عرض مشاركة واحدة
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 7 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:26 AM ]


[4- جـ] التعبير [لحماً ودماً]:
يُصوَرُ ضعف الطبيعة الإنسانية وسرعة زوالها، أي يُعبَّر عن ضعف بشريتنا، وأيضاً يُعبَّر كتعبير رئيسي في العهد الجديد على الوقوع تحت سلطان عبودية الخطية والموت، لذلك مكتوب: [أن لحماً ودماً لا يقدران ان يرثا ملكوت الله] [1]، وذلك بسبب طبيعة الإنسان الساقطة تحت سلطان الموت الناشئ من تيار الفساد الذي سطا سطواً على إنسانيتنا التي سقطت بحريتها وإرادتها، فتغيرت الطبيعة البشرية من حالة مجد وشركة مع الله في النور، لحالة من الهوان والظلمة التي لا تقدر أن تتعامل مع الله النور الحقيقي، لأن عندما يُشرق الله تتبدد الظلمة وتتلاشى، لذلك قال الله لموسى لا يراني إنسان ويعيش، لا لأنه يريد أن يُميت الإنسان بل لأن طبيعة ظلمة الإنسان لن تحتمل نور الله وبهاء مجده، لذلك حينما رأى الشعب لمحة من نور الله على وجه موسى صرخوا ولم يحتملوا فوضع برقع ليستطيعوا النظر إليه.
[فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضاً كذلك فيهما، لكي يُبيد بالموت ذاك الذي له سُلطان الموت، أي إبليس، ويعتق أولئك الذين – خوفاً من الموت – كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبودية] [2]
فهذا اللفظ [لحم ودم] يُشير لحالتنا الساقطة كمخلوقات من (لحم ودم)، أي في حالتنا الطبيعية كبشر واقعين تحت سلطان الموت (لأن إلى الآن الجسد يفسد ويموت) لا نستطيع المشاركة في مجد الله: [إن لحماً ودماً لا يقدران أن يرثا ملكوت الله، ولا يرث الفساد عدم الفساد][3]، فالذي يرث ملكوت الله فقط هو الإنسان الجديد النوراني المخلوق حسب الله في القداسة والحق، أي المولود من فوق وله طبع سماوي، أي المولود من الله: الذين ولدوا ليس من دمٍ ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله[4]؛ لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها[5]؛ وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البرّ وقداسة الحق[6]
+ مصطلح لحماً ودماً ورؤية الله ومعرفته الحقيقية وحرب القوات الشريرة
أيضاً تعبير لحماً ودماً يوجه قلب الإنسان لمعرفة الله الحقيقية واستعلانه الخاص عن نفسه بواسطة الابن [الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خَبَّرّ – يوحنا 1: 18]، فتعبير لحمٍ ودمٍ يدل على عجز المعرفة الإنسانية بطبيعة الله النورانية، وذلك لأنها مرتبطة بظلمة الموت المُحيطة بالذهن الذي انطفأ فيه النور الإلهي منذ السقوط الأول، لذلك – عادةً – يفشل الإنسان في إقامة علاقة حقيقية اختبارية سليمة وعميقة (متأصلة في الحق) مع الله القدوس، وبالتالي لا يقدر على معرفته الحقيقية، لأن هذا هو الخبر الذي سمعناه منه (المسيح) الله نور وليس فيه ظلمة البتة (1يوحنا 1: 5)، فالظلمة لا تستطيع أن تجتاز السماوات وتأتي للنور، لأن الظلمة حسب طبيعتها سلبية لا تتواجد عندما يُشرق النور، فالظلمة تهرب من أمامه وتتلاشى لأنها لا تحتمل قوة النور وسلطانه، لذلك لا توجد شركة بين الظلمة والنور، لا بد من أن تتغير وتتبدل الظلمة بالنور لكي تحتمل النور: لأن عندك ينبوع الحياة، بنورك نرى نوراً (مزمور 36: 9)

فالإنسان بحسب طبيعته الساقطة وسيطرة الخطية على قلبه بالموت، لا يقدر أن يرى الله أو يتعرف عليه حتى لو حاول أن يقترب إليه عن طريق أعماله الصالحة كلها، لأن النبع التي تنبع منه نفسه مُرّ، لذلك معرفة الله الحقيقية لا تأتي على مستوى اللحم والدم، بل تأتي برؤية خاصة مُعلنه من السماء في داخل القلب سراً كما قال الرب لبطرس حينما قال أنت هو المسيح ابن الله الحي: [إن لحماً ودماً (حسب الترجمة الحرفية) لم يُعلن لك لكن أبي الذي في السماوات] [7]، وهذا يعني بالطبع أن يترك الإنسان نهائياً كل جهد شخصي للاستناد على الرؤية الإلهية بالسلطان الإنساني حسب جهده وعمله الشخصي: [لما سُرَّ الله الذي أفرزني (اختارني وخصصني) من بطن أمي. ودعاني بنعمته. أن يُعلن ابنه فيَّ لأُبشر به بين الأمم، للوقت لم استشر لحماً ودماً] [8]
+ تعبير دمٍ ولحم ومعركة الإيمان [الحرب الروحية]
ويأتي نفس التعبير (دمٍ ولحم) ليدل على معركة الإيمان مع قوات الشرّ، إذ يُظهر أن حربنا الروحية ليست مع دم ولحم لذلك يقول الرسول: فأن مُصارعتنا ليست مع دمٍ ولحم، بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات[9]، وأن لهذه الحرب سلاحها الخاص، ولا نستطيع إيجاد الأسلحة في قدراتنا النفسية ولا طاقتنا الشخصية أو حتى الفكرية، ولا في أخلاقنا الشخصية، ولكن اتكالنا على الله واستنادنا عليه هو سر نصرتنا بسلاحه الكامل: [البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس [10]؛ من أجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير وبعد أن تتمموا كل شيء أن تثبتوا] [11]

عموماً الإنسان المسيحي يخوض معركتين، معركة داخلية وأخرى خارجية. ويقول القديس مقاريوس الكبير:
[الإنسان الذي يريد حقيقة أن يُرضى الله ويكون معادياً حقاً للعدو الشرير، ينبغي أن يقاتل في معركتين. معركة منهما تكون في الأمور المنظورة لهذه الحياة، وذلك بأن يتحول تماماً ويبتعد من الارتباكات الأرضية ومحبة الارتباطات العالمية ومن الشهوات الخاطئة.
والمعركة الأخرى تحدث في الداخل - في الخفاء ضد أرواح الشر نفسها، كما يقول الرسول "فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء، مع أجناد الشر الروحية في السماويات".

فالإنسان حينما تعدى الوصية وطرد من الفردوس، صار مقيداً من ناحيتين، وبقيدين مختلفين. أحد هذين القيدين كان عن طريق هذه الحياة، أي في اهتمامات المعيشة ومحبة العالم، أعني محبة اللذات الجسدية والشهوات، ومحبة الغنى والعظمة والمقتنيات والزوجة والأولاد، والأقرباء والأهل والبلد، والأمكنة الخاصة، والملابس وكل الأشياء الأخرى المتصلة بالحواس [12]، والتي تحثه كلمة الله على أن ينفك منها باختياره، (حيث أن ما يربط أي انسان بكل أمور الحواس انما يكون باختياره ورضاه)، حتى إذا تحرر من كل هذه الاهتمامات يستطيع أن يحفظ الوصية حفظاً كاملاً. وإلى جانب هذا الرباط - ففي كيان الإنسان الداخلي، تكون النفس محاصرة بسياج ومربوطة بقيود الظلمة من أرواح الشر، فيكون الإنسان غير قادر أن يحب الرب كما يريد، أو أن يؤمن كما ينبغي، أو أن يصلي كما يرغب. فمن كل ناحية توجد مقاومة سواء في الأمور المنظورة والظاهرة أو في الأمور الخفية غير المنظورة، وهذه المقاومة قد نتجت وصارت فينا من سقوط الإنسان الأول.

لذلك فحينما ينصت أي انسان لكلمة الله ويقبلها، ويدخل في المعركة ويلقي عنه اهتمامات [13] هذه الحياة ورباطات العالم وينكر كل اللذات الجسدية ويتحرر منها، فبعد ذلك إذ يلازم الرب وينتظره بمثابرة في الصلاة وبمداومة، فانه يصير في وضع يُمكنه من أن يكتشف وجود حرب أخرى في داخل قلبه، أنه يكتشف مقاومة خفية وحرب أخرى مع إيحاءات أرواح الشر وتنفتح أمامه معركة أخرى.
وهكذا بوقوفه ثابتاً صارخاً إلى الرب بإيمان لا يتزعزع وصبر كثير، منتظراً الحماية والمعونة التي تأتي منه، فأنه يستطيع أن يحصل من الرب على حرية داخلية من القيود والسياجات والهجمات وظلام أرواح الشر التي تعمل في مجال الشهوات والأهواء الخفية.
ولكن هذه الحرب تبطل وتنتهي تماماً بنعمة الله وقوته. فلا يستطيع إنسان بنفسه، أن ينقذ نفسه بقوته الخاصة من مقاومة وغوايات الأفكار والشهوات الداخلية وحيل الشر.
أما إذا كان الإنسان مربوطاً بالأمور المادية الحسية التي لهذا العالم، وواقعاً في شرك الرباطات الأرضية المتنوعة ومنساقاً بشهوات الشرّ، فأنه لا يستطيع حتى أن يكتشف وجود معركة أخرى، وأن هناك حرب تدور في داخل نفسه.
فالإنسان حينما يدخل المعركة ويتحرر من الرباطات العالمية الخارجية ويحل نفسه من الأمور المادية ولذات الجسد ويبتدئ أن يتعلق بالرب ويلتصق به مفرغاً نفسه من هذا العالم فانه حينئذ يستطيع أن يرى ويكتشف حرب الشهوات والأهواء الداخلية التي تحدث في باطنه. ويصير واعياً عارفاً بهذه الحرب الداخلية، حرب الايحاءات الشريرة.
وكما قلت سابقاً، فانه إذا لم يناضل وينكر العالم ويتحرر من الشهوات الأرضية بكل قلبه ويشتهي ويصمم بكل نفسه أن يصير ملتصقاً كُليةً بالرب، فأنه لا يكتشف ويعرف خداع أرواح الشرّ الخفي وشهوات الشرّ الخفية. ويظل غريباً عن نفسه ولا يعرف أنه مجروح من الداخل وأن فيه شهوات خفية وهو لا يدري بها. لأنه لا يزال مربوطاً بالأشياء الخارجية ومتعلقاً بأمور هذا العالم وارتباكاته برضاه وموافقته.

ولكن الإنسان الذي رفض العالم حقاً وطرح عنه ثقل هذه الأرض وألقى عنه الشهوات الباطلة الجسدية، وشهوات المجد والسلطان والكرامات البشرية وابتعد عنها جميعها بكل قلبه - (حيث أن الرب يعطيه النعمة والمعونة سراً في هذا الصراع المستمر، حتى انه يتنكر للعالم تماماً) - ووضع في قلبه بثبات أن يخدم الرب ويعبده ويلتصق به بكل كيانه، جسداً ونفساً، مثل هذا الإنسان، أقول، انه يكتشف وجود المقاومة، أي الأهواء الخفية والقيود غير المنظورة والحرب الخفية - أي المعركة والصراع الداخلي، وهكذا اذ هو يتوسل إلى الرب، فانه ينال السلاح السماوي: سلاح الروح القدس، الذي وصفه الرسول المبارك بقوله "درع البر، وخوذة الخلاص، وترس الايمان، وسيف الروح" [14]. وإذ يتسلح بهذه الأسلحة فانه يستطيع أن يقف ضد خداعات ابليس، حتى رغم كونه محاطاً بالشرور.

واذ قــد سلـَّح نفســه بهذا الســلاح بكل صــلاة ومواظبــة وطلبــة وصــوم مـع الايمــان، فانــه يصيـر قــادراً أن يُحــارب ضد الرئاسـات والسلاطين وولاة ظلمــة هذا العالــم، وهكذا بانتصــاره على القوات المعاديــة بمساعدة الـروح القدس مـع سعيــه وغيرتــه في كل فضيلة فانــه يكون مُعـداً للحيــاة الأبديــة، مُمجـداً الآب والابن والروح القدس الذي له المجـد والقـدرة إلى الأبـد آمين] [15]
==================
[1] (1كورنثوس 15: 50)
[2] (عبرانيين 2: 14 – 15)
[3] (1كورنثوس 15: 50)
[4] (يوحنا 1: 13)
[5] (أفسس 2: 10)
[6] (أفسس 4: 24)
[7] (متى 16: 17)
[8] (غلاطية 1: 15 – 16)
[9] (أفسس 6: 12)
[10] (أفسس 6: 11)
[11] (أفسس 6: 13)
[12] (طبعاً محبة الأهل والأولاد والوطن واجب مطلوب لكن القصد هنا هو الاهتمامات التي تتعدى لتصل أن تكون هي الأساس والقاعدة ومتقدمة على الله، أي هي الأساس في حياة الإنسان التي تمنعه وتعوقه عن تبعيته بأمانة للنفس الأخير)
[13] (الارتباك بالاهتمامات الأرضية)
[14] (أفسس 6: 4)
[15] (من عظات القديس مقاريوس الكبير عظة 21)

رد مع إقتباس