عرض مشاركة واحدة
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 8 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: الصوم والنسك في التدبير الروحي - الصوم والنسك من جهة التدبير الروحي وضبط النفس

كُتب : [ 05-28-2020 - 08:30 AM ]


رابعاً: حقيقة الحياة مع الله وواقعها
الحياة مع الله حياة شركة مقدسة أساسها التوبة لأنها باب نجاة النفس، ولذلك فأن التوبة هي وحدها التي تُعطي للصوم معنى، وبدونها يُصبح الصوم جسدي، أي انه يخص أعمال الجسد الميتة، لأن هنا الصوم يصدر عن قلب غير تائب، وكل ما سيفعله هذا الصوم أنه يقسي القلب أكثر لأن الإنسان هنا سيصير كالفريسي الذي يعمل أعمال الواجب الموضوع عليه وستشعره بالفخر أنه فعل البرّ، لكن قلبه صلد قاسي، لأن الخطية (حسب طبيعتها) تصيب الإنسان بالغرور، وبهذه الطريقة يدخل الإنسان في الدينونة وليس التبرير: ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضباً في يومالغضب واستعلان دينونة الله العادلة (رومية 2: 5)؛ ولذلك علينا إذاً أن ننتبه بشدة ونصغي لكلام الرسول: عظوا انفسكم كل يوم ما دام الوقت يدعى اليوم لكيلا يُقسى أحد منكم بغرور الخطية (عبرانيين 3: 13)
==========
وطبعاً الخطية ليس شرطاً أن تكون خطايا واضحة معروفة، لأن خطية الناس الواضحة المعروفة ظاهره وغير مقبولة بشكل عام في المجتمع، وكل واحد يعرفها ويُريد أن يتخلص منها لذلك فأنه يعود للرب بسهولة مقدماً توبة عنها طالباً تطهيراً لقلبه، وهذه هي توبة المتقدمين لله لكي يدخلوا في المسيرة الروحانية ليحيوا مع الله وشركة القديسين في النور، تاركين عنهم حياتهم القديمة بالتمام ليدخلوا في الحياة الجديدة التي لنا في المسيح يسوع.
==========
أما لو أردنا أن ندخل في مرحلة الداخلين في الطريق والسامعين لكلمة الحياة من فم المسيح، سنجد أن الرب يُشير على خطية من نوع آخر تعوق غرس كلمته في القلب لتأتي بثمر حسب طبيعة زرعها، ثمر الروح، وهذه هي التي تستدعي صومنا ونسكنا وسهرنا على حياتنا وتدقيقنا في ضبط الجسد، لأن الرب وحده يعرف الداء وعنده الدواء الفعال، بالطبع لو كل واحد انتبه لعلة قلبه الداخلية وتقدم به إلى الله، مُقدماً إياه بانكسار قلب للطبيب العظيم شخص ربنا يسوع لأنه يطبب النفس ويُعالجها ويشفيها من داءها، وكلمته وحدها تستطيع ان تكشف داء القلب الخفي لذلك يقول: والمزروع بين الشوك هو الذي يسمع الكلمة، وهموم هذا العالم وغرور الغنى وشهوات سائر الأشياء تدخل وتخنق الكلمة فتصير بلا ثمر (متى 13: 22؛ مرقس 4: 19)، ولذلك يقول الرسول: أن تخلعوا من جهة التصرفالسابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور (أفسس 4: 22)
==========
إذاً صومنا ونسكنا المسيحي غرضه وهدفه: [أن تخلعوا الإنسان العتيق من جهة التصرف السابق]، لأن تصرفاتنا التي كانت قبل إيماننا بالمسيح كانت على مستوى شهوات الغرور، هذه التي قالها الرب نفسه [هموم هذا العالم غرور الغنى شهوات سائر الأشياء] ولذلك قال يوحنا الرسول ببصيرة نافذة ورؤية من عرف الرب وصار معلماً بالروح: لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم، إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب: لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة، ليس من الآب بل من العالم. والعالم يمضي وشهوته، وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد. (1يوحنا 2: 15 – 17)
==========
فهناك حياتين أو اتجاهين في حياتنا الواقعية مع الله، حياة حب قائمة على ذبيحة المسيح البار: نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً (1يوحنا 4: 19)، أو حياة عداوة محصورة في الاهتمام بالجسد أولاً ورفعها فوق الاهمام بالروح، فأصبحت حياتنا محصورة حصراً في لقمة العيش وحمل هم المستقبل والانشغال بتعظم المعيشة، أو الانحصار في شهوة الجسد أو شهوة العيون: يا بني جرب نفسك في حياتك وانظر ماذا يضرها وامنعها عنه (سيراخ 37: 30)
==========
بمعنى أن اهتمامنا بالحياة الميتة حسب العالم سباقة على الحياة والشركة مع الله بالحب، وبذلك ندخل في حالة العداوة وقساوة القلب، لذلك الرسول الملهم بالروح يقدم الداء والدواء الذي يعرفنا معنى الصوم والنسك الذي ينبغي أن نعيشه حسب إنجيل بشارة الحياة الجديدة في المسيح يسوع:/
+ فأن الذين هم حسب الجسد فبما للجسد (بِأُمُورِ الجسد) يهتمون، ولكن الذين حسب الروح فبما للروح (بِأُمُورِ الروح يهتمون). لأن (الانحصار في) اهتمام الجسد هو موت، ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام. لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله إذ ليس هو خاضعاً لناموس الله لأنه أيضاً لا يستطيع. فالذين هم في (سُلْطَةِ – تحت سلطان) الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله. وأما أنتم فلستم في الجسد بل في الروح (فلستم تَحْتَ سُلْطَةِ الْجَسَدِ بَلْ تَحْتَ سُلْطَةِ الرُّوحِ)، ان كان روح الله ساكناً فيكم؛ ولكن أن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس له. وأن كان المسيح فيكم فالجسد ميت بسبب الخطية وأما الروح فحياة بسبب البر. وأن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكناً فيكم فالذي أقام المسيح من الأموات سيُحيي أجسادكم المائتة أيضاً بروحه الساكن فيكم. فإذاً أيها الإخوة نحن مديونون ليس للجسد لنعيش حسب الجسد. لأنه أن عشتم حسب الجسد فستموتون ولكن أن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون. لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله. (رومية 8: 5 – 14)
==========
ويلزمنا أن نعرف (بتمييز واضح) معنى نعيش حسب الجسد بدقة، لكي لا نصل لمفهوم متطرف يبعدنا بعيداً عن الحياة الطبيعية السوية مع الله وسط العالم الحاضر الذي ينبغي أن نُجسد فيه ملكوت الله: فالحياة حسب الجسد هو الاهتمام (انحصار) لأجسادنا والتحيز لشهوات قلبنا حتى تصير تقلباتنا المزاجية هي المسيطر على سلوكنا فنلبي كل حاجاتنا إلى الدرجة التي لا يصبح فيها لوصية الله السلطان الكامل على حياتنا، وبذلك يصير ناموس الخطية يسكن ويعمل فينا برضانا التام وبلا مانع، لأنه صار هو المسيطر على ميولنا، لأن الخطية تتسلط حينما نكون مهملين، نترك للجسد القيادة، فنفعل ما شئنا لأننا لم نتعلم أن نضبط حياتنا حسب ما نلنا من نعمة..
وبداية طريق تسلط الخطية لإنسان دخل في الإيمان بالمسيح وتذوق قوة النعمة المُخلِّصة هو الكسل الذي يؤدي بدوره طبيعياً الخضوع التام للجسد، لذلك ينبغي من حين لآخر أن نتبع شركة الصوم مع القديسين سامعين للتعليم والوعظ الذي يبني حياتنا لكي لا يتقسى القلب بغرور الخطية فنحيا في حالة عداوة مع الله، لأن الصوم – حسب طبيعته – يُربي النفس حسناً ويقوم الجسد، لأننا ننفض عنا الكسل ونضبط كل ما للجسد بميزان حساس مركزين على كلمة الله القوت اليومي الذي لنا مع الصلوات التي لا تنقطع طالبين قوة تنقية وتطهير للقلب وتصحيح ميول النفس لتعديل المسيرة والتركيز على التوبة المتجددة، لأنها الملح الحافظ للنفس من الحركات الدنيئة التي للإنسان العتيق.

رد مع إقتباس