كتب

أعمال بولس



أعمال بولس

أعمال
بولس

 

أعمال
منحولة اعتبرها آباء الكنيسة كلّ اعتبار، ثمّ شكّوا في أمرها. بقي لنا منها أربعة
مقاطع: 1) أعمال بولس وتقلا: كانت تقلا ابنة شريفة من مدينة إيقونية. سمعت كرازة
بولس فتركت خطيبها. ثمّ نجت بأعجوبة من العذابات التي حكم عليها بها والدها. 2)
مراسلة مع الكورنثيّين. أرسلها بولس من فيلبّي فشكّلت الرسالة الثالثة إلى أهل
كورنثوس. 3) استشهاد بولس في رومة. 4) حادثة عن إقامة بولس في أفسس. عمّد أسدًا
على طريق أريحا. حُفظت هذه المقاطع في القبطيّة واليونانيّة والسريانيّة والحبشيّة
والأرمنيّة

 

أعمال
بولس:

يقتبس
منها أوريجانوس مرتين في كتاباته التي مازالت محفوظة، ولعل هذا هو سبب الاعتبار
الكبير الذي حظيت به في الشرق. وفي المخطوطة الكلارومونتانية (القرن الثالث) – وهي
من أصل شرقي – توضع أعمال بولس موضع الاعتبار مع راعي هرماس ورؤيا بطرس. كما أن
يوسابيوس – الذي يرفض رفضاً باتاً ” أعمال أندراوس وأعمال يوحنا وأعمال سائر
الرسل ” – يضع أعمال بولس في قائمة الأسفار المشكوك في صحتها مع هرماس ورسالة
برنابا وتعليم الرسل وغيرها.

 

أما
في الغرب حيث كان يُنظر بعين الريبة لإزريجانوس، فيبدو أنهم رفضوا أعمال بولس. ولا
يرد لها ذكر إلا في كتابات هيبوليتس صديق أوريجانوس، وهو لا يذكرها بالاسم ولكنه
يستشهد بصراع بولس مع الوحوش كدليل على صدق قصة دانيال في جب الأسود. ولم يبق من
أعمال بولس إلا أجزاء قليلة، ولم يكن يعرف عنها إلا القليل حتى سنة 1904 حين ظهرت
ترجمة لنسخة قبطية – غير سليمة الحفظ – نشرها س.شميدت. وظهر أن أعمال بولس وتكلة
ليست في الحقيقة إلا جزءاً من أعمال بولس. ومن الملحوظات المذكورة في المخطوطة
الكلارومونتانية وغيرها، نستنتج أن هذه الأجزاء التي بين أيدينا لا تزيد عن ربع
الأصل:

 

1.
أطول هذه الأجزاء وأهمها هو ما وصل إلينا في كتاب منفصل باسم ” أعمال بولس
وتكلة ” ولا نستطيع أن نقطع بالزمن الذي فصلت فيه عن أعمال بولس، ولكنه لابد
حدث قبل المرسوم الجلاسياني (496 م) الذي لا يذكر أعمال بولس، ولكنه يدين ”
أعمال بولس وتكلة “.

 

أ.
تتلخص القصة في: أن فتاة مخطوبة من أيقونية اسمها تكلة استمعت إلى كرازة بولس عن
البتولية وفتنت بها، فرفضت الارتباط بخطيبها. ولتأثير بولس عليها، اُستدعى بولس
أمام الحاكم الذي ألقاه في السجن فزارته تكلة، فتعرض كلاهما للمحاكمة، فنُفي بولس
من المدينة وحكم على تكلة بالحرق، ولكنها نجت بمعجزة من وسط النار، وأخذت في البحث
عن بولس. وعندما وجدته رافقته إلى أنطاكية (وغير واضح إن كانت أنطاكية بيسيدية أو
أنطاكية في سوريا)، وفي أنطاكية فتن بها شخص ذو نفوذ اسمه إسكندر، الذي عانقها
علناً في الشارع، فاستهجنت تكلة فعلته ونزعت التاج الذي كان على رأسه، فحكم عليها
أن تصارع الوحوش في ميدان الألعاب. وتركت تكلة تحت حراسة الملكة تريفينا التي كانت
تعيش وقتئذ في أنطاكية. وعندما دخلت تكلة إلى حديقة المصارعة، لقيت لبؤة حتفها
دفاعاً عن تكلة ضد الوحوش، وفي وسط الخطر ألقت تكلة بنفسها في حوض به عجول البحر،
وهي تهتف: ” باسم يسوع المسيح أعمد نفسي في آخر يوم “. وعندما اقترح
البعض أن تمزق تكلة بين الثيران الهائجة، أغمى على الملكة تريفينا فخشيت السلطات
مما يمكن أن يحدث، وأطلقوا سراح تكلة وسلموها لتريفينا فذهبت تكلة مرة أخرى للبحث
عن بولس، وعندما وجدته أرسلها للكرازة بالإنجيل، فقامت بالكرازة في أيقونية أولاً
ثم في سلوقية حيث ماتت. وقد وضعت إضافات متأخرة نهاية تكلة، تقول إحداها إنها ذهبت
من سلوقية إلى روما في طريق تحت الأرض وظلت في روما حتى موتها.

 

ب*-
ورغم أن قصة تكلة كتبت لإيجاد سند رسولي للبتولية، فمن المحتمل أن يكون لها أساس
ضعيف من الصحة، فوجود طائفة قوية باسمها في سلوقية يؤيد الرأي القائل بأن تكلة
كانت شخصية تاريخية، كما أن التقاليد عن صلتها ببولس – التي تجمعت حول المعبد الذي
بنى في سلوقية تكريماً لها – هي التي شكلت عناصر هذه الرواية، ولاشك أن فيها بعض
الذكريات التاريخية. فتريفينا شخصية تاريخية تأكد وجودها من اكتشاف نقود باسمها،
وكانت أم الملك بوليمون الثاني ملك بنطس وقريبة للإمبراطور كلوديوس. وليس هناك ما
يدعو للشك في ما جاء في هذه الأعمال من أنها كانت تعيش في أنطاكية في وقت زيارة
بولس الأولى لها. كما أن هذه الأعمال واضحة في دقتها الجغرافية، فتذكر الطريق الملكي
الذي تقول إن بولس سار فيه من لسترة إلى أيقونية، وهي حقيقة تستلفت النظر، لأنه
بينما كان الطريق مستخدماً في أيام بولس للأغراض العسكرية، أهمل استخدامه كطريق
منتظم في الربع الأخير من القرن الأول. ويوصف بولس في هذه الأعمال: ” بأنه
رجل قصير القامة، أصلغ الرأس، مقوس الساقين، نبيل الأخلاق، مقرون الحاجبين، ذو أنف
بارز بعض الشيئ، ممتلىء نعمة، كان يبدو أحياناً إنساناً، وأحياناً أخرى كان يبدو
بوجه ملاك “. وقد يكون لهذا الوصف سند يعتمد عليه. ويدافع رمساي (في كتابة
” الكنيسة في الإمبراطورية الرومانية ” ص 375) عن احتمال وجود نسخة
قصيرة من هذه الأعمال ترجع إلى القرن الأول، وذلك على أساس هذه الملامح التاريخية،
ولكن الكثيرين لا يقبلون وجهة نظر رمساي.

 

ج-
كانت أعمال بولس وتكلة واسعة الانتشار، ولها تأثير كبير وذلك للتقدير الواسع لتكلة
التي كانت لها مكانة كبيرة بين القديسين باعتبارها ” أول أنثى تستشهد
“.والإشارات إلى هذه الأعمال في كتابات الآباء قليلة، ولكن الرواية نفسها
كانت رائجة جداً بين المسيحيين في الشرق وفي الغرب على السواء. ووصل التقدير لتكلة
أقصى مداه في غاليا. وهناك قصيدة شعرية عنوانها ” الوليمة ” كتبها
كيبريان، أحد شعراء جنوب غاليا، في القرن الخامس، وفي تلك القصيدة تبدو تكلة في
مستوى الشخصيات الكتابية العظيمة، وكتاب ” أعمال زاسيف وبولكسينا ”
مأخوذ كله من أعمال بولس وتكلة.

 

2-جزء
هام آخر من أعمال بولس، هو الجزء الذي يشتمل على مايعرف بالرسالة الثالثة إلى
الكورنثيين، وفيها يذكر أن بولس كان في السجن في فيلبي (ليس في زمن أعمال الرسل
16: 23، ولكن بعد ذلك بوقت). وكان سجنه لسبب تأثيره على ستراتونيس زوجة
أبولوفانيس، فالكورنثيون الذين أزعجتهم هرطقة اثنين من المعلمين، أرسلوا خطاباً
لبولس يصفون له التعاليم الخبيثة التي تدعي أن الأنبياء لا قيمة لهم، وأن الله غير
قادر على كل شيء، وأنه ليست هناك قيامة أجساد، وأن الإنسان لم يخلقة الله، وأن
المسيح لم يأت في الجسد ولم يولد من مريم، وأن العالم ليس من صنع الله بل من صنع
الملائكة. وقد حزن بولس كثيراً بوصول هذه الرسالة، وفي ضيق شديد كتب الرد الذي فند
فيه هذه الآراء الغنوسية التي ينادي بها معلمون كذبة. ومما يستلفت النظر أن هذه
الرسالة التي تستشهد كثيراً برسائل بولس الكتابية، ورسالة الكورنثيين إلى بولس
التي دفعته إلى كتابتها، اعتبرتهما الكنائس السريانية والأرمينية، قانونيتين بعد
القرن الثاني، ولم تصل إلينا الصورة الأصلية للرسالة في اليونانية، ولكنها وصلتنا
في نسخة قبطية (غير كاملة) ونسخة أرمينية ونسختين مترجمتين لللاتينية (مشوهتين)،
علاوة على تناولها في تفسير أفرايم (بالأرمينية). وقد فقدت النسخة السريانية.

 

3-
علاوة على الجزئين المذكورين أعلاه من أعمال بولس، توجد أجزاء أقل أهمية مثل شفاء
الرسول لرجل مصاب بالاستسقاء في ميرا (وهي تتمة لقصة تكلة)، ومصارعة بولس للوحوش
في أفسس (مبينة على ماجاء في 1 كو 15: 32)، واقتباسين قصيرين يذكرهما أوريجانوس،
وجزء ختامي يصف استشهاد الرسول في زمن نيرون الذي ظهر له بولس بعد موته. كما أن
أكليمندس الإسكندري يقتبس فقرة عن إرسالية بولس الكرازية، والتي ربما شكلت جزءاً
من أعمال بولس. وربما كانت هذه الأعمال ذاتها هي مصدر حديث بولس في أثينا الذي
كتبه جون سالسبوري (حوالي 1156).

 

المؤلف
وتاريخ التأليف: مما ذكره ترتليان نعلم أن مؤلف ” أعمال بولس ” كان
شيخاً من شيوخ أسيا، كتب كتابه ” بقصد تعظيم بولس، بإضافات من عنده ”
وأنه طرد من وظيفته عندما اعترف بأنه فعل ذلك حباً في بولس “. وشهادة ترتليان
هذه يؤيدها الدليل في الكتاب ذاته، حيث أنه – كما رأينا – يظهر معرفة دقيقة
بطبوغرافية أسيا الصغرى وتاريخها. وكثير من الأسماء الواردة بهذه الأعمال وجدت في
أثار سميرنا، وإن كان من الخطأ أن نستنتج بناء على ذلك أن المؤلف كان من مدينة
سميرنا، ولعله كان من مدينة نالت فيها تكلة تقديراً خاصاً، وكان الدافع له إلى
كتابتها هو صلتها ببولس الكارز بالبتولية، بجانب تفنيد بعض الآراء الغنوسية. ولعل
تاريخ تأليف أعمال بولس يرجع إلى النصف الثاني من القرن الثاني بين 160 – 180 م.

 

ورغم
أن أعمال بولس كتبت لبيان عظمة الرسول، فإنها تبين بوضوح أن المؤلف لم يكن مؤهلاً
لذلك من ناحية المقدرة الفكرية أو اتساع الرؤيا، فالمستوى الفكري لهذه الأعمال
هابط جداً كما أنها فقيرة في مفاهيمها، فالموضوع الواحد يتكرر بدون أي تغيير،
والعيوب الظاهرة في خيال المؤلف واضحة في أسلوبة العاري الخالي من الفن. وبه اقتباسات
كثيرة من العهد الجديد، والصورة التي يرسمها للمسيحية ضيقة ومن جانب واحد، وهي في
جملتها صحيحة، وليس فيها ما يؤيد رأي ليسيوس بأنها مأخوذة عن مؤلف غنوسي. فتكرار
أحداث الخوارق، والتقشف الشديد الذي يميز هذه الأعمال، ليسا دليلاً على التأثر
بالغنوسية، بل أن التعليم فيها هو ضد الغنوسية، كما نرى في المراسلات بين بولس
والكورنثيين: ” أن الرب يسوع المسيح ولد من مريم من نسل داود، فقد أرسل الآب
الروح من السماء إليها.” ويؤكد قيامة الأموات بقيامة المسيح من بين الأموات،
ولكن القيامة قاصرة على الذين يؤمنون بها (وهذه النقطة يبدو أنها من ابتكار
المؤلف)، فيقول: ” ان من لا يؤمنون بالقيامة لن يقوموا ” ويربط بين
الإيمان بالقيامة وضرورة الامتناع تماماً عن المعاشرات الجنسية، فالأطهار فقط هم
الذين يعاينون الله، ” فلن يكون لكم نصيب في القيامة إلا إذا ظللتم طاهرين ولم
تنجسوا الجسد “. والإنجيل الذي كرز به الرسول كان يتعلق ” بضبط النفس
والقيامة “. ومحاولة المؤلف تدعيم صورة المسيحية التي كانت سائدة في أيامه،
كانت هي الهدف الرئيسي لتأليف الكتاب، فيصور الرسول بولس على أنه رسول هذا المفهوم
الشائع. ولإضفاء صورة جذابة على تعليمه، ملئت الصورة بالخوارق والمعجزات لإرضاء
ذوق ذلك العصر.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى