عرض مشاركة واحدة
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 16 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: ذبيحة المحرقة עֹלׇה - الكتاب الثاني من دراسة تفصيلية في الذبائح والتقديمات في الك

كُتب : [ 05-30-2020 - 08:24 PM ]


[جـ] ذبيحة المحرقة، ذبيحة الطاعة

أن أول وأهم وجه من أوجه الصليب هوَّ طاعة الابن للآب: أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائرا في شبه الناس. وإذ وُجِدَ في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع[1] حتى الموت موت الصليب.[2]، ولكي نفهم معنى هذه الذبيحة بدقة، كما قُصد منها، يلزمنا أن نعي ونعرف ما هو معنى عدم الطاعة.
==========
+ أولاً: معنى عدم الطاعة أي العصيان
قبل أن نتكلم عن طاعة الابن للآب وندخل في عمق الصليب، ينبغي أن نعرف أولاً أهمية هذه الذبيحة بالنسبة لحالة السقوط الذي تم في الخليقة، لأن أساس السقوط ليس مجرد فعل خطأ محدد وبصورة وشكل معين، بل هو عدم طاعة وصية الله، فمشكلة الخطية الأولى هو عدم الطاعة، لأنه منذ بداية حياة الإنسان حدثت مأساة عُظمى تُسمى درامة العصيان [ثُمَّ عَادُوا أَيْضاً لِيُخْطِئُوا إِلَيْهِ لِعِصْيَانِ לַֽמְר֥וֹת الْعَلِيِّ [إنْقَلَبَ؛ إنْقَلَب على؛ ثار على؛ قام بِانْقِلاَب على] فِي الأَرْضِ النَّاشِفَةِ (مزمور 78: 17)]، ومعنى العصيان في الكتاب المقدس يأتي بعدة معاني توضحه لنا إذ تعني الكلمة: [מָרָה (maw-raw')؛ ἀπεὶθειapeitheiaπαρακοήparakoé – عَقُوق، مُتَمَرّد ، لا يطيع، الامتناع عن التنفيذ، مُعاند، لا يقنع، لا يؤمن، يعصى] وأيضاً هناك معنى ملازم للكلمة حسب بعض المفسرين والشراح [imperfect ratification] وتعني (تصديق ناقص – وطبعاً النقص هنا نقص ثقة لأن الثقة تتجه نحو النفس والاتكال على فكرها وأعمالها أكثر من أي شيء آخر حتى من وصية الله نفسها)، وممكن للمعنى – عموماً – أن يشمل معنى [الضلال – والفساد] وهو يُفيد معنى التضليل أو الضلال والتيه والحيدان عن الطريق المستقيم بالمسيرة العكسية، وبمعنى أدق: الضلال عن الحق، والذي يكون نتيجة عدم السماع وسداد الأُذن، وهي تُفيد معنى إهمال صوت الحق، وهذا كله يندرج تحت مُسمى عدم الالتزام أو عدم الطاعة.
==========
وأصل الكلمة مُشتق من الكلمة التي تعني [يثق – يعتمد على] والكلمة هنا [عصيان] تظهر كنتيجة عكسية للثقة والاعتماد، والثقة عموماً تستند على أمانة الله في مواعيد عهده، واختياره ووعده.
==========
+ الرب لي فلا أخاف، ماذا يصنع بي الإنسان.. الاحتماء بالرب خيرٌ من التوكل على إنسان.. أما الرب فعضدني.. قوتي وترنيمتي الرب وقد صار لي خلاصاً.. يمين الرب صانعة ببأس، يمين الرب مرتفعة.. لا أموت بل أحيا وأُحدث بأعمال الرب[3]؛ في ذلك اليوم يلتفت الإنسان إلى صانعه وتنظر عيناه إلى قدوس إسرائيل. ولا يلتفت إلى المذابح صنعة يديه، ولا ينظر إلى ما صنعته أصابعه السواري.[4]
==========
عموماً المعنى العام لكلمة العصيان باختصار: تُفيد أو تحمل معنى يُقنع أو يستميل، وذلك للتضليل والإفساد [فلم يسمعوا ולוא שׁמעו لي ولم يميلوا أُذنهم[5]، بل ساروا (سلكوا) في مشورات وعناد (سلكوا بحسب خيال) imagination قلبهم الشرير وأعطوا القفا لا الوجه (ساروا بالعكس للخلف backward ولم يتبعوني للأمام). فمن اليوم الذي خرج فيه آباءكم من أرض مصر إلى هذا اليوم أرسلت إليكم كل عبيدي الأنبياء مُبكراً كل يوم ومرسلاً. فلم يسمعوا لي ولم يميلوا أُذنهم (نحوي) بل صَلَّبوا[6] رقابهم أساءوا أكثر worse than[7] من آبائهم][8]؛ فالمعنى واضح أنه يحمل عدم السماع والإساءة، أي التمرد للإساءة وعدم الطاعة والإذعان لصوت الله بحفظ وصاياه، التي تُظهر أمانة الإنسان عملياً وخضوعه لله الذي جعله سيداً لحياته الشخصية ليكون قائده.
==========
عموماً نجد أن الله أوصى آدم مُعطياً وصية واحدة تُثبت ثقته في الله بالطاعة: من جميع شجر الجنة تأكل وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها.[9]؛ ولكن آدم لم يصغي ولم يسمع كلام الله، بل عصى وكسر الوصية لأنه أهملها (تغاضى عنها)، مع أنه يعرفها جيداً وتقبلها من الله – بنفسه – ليحفظها بالطاعة: فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر، فأخذت من ثمرها وأكلت، وأعطت رجُلها أيضاً معها، فأكل.[10]
==========
وبالطبع الخليقة كلها بدورها سارت على نفس الدرب وذات المنهج عينه في طريق التمرد والعصيان: بمعصية (παρακοῆς = إخْلاَل بِ؛ تَمَرّد؛ خَرْق؛ عِصْيان؛ مُخَالَفَة) الإنسان الواحد جُعِلَ الكثيرون خُطاة (رومية 5: 19)، ولنلاحظ هنا أن الرسول لم يتكلم عن نوع الخطية من جهة الشكل الحادث وهو فعل الأكل عينه الذي تم، لأن الكل بعد آدم أخطأ، مع أنهم لم يخطئوا على مثال نفس الصورة عينها التي لآدم، أي أنهم لم يرثوا خطيئته من جهة الأكل من الشجرة، بل ساروا على منهج المعصية والتمرد، الذي أفسد الإنسانية كلها.
==========
وطبعاً المعصية هنا لها معنى هام وخطير للغاية، لا بُدَّ أنْ نفهمه بدقة وتركيز، لأننا إن لم نفهم معنى المعصية الحقيقي من جهة خبرتنا كبشر في واقع حياتنا، لن نفهم طبيعة الخطية الحقيقية التي تعايشها البشر، ولن نستطيع أن نستفيد من ذبيحة المحرقة التي قدمها ربنا يسوع بذبيحة نفسه، ولن تصير عندنا مفهومه فهماً صحيحاً.
==========
فكلمة معصية [ἀφίστημιaphistemi] كفعل متعدِ يعني [حالة تمرد، وضلال]، وكفعل لازم يعني [يخرج، ينسحب، يُغادر]، وفي اليونانية الكلاسيكية تعني يُخبأ أو يعزل من علاقة أو ينعزل عن شركة مع شخص. وتعني أيضاً أن ينقلب ضد أحدهم بسبب العصيان. وتعني في الفعل [غير متعمد أن يعزل نفسه – لا يقصد، ليس هذا هدفه].
ولنا أن نفهم أن أحياناً الإنسان لا يقصد أن ينعزل عن الله عن قصد، لكن هناك شكل من أشكال الإهمال والتغاضي نتيجته فقدان الشركة أي العزل، ولكن طبيعة العصيان التلقائي ونتيجته الطبيعية هو الانعزال والانفصال وعدم اللقاء، وتعني أيضاً [ يرحل، ينسحب من، يستسلم ل، تدهور] ومن هذا الكلمة يشتق المعنى [عصيان – ارتداد – هروب]، وطبعاً هذا واضح جداً من هروب آدم من وجه الله، هذا الذي يحدث في حياتنا العملية حينما نهرب من مواجهة الله في الصلاة، أو قراءة كلمة الحياة لتنقية القلب وشفاء النفس، أو الاجتماع الكنسي المملوء من حضور الله، على الأخص لو كان الخادم أمين يوصل كلمة الله كما هي ببرهان الروح والقوة.
=========================
[1] ظل يطيع
[2] (فيلبي 2: 7 – 8)
[3] (أنظر المزمور 118)
[4] (أشعياء 17: 7 – 8)
[5] لم يطيعوا ولم يسمعوا ويصغوا أي أنهم لم يهتموا أن يصغوا لصوتي ليطيعوني أنا، بل اقتنعوا ومالوا لمشورات أنفسهم حسب تخيلاتهم الخاصة أي مشورات قلبهم الشرير المُعاند، فساروا عكس الاتجاه للخلف لا للأمام وأنا اتقدمهم أي بمعنى رفض الله قائداً لهم.
[6] hard, difficult, severe, fierce, harsh, ill-treated, obstinacy, stubbornness= صعبه، شديدة، شرسة، قاسية، عنيفة، سوء مُعاملة، عناد، إصرار
[7] physically, socially or morally أكثر سوء (وتُفيد في المعنى العبري حسب جذر الكلمة للكسر والهدم) من آبائهم جسدياً واجتماعياً وأخلاقياً
[8] (أنظر أرميا الإصحاح السابع بكاملة وذلك للأهمية)
[9] (تكوين 1: 16 – 17)
[10] (تكوين 3: 6)

رد مع إقتباس