عرض مشاركة واحدة
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 2 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: سر التقديس في المسيح - موضوع روحي لاهوتي يختص بحياتنا حسب التدبير وتجسد الكلمة

كُتب : [ 05-29-2020 - 04:59 AM ]


تمهيـــــــــــــــــــــ ــــــــد
==============
هذا الموضوع في منتهى الأهمية وهو موضوع تذوق خبرة الحياة المسيحية في واقعنا العملي المُعاش حسب قصد الله الذي تم في ملء الزمان، وهو يخص الحياة المسيحية في عمق معناها الإلهي، لأننا أن لم نحياها على هذا المستوى – واقعياً – فأننا نُعتبَّر لم ندخل للمسحية بعد، لذلك كلامنا هو عن السرً العظيم الذي للتقوى، سرّ ملكوت الله الذي ظهر لنا في ملء الزمان – حسب التدبير - بتجسد اللوغوس شخص ربنا يسوع المسيح مُخلِّص حياتنا من الفساد بإلباسنا ذاته (حسب قصد الآب) مُجدداً حياتنا بفعل موته وقيامته، وإذ وهبنا الروح القدس فصار خلاصنا مضموناً أن خضعنا له وسمعنا صوته ولبينا النداء وعشنا هذا الخلاص الثمين في واقع حياتنا هنا ونحن على الأرض لأنه سيمتد بنا إلى الأبدية.
وهذا السرّ العظيم المُعلن لنا بالتجسد الإلهي
هو الذي أعثر الكثيرين وأربكهم فكرياً، وعلى الأخص الذين يقيسون أمور الله بالعقل والتعقل ويخضعوها للفكر بفحصها على منطق الإنسان الجسداني، فيقعون فريسة لنظرية المعقول والغير معقول، لأن الإنسان في خبرة سقوطه فَقَدَ المنطق السماوي ذو الرؤية المستنيرة التي بها يرى الحقائق الإلهية واضحة أمام عينيه، لأن نور العقل انطفأ وسُلِّمَ للشيطان، فانغلقت حواس الإنسان الروحانية فلم يعد بقادر أن يرى ما لا يُرى، واستتر وانحجب كل ما يخص الطبيعة الإلهية عنه، ومع مرور الأزمنة زحفت الظلمة بالتمام على كل مداركه حتى انفرشت على كيانه كله فمست أعضاء جسده وانعكست في حياته اليومية، حتى أنه نسى وضعه الإنساني الطبيعي المخلوق عليه حسب التدبير، وانحدر للتراب انحداراً سريعاً مروعاً، لذلك سؤاله الدائم محصور في حدود رؤيته القاصرة المنقوصة بكونه عايش في الجسد وليس في الروح، لأنه أمام الإعلانات الإلهية يبدأ في التساؤل الشهير: هل من المعقول أن الله اتحد بنا اتحاد كامل تام حقيقي فعلياً وعملياً، وهل يُعقل أن الإنسان يرتفع للمستوى الإلهي ينظره ويتلامس معهُ، هذا غير معقول، وهل من المعقول أن نأكل جسد الرب ودمه المتحد بلاهوته بلا انفصال (لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين)، هذا غير معقول بالمرة، وهل من المنطق أننا نلتصق بالرب ونصير معه روحاً واحداً، وهل يجوز قط أن نصير أبناء لله في الابن الوحيد كوضع حقيقي حسب التدبير أم هو مُجرد وضع شرفي لقبي مثل ضيف الشرف في الأفلام والمسلسلات!!!
وهذه بعض من أسئلة كثيرة مُحيره بالنسبة للإنسان الطبيعي الذي عنده جهالة من جهة عمل التدبير الخلاصي، والتي بطبيعتها توضح الغباوة الروحية وعدم الفهم التي سيطرت على العقل، وهي تجعلنا نرى حال الإنسان المُذري إذ أن ليل الظلمة غشى الفكر والقلب معاً، وذلك مثلما أتى نيقوديموس ليلاً ليتكلم مع الله اللوغوس المتجسد المتحد اتحاد حقيقي بطبعنا الإنساني، وبدأ نيقوديموس بحديث منطقي معقول ومُتزن حسب أي إنسان عاقل مفكر لا ريب فيه ولا شك قائلاً:
+ يا مُعلِّم، نعلم أنك أتيت من الله مُعلماً، لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه. (يوحنا 3: 2)
وبالرغم من هذا الحديث المعقول والمرتب والمُقنع للعقل جداً، والذي يُظهر أنه من غير المعقول فعلاً أن يصنع أحد هذه الآيات إن لم يكن الله معه واقعياً، ولكن شخص ربنا يسوع المسيح اللوغوس المتجسد الذي يرى مدى تورط الإنسان في الظلمة، صدم نيقوديموس وعصف بتفكيره بحديث وكلمات غير معقولة بالمرة، ولا تتفق مع أي إنسان طبيعي، إذ أنها منافية للعقل تماماً وكل منطق إنساني، لأنه رداً على كلماته المتزنة من جهة حكمة العقل الطبيعية، نجد أن الرب له حديث خاص جداً وعجيب كل العجب وبعيد عن منطقية التفكير الذي لمُعلِّم اليهود، بل بدت بعيدة تماماً عن كلماته التي نطق بها:
أجاب يسوع وقال له: "الحق، الحق، أقول لك، إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يوحنا 3: 3)
وبالطبع اصطدم نيقوديموس بحجر عثرة مؤلم جداً، فدخل في حالة ربكة عقلية شلت كل تفكيره، فرد بتهكم على كلمات الرب يسوع كمصدوم بالحديث قائلاً:
قال له نيقوديموس: كيف يُمكن للإنسان أن يولد وهو شيخ؟ ألعلَّهُ يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد؟ (يوحنا 3: 4)
فلو دققنا في هذا الحديث نلاحظ لأول وهلة أن رد الرب بعيد عن السؤال، وأيضاً نجد عدم استساغة نيقوديموس للكلام وتهكمه على المعنى، أو ربما حاول أن يفهم، لأنه يبدو أن حديث الرب معهُ غير معقول بالمرة، بل ومنافي لكل عقل ومنطق فعلياً، ولا يُقبل أبداً على مستوى الفحص والخضوع للفلسفة والمناقشات الفكرية المعقولة والجدل بين المفكرين والمتفلسفين، وحتى في التأملات وعلى مستوى الرمز لا يسير الحال بهذا المنطق والشكل، ونجد أن ربنا يسوع رد عليه مرة أخرى موضحاً الإجابة على سؤاله بطريقة غير متوقعة:
+ أجاب يسوع: الحق، الحق، أقول لك، أن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله. المولود من الجسد جسدِ هوَّ، والمولود من الروح هو روح. لا تتعجب إني قلت لك ينبغي أن تولدوا من فوق. الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها، لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. هكذا كل من ولد من الروح. (يوحنا 3: 5)
وبالرغم من الرب قال له لا تتعجب، لكنه ما زال لا يستطيع إلا أن يتعجب ويندهش أكثر من بداية الحديث الغريب بالنسبة لهُ، ويرجع مرة أخرى للغير معقول، ولكن نجد أن رد نيقوديموس الصارخ، فيه حيرة شديدة مع تعجب في عدم فهم تام لكلام الرب:
+ أجاب نيقوديموس وقال له: "كيف يُمكن أن يكون هذا؟" (يوحنا 3: 9)
أليس هذا هو نفس كلماتنا حينما نعجز أمام سرّ الله واتحاده بنا ونحاول أن نُمنطق كلمات الإعلان الإلهي ونحوَّر معاني الآيات لنخضعها للمعقول وننفي منها الغير معقول، وذلك لكي نحاول أن نقنع أنفساً وغيرنا بها بحجة إعلان الحق والدفاع عن الإيمان، ولكن كلام المسيح الرب ذات سلطان سماوي ليس من علماء هذا الدهر الذين يبطلون ولا من حكمة هذا الجيل المعتل، قد هَدم نظرية المعقول والفحص العقلي القاصر على العجز البشري، بل وعصف بها تماماً قائلاً:
+ أجاب يسوع وقال: "أنت معلم إسرائيل ولا تعلم هذا!
الحق، الحق، أقول لك، إننا نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا، ولستم تقبلون شهادتنا. إن كنت قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون، فكيف تؤمنون إن قلت لكم السماويات؟ وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء..
وهذه هي الدينونة: أن النور قد جاء إلى العالم، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة. (رجاء مراجعة يوحنا 3: 1 إلى 21 وذلك للأهمية)
عموماً نجد القديس بولس الرسول صدم العالم كله بكلماته النارية وعصف بكل عقل يطلب المعقول وينفي الغير معقول ولا يقبله:
+ وأنا لما أتيت إليكم أيها الإخوة، أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة منادياً لكم بشهادة الله.. وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المُقنع (المعقول) بل ببرهان الروح والقوة (الغير معقول عند الناس)، لكيلا يكون إيمانكم بحكمة الناس بل بقوة الله. (راجع للأهمية 1كورنثوس 2: 1 – 19)
يقول القديس كيرلس الكبير:
+ إن كيفية الاتحاد عميقة وفائقة الوصف وفائقة لمداركنا. فمن الجهالة التامة أن نُخضع للبحث العقلي ما يفوق العقل، وأن نحاول أن نُدرك بعقولنا الذي لا يُدرك بالعقل. أم لست تعلم أن ذلك السرّ العميق ينبغي أن يُعبد بإيمان بلا فحص! أما السؤال الجاهل "كيف يُمكن أن يكون هذا؟ فإننا نتركه لنيقوديموس وأمثاله. أما نحن فإننا نقبل بدون تردد أقوال روح الله ونثق أن المسيح القائل: "الحق، الحق، أقول لكم: إننا نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا"[i]
============================
في الحقيقة يا إخوتي القُراء وفي واقع التدبير الإلهي
فأن الحياة المسيحية هي إعلان سرّ فائق للطبيعة يفوق كل تصورات الإنسان وتخيلاته وفكره وفلسفته، وهو مسرة الله في أن يتحد بجنسنا الضعيف من خلال الابن الوحيد الذي أخلى نفسه آخذاً صورة عبد وإذ وجد في الهيئة كإنسان أطاع الآب حتى الموت موت الصليب، إذ دان الخطية في الجسد وصلبنا معه بسرّ غير قابل للفحص، بل حسب قدرته، وقد أعطانا ذاته كرداء [أنتم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح] ليوحدنا معه عملياً ليرتقي بنا لعلوه الخاص حيثما هو جالس عن يمين العظمة في الأعالي، وبذلك يكون خلاصنا مضموناً وأبديتنا حاضرة، لأنه زرع ملكوته فينا إذ عجن طبعنا بطبعه الخاص بطريقة ما (غير مفحوصة من جهة التفكير العقلي الطبيعي أو الفحص الدراسي الطبي)، فلم يعد هناك حاجز يمنع دخولنا للأقداس لأنه دخل كسابق من أجلنا بجسم بشريتنا، وقد صرنا برّ الله فيه، لذلك أرجوكم لا انا بل هذا الشوق الذي يحرك قلوبكم نحو رب الجنود الكامل لكي تدخلوا في شركة معهُ وتعيشوا في قدس أقداس مجده، أن تصلوا وتركزوا في هذا الموضوع بقلب منفتح ورغبة حقيقية للدخول في سرّ المسيح الرب الإله المتجسد، لكي تنفتح أعين أذهانكم – بنعمة الله وإشراق نور وجهه عليكم – على هذا السرّ العظيم الذي للتقوى فتفرح قلوبكم جداً وتبتهجوا بسر الخلاص الثمين.
===========================
[i] (عن تجسد الابن الوحيد للقديس كيرلس الكبير)

رد مع إقتباس