عرض مشاركة واحدة
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 17 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:19 AM ]


(2) الديانة الباطنية
===============
أ - أولوية الديانة الباطنية
حينما أندمج الشعب في حرفية الطقوس، وعلى الأخص الكهنة، إذ تعلَّقوا بالرتبة الطقسية وافتخروا بوضعهم وسط الشعب كنوع من أنواع التمايُز، مع إهمال العلامة المتعلَّقة بها. ومن هنا أتت تحذيرات الأنبياء الذين أعلنوا صوت الله وتوبيخه بسبب ذلك الانحراف[1]!!!

وقد نُخطئ أحياناً في تبين نية الأنبياء حينما يوبخون على العبادة الشكلية ونظن أنهم يلغون الطقس، ولكن في الحقيقة والواقع الاختباري الحي، فإنهم لا يشجبون الذبيحة في ذاتها لأنها موضوعه بأمر إلهي في الأساس، ولكن ينددون بالانحرافات الطارئة عليها، وعلى وجه الخصوص الممارسات الكنعانية الدخيلة التي لا تُرضي الله أبداً، لأن حتى على مستوانا الشخصي أحياناً نبالغ في شكل العبادة الخارجية التي تكون عادةً بلا روح أو قلب مستقيم، بل وأحياناً كثيرة نضع فكرنا الشخصي ونُضيف عليها ما هو جديد بحسب الشكل والمظهر الذي يُرضينا نحن وليس ما يُرضي الله الحي، وهذا ما أعلنه هوشع في كلماته التي توبخنا نحن بالدرجة الأولى، وتوبخنا جداً وتظهر عورة القلب الداخلية: [شعب يسأل خشبة، وعصاه تخبره لأن روح الزنى قد أضلَّهم، فزنوا من تحت إلههم، يذبحون على رؤوس الجبال ويبخرون على التلال تحت البلوط واللُبْنى والبطم [2] لأن ظلها حسن، لذلك تزني بناتكم وتفسق كناتكم] [3]

فكثرة الطقوس وتشعبها ليست في حد ذاتها تُمجد لله، بل إن هذا التعدد لم يوجد في السابق:
+ [هل قدمتم لي ذبائح وتقدمات في البرية أربعين سنة يا بيت إسرائيل] [4]
+ [لم تحضر لي شاة محرقتك، وبذبائحك لم تُكرمني (تُمجدني). لم أستخدمك (ألزمتك) بتقدمه، ولا أتعبتك بلبان (لبان البخور). لم تشترِ لي بفضة قصباً، وبشحم ذبائحك لم تروني (أرويتني)، لكن استخدمتني (ألزمتني) بخطاياك وأتعبتني بآثامك] [5]
+ [لأني لم أكلم آبائكم ولا أوصيتهم يوم أخرجتهم من أرض مصر من جهة محرقة وذبيحة، بل إنما أوصيتهم (أمرتهم) بهذا الأمر قائلاً: اسمعوا صوتي فأكون لكم إلهاً وأنتم تكونون لي شعباً، وسيروا في كل الطريق الذي أوصيكم به ليحسُن إليكم (يطيب إليكم)، فلم يسمعوا ولم يميلوا أُذنهم، بل ساروا في مشورات وعناد قلبهم الشرير وأعطوا القفا لا الوجه (أداروا لي ظهورهم لا الوجه)] [6]

فالطقس وعلى الأخص تقدمة الذبيحة، إذا تجردت من استعدادات القلب من توبة وإيمان حي وطاعة صوت الله، تنقلب عملاً باطلاً ورياء فج، إذ تتحول للشكل والصورة، فضلاً على أنها تُغضب الله إذا صاحبها مشاعر كلها شرّ، وأفكار ملوثة بالخطية وسلوك منافي لوصية الله!!!
+ [هلم إلى بيت إيل (اذهبوا إلى بيت إيل) وأذنبوا إلى الجلجال وأكثروا الذنوب (تعالوا إلى بيت إيل وارتكبوا المعاصي، وفي الجلجال أكثروا من ارتكابها) واحضروا كل صباح ذبائحكم وكل ثلاثة أيام عشوركم وأوقدوا من الخمير تقدمة شكر ونادوا بنوافل (تبرعات) وسَمِعوُا (نادوا بتقدمات وأذيعوها)] [7]
+ [لماذا لي (ما فائدتي – ماذا استفيد من) كثرة ذبائحكم يقول الرب. أتخمت (شبعت) من محرقات كباش وشحم مسمنات، وبدم عجول وخرفان وتيوس، ما أُسرّ (لا يُرضيني) حينما تأتون لتظهروا أمامي (تعبدوني)، من طلب هذا من أيديكم أن تدوسوا دُوري (دياري – بيتي). لا تعودوا تأتون (إليَّ) بتقدمة باطلة، البخور (الرجس – الغريب عن التقوى) هو مكرهة لي، رأس الشهر والسبت ونداء المحفل (الأعياد الإلهية)، لست أطيق الإثم والاعتكاف (التفرغ للعابدة مع عدم التوبة عن الإثم)، رؤوس شهوركم وأعيادكم بغضتها نفسي وصارت عليَّ ثقلاً مللت حملها، فحين تبسطون أيديكم أستر عيني عنكم، وإن أكثرتم الصلاة لا أسمع، أيديكم ملآنة دماً، اغتسلوا تنقوا (تزكوا)، اعزلوا (أزيلوا وأقطعوا) شرّ أفعالكم من أمام عيني، كفوا عن فعل الشرّ] [8]

ويُركز الأنبياء بشدة، بحسب بلاغتهم في اللغة، على أولوية النفس في علاقة طاعة تنعكس على سلوكها اليومي، فتستقيم الحياة وتنشأ علاقة حية سوية مع الله:
+ [وليجر الحق كالمياه والبرّ كنهرٍ دائم [9]؛إني أُريد رحمة لا ذبيحة، ومعرفة الله أكثر من محرقات [10]؛ قد أُخبرك أيها الإنسان ما هو الصالح، وماذا يطلبه منك الرب؛ إلا (ليس غير) أن تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعاً مع إلهك] [11]

ولنا أن نعرف أن الأنبياء لا يضيفون شيئاً جديداً أو يشرحوا أصول العبادة بطريقة جديدة، لأن تعليمهم ليس إلا امتداد لنفس التعليم الذي خُطْ في عهد سيناء بصوت الرب نفسه عن طريق موسى النبي:
+ [فالآن إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون ليس خاصة من بين جميع الشعوب. فأن لي كل الأرض [12]؛ وأخذ كتاب العهد وقرأ في مسامع الشعب: فقالوا كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع له، وأخذ موسى الدم ورش على الشعب وقال هوذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم على جميع هذه الأقوال] [13]

وهذا التعليم تقليد ثابت لا يتغير ومحفوظ لكل زمان بالطبع ونافع لنا أيضاً:
+ [فقال صموئيل: هل مسرة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب، هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة، والإصغاء أفضل من شحم الكباش] [14]
+ [وقد علمت يا إلهي أنك أنت تمتحن القلوب وتُسرّ بالاستقامة. أنا باستقامة قلبي انتدبت (تبرعت) بكل هذه، والآن شعبك الموجود هنا رأيته بفرح ينتدب (يتبرع) لك] [15]
+ [ذبيحة الأشرار مكرهة الرب وصلاة المستقيمين مرضاته] [16]
+ [فعل العدل والحق أفضل عند الرب من الذبيحة.. ذبيحة الشرير مكرهة فكم بالحري حين يقدمها بغش] [17]
+ [بذبيحة وتقدمة لم تُسرّ – أُذني فتحت محرقة وذبيحة خطية لم تطلبحينئذٍ قلت هنذا جئت (ها أنا آتٍ) بدرج الكتاب مكتوب عني أن أفعل مشيئتك يا إلهي سُررت (في هذه مسرتي). وشريعتك في وسط أحشائي (في صميم قلبي شريعتك) بشرت ببرّ في جماعة عظيمة. هوذا شفتاي لم أمنعهما أنت يا رب عَلِمْتَ] [18]؛ [وللشرير قال الله: ما لك تُحدث (وتروي) بفرائضي وتحمل عهدي على فمك وأنت قد أبغضت التأديب وألقيت كلامي خلفك (ورائك – أهملت أن تعيش به)، إذا رأيت سارقاً وافقته، ومع الزناة نصيبك (إذا رأيت سارقاً صاحبته، ولا تُعاشر إلا الزُناة)، أطلقت فمك بالشرّ ولسانك يخترع غشاً (يختلق مكراً)، تجلس وتتكلم على أخيك (بكلام غير صالح)، لابن أمك تضع معثرة (تفتري على ابن أُمك وتضع أمامه ما يعثره ليسقط)، هذه صنعت وسكت (فعلت هذا وأنا ساكت عنك أتمهل عليك)، ظننت إني مثلك، أوبخك (لكني الآن أُوبخك)، وأصف (أُعدد – أضعها في صف) خطاياك أمام عينيك، أفهموا هذا يا أيها الناسين الله لئلا يفترسكم (أمزقكم – القصد العقاب) ولا منقذ، ذابح الحمد يُمجدني والمقوِّم طريقه أريه خلاص الله (الحمد هو الذبيحة التي تُمجدني، ومن قَوَّم طريقه أريه خلاصي)] [19]
+ [أُسبح اسم الله بتسبيح وأُعظمه بحمد فيُستطاب عند الرب أكثر من ثور بقر ذي قرون وأظلاف، يرى ذلك الودعاء فيفرحون وتحيا قلوبكم يا طالبي الله] [20]
+ [الذابح من كسب الظلم يُستهزأ بتقدمته (الذبيحة بمال الحرام مهزلة)، واستهزاءات الأثماء ليست بمرضية (كل ما يقدمه الظالمون غير مقبول)، الرب وحده للذين ينتظرونه في طريق الحق والعدل، ليست مرضاة العلي بتقادم المنافقين ولا بكثرة ذبائحكم يغفر خطاياهم (العلي لا يرضى بقرابين الأشرار، ولا بكثرة ذبائحهم يغفر خطاياهم)، من قدم ذبيحة من مال المساكين فهو كمن يذبح الابن أمام أبيه.. واحد صلى والآخر لعن فأيهما (فلمن منهما يستمع) يستجيب الرب لصلاته، من اغتسل من لمس ميت ثم لمسه فماذا نفعه غسله، كذلك الإنسان الذي يصوم عن خطاياه ثم يعود يفعلها من يستجيب لصلاته وماذا نفعه (ينفعه) اتضاعه] [21]

وفي الواقع أن تقديم الذبيحة الباطنية أي من دخل القلب قبل الخارج، ليست بديلاً عن تقدمة العبادة الخارجية، فلا تلغيها أو تشجبها أو تنسخها، بل هي تعتبر الأساس أو الجوهر: لأنك لا تُسر بذبيحة وألا فكنت أُقدمها. بمحرقة لا تَرضَى. ذبائح الله هي روح منكسرة، القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره. أحسن برضاك إلى صهيون، ابن أسوار أورشليم، حينئذٍ تُسرّ بذبائح البرّ محرقة وتقدمة تامة حينئذٍ يصعدون على مذابحك عجولاً] [22]

وهذه الذبيحة الباطنية هي جوهر وأساس الطقس الحقيقي:
+ [من حفظ الشريعة فقد قدَّم ذبائح كثيرة، من رعى الوصايا فقد ذبح ذبيحة الخلاص (ذبيحة السلامة)، ومن أقلع عن الإثم فقد ذبح ذبيحة الخطية وكفر ذنوبه، من قدم السميذ فقد وفى بالشكر، ومن تصدق فقد ذبح ذبيحة الحمد، مرضاة الرب الإقلاع عن الشرّ، وتكفير الذنوب الرجوع عن الإثم، لا تحضر أمام الرب فارغاً فأن هذه كلها تُجري طاعة للوصية (تأمر بها الشريعة)، تقدمة الصديق تُدَسمُ المذبح (دسم على المذبح) ورائحتها طيبة أمام العلي، ذبيحة الرجل الصديق مرضية (مقبولة) وذكرها لا يُنسى، مجد الرب عن قُرَّة عين (أكرم الرب بعين سخية) ولا تُنقص من بواكير يديك (لا تبخل عليه من بواكير غلالك)، كن بشوش الوجه في كل عطية، وكرس للرب عُشر غلالك بفرح... إياك والذبيحة التي بها عيب (لابد من أن تكون اي عطية لله أفضل ما عندك)، الرب ديان، وهو لا يعرف المُحاباة.. من يتعبد للرب بكل قلبه يَتَقَبلهُ الرب، وصلاته تبلغ اليوم، صلاة المتواضع تخترق الغيوم، ولا يتعزى إلى أن يبلغ غايته، ولا يستريح حتى يراه العلي.. (الرب) يُجازي الناس بحسب أعمالهم، ونياتهم] [23]

وهذا التيار الروحي الأصيل يشجب التقوى السطحية القائمة على المصلحة التي تقوم على كبرياء القلب وطلب مديح الناس، أو مخالفة الوصية التي هي حياة النفس، وقد أثار في النهاية هذا المنهج الروحي الأصيل، جدلاً حول الطقوس ذاتها – من جهة النسك بحرفيتها وشكلها بدون جوهرها – التي أدت لمقاومة الأنبياء ورفض صوت الله على أفواههم، لأن الكثيرين فضَّلوا الشكل عن الجوهر لأجل كبرياء القلب ومديح الناس، وكان الأنبياء في هذا كله بمثابة الممهدين للعهد الجديد بشأن جوهر الذبيحة وفعلها الحقيقي وليس في مجرد طقس مُقدَّم في عبادة شكلية، ويلزمنا هُنا أن ندرك أن الطقس وترتيبه ونظامه مهم جداً ولم يلغه الله بالرغم من كل كلمات الأنبياء الشديدة التحذير والتوبيخ، إنما كان يُشير إلى الانحرافات التي حدثت كما رأينا من عدم استقامة النفس وتقديم توبة حقيقية من القلب والالتزام بكل حرفية العبادة من جهة الشكل والمظهر فقط، لكن أن قُدِّم الطقس حسب أمر الله بكل طاعة وقلب مستقيم، فأنها كفيلة ان ترفع الإنسان لأعلى مستوى سماوي فائق يُفرِّح القلب ويُعطي قوة شركة حقيقية مع الله الحي.
============================
[1] الذي لا زال البعض يُعاني منه اليوم في الكنيسة
[2] (شجرة برية صغيره الورق صمغها قوي الرائحة)
[3] (هوشع 4: 12 – 13)
[4] (عاموس 5: 25)
[5] (أشعياء 43: 23 – 24)
[6] (إرميا 7: 22 – 24)
[7] (عاموس 4: 4و5)
[8] (إشعياء 1: 11 – 16)
[9] (عاموس 5: 24)
[10] (هوشع 6: 6)
[11] (ميخا 6: 8)
[12] (خروج 19: 5)
[13] (خروج 24: 7 – 8)
[14] (1صموئيل 15: 22)
[15] (1أيام 29: 17)
[16] (أمثال 15: 8)
[17] (أمثال 21: 3 و27)
[18] (مزمور 40: 7 – 9)
[19] (مزمور 50: 16 – 23)
[20] (مزمور 69: 30 – 32)
[21] (سيراخ 34: 21 – 31)
[22] (مزمور51: 16 – 19)
[23] (مقتطفات من سفر سيراخ إصحاح 35 حسب الترجمة السبعينية)

رد مع إقتباس