عرض مشاركة واحدة
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 10 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: سر التقديس في المسيح - موضوع روحي لاهوتي يختص بحياتنا حسب التدبير وتجسد الكلمة

كُتب : [ 05-29-2020 - 05:03 AM ]


8 - التقديس والتبني كخبرة وعلامته في الإنسان
===========================
بحسب الحق المُعلن في الإنجيل وحسب التسليم الرسولي فالتجسد باختصار شديد وتركيز: [الله صار جسداً، حتى كل ذي جسد يتقدس ويصير مقراً صالحاً لسكنى الله وحلوله الخاص]، وهذا هو ما عبر عنه الآباء بلفظة [التأليه] أي الاتحاد بالله، وهذا معناه التطبيقي أن كل واحد فينا مدعو ليتشكل بطبع آخر جديد مختلف كُلياً عن طبعنا الإنساني الساقط، طبع سماوي وهو طبع المسيح الرب، أي بمصطلح القديس بولس الرسول: (خليقة جديدة)، والخليقة الجديدة هي الطبع السماوي الذي لنا في المسيح يسوع = [نلبس المسيح]، وبذلك فقط نستطيع أن نرتفع لفوق، وذلك بسبب أن المسيح الرب قام وصعد بجسم بشريتنا، فصار مقر وجودنا فوق حيثما المسيح الرب جالس، وذلك بكوننا منتمين إليه لأنه اتخذ جسداً:
+ وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء؛ أيها الآب أُريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيثُ أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتني لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم. إذاً أن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً؛ وأما من التصق بالرب فهو روح واحد. (يوحنا 3: 13؛ 17: 24) (1كورنثوس 5: 17؛ 6: 17)
أي باختصار شديد نحن نتغير بدوام واستمرار لصورة المسيح الرب، ولا نصعد إلى فوق بقدراتنا ولا بأعمالنا الخاصة بل نصعد لله في الروح القدس، إذ أن الروح القدس روح البنوة هو الذي يُغيرنا إلى صورة الابن الحبيب ومن خلاله نتقدم لله الآب فنرتفع بالروح إلى فوق ونقول له أبانا وهذا هو قصد الآباء من كلمة التأليه التي تُمارس في جو الشركة والصلاة: ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة، نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح. (2كورنثوس 3: 18)

وهذا هو التعليم الرسولي الآبائي الصحيح والمستقيم، والذي هو إيماننا الحي بتجسد الكلمة، وفعله العملي الواقعي فينا بالروح القدس، فمن يقول أني أؤمن بالتجسد يحيا على هذا المستوى ويسعى إليه بكل طاقته، لأن التجسد ليس نظرية ولا فكرة فلسفية، ولا مجرد احتفال بالمسيح الله الظاهر في الجسد ونحن بعيدين عنه وهو بعيد عنا، أي هو في مكانه الذي يخصه، ونحن في مكاننا الخاص بنا مُنعزلين عنه، وهو دائماً في فكرنا شخصية تاريخية أو مجرد علم أو معرفه، لأن الشيطان نفسه بعد موت الرب على الصليب عرف أنه هو المسيح الكلمة المتجسد، فلو صدقنا فقط أنه الكلمة المتجسد أي الله الظاهر في الجسد، فماذا يفرق إيماننا هذا عن الشيطان الذي صدق ولكنه لم ولن يستطيع أن يلتصق بالرب إطلاقاً ويستحيل أن يتغير إليه أو يصير خليقة جديدة.

أيها القارئ العزيز، أن المراحل التي جاء بها الابن الحبيب إلينا واتحد بنا حتى الموت لأجلنا، هي المراحل عينها التي بها يضُمنا إليه ويوحَّدنا به، ويقودنا إلى الآب نبع الخيرات السماوية، إلى أن يجعلنا نتشرب بالتمام من حياته فيُحيينا بحياته الخاصة.

وهذه مراحل الطريق الوحيد الذي هو المسيح الرب بشخصه [أنا هو الطريق والحق والحياة، ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي (يوحنا 14: 6)]، يكشفها لنا العهد القديم بالصور بروح النبوة والإلهام، ويُحققها يسوع المسيح اللوغوس الكلمة المتجسد فينا بروحه الساكن في أوانينا الخزفية؛ وهي كالآتي وكما أُعلنت عبر التاريخ الإنساني في العهد القديم: [الخلق والوعد، الفصح والخروج، العهد والملكوت، الجلاء والعودة، التجديد وانتظار ملء الزمان].

فالعهدان، القديم والجديد، واللذان هما عهد واحد في جوهرهم، قد حفرا في قلب التاريخ هذا الفصح العظيم، فصح التجسد المؤلِّه، أي هو سرّ اتحاد الله بالإنسان، ورِفعَة الإنسان للمجد الإلهي في المسيح يسوع بعمل روح الله الذي قدسنا وخصصنا لله الحي كأبناء وليس كعبيد، وهو بذاته يعيش في داخلنا ويطبع فينا ملامحه الخاصة (بصورة نسبية) لنكون صورته فعلياً وليس كمجرد فكرة تُشبع العقل وتصلح للعظات من فوق المنابر، بل حقيقة معلنه فينا وواضحة على قدر ما نقترب منه كل يوم ونأخذ من ملئه نعمة فوق نعمة.

فعلينا الآن أن ننتبه بقلوبنا ونركز أحاسيسنا في عمل الله باستنارة الذهن بالروح، فالكتاب المقدس بهذه الطريقة التي نشرحها لا كحرف إنما كخبرة وحياة، يصير حياة الله فينا بالسرّ، مع ملاحظة أنه لم يعد معرفة السرّ الإلهي مجرد علم وثقافة ومعلومات جديدة وأبحاث، بل هو حدث يحققه الروح القدس ويُتممه فينا بتقديسنا الواقعي وتغييرنا الفعلي لشكل وصورة المسيح الرب، وتصير فينا كل يوم إشراق جديد بقوة أعظم طالما نحن نحيا بالتوبة والإيمان ولقاء الله الحي وجهاً لوجه في الصلاة وقراءة الكلمة (في مخدعنا ووسط الكنيسة وشركتها) بانفتاح الذهن المستمر بالنعمة.

عموماً الأمر لا يتعلق بفهم الطرق التي بها يُقدسنا المسيح الرب بروحه الساكن فينا، لأن فهمها وشرحها بالتفصيل يعسُر علينا جداً، بل المهم هو أن نتمكن من أن نحيا على هذا المستوى بقوة الله وعمله السري الباطني في داخلنا.
وعموماً الذي يجعلنا نحيا حياة التقديس والاتحاد بالله أي التأليه (كما سبق وشرحنا)، بعمق وكثافة وازدياد هي الإفخارستيا، لأن على قدر اشتراكنا فيها بوعي الإيمان الحي فنحن ندخل في سرّ التبني وحياة القداسة لابسين المسيح الرب الذي يرفعنا لمستواه الإلهي، فعلى قدر التحام الرب بنا وقربه منا، على قدر ما يكون اتحادنا به وقربنا منه.

فالقداسة المسيحية التي بها نُعاين الرب هي عملية رِفعه للمستوى الإلهي، أي الاتحاد بالله في المسيح، لا بقدرتنا ولا بأعمالنا لأننا لن نقدر أن نعمل ونحققه بأنفسنا، بل بعمل نعمته فينا حسب تدبيره الخاص، وذلك لأننا نشترك – في بشريتنا الواقعية المحسوسة – في بنوة المسيح من جهة أنه زرع نفسه فينا باتحاد غير قابل للافتراق، فأعطانا سمة بنوته وملامحها صارت فينا، وطبعاً نحن لا نشترك في بنوية المسيح الرب الطبيعية، بل نحن نأخذ البنوة بالتبني وليس طبيعياً ولا بالمساواة، فنحن صرنا بسبب تجسد الكلمة وانتساب الجسد له، [منتسبين إليه]، لذلك صرنا ابناء لله بالتبني في المسيح يسوع الكلمة الظاهر في الجسد: وأما كل الذين قبلوه (قبلوا الله اللوغوس المتجسد) فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه، الذين ولدوا (خليقة جديدة - إذاً أن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة) ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل، بل من الله. (يوحنا 1: 12و 13)

فنحن نتقدس حينما نزداد اتحاداً بناسوت المسيح وبالتالي لاهوته، لأنه لا فصل بينهما على الإطلاق [لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين] (القداس الإلهي): فيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال: خُذوا كلوا. هذا هو جسدي. وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً: أشربوا منها كلكم. لأن هذا هو دمي (أنا – الله الكلمة المتجسد) الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا. (متى 26: 26 – 28؛ مرقس 14: 22 – 24؛ لوقا 22: 19 – 20)

عموماً نجد بوضوح شديد أن الليتورچيا التي هي الإفخارستيا المحتفل بها، تجعلنا نعيش بكثافة تدبير الخلاص، الذي هو تقديسنا في المسيح، من أجل أن نحيا الآن وعلى طول الزمان، هذا الزمان الجديد الذي أُدخلنا فيه من قِبَل التدبير حسب مسرة مشيئة الآب:
+ مُبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح. كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة. إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته. لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب. الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته التي أجزلها لنا بكل حكمة وفطنة. إذ عرفنا بسر مشيئته حسب مسرته التي قصدها في نفسه لتدبير ملء الازمنة ليجمع كل شيء في المسيح ما في السماوات وما على الارض في ذاك الذي فيه أيضاً نلنا نصيباً مُعينين سابقاً حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته. لنكون لمدح مجده نحن الذين قد سبق رجاؤنا في المسيح. الذي فيه أيضاً أنتم إذ سمعتم كلمة الحق إنجيل خلاصكم، الذي فيه أيضاً إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس. الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده. (أفسس 1: 3 – 14)
عموماً الآن نحن في عهد التذكار: أصنعوا هذا لذكري Άνάμνησις anamnesis،
وهو التذكر الحاضر بملء قوة التدبير. ففي الاحتفال الليتورچي تذكر الكنيسة أحداث الخلاص التي صنعها الله في التاريخ، والتي اكتمل تحقيقها في صليب المسيح الرب وقيامته، وهذا هو الحدث الفصحي الذي لنا في الكنيسة، ذلك الذي حدث في التاريخ الإنساني مرة واحدة ولن يتكرر أبداً، هو نفسه قد أصبح الآن معاصراً لكل جيل، بل وفي كل لحظة من حياتنا كلنا:
+ فالمسيح الرب، بكونه قام من بين الأموات، أخترق الزمن المائت، فتحول الزمان إلى أبدية حاضرة مملوءة من حياة الله ومجده، يشعره واقعياً كل من يقرُّب من الله بإيمان ليطلب أن يقدسه ويدخله في حياة الشركة مع شخصه القدوس الحي.
ولنا أن نعلم أن المقصود بالتذكار، ليس مجرد تذكر مواقف وأحداث، إنما هو تذكار من نوع جديد تماماً: فنحن من يتذكر، إلا أن الحقيقة التي نتذكرها لم تعد في الماضي ولا في المستقبل، بل هي حاضرة في ملء قوتها وقوة فعل عملها الآن وعلى مستوى واقعنا اليومي المُعاش، وهكذا تُصبح ذاكرة الكنيسة حاضرة حضوراً بهياً وفعالاً نتذوق منها الخبرة ونأخذ ونمتلئ ونحيا بها ونعيش، لذلك فأن عِبارة [أصنعوا هذا لذكري] لم تكن عبارة للتفكير أو تذكر ماضي أو عرض فكري لمجرد أحداث تاريخية، بل هي قوة حياة ننال منها تقديس فوق تقديس، وقوة فوق قوة.
من هُنا نرى أن الاحتفال بسرّ الليتورچية هو المكان والوقت اللذان يتجلى فيهما ويظهر نهر الحياة الجارف في سر التدبير ليتدفق بغزارة على حياة المسيحي ليُقدسها ويربطها بوحدة واحدة مع الكنيسة في الله، وهنا فقط يصبح كل ما للمسيح الرب هو للإنسان كقوة روح وحياة في داخله مسكوبة حسب مسرة مشيئة الله وتدبيره الصالح، وهنا لن تصبح المسيحية لنا لغو كلام باطل ولا نظريات ولا معرفة عقلية وصراع على الألفاظ، بل معرفة اختباريه واقعية تظهر في حياتنا فيشع منا نور الله فيجذب الجميع إليه فيمجده الكل ويمدح مجد نعمته. (أفسس 1: 6)

رد مع إقتباس