عرض مشاركة واحدة
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 2 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: لماذا احتاج للصلاة موضوع هام لبداية واستمرار ونمو حياتنا الروحية

كُتب : [ 09-20-2018 - 05:42 PM ]


(1) مقدمــــــــــة
من واقع إعلان الحق في الكتاب المقدس، أن أبسط تعريف للإنسان هو: إنسان الحضرة الإلهية، وهذا المُصطلح ليس تعريف فكري فلسفي مُستنتج، أو تعبير موضوع ليجذب الناس لتقرأ الموضوع أو لكي يفرحوا وتطمأن نفوسهم، بل هو تعريف يُعبِّر عن وضع الإنسان الطبيعي حسب قصد الله وتدبير مشيئته.
لأن الإنسان في بداية وجوده انفتحت عينيه على نور الله الحي
الذي لم يعرف غيره في ذلك الوقت قبل السقوط، لأن الله خلق الإنسان على صورته في محضره الخاص، فأول انفتاح للإنسان كطفل بسيط في طبيعته كان على المجد الإلهي الفائق وعظمة نور وجهه المُريح للنفس، لأن أول منظر وأول مشاهدة للإنسان انفتحت عينه عليه هو الله نفسه النور والحياة، لأن هذا كله تم قبل أن يعرف وصية الله نفسها، وقبل أن يتعرَّف على الخليقة من حوله أو حتى يتعامل معها من الأساس، لذلك حياة الإنسان الطبيعية هي في الجو الإلهي، أي في حضرة الله ومعيته والتطلُّع والنظر لنور وجهه، وخارج هذه الحضرة الإلهية، وبعيداً عن هذه الرؤية والمُشاهدة، يظل الإنسان في قلق واضطراب عظيم جداً وعدم راحة أو سلام، مثل طفل تائه فقد أمه ولم يعد يراها أمام عينيه، لأنه خرج خارج مكانه الطبيعي وابتعد عن موضع أمانه وراحته، أي أنه خرج من الحضن الدافئ المُريح، خرج من موضعه الشخصي، من بيته الذي هو منزله الخاص، لأن لا يرتاح المثيل إلا على مثيله، والإنسان كان صورة الله ومثاله قبل السقوط، وبعد السقوط ضاع المثال وتشوهت الصورة، وتغرَّب تائهاً بعيداً عن جوه الخاص، ولكن مع ذلك ظلت هناك ملامح من تلك الصورة مدفونة عميقاً في الإنسان مع حنين لبيته ومكانه الطبيعي، لأن الملامح الإلهية المزروعة فيه لم تضيع نهائياً، لذلك يظل الإنسان على مدى حياته كلها، يفتش تلقائياً بلهفة عن الراحة المفقودة التي في الله مقرّ سكناه ومصدر حياته ووجوده، لذلك يظل هناك حنين قوي – ذات سلطان – في النفس مع شوق وطوق عظيم إلى الحضرة الإلهية، وهذا يُعَبَّر عنه بالعطش إلى الله الحي: عطشت نفسي إلى الله، إلى الإله الحي، متى أجيء واتراءى قدام الله؛ يا الله إلهي أنت، إليك أُبكر، عطشت إليك نفسي، يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء. (مزمور 42: 2؛ 63: 1)
عموماً هناك سؤال مطروح مُحير لكثيرين وهو:
لماذا أُصلي، أو لماذا أحتاج للصلاة،
وهل الله لا يعرف احتياجاتي قبل أن اطلبها!
فما الحاجة للصلاة والله عارف ويعلم كل شيء!
هذا السؤال الذي يحتار فيه الكثيرين، يدل على عدم خبرة التواجد في الحضرة الإلهية ولا لمرة واحدة، وهي تدل على تغرُّب الإنسان عن الحياة المسيحية كلها لأنه لم يتذوق بعد قوة الصلاة وفاعليتها الحقيقية.
أي أن السؤال يُعبَّر عن حالة غُربة الإنسان في أرض يابسة بلا ماء،
لأنه يحيا في صحراء العطش وهلاك النفس، أي أن الإنسان لازال مشرداً بعيداً عن بيته ومكانه الطبيعي، غير مدركاً لقيمته وغير مختبراً لراحة التواجد فيه، وذلك بكونه غريب عن رعية الله، وأن أتى إلى الله فهو يقترب من بعيد جداً، يأتي إليه نزيل وغريب كعبد يمد يده متسولاً، يسأل معجزة أو يرجو أن يُعطيه شيئاً يسد به حاجته الطبيعية حسب الجسد، ثم بعد أن ينال ما يبتغيه يتركه ويمضي لحال سبيله عائداً – مرة أُخرى – لمكانه، أي لأرضه اليابسة تحت سلطان الموت، لذلك في موقف عجيب يشرح الرب نفسه ويؤكد على هذا المعنى في (يوحنا 6: 24 – 50) كالتالي:
+ فلما رأى الجمع أن يسوع ليس هو هناك ولا تلاميذه دخلوا هم أيضاً السفن وجاءوا إلى كفرناحوم يطلبون يسوع. ولما وجدوه في عبر البحر قالوا له يا معلم متى صرت هنا. أجابهم يسوع وقال: الحق الحق أقول لكم أنتم تطلبونني ليس لأنكم رأيتم آيات، بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم. أعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية الذي يُعطيكم ابن الانسان لأن هذا الله الآب قد ختمه.
هذا هو حال الواقع الذي نعيشه، فحينما ننحصر في الجسد فأننا نطلب الخبز المادي لنأكل ونشبع، ولا نبحث عن الله الحي إلا من أجل هذا، لأن لو سألنا الناس لماذا تصلوا، فأن الغالبية العظمى سيقول لكي يبارك الله بيتي وأسرتي وأولادي: يحمينا من المرض، يُعيننا وقت الشدة ويسدد كل حاجتنا المادية، وأن يعطينا النجاح ويضمن لنا مستقبلنا الأرضي، ويحفظ لنا أحباءنا ومباني كنائسنا وبيوتنا.. الخ.
وهذا الكلام ليس فيه خطأ بالطبع، لأن فعلاً الله يرعانا على كل المستويات، الروحية والجسدية، لكن العيب كل العيب في أن تكون محور صلاتنا وعلاقتنا مع الله محصورة فقط في كل ما يخص حياتنا على الأرض، ونفرح ونشكر ونُسبح اسم الله الحي لأننا أكلنا وشبعنا، أو صلاتنا تكون في الأساس من أجل الحياة في العالم الذي سيزول، لأننا نعيش فيه زماناً يسيراً.
ونجد عندما كشف الرب قلب الناس الذين بحثوا عنه،
وبعد توجيهه لهم لكي يسعوا ويعملوا للطعام الباقي للحياة الأبدية،
تجاوبوا معه وسألوه:

+ فقالوا له: ماذا نفعل حتى نعمل أعمال الله!
أجاب يسوع وقال لهم: هذا هو عمل الله أن "تؤمنوا" بالذي هو أرسله.
+ فقالوا له فأية آية تصنع لنرى ونؤمن بك، ماذا تعمل!
آباؤنا أكلوا المن في البرية كما هو مكتوب أنه أعطاهم خبزاً من السماء ليأكلوا
وهذا هوَّ أكبر عيب وأعظم سقطة نسقط فيها كمسيحيين،
وهو البحث عن الآيات والمعجزات ونفتخر بها، لأن كل هذه يطلبها الأمم الغرباء عن الله الذين يؤكدون على بطولية آلهتهم ويفتخرون بها، لكننا نحن ابناء الله الحي في المسيح يسوع، لذلك مكتوب: فلستم إذاً بعد غرباء ونُزلاً، بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله. (أفسس 2: 19)
فالغريب والنزيل في فندق،
هو شخص أتى من بلده إلى مدينة في بلد أُخرى ليحيا فيها حياة الغُربة المؤقتة، لأنها ليست وطنه ولا مكانه، لأنه سيرحل عنها في كل الأحوال مهما ما طالت أيامه فيها، لأنه يا إما يأتي إليها ساعياً لأجل عمل ما ليأخذ أجره ثم يرحل، أو من أجل أن يزور الأماكن كمجرد سائح ثم يتركها ويعود لموطنه مرة أخرى ويحمل معه منها مُجرد ذكريات ومع الوقت ربما ينساها، وفي كل الأحوال مهما تعددت الأسباب فأنه سيظل غريب فيها، ومهما ما أخذ منها من مُشتريات مُميزة فيها، لكنها ستبقى للذكرى الخالدة، وبالطبع مهما ما كانت الذكرى عميقة ومؤثرة فأنها لن تجعله مواطناً فيها أبداً مهما ما أخذ من خيرات وأشياء ثمينة للغاية.
وهكذا بالمثل يتعامل البعض مع الحضرة الإلهية وعلاقته مع القديسين،
لأنه يأتي يطلب منهم أن يصلوا من أجله امام الله ويستجدى عطية ما، ثم بعد أن ينال طلبه، فأنه يذهب بعيداً عنهم يجعلهم خلفه ويمضي لحال سبيله، وذلك لأن شركته هي شركة الغرباء والنُزلاء، غريب عن الموعد وليس من أهل بيت الله، لذلك لا تستقر قدماه وسط القديسين فيُحرم من شركتهم في النور مع الله الحي، لذلك الصلاة عند الكثيرين ليس لها طعم وتذوق مفرح للقلب ولا قوة للنفس دائمة، لأنه لم يحيا كابن بعد في شركة القداسة في نور إشراق وجه الله المُنير، لذلك لا يستنير في الصلاة ولا يأخذ منها قوة وشفاء لنفسه إطلاقاً، وبالتالي لا يستطيع ان يُقيم شركة مستديمة مع الله الحي، حتى ولو غصب نفسه، وتحوَّلت الصلاة لعادة استمر فيها لأوقات طويلة، فأنها ستظل بلا طعم أو فاعلية ولا موضع مسرة روحية، بل ربما تصير مصدر راحة نفسية مؤقتة، مع انها لا تستديم طويلاً وبخاصة وقت الشدة ومواجهة الواقع الأليم بكل مصاعبه وضيقاته ومشقاته، والتي فيها نجد شكوى بعض الناس المُرّة ومعاتبة الله لأنهم يشعرون انه تخلى عنهم ويتساءلون اين انت يا الله في أزمن الضيق!!

رد مع إقتباس