الغضب والدينونة وتذكار الشر والضغينة والحقد ، كلها أمراض للنفس الإنسانية تعمل فيها إلى أن تفقدها سلامها بالتمام ، بل وتمتد لتفقد اتصالها بالآخرين وخسران الوحدة مع الله ومع كل آخر ...
وهذه هي أمراض لابد من أن نقاومها ونسعى للتخلص منها نهائياً ، ونصحح الوضع الذي للغضب ، لأن النفس مخلوقة بطاقة الغضب كجزء من طبيعتها الحسنة ، وقد كان مُقدراً للإنسان أن يستخدم كل الطاقات التي خلق بها لمعرفة الله والاشتياق الدائم إليه ، فالغضب عوض أن يكون عوناً للإنسان لمقاومة الغواية غاضباً على روح الشر والفساد وكل الأهواء التي تثير فيه البعد عن الله وجحد عمله المبارك ، قد تحول عن مجراه الطبيعي هذا ليصير غضب مرضي تنحرف فيه النفس عن مسارها ، وصار الغضب ضد الأخ وضد المجتمع ، فعمل على فقدان السلام وعم الاضطراب الدائم ، وفقدان حياة التقوى والمسيرة المستقيمة نحو الله بالحب وجحد كل الشر والفساد !!!
يقول القديس يوحنا كاسيان في مجموعة " الفيلوكاليا " :
[ يجب بمعونة الله أن ننتزع هذا السم القاتل الذي للغضب من أعماق أرواحنا . وطالما أن شيطان الغضب يسكن في قلوبنا ، فلن يمكننا أن نُميز ما هو صالح ، ولا أن نشترك في الحياة الحقيقية ، وكذلك لن نستطيع أن نشترك في الحكمة الإلهية حتى ولو اعتبرنا كل الناس أننا حكماء ، لأنه مكتوب : " الغضب يستقر في حضن الجُهَّال " (جامعة7: 9) ، ولن نستطيع أن نفرز لأنفسنا قرارات تؤول إلى خلاصنا حتى ولو ظن فينا الجميع أننا ذوو رأي صالح ، كما لا نصبح قادرين على حفظ حياتنا في البرّ بقلب متيقظ لأنه كُتب :
" غضب الإنسان لا يصنع برّ الله " ( يعقوب1: 20 )
لذلك ، فإن رغبت في أن تبلغ الكمال وتدرك حقاً الطريق الروحي ، فاجعل نفسك غريباً عن كل غضب وحقد خاطئ واسمع لِمَا يقوله القديس بولس الرسول :
" ليُرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف مع كل خبث " ( أفسس4: 31) .
وبقوله كلمة " كل " قبل هذه الصفات ، فهو لا يترك أي حجة لاعتبار أن هناك غضباً ضرورياً أو منطقياً .
عندما تحاول أن تصحح أخاك عندما يُخطئ أو تعاقبه ، فعليك أن تحفظ نفسك هادئاً ، وإلا فإنك نفسك سوف تلتقط المرض الذي أنت تسعى لشفاء أخيك منه ، ولسوف تجد كلمات الإنجيل تنطبق عليك الآن :
" أيها الطبيب ، أشفِ نفسك " ( لوقا4: 33)
" ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك ، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها " ( مت7: 3)
ومهما كان الأمر الذي يُثير غضبك ، فالغضب يعمي عين النفس ، ويمنعها عن رؤية شمس البرّ ... وسواء كان منطقياً أو غير منطقي ، فالغضب يظلم البصيرة الروحية .
إن طاقة الغيرة يمكن استخدامها بالطريقة التي تتناسب بها مع الطبيعة ، فقط حينما تُوجه ضد أفكارنا الشهوانية والنفسانية ]
St. John Cassian, "On the Eight Vices" , in The Philokalia, Vol. 1 ( London: Faber and Faber, 1979 ), P. 89