_بدع_وهرطقات_2_بدع_حديثة_تيس_عزازيل_رواية_عزازيل_هل_هي_جهل_بالتاريخ_أم_تزوير_للتاريخ_04[1].html
الفصل
الرابع
هل
هناك لاهوت عربي
يرفض
الإيمان بلاهوت المسيح؟
1 – نظرية اللاهوت العربي المزعومة:
قدم الدكتور يوسف زيدان شخصيات الهراطقة المسيحيين،
خاصة آريوس ونسطور بفكر إسلامي أكثر منه مسيحي، فقد صورهم كمسلمين قبل الإسلام!!
وبرغم إنكاره لذلك إلا أن تحويره بل وتحريفه لأفكارهم وضعهم في هذه الصورة. ولكن
أغرب ما سمعت، في حياتي، كدارس للاهوت، أن هناك ما يسمى باللاهوت العربي، وأن هذا
اللاهوت العربي يرفض الإيمان، أو لا يقبل الإيمان بلاهوت المسيح!! فيقول الدكتور
يوسف زيدان ردا على السؤال التالي في جريدة المصري اليوم: ” لكن يري البعض أن
الرواية قدمت التاريخ القبطي برؤية إسلامية، ما ردك؟ “:
هذا ليس صحيحاً فرواية عزازيل كتبت برؤية مصرية
عربية، وأقول لمن اتهمني بذلك لا يوجد شيء اسمه ” الفهم الإسلامي “، أو
” الفهم اليهودي “، أو ” الفهم المسيحي ” للوقائع، هناك شيء
اسمه الفهم الواعي، أو الفهم المشوش، وقد غاب عمن اتهمني بتبني رؤية إسلامية للطرح
في الرواية، حقائق كثيرة تفسرها لهم نظريتي التي عكفت علي وضعها عن ”
اللاهوت العربي “، ولو قرءوها لأدركوا أن من يعتقدون أنهم كانوا هراطقة
وكفاراً من وجهة النظر المسيحية الأرثوذكسية في القرون الأولي للمسيحية، هم في
الأساس مفكرون عرب، أو من أصول عربية مثل نسطورس، وقد أسهموا في صياغة الفكر
الكنسي لثلاثة قرون سابقة علي الإسلام.
+ علي أي أساس تقوم نظرية اللاهوت العربي التي
تطرحها؟
تتناول النظرية عدداً من المحاور، من بينها أن اللاهوت
العربي، مصطلح جديد نقصد به الفكر الكنسي السابق علي ظهور الإسلام، وهو الفكر الذي
ساد منطقة الهلال الخصيب
وشمال الجزيرة العربية. والنقطة الثانية هي أنه ليس مصادفة أن ينتشر
الفكر الموسوم بالهرطقة، من وجهة النظر الأرثوذكسية، في منطقة الشام والعراق
تحديداً، فهناك ظهرت وانتشرت آراء: إبيون، بولس السميساطي، آريوس، نسطور، وكلها
اتجاهات تدور حول ” ناسوت ” المسيح، أي طبيعته البشرية، وهناك أيضاً جزئية
تتعلق بطبيعة الفكر العربي، العملي، البرجماتي، التي لم تكن تستسيغ فكرة إلوهية
المسيح، ونزول الإله إلي الأرض، ثم صعوده، لأنه فكر لم يتأسس علي قاعدة الاعتقادات
اليهودية التي جعلت الإله في الأرض. نجد أنه في مقابل الأرثوذكسية القائلة إن الله
والمسيح، وروح القدس، هو ” لاهوت واحد “، كانت العقلية العربية تميل إلي
رسولية يسوع وإثبات إنسانيته، وقد جاءت الديانة الإسلامية متوافقة مع الرؤى
اللاهوتية العربية، المناسبة بطبعها للعقلية العربية، ومنتصرة لها، أضف إلي ذلك أن
اللاهوت العربي، لم يكتب ولم يعبر عنه في القرون الأربعة السابقة علي الإسلام
باللغة العربية، لأن هذه اللغة لم تكن بعد تطورت بالشكل الكافي للتعبير عن تلك
المباحث الدقيقة، ومن ثم فقد صيغ اللاهوت العربي، باللغتين السريانية واليونانية،
باعتبارهما ” واجهة ” الفكر الكنسي قبل ظهور الإسلام، هناك أيضاً ارتباط
نشأة علم الكلام بشخصيات مسيحية، مثل ” سنسويه ” الذي قيل إنه كان
قبطياً، كما استعارت اللغة ” الكلامية “، مصطلحات بذاتها من القاموس
الكنسي، مثل: ” الهو هو “، ” وحدة المشيئة “، ” التوحيد
“، ” عين الذات “، والصفات الخارجة عن الذات وغيرها.
ولما نطق ” علم الكلام ” باللغة العربية،
بعيداً عن المجامع المحلية والمسكونية، نظر إليه من الناحية الأرثوذكسية علي أنه
لا يخص الديانة المسيحية من قريب أو بعيد، وبالتالي لم يتم وسمه بالهرطقة مثلما
كان مع تجلياته السابقة علي الإسلام، التي نطلق عليها مصطلح: الحال اللاهوتي
العربي “.
وقد يتصور البعض أن د
زيدان كاتب إسلامي متطرف، ولكن هذا غير صحيح، فهو أستاذ للفلسفة الإسلامية وكلامه
يدل على أنه رجل فلسفة علماني، يأخذ بنظريات الفلاسفة وفلسفاتهم الوضعية ويؤمن
بنظرية التطور في الدين ويرى أن علم اللاهوت في المسيحية هو تطوير لما قبله من
فلسفات وأديان وأن علم الكلام الإسلامي هو تطوير لما اسماه باللاهوت المسيحي
العربي، فقال في مقالته التي قدمها في مؤتمر القبطيات الأخير بالكاتدرائية
بالعباسية: ” نخرج من ذلك إلى تقرير، بل تأكيد، أن بواكير علم الكلام في
صورته الأولى إبان القرن الأول الهجري؛ ظهرت في بيئةٍ (عربية) الثقافة، متحولةِ
الديانة من (المسيحية) إلى (الإسلام) مع احتفاظها بثقافتها التي كانت سائدةً ثم
راحت تتطوَّر ببطءٍ شأن أي ثقافة، وتتحول تدريجياً من دنيا المسيحية إلى العالم
الإسلامي الذي بسط جناحه السياسي أولاً، ثم غرس عقائده الدينية ثانياً،
وأخيراً صار مع الأيام (ثقافةً) للمنطقة، بمن فيها من عربٍ مسلمين، وعربٍ
تمسَّكوا بالمسيحية بمذاهبها المختلفة، وعربٍ وفدوا من بعيد فتوطنوا وتشرَّبوا
شيئاً فشيئاً (أعنى جيلاً بعد جيل) الثقافةَ العربية التي أعطت قبل الإسلام
اللاهوتَ العربي، وأعطت مع الإسلام علمَ الكلام”.
وحاول أن يصور لنا أن سكان سوريا والعراق
وفلسطين كانوا عرب قبل الإسلام وخلط بينهم وبين عرب شبه الجزيرة العربية وتصور أن
وجود مدرسة الرها والتي تأثر نسطور بفكرها الذي يلح على تمييز الطبيعتين، الإلهية
والإنسانية، في شخص المسيح، لدرجة تقترب من الفصل بينهما وتصور لنا مسيحين؛ مسيح
إله ومسيح إنسان، هي كل ما كان يؤمن به مسيحيو هذه البلاد، مع أنهم كانوا الأقلية،
وتجاهل أو جهل تماما أن الغالبية العظمى من المسيحيين في المنطقة كانوا مع بقية
مسيحي أوربا وأفريقيا وجزر البحر المتوسط ضد أراء نسطور ومدرسة الرها، وأن الغالبية
العظمى من المسيحيين في بلاد الشرق بل وشبه الجزيرة العربية في بداية القرن السابع
الميلادي كانوا من الأرثوذكس والكاثوليك الذين أطلق عليهم وقتها اليعاقبة نسبة
للقديس يعقوب أحد الذين دافعوا عن الأرثوذكسية في سوريا، والملكانيين نسبة
لإيمانهم بنفس عقيدة الملك، أي الإمبراطور الروماني، وأن غالبية مسيحي اليمن في
شبه الجزيرة العربية، والتي انتقلت إليهم المسيحية عن طريق الحبشة، والتي انتقلت
إليها المسيحية بدورها من مصر، كانوا أرثوذكس ومنهم جماعة وفد نجران الذين تحاور
معهم نبي المسلمين وعرف منهم أنهم يؤمنون بأن المسيح هو ابن الله والله الظاهر في
الجسد ورد عليهم بالقول: ” لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ
هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ .. ” (المائدة: 72)، ” لَّقَدْ كَفَرَ
الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ
إِلَهٌ وَاحِدٌ .. ” (المائدة: 73).
كما كان سكان البادية العربية، والتي دخلت إليهم
المسيحية عن طريق الأردن والشام، أما أرثوذكس
أو كاثوليك. ولم يكن للفكر النسطوري أي وجود في تلك البلاد قبل مجمع خلقيدونية، بل
كان الفكر النسطوري موجوداً فقط في الرها والتي لم يكن كل أهلها من النساطرة بل
كان بها عدد كبير من الكاثوليك، الذين عرفوا بالروم، والأرثوذكس الذين عرفوا
باليعاقبة! ويقول د جواد على في كتابه المفصل في تاريخ العرب: ” ولكن الأسقف
نونوس (أسقف النساطرة) كان أسقفاً واحداً من عدد عديد من رجال الدين الرسميين
الذين يمثلون كنيسة الروم “[73]. ثم دخلوا تحت حماية ملك فارس الشاهنشاه
(ملك الملوك) ومن فارس تسربوا إلى الحيرة، ولم يكن كل أهل الحيرة أيضاً من
النساطرة، بل كما يقول د جواد علي: ” فأنا لا اقصد بقولي هذا أن أهل الحيرة
كانوا جميعاً على هذا المذهب، أو أنهم كانوا كلهم نصارى فقد كان جل أهل الحيرة على
دين أكثر ملوكهم، أي على الوثنية … وبينهم قوم كانوا على مذهب القائلين بالطبيعة
الواحد، أي مذهب اليعاقبة “[74]. ثم يقول: ” أما اليعاقبة فقد أنتشر
مذهبهم بين عرب بلاد الشام والبادية، وقد اصطدم هذا المذهب بالكنيسة الرسمية
للبيزنطيين … واليعاقبة هم مذهب من مذاهب الكنيسة الشرقية “. ويضيف أنه كان
لهذه الطائفة أسقفيتان في بلاد العرب ” أسقفية عرفت بأسقفية العرب، وأسقفية
التغلبيين … وهي موضع الكوفة، أما كرسي أسقفية العرب فكان في الحيرة “.
ويضيف: ” وقد دخل أكثر الغساسنة في هذا المذهب “[75]. وباختصار فلم يكن جميع أهل الشام أو شبه
الجزيرة العربية من النساطرة، بل كان النساطرة يمثلون الأقلية وكانت الغالبية من الروم
أي الكاثوليك واليعاقبة أي الأرثوذكس!!
كما تجاهل د زيدان، تماما، بقية المسيحيين في
سوريا وما بين النهرين، بما فيها اليهودية وفلسطين، وأوربا (من بيزنطا (تركيا
الآن) إلى بريطانيا في المحيط الأطلنطي) وشمال أفريقيا (القيروان وقرطاجنة،
حالياً، المغرب والجزائر وتونس) وليبيا (التي جاء منها آريوس) والتي كان بها جالية
يهودية ضخمة تحول معظمها إلى المسيحية، ومصر وجزر البحر المتوسط (مثل قبرص وكريت
وصقلية وسردينيا .. الخ)، وكانوا جميعهم يؤمنون بلاهوت المسيح وكونه الإله المتجسد
كما تسلموا ذلك من تلاميذ المسيح ورسله، وكان عددهم يزيد على 600 رسول (12 تلميذاً
+ 70 رسولا + أكثر من 500 أخ الذين ظهر لهم المسيح بعد قيامته دفعة واحدة)، والذين
تسلموه بدورهم من المسيح نفسه، وكان هؤلاء التلاميذ والرسل من الجليل والناصرة
واليهودية وليس من روما أو الإسكندرية أو القسطنطينية، كما كانوا من أصل يهودي
وليس وثني!! وهو نفس إيمان كنيسة الإسكندرية، التي كرز بها القديس مرقص الليبي
الأصل اليهودي الديانة المسيحي الإيمان، وإيمان القديس كيرلس وهذا ضد هرطقة
نسطور!! أي أن نسبة الذين كانوا يؤمنون بنفس إيمان كنيسة الإسكندرية والقديس كيرلس
وضد هرطقة نسطور أكثر من 99 إلى 1 %، ولم يمثل النساطرة أكثر من 1 % بأي حال من
الأحوال. بل ولم يؤيد أحد من رجال الدين فكر نسطور ولا حتى الأساقفة الذين كانوا
خاضعين له كبطريرك لأنه خالف الإنجيل والتسليم الرسولي.
وهنا نقول للدكتور يوسف زيدان: أنت ألغيت دور
الوحي والإعلان الإلهي تماماً وتقدم لنا الأديان برؤيتك الخاصة وهي، الأديان، في
رؤيتك؛ مجرد فلسفات تتفق مع هوى ومزاج كل شعب على حده! فالمسيحية لها شكل عند
الإنسان العربي وأشكال أخرى عند غير العرب، والإسلام جاء مناسباً للعقلية العربية
فقط، فهل هو دين للعرب فقط؟ وهل يقبل ذلك علماء المسلمين؟ أن الدين عندك مجرد
فلسفة تعبر عن فكر كل جماعة بشرية بطريقتهم، ومن ثم فلا وجود لله ولا لإعلان الوحي
الإلهي!! فقط فلسفات ترضي أهواء وأمزجة البشر!!
إن اللاهوت هو اللاهوت ولا يوجد به لاهوت شرقي
ولا لاهوت غربي، ونظريتك في ” اللاهوت العربي ” لم يقل بها أحد
ولن يقول، ولا كان العالم المسيحي منتظرا لسيادتكم، لمدة 2… سنة، حتى تفترضها أو
تلفقها، لأنها لا تتفق لا مع التاريخ ولا مع الوقائع ولا مع الإيمان والتسليم
الرسولي الذي من الواضح أنك لا تعرف عنه شيئاً! وقد جانبك الصواب عندما قلت عن:
إبيون وبولس السميساطي وآريوس ونسطور، أنهم شخصيات عبرت عن اللاهوت العربي وأنهم
قالوا بإنسانية المسيح فقط وأنهم كانوا يميلون إلى رسولية المسيح فقط ومن ثم فقد
جاءت الديانة الإسلامية، حسب قولك: ” متوافقة مع الرؤى اللاهوتية العربية،
المناسبة بطبعها للعقلية العربية “!! كما أن كل ما تفترضه وتزعمه
بل وتلفقه لا أساس له من الصحة وهذه هي الأسباب:
(1) المسيح نفسه تجسد في مدينة بيت لحم ونشأ في
الناصرة التي كانت خاضعة لليهودية التابعة لولاية سوريا واليهود من أبناء إبراهيم
وأصلهم يرجع لما بين النهرين، أي العراق، وولد من العذراء القديسة مريم سليلة بيت
داود الذي من سبط يهوذا ابن يعقوب، ويهوذا هذا هو الذي أخذ اليهود منه اسمهم، فهل
المسيح بهذا الصفات يعتبر عربي؟! وهل تعترف أن اليهود عرب؟ أم توافق على ما
يقولونه للعرب: نحن أبناء عمومه؟! وبصرف النظر عما ستقوله أو ما تقوله نظريتك
نسألك؛ هل قال المسيح عن نفسه أنه مجرد إنسان أم أنه الإله المتجسد؟ وهل قال أنه
مجرد نبي، بناء على هذه النظرية، أم أعلن عن مجيئه ونزوله من السماء؟! ونقول لك
بكل صراحة ووضوح: أن المسيح نفسه أكد أنه الإله المتجسد الذي يضم في ذاته اللاهوت
والناسوت، الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية، فقد تكلم عن نفسه كإنسان كما تكلم
عن نفسه كالإله النازل من السماء والآتي إلى العالم: ”
وليس احد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان ” (يو3: 13)،
” لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني” (يو6:
38)، وهنا تحير اليهود ” وقالوا أليس هذا هو يسوع ابن يوسف الذي نحن عارفون
بابيه وأمه. فكيف يقول هذا أني نزلت من السماء؟ ” (يو6: 42). كما أكد أنه
الكائن في كل زمان: ” قال لهم يسوع الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون إبراهيم
أنا كائن ” (يو8: 58). كما تكلم عن كونه الابن من الآب، الذي من الآب
والذي في الآب (يو14: 11)، في حضن الآب (يو1: 18)، والواحد مع الآب في
الجوهر(يو10: 30)، وفي ذات الآب قبل كل خليقة (يو17: 3)، وأن حقيقة كونه ابن الله،
الابن من الآب، هي حقيقة إلهية أعلنت بالروح القدس (مت3: 17). هذه الحقيقة التي لا
يعرفها أحد ولا يقدر أن يعلن عنها أحد غير الابن ذاته فقال مؤكداً: ” كل شيء
قد دفع إليّ من أبي. وليس احد يعرف من هو الابن إلا الآب ولا من هو الآب إلا
الابن ومن أراد الابن أن يعلن له ” (لو10: 22)، أي أن معرفة الآب والابن
لا تتم إلا عن طريق الابن، لماذا؟ يعلل هو ذلك بأنه يعرف الآب لأنه منه ” أنا
أعرفه لأني منه ” (يو7: 29)، فهو الذي ” من الآب ” و
” في الآب “؛ ” أني أنا في الآب والآب فيّ … أني في
الآب والآب فيّ ” (يو14: 10و11)، ” الابن الوحيد الذي في حضن
الآب هو خبر ” (يو1: 18)، والكائن في ذات الآب: ” والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي
كان لي عندك قبل كون العالم … أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون
معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتني لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم
” (يو5: 17 و24)، والموجود قبل كل وجود ” قبل أن يكون إبراهيم
أنا أكون (كائن) ” (يو8: 58)، وكما أعلن عن نفسه: ” أنا هو الألف
والياء البداية والنهاية ” (رؤ21: 6)، “ أنا الألف والياء.
البداية والنهاية. الأول والآخر ” (رؤ22: 13).
كما تكلم عن الآب باعتباره المصدر الذي آتي هو
منه، من الآب، من عند الآب، من ذاته، وغير المنفصل عنه، الواحد معه، والمساوي له
في كل شيء، بل واستخدم كلمة ” الآب ” باستمرار سواء في حديثه عن
الله أو في حديثه مع الله بطريقة تؤكد العلاقة الفريدة بين الآب والابن؛ ففي
الإنجيل للقديس مرقس (14: 36) ينادي الآب بالتعبير الآرامي ” أبا “؛
” يا أبا الآب ” الذي يعني
” daddy “، أي أباه بصفة خاصة، أبيه الذي هو منه، وهو لقب لم ينادي
به أحد الله من قبل (رو8: 15وغل4: 6). ودائما يقول ” أبي وأبيكم
” (يو20: 17) ولم يقل قط ” أبانا “. وقد فهم اليهود من
أحاديثه عن علاقته الخاصة بالله الآب: ” فأجابهم
يسوع أبي يعمل حتى الآن وأنا اعمل. فمن اجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن
يقتلوه. لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضا أن الله أبوه معادلاً (مساوياً)
نفسه بالله. فأجاب يسوع وقال لهم الحق الحق أقول لكم لا يقدر الابن أن يعمل من
نفسه شيئا إلا ما ينظر الآب يعمل. لان مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك.
لان الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمله. وسيريه أعمالا أعظم من هذه لتتعجبوا
انتم. لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي كذلك الابن أيضا يحيي من يشاء. لان
الآب لا يدين أحدا بل قد أعطى كل الدينونة للابن ” (يو5: 17-22)،
“ لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن
أيضا أن تكون له حياة في ذاته ” (يو5: 26)، ولما قال لهم: “ أنا والآب واحد فتناول اليهود أيضا حجارة ليرجموه.
أجابهم يسوع أعمالا كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي. بسبب أي عمل منها ترجمونني.
أجابه اليهود قائلين لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف. فانك وأنت إنسان
تجعل نفسك إلها ” (يو10: 30-33)، “
ولكن أن كنت اعمل فان لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب
فيّ وأنا فيه
”
(يو10: 38).
(2) الأبيونية: وهي شيعة يهودية صرفة
وليست عربية، فقد خرجت هذه الفئة بعد خراب لهيكل ودمار أورشليم سنة 70م من جماعة
اليهود المتنصرين، أو كما سماهم بعض العلماء، مثل هيبوليتوس، المسيحيين اليهود،
لتمسكهم بالعوائد والتقاليد اليهودية والناموس وحفظهم للسبت على الرغم من احتفالهم
بالأحد مع المسيحيين! وقد دعاهم رجال الكنيسة بالابيونيين من كلمة أبيون بالعبرية
(אֶבְווֹן – Ebion) والتي تعني فقير، وجمعها ابيونيم والتي تعني الفقراء لفقر
تعاليمهم وحقارتها. وهم جماعة مميزة ومختلفة تماما عن جماعة الناصريين. ولم يقل
عنهم أحد قط أنهم مسيحيون أو أن فكرهم ينتمي لرسل المسيح وتلاميذه وكنيسته. فقد
ظهروا في المشهد التاريخي بعد دمار هيكل أورشليم النهائي (134م) في النصف الثاني
من القرن الثاني وليس قبل ذلك على الإطلاق.
وقد نظر فريق من هؤلاء إلى الجانب الإنساني فقط
من شخص الرب يسوع المسيح، وقالوا: أن يسوع لم يولد من عذراء وإنما ولد ولادة
طبيعية من يوسف ومريم، وقد تبرر فقط بسبب فضيلته السامية. وقال بعضهم بولادته من
عذراء. وكان هناك فريق آخر بنفس الاسم، وقد آمنوا بسمو المسيح وعظمته وأنه أكبر من
مجرد إنسان ولم ينكروا أن الرب وُلد من عذراء ومن الروح القدس. هذا الفريق الثاني
زعموا أن المسيح إله ولكنه لم يولد من الآب إنما خلق كواحد من رؤساء الملائكة … وأنه
يحكم على الملائكة وكل مخلوقات القدير[76]. فهو بالنسبة لهذا الفريق إلهاً ولكن بدرجة
أقل من الآب!! فقد صار، من وجهة نظرهم، أعظم من الأنبياء والملائكة والكائن الثاني
في الكون بعد الله!! أي أنهم برغم يهوديتهم الشديدة لم يكونوا على رأي واحد ولا
عقيدة واحدة، وقد قال عنهم العلامة إيريناؤس (175م) أنهم كانوا: ” يعيشون
بحسب عادات اليهود زاعمين أنهم يتبررون بإتمام الناموس. ولذلك فقد سمي مسيح الله
ويسوع، لأنه لا احد غيره من حفظ الناموس تماماً. لأنه لو حفظ الشريعة أي أحد أخر
وتمم والوصايا (المحتواة) في الناموس سيكون هذا مسيحاً “[77].
وقال عنهم أبيفانيوس (حوالي315 – 403م)، أسقف
سلاميس أنهم يتأرجحون في حديثهم عن المسيح فهو: ” مجرد إنسان بروح إلهية
متبناة من جهة، ومن جهة أخرى يقولون أحيانا أنه رئيس ملائكة متجسد “[78].
كما قال أيضا ” أنهم ليسوا مسيحيين ولا
يهود ولا وثنيين … أنهم يقفون في منتصف الطريق فليسوا هم شيئا “[79].
ونظرا لأن فكرهم هذا جاء من خارج الكنيسة وكان
غريباً تماماً على ما جاء في الإعلان الإلهي في الكتاب
المقدس وعن التسليم الرسولي الذي تسلمته الكنيسة من تلاميذ المسيح ورسله، فقد
واجهتهم الكنيسة وقاومتهم بسبب اعتقاداتهم الفقيرة والوضيعة هذه. وكان عددهم محدود
جداً، كمجرد فرقة عاشت فترة في مدينة ألبا السورية وانتهوا تماما في القرن الرابع
الميلادي!!
(3) كان آريوس مصريا ليبيا ولم يكن عربيا، فمصر تعربت
بالثقافة الإسلامية، وهناك عبارة شهيرة للشيخ الراحل محمد الغزالي كان يقول فيها
” أنا مصري عربني الإسلام “، ونحن يمكننا أيضاً أن نقول مثله: ”
نحن مصريين عربتنا الثقافة العربية واللغة العربية “. كما أن آريوس لم يقل
مطلقاً أن المسيح إنسان بل أن آريوس كان يؤمن بعقيدة الثالوث (الآب والابن والروح
القدس) ولم يقل أن المسيح مجرد إنسان، كما زعم الكاتب، بل وألغي
إنسانية المسيح تماماً!! وركز على قول الآية ” والكلمة صار جسدا ” (يو1:
14)، وفسرها بمفهوم أقرب إلى التحول من اللاهوت إلى شكل جسد، أو كما تصور البعض
أنه قال أن المسيح بلاهوته حل في جسد خالي من الروح محل الروح الإنسانية!! كما أن
فكر آريوس يقوم أساساً على لاهوت المسيح وله قانون إيمان، أرسله للإمبراطور
قسطنطين، يشبه قانون إيمان مجمع نيقية باستثناء بعض العبارات التي يمكن أن تفسر
بأكثر معنى، فيقول “ نؤمن بإله واحد، الآب القدير؛ وبالرب يسوع
المسيح ابنه، المولود منه قبل كل الدهور، الله الكلمة الذي به صنع كل شيء، ما في
السموات وما على الأرض. الذي نزل وصار متجسدا؛ وتألم، وقام ثانية؛ وصعد إلى
السموات؛ وسيأتي ثانية ليدين الأحياء والأموات. [ونؤمن] أيضا بالروح القدس.
وبقيامة الجسد وحياة الدهر الآتي، وبملكوت السموات، وبكنيسة الله الواحدة الجامعة،
الممتدة من أقصى الأرض إلى أقصاها. الإيمان الذي استلمناه من الأناجيل المقدسة،
حيث يقول الرب لتلاميذه – ” اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب
والابن والروح القدس “[80].
وقد وصل آريوس إلى هذا الفكر الهرطوقي لأنه لم
يتبع الفكر الإنجيلي ولا منهج التسليم الرسولي الذي تسلمه آباء الكنيسة من تلاميذ
المسيح ورسله، بل أعتمد بالدرجة الأولى على الفلسفة اليونانية الرواقية، وبصفة
خاصة على فكر الفيلسوف فيلو الفيلسوف اليهودي الاسكندري (20ق م – حوالي 40م)،
المعروف بفيلو اليهودي، والذي جمع ما بين فكر العهد القديم والتقليد اليهودي
والفلسفة اليونانية، خاصة الرواقية، إلى جانب
بعض العناصر الشرقية، لذا فكان فكره وعقيدته خليط بين اليهودية والفلسفة
اليونانية. فكيهودي آمن بالله كما هو في العهد القديم، ونظرا لأن الفلسفة
اليونانية ترى أن المادة أزلية مثل الله وأنها شر، وأن الله لا يتصل بهذه المادة
التي هي شر، لذا فصل فيلو بين الله والعالم تماماً، وجعل الله بدون أي صلة بالعالم، وقال أنه لا توجد أي صلة بين الروح المحض
(الله) والعالم المحسوس. ونظرا لأن هذا الفكر أوجد فجوة وهوة لا قرار لها بين
اللاهوت السامي والفائق وغير المدرك وبين العالم المادي المحسوس، لذا فكر فيلو في
إيجاد، معبر، كوبري، وسيط، يعبر هذه الفجوة أو الهوة، وسيط يربط بين الله والمادة،
ولكن لا بحسب الكتاب المقدس أو التقليد اليهودي بل بحسب فكرة القوات الوسيطة
والمُثل الأفلاطونية. ونتيجة لذلك فقد قدم فكرة مصغرة لهذه القوات الفاعلة هي
اللوجوس (Logos).
هذا المصطلح الذي يحتمل أنه أخذه من العهد القديم ولكن بمحتوى وأسلوب وفكر غنوسي
يوناني كما هو في فكر أفلاطون في الُمثل وفكر الرواقيين عن الأسباب والقوات.
ومن ثم يعني اللوجوس عند فيلو المثال الأولي،
الفكرة الأولية، التي تتفق مع عقل الله، العقل الملازم لله، وأيضاً مبدأ الإعلان
في الطبيعة الإلهية. ويعتبر اللوجوس عنده هو العقل الجوهري الذي يوصل الفكر الغير
منطوق به في الإنسان، هذا اللوجوس فائق وغير مدرك مثل الله نفسه، ولكن في وجهه
الآخر فهو القوة والنشاط وموصل للفكر المنطوق به في الإنسان. اللوجوس هو وسيط الله
الذاتي الذي يكشف به الله عن نفسه وعن عنايته الإلهية. هذا اللوجوس أو الكلمة
المنطوقة هو الخالق الذي خلق به الله العالم وهو العامل في الكون باستمرار والفاعل
فيه دائماً، وفيه توجد كل الحكمة الإلهية والخير الإلهي، بل هو الابن البكر لله،
الملاك الأعلى والإله الثاني في الكون[81].
فيقول
فيلو في كتابه: ” De Plant Noe
“: ” لأن أولئك الذين لا يستطيعون أن ينظروا للابن نفسه، ينظرونه في
نوره المنعكس، حتى ولو باعتباره صورة الله، الذي هو ملاكه، فاللوجوس (logos– Memra)
كالله (Elohim) نفسه “.
ويقول في كتابه ” On The
Confusion Of Tongues p. 247
“[82]: ” حتى لو لم
يكن هناك من هو مستحق ليسمى بابن الله، ومع ذلك فهو يعمل بلا كلل ليكون مزيناً
بحسب كلمته البكر [Logos]،
أقدم ملائكته، كرئيس الملائكة العظيم ذو الأسماء الكثيرة؛ لأنه يدعى ذو السيادة
واسم الله والكلمة [Logos]،
وإنسان بحسب صورة الله والذي يرى إسرائيل “.
ويقول في كتابه ” Allegorical
Interpretation, III.
“[83]: ” ظل الله هو كلمته [Logos] الذي استخدمه كوسيلة عندما خلق العالم. وهذا الظل، وكما كان،
نموذجاً، النموذج الأولي للأشياء الأخرى، لأنه كما أن الله نفسه النموذج لهذه
الصورة الذي يدعى الآن الظل، هكذا أيضاً هذه الصورة هو النموذج للأشياء الأخرى.
وكما بين عندما أوصى معطيا الناموس للإسرائيليين، وقال: ” وعمل الله الإنسان
على صورة الله (تك1: 26)، لأن الصورة كانت على نموذج الله، ولأن الإنسان كان على
نموذج الصورة التي أُخذت، هكذا، قوة وصورة النموذج “.
كما قال في كتاب: ” On Dreams, 1, “[84]: ” لأنه يوجد، كما يبدو، هيكلان لله؛ واحد هو العالم، الذي
فيه الكاهن الأعلى الذي هو الكلمة الإلهي [Logos]، ابنه البكر .. “.
وقال في كتاب ” On The
Migration Of Abraham. P. 253
“[85]: ” كيف نتوقع
الكلمة [Logos]، الذي هو أقدم من كل الأشياء التي كانت موضوعات الخليقة، وبأي
وسيلة هو حاكم الكون .. “[86].
هذا الاعتماد على الفلسفة والفكر البشري أعترف
به آريوس في كتابه الشهير ” ثاليا “، أي المأدبة، حيث يقول: ” وأنا
على الأقل تعلمت هذه الأمور من أناس لهم نصيب كبير من الحكمة. أناس مدهشون من
المعلمين لأمور الله. وعموماً فأنهم يعتبرون من الحكماء. وقد اقتفيت أنا آثار
هؤلاء وسرت على دربهم. وها أنا أسير في نفس الطريق، معلماً لنفس هذه المبادئ، أنا
الذائع الصيت “.
ويمكن أن نلخص فكر آريوس وعقيدته في
المسيح والثالوث في النقاط الثلاث الآتية:
(1) الله هو الواحد الوحيد ولا يوجد إله آخر
معه، وهو وحده غير مولود، ابدي وبلا بداية، لا يعبر عنه ولا يدرك، لا مثيل له ولا من
يساويه. وقد خلق كل شيء بإرادته الحرة ولا يوجد معه شيء غير مخلوق. وأن تعبير
” يلد “، بالنسبة لله، هو ببساطة مرادف ل ” يخلق
“، وإذا لم يكن الأمر كذلك فستدمر بساطة الله وروحانية طبيعته. ولا يمكن أن
يصدر الله شيء من جوهره؛ ولا يمكن أن يصل جوهره بما هو مخلوق، لأن جوهره غير
مخلوق. ولذا فلم يكن الله أبا في كل حين (دائماً)(&)، بل كان هناك وقت حين كان الله وحده، ولم يكن
هناك الكلمة والحكمة بعد، ولم يكن أبا بعد، بل قد صار أبا فيما بعد، فقد كان أولا في
حالة كان فيها كما كان ببساطة إلها وليس آبا. كان الله واحداً مطلقاً في ” فردية
” بسيطة، بعيد وغير معروف، غامض، لا يدرك ولا يمكن الالتقاء به، مخفي بسر
أزلي، ومنفصل عن الخليقة بهوة غير محدودة، ولم يكن هناك خلائق ولا أحد في الكون
غيره[87].
(2) ثم يقول: وقبل أن يُوجد العالم خلق الله
بإرادته الحرة جوهر (أوسيا – ousia – ούσία) مستقل أو أقنوم (هيبوستاسيس – ὑπόστασéò
– hypostasis) كوسيلة خلق بها (بواسطته أو عن
طريقه) كل المخلوقات الأخرى لأنه بدون هذا الكائن، المخلوق الخالق، لا تقدر هذه
المخلوقات على الاتصال باللاهوت. وقد سُمي هذا الكائن في الأسفار المقدسة بالحكمة
والابن والصورة والكلمة. هذا الابن هو خالق الكون؛ لقد خلق الآب الابن
لأجلنا كوسيلة يخلقنا الله بها، لقد خلق الآب الابن ليخلقنا به، خلق الآب الابن
والابن خلق سائر المخلوقات الأخرى، فهو، الابن، المخلوق الخالق!! حيث يقول ”
الابن لم يكن موجودا دائما، لأن كل الأشياء قد خلقت من العدم، وكان هناك وقت لم
يكن فيه الابن موجودا، ولم يكن له وجود قبل أن يصير، بل هو نفسه كان له بداية
تكوين وخلقة … الله كان وحده، ولم يكن هناك الكلمة والحكمة بعد .. من ثم فعندما
أراد الله أن يخلقنا، فأنه قام بصنع كائن ما وسماه اللوجوس والحكمة والابن كي
يخلقنا بواسطته “[88].
(3) كما قال أن الروح القدس مخلوق ويضعه في عداد
القوات المخلوقة بواسطة الابن، كما يضعه بجانب الابن كجوهر أو أقنوم ثاني مستقل،
فهو يؤمن بثلاثة جواهر أو أقانيم (أشخاص) مستقلة ومختلفة؛ الآب والابن والروح
القدس، وقال أن الروح القدس مخلوق بواسطة الابن وخاضع له. أي أنه يؤمن بثلاثة
آلهة؛ الآب الخالق، والابن المخلوق الخالق، والروح القدس المخلوق بواسطة الابن!!
ومن ثم يقول آريوس بثالوث غير متماثل، ثلاثة
أقانيم غير متماثلة ولا متساوية في الجوهر (όυσια
– ousia)، وهم ثلاثة منقسمين ومنفصلين وغير مشاركين أحدهم للآخر، ولكن
متحدين اتحادا أدبيا محضا، وحدة في الإرادة والتدبير وليس في الطبيعة أو الجوهر أو
المجد، فالكلمة مختلف تماما عن الآب وهكذا الروح القدس، ” أن لكل من الابن
والآب والروح القدس جوهر منفصل عن الآخر حسب الطبيعة، وأنهم منقسمون ومتباعدون
وغرباء عن بعضهم البعض، وليس لهم شركة أحدهم مع الآخر … أنهم غير متشابهين تماما
في الجوهر والمجد بلا نهاية “[89].
وهذا يوضح لنا أن آريوس لم يؤمن بإله واحد بل
بثلاثة واحد خالق والثاني مخلوق وخالق والثالث مخلوق، ولم يقل مطلقا بأن المسيح
إنسان بل قال: أن الابن لما تجسد، صار جسدا، تحول إلى جسد، حل في جسد بلا روح
إنسانية، وأن الكلمة، الابن، حل في الجسد محل الروح الإنسانية!! أي أنه لم يكن
إنساناً مطلقا بل إله حل في جسد إنسان فقط ولم يتخذ الطبيعة الإنسانية الكاملة، بل
احتجب في جسد بلا روح.
والسؤال هنا هل قال آريوس أن المسيح مجرد إنسان
كما زعم د زيدان؟! وهل يتفق هذا الفكر مع نظريته عن اللاهوت العربي المزعومة؟! لقد
كان فكر آريوس خليط من اليهودية والفلسفة اليونانية التي عبرت إلى آريوس عن طريق
الفيلسوف السكندري اليهودي فيلو.
(4) وقد خرج فكر نسطور من منطلق رفضه للآريوسية
ومقاومته لها، وهذا عكس ما زعمه وادعاه وكرره د زيان طوال الرواية!! فقد
نادى آريوس، كما أوضحنا، بأن المسيح لم يتخذ الطبيعة الإنسانية كاملة بل أخذ جسدا
بلا روح وحل فيه اللاهوت، الكلمة، الابن، محل الروح الإنسانية، وجاء بعده شخص يدعى
أبوليناريوس قال أن الابن من ذات الآب وواحد معه في الجوهر ولكنه قال مثل آريوس
أنه أتخذ جسدا بلا روح إنسانية وحل لاهوت الابن فيه محل الروح وأن الكلمة هو حياة
الجسد، اللاهوت الذي حل في الجسد محل الروح الإنسانية العاقلة قائلاً: ” حققت
الطاقة الإلهية دور الروح المحيية (psyche) والعقل البشري (nous) “[90]. وكرد فعل لذلك نادى نسطور بطريرك القسطنطينية (428 – 431م)، بما
يسمى ” اللوجوس – إنسان؛ Logos – Man؛
أو Logos
– Anthropos؛
ανθροπος – λογος “. أي أن الكلمة، اللوجوس، تجسد في الإنسان يسوع الناصري،
وأن المسيح مكون من عنصرين أساسيين، ولكن مختلفين في الجوهر، اللاهوت والناسوت. وفي
شرحه لهذا الاتحاد بين اللاهوت والناسوت ميز بشدة بين اللاهوت والناسوت حتى وصف
اتحادهما بالاقتران أو المصاحبة، وقال أنه مجرد اتحاد أدبي، وليس اتحاد بالمعنى
الدقيق للكلمة، طبيعي، اتحاد أقنومي (Hypostatic Union)[91]، كما يؤكد الكتاب المقدس وكما علمت الكنيسة منذ أيام الرسل. وقال
أن الكلمة، الابن، المسيح بلاهوته، حل في يسوع، منذ
اللحظة الأولى للتجسد، وكان هذا الحلول يهدف إلى فداء كل الجنس البشري، كما أنه
الظهور الأكمل للنشاط الإلهي.
وبرغم قوله أن هذا الحلول الإلهي في التجسد بدأ
من اللحظة الأولى للحمل في بطن العذراء، إلا أنه بدا وكأنه ينادي بمسيحين لا مسيح
واحد!! ورفض تسمية العذراء بوالدة الإله (Theotokos – θεοτοκος) ودعاها بوالدة المسيح (χριτοτοκος –
Christotokos)، قائلا أنها لم تلد سوى
المسيح الإنسان، أي الناسوت وأن الكلمة كان في ذاك الذي ولدته[92]. وتجاهل أو جهل أن اللاهوت أتحد بالناسوت في
بطن العذراء!
وقد نشأ فكر نسطور أساسا من معارضته لتلقيب
” العذراء، بلقب، والدة الإله (Theotokos – θεοτοκος) كوصف للعذراء القديسة مريم والدة الكلمة المتجسد، الإله
المستأنس، فقد سئُل نسطور في بداية عهده بالبطريركية سنة 428م عن رأيه في هذا
التعبير، وكان، نسطور تلميذ مدرسة إنطاكية، قد تعلم من معلمه ثيؤدور أسقف
موبسوستيا Mopsuestia
الذي كان يعلم بالتمييز بين الطبيعتين كرد فعل لهرطقة أبوليناريوس. وفي إجابة
نسطور على هذا السؤال، الخاص بتعبير ” والدة الإله “، أعتمد على فكره
الذي يميز بشدة بين اللاهوت والناسوت وشك في ملائمة هذا التعبير إلا إذا استُخدم
معه تعبير ” والدة الإنسان – anthropotokos – ανθροποτοκος ” ليعبر الأول عن لاهوته ويعبر الثاني عن ناسوته، كما كان
ينادي بذلك أيضا ثيؤدور، وأوجد نسطور تعبير آخر يتناسب مع فكره وهو تعبير ”
والدة المسيح –Christotokos – χριτοτοκος “. ثم استخدم نسطور لغة مبالغ فيها ومثيرة في شرحه لفكرته
هذه، فقال، في عظاته ضد والدة الإله؛ أن الله ليس له أم ولا يمكن أن تلده امرأة
وما ولدته مريم لم يكن هو الله بل ولدت الطبيعة الإنسانية التي اتخذها الكلمة،
ولدت الناسوت الذي كان حاملا للاهوت، وسيلة اللاهوت، حامل اللاهوت، وزاد في
مبالغاته المغلوطة والمبنية على الباطل وقال لا يمكن أن يحُبل بالله مدة تسعة شهور
في رحم امرأة ويلف بالأقمطة وأن يتألم ويموت ويدفن[93]!!
وتصور نسطور أن أقواله هذه كانت كافية لحماية
عقيدة التجسد ضد الآريوسية والأبوليناريوسية[94]. ونسي أنه وصل بفكره هذا إلى وجود مسيحين؛ المسيح
الإله والمسيح الإنسان، اللذان تصاحبا معاً منذ اللحظة الأولى للحمل، فهو لم ينكر
لاهوت المسيح مطلقاً ولم ينكر عقيدة الله الواحد في ثالوث مطلقا، كما حاول أن يصور
د زيدان، بل آمن بلاهوت المسيح وعقيدة الثالوث ودافع عنهما بشدة، ولكنه بسبب تطرفه
في الرد على كل من أبوليناريوس وآريوس، استخدم تعبير المصاحبة الذي يفصل المسيح
إلى مسيحين، إله وإنسان، تصاحبا معا منذ اللحظة الأولى للحمل في بطن مريم العذراء
وظلا كذلك إلى الأبد!! كما أن سوء فهمة للقول أن العذراء والدة الإله وتصوره أن
هذا يؤدي إلى أن العذراء ولدت المسيح بلاهوته، ولدت الإله، ولدت الله، جعله يتطرف
في استخدام تعبير والدة المسيح ويبتعد عن تعبير الاتحاد بين لاهوت المسيح وناسوته
ويستخدم تعبير المصاحبة!! وهنا نسأل بماذا يقول الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت
والأنجليكان ويؤمنون في الذي ولد من العذراء؟ هل ولدت العذراء إله؟ أم ولدت إنسان؟
والإجابة أنها لم تلد، أي لم يخرج من رحمها، إنساناً فقط ولا إلهاً فقط! فالذي خرج
من أحشائها ليس مجرد إنسان، كما أنها لم تلد الإله، لأنها كإنسانة لا يمكن أن تلد
الإله، لأن اللاهوت الغير مخلوق لا يمكن أن يولد من مخلوقة، فهو ربها وخالقها، هي
مخلوقة في زمان معلوم وهو غير مخلوق، بل مولود من الآب، بلا بداية ولا نهاية، أزلي
أبدي، ولكنها ولدت الإله المتجسد، المسيح الذي هو الله الظاهر في الجسد، أو كما
يقول الكتاب: ” الذي يحل فيه كل ملء اللاهوت جسدياً ” (كو2: 9). فقد حل
اللاهوت في الطبيعة الإنسانية منذ اللحظة الأولى للحمل في بطن العذراء، ومن ثم فمن
خرج من أحشاء العذراء هو الإله المتجسد، فهي لم تلد اللاهوت بل ومن المستحيل أن
يحدث ذلك بل حل اللاهوت في الناسوت في رحمها، أتحد اللاهوت بالناسوت في أحشائها،
ولأن الناسوت لم يوجد لحظة ولا طرفة عين في رحم العذراء بدون اللاهوت، بل وكما
يتكون الإنسان في بطن أمه من اتحاد العناصر الوراثية للرجل بالعناصر الوراثية
للمرأة، وقبل ذلك لا يكون هناك إنسان، هكذا ومع الفارق، لم يكن الناسوت بدون
اللاهوت، وجد الناسوت متحدا باللاهوت. ولهذا نقول أنها والدة الإله المتجسد وأم
المسيح الذي هو كلمة الله المتجسد، صورة الله وبهاء مجده ورسم جوهره الذي أخلى
نفسه أخذا صورة عبد. ولا يمكن أن نتصور المسيح كمجرد إنسان فقط. ولم يتصوره لا
آريوس ولا نسطور هكذا، برغم هرطقاتهم وفكرهم الهرطوقي، بل هو بالنسبة لآريوس كلمة
الله المتجسد والخالي من الروح الإنسانية! وبالنسبة لنسطور ابن الله وابن الإنسان،
المسيح الإله والمسيح الإنسان!!
أننا نقول مع أليصابات التي قالت عن العذراء
بالروح القدس ” أم ربي ” (لو43: 1)، كما نقول معها أيضا ” مباركة
أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك ” (لو1: 42)، ونقول مع القديس بولس
بالروح عن اليهود ” لأنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد “(1كو2: 8).
2 – الحوار اللاهوتي بين البابا
كيرلس عمود الدين ونسطور:
حاول نسطور نشر فكره هذا وهرطقته بين رهبان مصر
واللذين كان لهم دور مؤثر جدا في الأمور العقائدية واللاهوتية، ولما سمع القديس
كيرلس، بطريرك الإسكندرية الرابع والعشرين (412 – 444م)، والمُلقب بعمود الدين
ومعلم المسكونة ومعلم الأرثوذكسية، بما نادى به نسطور أرسل رسالة إلى الرهبان في
الأديرة يوضح لهم فيها العقيدة القويمة في المسيح كما تسلمتها الكنيسة عن رسل
المسيح، ” الإيمان المسلّم مرة للقديسين ” (يه1: 3)، وخطورة ما ينادي به
نسطور، وذلك دون أن يذكر اسمه صراحة في رسالته والتي جاء فيها: ” اضطربت
جدا لأني قد سمعت أن بعض الإشاعات قد وصلت إليكم، وأن بعض الناس يتجولون لهدم
إيمانكم البسيط، ويتقيأون كثرة من سفه الأقوال الجزافية غير النافعة. ويضعون
تساؤلات ويقولون: ” هل ينبغي أن تدعى العذراء القديسة مريم والدة الإله أم
لا؟ ” … فأني دُهشت من أن البعض يتساءلون فيما إذا كان ينبغي أن تدعى
العذراء القديسة ” والدة الإله “، أم لا. لأنه أن كان ربنا يسوع المسيح
هو الله، فكيف لا تكون العذراء القديسة التي ولدته هي ” والدة الإله “،
أن التلاميذ الموحى إليهم سلموا إلينا هذا الإيمان، حتى وأن كانوا لم يذكروا هذا
التعبير. ونحن قد تعلمنا من الآباء القديسين أن نعتقد هكذا “.
وقد وصلت أخبار هذه الرسالة إلى نسطور فأرسل
أكثر من رسالة إلى القديس كيرلس يعاتبه فيها ولكنه يصر على تعاليمه التي ينادي بها
من ثم يقول ” وأنا امتدح تمييز الطبيعتين، وارتباطهما معا في شخص واحد،
وعدم القول أن الله الكلمة كان محتاجا أن يُولد مرة ثانية من امرأة “، ثم
استفاض في شرح ما للطبيعتين وكأنه يتكلم عن شخصين لا شخص واحد.
ومن ثم فقد أرسل القديس كيرلس رسالة إلى نسطور
قدم فيها شرحا مستفيضا لعقيدة الكنيسة الجامعة في شخص المسيح وكانت هي الوثيقة
الرئيسية التي أعتمد عليها مجمع أفسس في الرد على هرطقة نسطور وقد جاء فيها[95]:
” لأنه لم يولد أولا إنسانا عاديا من العذراء
القديسة ثم بعد ذلك حل عليه الكلمة، بل إذ قد اتحد بالجسد الذي من أحشائها، فيقال
أن الكلمة قد قبل الولادة الجسدية، لكي ينسب إلى نفسه ولادة جسده الخاص.
” وهكذا نقول أيضا أنه تألم وقام، ليس أن
كلمة الله تألم في طبيعته الخاصة أو ضُرب أو طُعن أو قبل الجروح الأخرى، لأن
الإلهي غير قابل للتألم حيث أنه غير جسمي. لكن حيث أن جسده الخاص، الذي
وُلد عانى هذه الأمور، فأنه يقال أنه هو نفسه أيضا قد عانى هذه الأمور لأجلنا. لأن
ذاك الذي هو غير قابل للآلام كان في الجسد المتألم. وعلى نفس النسق نفكر أيضا عن
موته. إن كلمة الله حسب الطبيعة غير مائت وغير فاسد لكونه هو الحياة ومعطي الحياة.
ولكن بسبب أن جسده الخاص ذاق بنعمة الله الموت لأجل الجميع كما يقول بولس (عب9:
2)، لذلك يقال أنه هو نفسه قد عانى الموت لأجلنا
“.
” وهكذا فنحن نعترف بمسيح واحد ورب، ليس
أننا نعبد إنسانا مع الكلمة، حتى لا يظهر أن هناك انقساما باستعمال لفظة ” مع
” ولكننا نعبد واحدا هو نفسه الرب حيث أن جسده لا يخص غير الكلمة الذي
باتحاده به يجلس عن يمين أبيه. ليس كابنين يجلسان مع الآب، بل كابن واحد متحد
مع جسده الخاص “.
فحاول نسطور أن يفرض فكره وهرطقته عن طريق بابا
روما فكتب إلى كليستينوس بابا روما يشرح له فيها ما يعلم به، وكان كليستينوس قد
سمع من كثيرين عن بدعة نسطور وأنه قسم أقنوم المسيح إلى اثنين، فأرسل إلى القديس
كيرلس يستوضحه الأمر، فأرسل له في رسالة شرحا مستفيضا عن بدعة نسطور وتعاليمه
الهرطوقية مع نسختين من رسائله إلى نسطور والتي شرح له فيها الإيمان القويم
للكنيسة الجامعة الرسولية. وهنا عقد الأسقف كليستينوس مجمعا من أساقفته، أقروا
فيه بأن ما يعلم به نسطور هو بدعة وهرطقة، كما اقروا بأن ما يعلم به القديس كيرلس
هو الإيمان الصحيح والعقيدة القويمة للكنيسة الجامعة الرسولية، وبعث إلى نسطور
بكتاب يقول فيه ” لقد وافقنا على رأي أسقف الإسكندرية ولقد نصحك، فإن شئت أن
تبقى معنا لا بد أن تنكر ما ناديت به، وأن تنادي بما ينادي به هو، فأن أصررت على
رأيك ولم تر ما يراه أخونا كيرلس فأنت مقطوع من عداد زملائنا، ولا يمكن أن تكون لك
شركة معنا، فأن كنت بعد عشرة أيام من وصول تنبيهنا هذا إليك لا تؤمن بما تؤمن
به كنيسة الإسكندرية، ومعها كنيسة روما والكنيسة الجامعة فستقطع من الشركة
كلها “[96].
ولما لم يراجع نسطور نفسه ولم يرتدع، لمخالفته
للتسليم الرسولي وما تؤمن به الكنيسة الجامعة الرسولية الأرثوذكسية، بل وأيضاً
ما يؤمن به أهل القسطنطينية وأساقفتها الذين كانوا من المفترض أن يقفوا معه ضد
القديس كيرلس، لذا عقد القديس كيرلس مجمعا مكانيا في الإسكندرية، عرضت عليه
هرطقة نسطور وتليت رسائل القديس كيرلس التي أُرسلت أليه وللأساقفة. وبعد الدراسة
حكم المجمع على نسطور بالهرطقة. أي حكم على نسطور بالهرطقة في كل من روما
والإسكندرية، ولم يكن مجرد خصما للقديس كيرلس، بل خصما للكنيسة الجامعة في الشرق
والغرب.
وهكذا كان الصراع بين نسطور الذي وقف بهرطقته
وفكره الذي أنساق إليه وتمادى فيه وقد منعه كبرياؤه من التراجع عنه، وأن كانت
كتابته التي كتبها في المنفى، وبعد أن هدأت العاصفة والأمور، والتي اكتشفت حديثاً،
والتي حاول فيها التراجع والتقارب مع فكر الكنيسة الجامعة، إلا أنه ظل بعيدا عن
عقيدة الكنيسة الجامعة الرسولية، فقد أنساق وراء فكره الخاص وترك التقليد الرسولي
وما تسلمه عن آباء الكنيسة جيلا بعد جيل والذي كان يحتفظ به البطاركة في مكتباتهم.
ومع ذلك لا يمكن أن يكون ما نادى به هو لاهوت
عربي، بحسب نظرية د زيدان، فهو يؤمن بلاهوت المسيح وناسوته، وقد دافع عن لاهوت
المسيح وعقيدة الله الواحد في ثالوث بشدة، وهذا يتناقض بشدة مع ما أفترضه د زيان
في نظريته المزعومة. وإذا كان اللاهوت العربي يتمثل في علم الكلام الإسلامي والذي
لا يؤمن بلاهوت المسيح ولا بعقيدة الثالوث، فلا يمكن أن يسمى لاهوت آريوس أو نسطور
باللاهوت العربي لأن كل من آريوس ونسطور يؤمنان بعقيدة الثالوث، الأول يؤمن بالآب
الخالق والابن المخلوق من الآب والذي في نفس الوقت هو خالق الكون ومدبره وفاديه
وديانه، أي الله الظاهر للخليقة، خالقها وفاديها وديانها ومدبرها، والروح القدس
المخلوق من الابن والذي يقدس الخليقة، والثاني يؤمن بعقيدة الثالوث كما يؤمن بها
سائر المسيحيين، والخلاف هو في مفهومه للتجسد وليس الثالوث.
3
– هل كان لعلماء المسيحية في الإسلام لاهوت عربي أم مسيحي؟
يصر الدكتور
زيدان على نظريته التي لا سند لها ولا وثيقة ولا برهان والتي تزعم بوجود لاهوت عربي
وأن كل من أبيون وآريوس ونسطور وبولس السموساطي هم من اللاهوتيين العرب!! وقد بينا
أعلاه بطلان هذا الكلام؛ ونؤكد مرة ثانية أنه لم يوجد شخص باسم أبيون بل هو صفة
بمعني الفقير وقد وصف بها آباء الكنيسة فكر الهرطقة الأبيونية لفقرها الفكري! وأن
آريوس كان مؤمناً بالثالوث ولكن بفكر فلسفي وأنه لم يكن عربياً! أما نسطور فلم
ينكر قط لاهوت المسيح، إنما فهم عقيدة التجسد خطأ، وكان من أشد المدافعين عن عقيدة
الله الواحد في ثالوث! وكان بولس السموساطي متخبطاً في فكره وتراوحت أقواله بين
كون المسيح كلمة الله الذي من ذات الله وأنه حل عليه الكلمة بدرجة أكبر من حلول
الروح القدس على الأنبياء!!
وهناك فئة
من علماء المسيحية تدحض تماما رأي د زيدان ونظريته الموهومة، وهذه الفئة تتكون من
الفلاسفة المسيحيين الذي عاشوا في قصور الخلفاء والولاة المسلمين وكانوا الرواد
الأوائل للنهضة الإسلامية، حيث قاموا بترجمة التراث اليوناني والسرياني والقبطي
إلى جانب تراث شعوب قديمة أخرى وبرعوا في الفلسفة وعلوم المنطق، بل وكما يقول الآب
سليم دكاش اليسوعي في كتابه عن الفيلسوف العراقي أبو رائطة التكريتي المسيحي أن
هؤلاء العلماء المسيحيين، الذين عاشوا فيما بين 750 و950م، عاشوا: ” في مرحلة
مهمة من حياة الكنائس الشرقية؛ مرحلة تكونت فيها المصطلحات الفلسفية والتعابير
اللاهوتية باللغة العربية. وانبرى عدد منهم للدفاع عن عقيدة ديانته باللغة التي
أصبحت أداة الاتصال الثقافي “[97]. كما أنهم برعوا أيضا في علم الكلام ”
وقد خاض المسيحيون غماره في العصر الوسيط دفاعا عن عقيدتهم “. وتحاوروا مع
الفلاسفة والعلماء المسلمين وعملوا مناظرات حول صحة المسيحية وعقائدها ودافعوا
عنها جميعا، سواء كانوا نسطوريين أو سريان أو أقباط أو غيرهم، عن أخص العقائد المسيحية
مثل لاهوت المسيح والثالوث واستخدموا في ذلك كل المصطلحات الفلسفية والمنطقية
ومصطلحات علم الكلام، أو كما يقول الأب سليم دكاش اليسوعي أن هذا الجيل: ”
انبرى للإجابة بلغة عربية عن الكثير من الأسئلة والآراء والتعليلات التي طرحها
مفكروا الإسلام الأوائل وجلهم من المعتزلة حول بعض الحقائق الأساسية التي يجتمع
حولها النصارى، ومنها التوحيد من ضمن تثليث الألوهة، تجسد الابن، والفداء والصلب
والقيامة “[98]. وكان لاهوتهم هو نفس لاهوت الكنيسة المسلم مرة من رسل المسيح ولم
يقولوا أو يعرفوا ما ادعاه د زيدان عن اللاهوت العربي!! ومن أشهر هؤلاء أبو رائطة
التكريتي، من القرن التاسع، وخاصة رسالته في الثالوث المقدس الذي استخدم فيها كل
فنون المنطق والفلسفة وعلم الكلام لإثبات عقيدة الله الواحد في ثالوث. والشيخ يحي
بن عدي (893-974م) في كتابه ” مقالة في التوحيد ” الذي أثبت فيه توحيد
الله مع وجود الثلاثة اقانيم. ويوحنا الدمشقي الذي عاش في القرن العاشر وكان أكثر
من كتب في لاهوت المسيح والثالوث في تلك الفترة. وعبد المسيح الكندي والأنبا بولس
البوشي وغيرهم. وهناك الكثير غير هؤلاء مما لا يسع المجال هنا لذكره. مما يؤكد لنا
بطلان كل مزاعم وإدعاءات ونظرية د زيدان الوهمية عن اللاهوت العربي!!
—
1 د جواد على في كتابه
المفصل في تاريخ العرب 6: 628.
[76] NT Apoc. Vol.
1 p, 158.
[77] Refutation of
All Heresies 7.22 (230 AD, written from
[78] Epiphanius, in his Panarion
(section 30).
7
الأنبا أغريغوريوس مذكرة في الأبيونية، هامش ص 5.
[80]
History 1: 26.
[81] George
B. Stevens. The Johannine Theology. P.
83, 84.
[82] https://www.earlyjewishwritings.com/text/philo/book16.html
[83] https://www.earlyjewishwritings.com/text/philo/book4.html
[84] https://www.earlyjewishwritings.com/text/philo/book21.html
[85] https://www.earlyjewishwritings.com/text/philo/book16.html
[86] https://www.thevineone.org/download/rico/The_Memra_of_YHVH_English.ppt
(&) Adolf Harnack, Hitory of Dogma, vol. 4. p.
24, 25.
15
الكنيسة القبطية ص 84، The Search for P. 81. See also
[90]
Millard Erickson. The
Word Became Flesh p. 59.
[91] Catholic Enc.
Incarnation.
[92] Catholic Enc.
Incarnation.
21
رسالة القديس كيرلس إلى نسطور 3: 10.
[94] Millard Erickson. The Word
Became Flesh p. 63.
24 رسائل القديس كيرلس إلى نسطور ويوحنا الأنطاكي ترجمة د. موريس
تاوضروس ود. نصحي عبد الشهيد ؛ ومجموعة الشرع الكنسي ص 301 306 مع ANF
Ser.2 vol.14: 201 – 205.
25 عصر الجامع للقمص كيرلس الأنطوني ص 134.