اللاهوت الروحي

الفصل السابع



الفصل السابع

الفصل السابع

عمل الروح فينا وعلاقة الروح القدس بنا

29- ميلادنا الجديد من الروح القدس

1 أول علاقة لنا هي ميلادنا الجديد من الروح
القدس:

وعن هذا قال السيد الرب لنيقوديموس ” إن
كان أحد لا يولد من الماء والروح، لايقدر أن يدخل ملكوت الله” (يو3: 5). وقال
له أيضاً ” المولود من الروح، هو روح” (يو3: 6). ونحن ننال هذا الميلاد
الثانى في المعمودية. وقد قال القديس بولس الرسول في ذلك “.. بل بمقتضى رحمته
خلصنا، بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس” (تى3: 5).

 

30- منح الروح القدس لنا التجديد والمغفرة

2 في هذا الميلاد الثاني يمنحنا الروح القدس
التجديد والمغفرة:

كما ورد في الآية السابقة (تى3: 5). وهذا ما
ذكره بولس الرسول عن “جدة الحياة” بالمعمودية (رو6: 4). وكذلك صلب
الإنسان العتيق (رو6: 6). وعن غفران الخطايا، قال حنانيا الدمشقى لشاول الطرسوسى
” أيها الأخ شاول، لماذا تتوانى؟ فم اعتمد واغسل خطاياك” (أع22: 16).
وقال القديس بطرس الرسول لليهود في يوم الخمسين ” توبوا واعتمدوا على اسم
يسوع المسيح لمغفرة الخطايا، فتنالوا موهبة الروح القدس” (أع 2: 38).

 

31- سكنى الروح القدس فينا في سر الميرون

3 وهنا ننال سكنى الروح القدس فينا في سر
الميرون:

ويسمى أيضاً بسر المسحة، كما ذكر القديس يوحنا
الرسول في (1يو2: 20، 27). وعن سكنى الروح فينا قال القديس بولس الرسول ” أما
تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم” (1كو3: 16). وقال أيضاً ”
أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذى فيكم من الله..” (1كو6:
19).

 

وهذه السكنى دائمة أبدية كما قال الرب عن الروح
القدس ” يمكث معكم إلى الأبد ” (يو14: 16) وقال أيضاً ” روح الحق
الذى لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنه لايراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه، لأنه
ماكث معكم ويكون فيكم” (يو14: 17). ولأن سكناه أبدية في الإنسان، لذلك فإن
مثل هذه المسحة المقدسة لا تعاد.

 

وكان المؤمنون في بداية العصر الرسولى ينالون
الروح القدس بوضع أيدى الرسل:

كما حدث بالنسبة إلى أهل السامرة (أع8: 17) وأهل
أفسس (أع19: 6). ولما كثر عدد المؤمنين جداً، استخدموا المسحة المقدسة
the
Holy Chrisme(1
يو2: 20، 27).
بدلاً من وضع اليد.

ولا يكفى أن ننال الروح القدس، إنما يجب أن تكون
لنا شركة معه.

إنه يعمل فينا وبنا. ويجب علينا نحن أيضاً أن
نعمل معه.

ويشترك الروح القدس معنا في كل عمل نعمله.

 

32- الشركة في الروح القدس

4 وهذا ما نسميه شركة الروح القدس:

وهذه العبارة جزء من البركة التى تقولها الكنيسة
للشعب في آخر كل اجتماع. وقد أخدتها من ختام الرسالة الثانية لبولس الرسول إلى أهل
كورنثوس ” محبة الله الآب، ونعمة ربنا يسوع المسيح، وشركة الروح القدس، تكون
مع جميعكم” (2كو13: 14). وعنها قال القديس بطرس الرسول: “وهب لنا
المواعيد العظمى والثمينة، لكى تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من
الفساد الذى في العالم” (2بط1: 4).

 

وهي شركة لا في اللاهوت ولا في الجوهر، حاشا.
وإنما شركة في العمل.

 

لأننا لو اشتركنا مع روح الله القدوس: أي مع
الطبيعة الإلهية في اللاهوت والجوهر، لصرنا آلهة..!! ولكننا نشترك مع روح الله في
العمل. كما نقول في أوشية المسافرين للرب “اشترك في العمل مع عبيدك، في كل
عمل صالح “وكما قال القديس بولس الرسول عن نفسه وزميله أبلوس: ” نحن
عاملان مع الله” (1كو3: 9). وهنا عليك أن تراجع نفسك: هل أنت لا تعمل عملاً،
إلا إذا كان روح الله مشتركاً معك فيه؟ هل تحيا حياتك كلها في شركة الروح القدس؟
ولنبدأ من أول الطريق بالنسبة إلى جميع الناس.

 

33- عمل الروح القدس في حياتنا الروحية

5 ومن هنا نفهم عمل الروح القدس في حياتنا
الروحية:

أ) إن الإنسان تتولى روحه البشرية قيادة جسده.

ب) إن روحه البشرية تكون تحت قيادة روح الله.

أما عن العنصر الأول فيقول القديس بولس الرسول
” لا شئ من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب
الجسد بل حسب الروح ” ” لأن اهتمام الجسد هو موت. ولكن اهتمام الروح هو
حياة وسلام” (رو8: 1، 6). ويقول أيضاً ” اسلكوا بالروح، فلا تكملوا شهوة
الجسد” (غل5: 16). أما عن العنصر الثانى فيقول ” لأن كل الذين ينقادون
بروح الله، فاولئك هم أبناء الله” (رو8: 14). إذن المفروض أن يكون الإنسان
تحت قيادة روح الله في كل عمل يعمله. فيشترك روح الله معه في كل عمل.

 

34- ثمار الروح القدس في حياتنا

6 وبشركتنا مع الروح القدس، تظهر ثمار الروح في
حياتنا.

وقد ذكر القديس بولس الرسول ثمر الروح في رسالته
إلى غلاطية فقال ” وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام، طول أناة لطف صلاح
إيمان، وداعة تعفف. ضد أمثال هذه ليس ناموس” (عل5: 22، 23). ثمار الروح تأتى
نتيجة لعمل الروح القدس في الإنسان، ونتيجة لاستجابة روح الإنسان لعمل روح الله
فيه..

 

وهنا نميز مثلاً بين المحبة التى هي ثمر الروح،
وأية محبة من نوع آخر. كذلك نميز بين السلام الحقيقى الذى هو من ثمر الروح، وأي
سلآم زائف. وهكذا مع باقى ثمر الروح فينا.

 

35- الحرارة الروحية في الإنسان

7 وكلما يزداد ثمر الروح، تزداد الحرارة الروحية
في الإنسان.

وفى هذا المعنى يوصينا الرسول أن نكون ”
حارين في الروح” (رو12: 11). لقد قيل عن الرب ” إلهنا نار أكله”
(عب12: 29). كذلك فالذى يسكن فيه روح الله، لابد أن يكون مشتعلاً بهذه النار
المقدسة.

 

وهكذا حل روح الله كألسنة من نار على التلاميذ.

 

فأشعلهم ناراً غيرة مقدسة، ألهبتهم للخدمة،
فملأوا الكون كرازة. وهؤلاء ” الذين لاقول لهم ولا كلام، وصلت أقوالهم إلى
أقطار المسكونة” (مز19).

 

نستطيع إذن أن نعرف رجل الله، من ثمار الروح
التى تظهر في حياته. لأن الرب يقول ” من ثمارهم تعرفونهم” (مت7: 20).

 

ويمكننا أيضاً أن نعرفه من حرارته الروحية.

 

فصلاته صلاة حارة في ألفاظها وفي دموعها وفي
غيمانها وفي لهجتها، صلاة تزعزع المكان كما حدث مع التلاميذ (أع4: 31). والإنسان
الروحى تكون خدمته خدمة حارة في قوتها وفى انتشارها. وفي تأثيرها، وفي غيرتها
المقدسة وحماسها العجيب.. خدمة كلها نشاط، وتأتى بثمر كثير.

 

والإنسان الذى يعمل فيه روح الله، يعرف بحرارة
المحبة.

 

هذه المحبة الملتهبة من نحو الله والناس، التى
قيل عنها في سفر النشيد ” مياه كثيرة لا نستطيع أن تطفئ المحبة” (نش8:
7). وتشمل هذه المحبة كل أحد وتسعى بكل قوة في خدمة الناس، ولخلاص الناس.

لذلك إن كنت إنساناً ليست فيك حرارة.

فأعرف أن عمل الروح فيك لي كما ينبغى.

وطبعاً من محاربات هذه الحرارة، الفتور الروحى..
وإن زاد الفتور في إنسان، وطالت مدته، يتحول إلى برودة روحية.. ويصير هذا الإنسان
جثة هامدة في الكنيسة.. ولا حركة، ولا بركة.

هنا وأقوال إن البعض يفهم الوداعة بطريقة خاطئة.

فيظن أنه في وداعته، يكون بلا حرارة ولا حيوية!!

 

لا يتأثر ولا يؤثر، ولا تشتعل عواطفة، ولا يغار
للرب!! كلا، فالسيد المسيح كان وديعاً ومتواضع القلب، ومع ذلك كان حاراً في عواطفه
وفي خدمته، يجول يصنع خيراً (أع10: 38).

 

36- الروح القدس يمنح قوّة خاصة للمؤمنين

8 ننتقل إلى نقطة أخرى وهي أن الروح يمنح قوة
خاصة للمؤمن، وعن ذلك قال السيد المسيح لرسله القديسين:

” ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس
عليكم” (أع1: 8).

وهكذا تظهر القوة في حياة أولاد الله، قوة ليست
من العالم، وإنما من روح الله، قوة في الخدمة، في الانتصار على الشياطين، في تحمل
الشدائد والضيقات. قوة في الصلاة، في الإيمان، فى عدم الخوف، مهما كانت الأسباب.
وهكذا قيل:

” ملكوت الله قد أتى بقوة” (مر9: 1).

هذه القوة تميز بها العصر الرسولى الذى عمل فيه
الروح القدس بقوة وتميز بها عصر المجامع وابطال الإيمان، كما تميز بها عصر الرهبنة
وبخاصة في بدء نشأتها..

قوة ظهرت في عظة بطرس، التى أدت إلى إيمان ثلاثة
آلاف (أع2).

 

وتميزت بها خدمة القديس اسطفانوس، (أع6: 10)
وتميزت بها كرازة القديس بولس الرسول في تأثيرها وانتشارها.

 

وقد شملت القوة كل شئ، حتى صلواتهم:

ولذلك قيل عنهم ” ولما صلوا تزعزع المكان
الذى كانوا مجتمعين فيه. وامتلآ الجميع من الروح القدس. وكانوا يتكلمون بكلام الله
بمجاهرة” (أع4: 31). المشكلة التى نعانييها أن كثيراً من الخدام يخدمون بنشاط
ومعرفة وربما باتساع كبير في الخدمة، ولكنهم لا يخدمون بقوة الروح. وربما تدخل بعض
الأساليب العالمية في الخدمة.

الخادم الحقيقى يخدم بروحه، وبروح الله معه.

 

37- الروح القدس يدخل في كل تفاصيل العبادة

9 والروح القدس يدخل في كل تفاصيل العبادة:

فيقول الرسول ” أصلى بالروح وأصلى
بذهنى” (1كو14: 15).. ويقول ” نعبد الله بالروح” (في3: 3) (رو11:
9) (رو7: 8). ويقول ” بمزامير بتسابيح وأعانى روحية مترنيمين في قلوبكم
للرب” (كو3: 16) (أف5: 19). كما يقول المرتل في المزمور ” لكى تترنم لك
روحى” (مز30: 12) وقد قال الرب يسوع ” الله روح. والذين يسجدون له
فبالروح والحق ينبغى أن يسجدوا” (يو4: 23، 24). ويقول القديس بطرس الرسول
” مبنيين كحجارة حية، بيتاً روحياً، كهنوتاً مقدساً، لتقديم ذبائح روحية
مقبولة عند الله بيسوع ” وكذلك الروح أيضاً يعين ضعفاتنا لأننا لسنا نعلم ما
نصلى لأجله كما ينبغى. ولكن الروح يشفع فينا بأنات لا ينطق بها” (رو8: 26)..
إذن كل شئ بالروح.

 

38- الإنسان الذي يسكن فيه روح الله

10 الإنسان الذى يسكن فيه روح الله، تكون تصرفاته
روحية.

نواياه ومقاصده واتجاهاته تكون روحية، ووسائله
وسائل روحية. وكل لفظة يلفظها تكون كلمة روحية، لها تأثيرها روحى في نفوس سامعيه.

 

فهو إن تكلم يكون روح الله هو المتكلم على فمه.

 

كما قال السيد المسيح لتلاميذه “لأن لستم
أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم الذى يتكلم فيكم” (مت10: 20). فهل في كل مرة
تتكلم، يكون روح الله هو الذى ينطق. وهل له في كل مرة ” افتح يارب شفتى،
فيخبر فمى بتسبحتك” (مز50).

 

وإذا واقع في مشكلة، يحلها بطريقة روحية.

 

هناك من يحل المشكلة بأعصابة، فيثور لها ويضج.
وهناك من يقابلها بمشاعره فيبكى لها وينوح. وهناك من يعالج المشكلة بعقله، فيجلس
ليفكر. وهناك أيضاً من يحلها بروحه. فيصلى من أجلها، ويصوم، وينذر نذراً، ويقيم
قداسات. وفي تفكيره للحل، يفكر بطريقة روحية، بغير خطية، بلا لوم أمام الله
والناس.

 

39- تقديس روح الله للإنسان

11 وإذا سكن روح الله في إنسان فإنه يقدسه.

يقدسه بالكلية، يقدس قلبه وفكره وجسده وروحه
ونفسه، ويقدس الحياة التى يحياها.. كما يقول الرسول ” وإله السلام يقدسكم
بالتمام، وليحتفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم..” (1تس5: 23).

 

إنه تقديس من الناحيتين: الإيجابية والسلبية.

 

الإيجابية: من جهة الحياة التى تحياها، وثمر
الروح فيها. ومن الناحية السلبية: لا تكون لك شركة في أعمال الظلمة، مادمت قد دخلت
في شركة الروح القدس. فالرسل يتعجب قائلاً آية شركة للنور مع الظلمة؟!”
(2كو6: 14). ويقول أيضاً ” لا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة، بل
بالحرى بكتوها” (أف5: 11).

 

فإن كنت تشترك في عمل من أعمال الظلمة، فلا يكون
روح الله يعمل فيك..

في حالة اشتركك في عمل الظلمة، تكون قد فصلت
نفسك عن عمل الروح فيك.

انفصلت عن الروح، ولو انفصالاً موقتاً..
انفصالاً في العمل والتصرف، وفي الإرادة والمشيئة. ومن الجائز أن الروح لا ينفصل
عن طريق آخر غير الطريق الروحى، تسلكه أو تشتهيه.. من أجمل تلك العبارة التى قيلت
عن شمشون الجبار في بدء حياته الروحية ” وابتدأ روح الرب يحركه في محله دان..”
(قض13: 25).

 

فهل أنت مثله: روح الرب يحركك؟

أم أنت تتحرك من ذاتك؟ أم تحركك مشاعر خاطئة
وفكر خاطئ، أم تحركك إرادة أخرى غير إرادتك من قريب أو صديق أو موجهة أو مرشد؟!
وإن كان يحركك مرشد، فهل هذا المرشد يحركه روح الله، يسلك بالروح؟

 

هذا السوك يقول عنه القديس بولس الرسول
“إذن لا شئ من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب
الجسد، بل حسب الروح” (رو8: 1).

 

ويقيم مقارنة خطيرة بين السلوك بالروح، والسلوك
بالجسد.

 

فيقول: ” لإن الذين هم حسب الجسد، فبما
للجسد يهتمون. ولكن الذين حسب الروح. فبما للروح، لأن اهتمام الجسد هو موت، ولكن
اهتمام الروح هو حياة وسلام. لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله.. فالذين هم في الجسد،
لا يستطيعون أن يرضوا الله”. “وأما أنتم فلستم في الجسد، بل في الروح،
إن كان روح الله ساكناً فيكم”. “فإذن أيها الأخوة: نحن مديونون وليس حسب
الجسد، لنعيش حسب الجسد. لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون. ولكن إن كنتم بالروح
تمتون أعمال الجسد فستحيون” (رو8: 5 13).

 

إذن هناك صراع بين الروح والجسد، يقول عنه
الرسول:

” اسلكوا بالروح، فلا تكلموا شهوة الجسد
“.

” لأن الجسد ينتهى ضد الروح، والروح ضد
الجسد “.

 

” وهذان يقاوم أحدهما الآخر..” (غل 5:
16، 17). فهل يظل الإنسان في هذا الصراع طوال حياته على الأرض، يشكو من الجسد ومن
شهوات الجسد، ويصرخ قائلاً ” إنى أعلم أنه ليس ساكناً في، أي في جسدى، شئ
صالح ” ” ويحى أنا الإنسان الشقى. من ينقذنى من الجسد هذا الموت؟”
(رو7: 18، 24).

أم تراه صراعاً في بدء الحياة الروحية؟

إلى أن يتم استلام الجسد للعمل الروحى.

وخلال هذا الصراع، يقول إنسان الله ” أقمع
جسدى وأستعبده. حتى بعد ما كرزت للآخرين، لا أصير أنا نفسى مرفوضاً” (1كو9:
27). ومتى تقدس الجسد بالتمام، وخضع للروح، بل اشترك معها في العمل الإلهى، العمل
الروحى، حينئذ لا يكون بينهما صراع، بل يتعاونان معاً.

 

40- الروح القدس هو مصدر التعليم

12 وقد أعلن الرب أن الروح القدس هو مصدر
التعليم:

فقال لرسله القديسين عنه ” وأما المعزى
الروح القدس الذى سيرسله الآب باسمى، فهو يعلمكم كل شئ، ويذكركم بكل ما قلته
لكم” (يو14: 26) وأيضاً ” متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع
الحق” (يو16: 13). ” ويخبركم بأمور آتية” (يو16: 13). وقال القديس
يوحنا عن مسحة الروح القدس ” وأما أنتم فالمسحة التى أخذتموها منه ثابته
فيكم. ولا حاجة بكم إلى أن يعلمكم أحد، بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شئ،
وهي حق” (1يو2: 27). إن الروح القدس هو المعلم والمرشد. يعلمنا كل شئ، ويكشف
لنا الحق ويذكرنا بكل وصايا السيد المسيح، ويرشد..

 

41- الروح القديس هو الذي يقود إلى التوبة

13 والروح القدس هو الذى يقود إلى التوبة:

هو الذى يبكت على خطية (يو16: 8).

وهو الذى يرشد في الحياة الروحية ويعلمنا الطريق
السليم.

ولذلك فإن الشخص الذى يفارقه روح الرب مفارقة
كاملة، أو هو الذى يرفض عمل روح الرب فيه رفضاً كاملاً، مدي الحياة هذا لا يمكن أن
يتوب، لأنه لا يستطيع أن يتوب رفضاً كاملاً مدي الحياة نسميها التجديف على الروح
القدس وهذه ليست لها مغفرة، لأنه ليست فيها توبة..

 

42- الروح القدس هو مصدر العزاء

14 والروح القدس هو مصدر العزاء:

لذلك سماه الرب المعزى (يو14: 16) أو الروح
المعزى (يو14: 26) (يو16: 7). فليتنا باستمرار نطلب عزاءنا منه.

 

43- المواهب التي يمنحها روح الله للإنسان

بعد هذا ننتقل إلى نقطة أخرى في علاقتنا بالروح
وهي:

15 المواهب التى يمنحها روح الله للناس.

وقد تخصص القديس بولس الرسول الأصحاح الثانى عشر
من رسالته الأولى إلى كورنثوس للحديث عن مواهب الروح القدس فقال ” أنواع
مواهب موجودة ولكن الروح واحد.. ولكنه لكل أحد يعطى ىظهار الروح للمنفعة”
(1كو12: 4، 7).

 

ثم تحدث عن هذه المواهب بالتفصيل فقال:

فإنه لواحد يعطى بالروح كلام حكمة. ولآخر كلام
علم بحسب الروح الواحد. ولآخر أيمان بالروح الواحد. ولآخر إيمان بالروح الواحد.
ولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد. ولآخر عمل قوات، ولآخر نبوة، ولآخر تمييز
الآرواح، ولآخر أنواع ألسنة، ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه، قاسماً لكل
واحد بمفرده كما يشاء” (1كو12: 8 11).

وتحدث بولس الرسول عما فعل الرب بواسطته لاطاعة
الأمم، فيقول ” بقوة آيات وعجائب، بقوة روح الله” (رو15: 19).

 

44- الروح القدس له عمل خاص غير العمل العام

16 والروح القدس بذلك له عمل خاص غير العمل
العام:

العمل العام هو عمله في جميع المؤمنين وقد
شرحناه. والعمل الخاص ليس للكل. وهو خاص بالمواهب وبالكهنوت. فالمواهب ليست للكل،
وكذلك الكهنوت ليس للكل. وقد تكلمنا عن المواهب في البند السابق. وأما من جهة
الكهنوت، فنذكر كيف أن السيد المسيح نفخ في تلاميذه القديسين، وقال لهم ”
اقبلوا الروح القدس. من غفرتم له خطاياه غفرت له. ومن أمسكتموها عليه أمسكت”
(يو20: 22، 23). إذن مغفرة الخطايا التى يقوم بها الكاهن في سر التوبة، هي عمل
الروح القدس فيه. أو نقول إن روح الله القدوس هو الذي يغفر الخطايا، ويعطى للآب
الكاهن أن يعلنها بفمه. وهذا ما يقوله الكاهن الخديم في صلاته سرية فى آخر القداس،
إذ يقول للرب عن الشعب ” يكونون محاللين من فمى، بروحك القدوس “.

وأنا أفضل أن نهتم بثمار الروح آكثر من المواهب.

ثمار الروح هي خاصة بحياتك أنت وأبديتك. أما
المواهب فغالبيتها خاصة بخدمة الآخرين. وقد يقع البعض بسببها في الكبرياء والمجد
الباطل..

 

45- الروح القدس يقود غير المؤمنين إلى الإيمان

17 الروح القدس هو الذى يقود غير المؤمنين إلى الإيمان:

وفي ذلك يقول الكتاب “ليس أحد يقدر أن يقول
يسوع رب، إلا بالروح القدس” (1كو12: 3).

فإن لم يعمل روح الرب في غير المؤمن، لا يمكن أن
يصل إلى الإيمان.

 

وهذا هو الذى حدث مع كرنيليوس الأممى، إذ عمل
فيه روح الله، حتى بالمواهب فقاده إلى الإيمان، واقنع بطرس الرسول بقبوله وهو رجل
أممى، فعمده وقال:

 

” أترى يستطيع أحد أن يمنع الماء، حتى لا
يعتمد هؤلاء الذين قبلوا الروح القدس كما نحن أيضاً” (أع10: 47).

 

18- عمل الروح القدس في كثير من غير المؤمنين من
أجل الكنيسة ومن أجل توبتهم

لقد عمل روح الله القدوس في ملوك فارس الأمميين
من أجل شعبه. وفي ذلك يقول الكتاب ” نبه الرب روح كورش فأطلق نداء في كل
مملكته” (عز1: 1). إن الرب أوصاه أن يبنى له بيتاً في أورشليم (عز1: 2). وقد
بذل كل جهده في سبيل ذلك، وهو ملك أممى. وكذلك فعل أرتحشستا الملك أيام نحميا
(نح3). وهكذا فعل داريوس الملك أيام دانيال النبى والثلاثة فتية القديسين (دا3:
29، 30 ؛ دا61: 25، 26). روح الرب حرك قلب فليكس الوالى، فارتعب لما تحدث بولس عن
البر والدينونة والتعفف (أع24: 25). وكذلك حرك قلب أغريباس الملك (أع26: 28). وكان
ينخس قلب شاول الطرسوسى بمناخس (أع9: 5). تبقى نقطة أخيرة من حيث علاقة الروح بنا
وهي:

 

47- مفارقة الروح القدس للإنسان

المفارقة الكلية تؤدى قطعاً إلى هلاك الإنسان.
ولعل من أمثلتها ما حدث لشاول الملك، إذ قيل عنه:

“وذهب روح الرب من عند شاول. وبغته روح ردئ
من قبل الرب” (1صم16: 14).

وهلك شاول، لأن الرب كان قد رفضه. هذا الأمر
الذى يخاف منه المرتل جداً، حينما يقول للرب في صلاته:

“روحك القدوس لا تنزعه منى” (مز50).

ولكن هناك نوعاً من التخلى الجزئي..

إنه ليس مفارقة كاملة، وإنما بعض الشئ، وإلى
حين. ربما لكي يشعر الإنسان بضعفه إذ يسقط.. فيتعلم الحرص والتدقيق في حياته،
ويتعمق في صلاته طالباً عمل روح الرب فيه.

وأيضاً لكى يشفق على الساقطين، عالماً أنه تحت
الآلام مثلهم. وفى كل ذلك يتعلم الاتضاع..

عمل الروح القدس فينا هو الجانب الإلهى ولكن
يبقى علينا نحن أن ندخل في شركة الروح القدس:

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى