوت الظلمة أي الرئيس الشرير، لما أسر الانسان في البدء، قد غمر النفس وكساها بقوة الظلمة كما يكسو الإنسان انساناً غيره. "لكي ما يجعلوه ملكاً، ويلبسونه الملابس الملوكية من رأسه إلى قدمه" وبنفس هذه الطريقة قد كسا الرئيس الشرير، النفس وكل جوهرها بالخطيئة. ولوثها بكليتها، وأخذها بكليتها أسيرة إلى ملكوته، ولم يدع عضواً واحداً منها حراً منه – لا الأفكار، ولا القلب، ولا الجسد – بل كساها كلها بأرجوان الظلمة.
لأنه كما أن الجسد لا يتألم منه جزء أو عضو بمفرده، بل الجسد كله يتألم معاً، هكذا النفس بكليتها تألمت بأوجاع الشقاء والخطيئة. فالشرير كسا النفس كلها التي هي الجزء أو العضو الأساسي في الانسان، كساها بشقائه الخاص، الذي هو الخطيئة، ولذلك أصبح الجسد قابلاً للألم والفساد (الاضمحلال).
لأنه عندما يقول الرسول: "اخلعوا الإنسان العتيق" [3]، فهو يقصد انساناً بتمامه، فيه عيون مقابل عيون، وآذان مقابل آذان، وأيدي مقابل أيدي، وأرجل مقابل أرجل. لأن الشرير قد لوث الإنسان كله، نفساً وجسداً، وأحدره، وكساه "بإنسان عتيق"، أي انسان ملوث، نجس، في حالة عداوة مع الله، "وليس خاضعاً لناموس الله" [4]، بل هو بكليته خطيئة، حتى أن الإنسان لا يعود ينظر كما يشاء هو بل ينظر بعين شريرة، ويسمع بأذن شريرة، وله أرجل تسرع إلى فعل الشر، ويديه تصنع الإثم، وقلبه يخترع شروراً. لذلك فلنتوسل إلى الله أن ينزع منا الإنسان العتيق، لأنه هو وحده القادر على نزع الخطيئة منا، لأن الذين قاموا بأسرنا ولا يزالون يستبقوننا في مملكتهم، هم أقوى منا. ولكنه قد وعدنا بأن يحررنا من هذه العبودية المؤلمة. فعندما تكون هناك شمس ساخنة وتهب معها الريح فأن كل من الشمس والريح لها كيان وطبيعة خاصة بها، ولكن لا يستطيع أحد أن يفصل بين الشمس والريح الا الله الذي يستطيع وحده أن يمنع الريح من الهبوب وبنفس المثال، فأن الخطيئة ممتزجة بالنفس، مع أن كل منهما له طبيعته الخاصة. فمن المستحيل الفصل بين النفس والخطيئة، أن لم يوقف الله ويسكت الريح الشرير، الذي يسكن في النفس وفي الجسد.
وكما أن الإنسان إذا رأى عصفوراً يطير، فانه يشتاق أن يطير هو أيضاً، ولكنه لا يستطيع، لأنه لا يملك أجنحة يطير بها. كذلك أيضاً فان إرادة الإنسان حاضرة [5] وقد يشتهي أن يكون نقياً، وبلا لوم، وبلا عيب، وألا يكون في شيء من الشر، بل أن يكون دائماً مع الله، ولكنه لا يملك القوة ليكون كذلك. وقد تكون شهوته هي أن يطير إلى الجو الإلهي، وحرية الروح القدس ولكن لا يمكنه ذلك الا إذا أُعطيت له أجنحة (لتحقيق هذه الغاية). فلنلتمس من الله أن ينعم علينا "بأجنحة الحمامة" أي الروح القدس لكي ما نطير إليه "ونوجد في الراحة" [6]، ولكي يفصل الريح الشرير ويقطعه من نفوسنا وأجسادنا، ذلك الريح الذي هو الخطية الساكنة في أعضاء نفوسنا وأجسادنا. ليس أحد إلا هو (الروح القدس) الذي يستطيع أن يفعل هذا الأمر.
يقول الكتاب "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" [7] انه هو وحده الذي أظهر هذه الرحمة لأولئك الأشخاص الذين يؤمنون به، إذ أنه يُخلصهم من الخطيئة، وهو يحقق هذا الخلاص الذي لا ينطق به لأولئك الذين ينتظرونه دائماً ويضعون رجاءهم فيه ويطلبونه بلا انقطاع.
وكما انه يحدث في أحد الليالي المظلمة الكئيبة أن تهب ريح عاصفة وتحرك وتفتش كل الزروع والنباتات وتهزها، هكذا حينما يسقط الإنسان تحت سلطة ظلام ليل الشيطان، ويصير في الليل والظلمة، فانه يتكدر بواسطة ذلك الريح المرعب ريح الخطيئة الذي يهب (عليه) فيهزه ويقلبه ويفتش أعماق طبيعته كلها: نفسه وأفكاره، وعقله، ويهز أيضاً كل أعضاء جسده، ولا ينجو عضو سواء من أعضاء النفس أو أعضاء الجسد ويبقى بمأمن من الخطية الساكنة فينا. وبالمثل فهناك نهار النور والريح الالهي، ريح الروح القدس، الذي يهب وينعش النفوس التي تكون في نهار النور الالهي. والروح القدس ينفذ في جوهر النفس كلها وفي أفكارها وكل كيانها، وكذلك ينعش ويريح كل أعضاء الجسد براحة إلهية تفوق الوصف. وهذا هو ما أعلن عنه الرسول عندما قال "لسنا أبناء ليل أو ظلمة، بل جميعنا أبناء نور وأبناء نهار" [8] ] [9]
عموماً فأن تعدد الذبائح وأنواعها وتشعبها واختلاف طرق تقديمها في العهد القديم، ليست قصة يُمكن إهمالها أو حكاية قديمة لا مكان لها عندنا اليوم، حاشا؛ فقد قال القديس بطرس الرسول عن هذه الأحداث بالذات وعن الذين كانوا يخدمونها [أنهم ليس لأنفسهم بل لنا كانوا يخدمون بهذه الأمور التي أُخبرتُم بها أنتم الآن] [10]
إذاً فموضوع الذبائح لازال يمس حياتنا في الصميم،
وجميع الخدمة التي كان يقوم بها الكهنة قديماً لازالت ذات صله بحياتنا في الحاضر، وتحتاج اهتمام ودراسة وتأمل وتركيز شديد، فيُمكننا أن نطوف بأنواع الذبائح في غير تباطؤ، دون أن يصيبنا أي ملل أو سأم، لأننا سوف نكتشف فيها ملامح سرّ خلاصنا العجيب، وكيف أكمل المسيح الرب كل درجاته ومستلزماته على الصليب.
عموماً كان الغرض من الذبائح وتشعبها هو الإشارة إلى ذبيحة المسيح التي لم يكن ممكناً قط أن يستوفي عملها ذبيحة واحدة أو طقس واحد من هذه الطقوس.

ويقول مار إفرام السرياني [السرّ الذي كان الخلاص مزمعاً به (أي يدل عليه)، وهو هرق دم الإله المتجسد الذي هو وحده إنسان بلا عيب، بلا خطيئة، سبق بذلك عليه وأشار إليه برموز وأمثال، حتى إذا جاء الخلاص الحقيقي بالذبيحة التي تقدر على خلاص الخطاة، يَعلم كل مَن يؤمن أن إليها كانت الإشارة والرموز] [11]
========================
عموماً الإيمان المسيحي الأصيل الواعي
الذي أدرك حقيقة ذبيحة مُخلِّص العالم ربنا يسوع، يعترف بأن ذبيحة المسيح يسوع التي قُدمت مرة واحدة، فيها الكفاية وحدها ولا يعوزها تكرار ذبيحة أخرى على وجه الإطلاق، أو تقديم أي تكفير عن أي خطية أو أي عمل صالح ونافع لمحوها، بل تقديم توبة وإيمان ليسكن بدوام برّ الرب يسوع في القلب، ويطهر بدمه كل إنسان ويغسل الضمير ويرفع ويزيل أي شكاية لأنه هو برنا الحقيقي وسرّ تطهير القلب أبدياً: [وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداء أبدياً.. فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي[12]؛ ولكن الآن في المسيـــح يســـوع أنتـــم الذين كنتـــم قبـــلاً بعيدين صرتـــم قريبين بــــدم المسيــح[13]؛ عالمين إنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح.[14]، فقد أصبح الآن كل يوم، بسبب ذبيحة الرب يسوع، يقدر كل مسيحي مؤمن إيمان حي حقيقي يُقدم ذبيحة غير دموية [فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم [15] ذبيحة حية [16] مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية] [17]

ويقول أثيناغوراس في دفاعه عن المسيحيين بسبب رفضهم تقديم ذبائح للآلهة الوثنية: [يليق بنا أن نُقدم ذبيحة غير دموية، هي خدمة أذهاننا]، وذلك جاء وفق ما نُصلي به في القداس الإلهي في صلاة الصلح للقديس يوحنا إذ يتكلم عن الذبيحة قائلاً [والسرّ الخفي الذي لهذه الذبيحة، هذه التي ليس دم الناموس حولها ولا برّ الجسد. أما الخروف فروحي، والسكين فعقلية وغير جسمية، هذه الذبيحة التي نُقدمها لك]

وهنا واضح الإيمان المسيحي الحي، بكفاية ذبيحة المسيح التي قُدمت مرة واحدة وإلى الأبد ولا يعوزنا معها شيء آخر نهائياً، مع استمرارية فعلها الممتد دون توقف في زمان ما أو مكان ما، أو عند حدٍ ما، لذلك تُقدَّم باستمرار في كل صلاة ليتورچية، لا لكي يُعاد تقديمها مرة أخرى لأن هذا مستحيل في المُطلق، بل من نفس ذات الذبيحة الواحدة عينها تُقدَّم كل ذبيحة كامتداد لها على مر الأيام والتاريخ المسيحي كله، ولا عجب لأن هذه الذبيحة ذبيحة ابن الله الحي القائم من الأموات بمجد عظيم يفوق كل إدراكات الإنسان ومعرفته.
+ [فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي[18]؛ وليس بــدم تيوس وعجول بل بـــدم نفســـه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجـــد فـــداء أبديـــاً][19]
================
[1] (حزقيال 13: 16)
[2] (إشعياء 48: 22)
[3] (كولوسي 3: 9)
[4] (رومية 9: 7)
[5] (رومية 7: 8)
[6] (مزمور 55: 6)
[7] (يوحنا 1: 29)
[8] (1تسالونيكي 5: 5)
[9] (عظات القديس مقاريوس الكبير عظة 2: 1 – 4)
[10] (1بطرس 1: 12)
[11] (تفسير سفر اللاويين منسوب للقديس مار إفرام في المخطوطين الماروني هونت 112 والمخطوط السرياني اليعقوبي 7/1)
[12] (عبرانيين 9: 13، 14)
[13] (أفسس 2: 13)
[14] (1بطرس 1: 18، 19)
[15] تقدموا أجسادكم: طبعاً ليس المقصود الجسد بصفته مميزاً عن النفس، بل المقصود الإنسان بجملته، أو الإنسان ككل، [ فنحن بجسدنا أعضاء المسيح، الجسد للرب والرب للجسد ] (أنظر 1كورنثوس 6)، ولذلك علينا أن نقرب مع المسيح أجسادنا ذبيحة [ أجسادكم هيكل للروح القدس، وأنتم لستم لأنفسكم فمجدوا الله إذاً في أجسادكم أو بأجسادكم وأرواحكم التي هي لله ] (أنظر 1كورنثوس 6 : 19 – 20)
[16] عبادتكم العقلية: قد تُترجم بـ (عبادتكم الروحية) أو (عبادة منطقية عقلية) وفقاً لاشتقاقها، أي تأتي بمعنى: عبادة مطابقة لطبيعة الله والإنسان، وهي تأتي عموماً للتمييز بين العبادة الشكلية المظهرية، والعبادة الحقيقية التي تُلزم الإنسان بجملته، وهذه هي العبادة التي نادى بها أنبياء الله في إسرائيل أي عبادة باطنية كما سبق وشرحنا في بدايات هذا البحث [ إني أريد رحمة لا ذبيحة ومعرفة الله أكثر من محرقات ] (هوشع 6: 6)؛ [ فاطرحوا كل خبث وكل مكر والرياء والحسد وكل مذمة. وكأطفال مولودين الآن اشتهوا اللبن العقلي العديم الغش لكي تنموا به. إن كنتم قد ذقتم أن الرب صالح الذي إذ تأتون إليه حجراً حياً مرفوضاً من الناس ولكن مختار من الله كريم. كونوا أنتم أيضاً مبنيين كحجارة حية بيتاً روحياً كهنوتاً مقدساً لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح ] (1بطرس 2: 1 – 5)
[17] (رومية 12: 1)
[18] (عبرانيين 9: 14)
[19] (عبرانيين 9: 12)

رد مع إقتباس