الكلمة صار جسدا
الكلمة صار جسدا
كيرلس الأسكندرى
شرح القديس كيرلس هذا النص فقال:
الآن يعلن الإنجيلي التجسد بشكل علني،
فهو يؤكد أن الابن الوحيد جاء، ودعى ابن الإنسان. ولهذا السبب بالذات وليس لأجل أي
شئ آخر يقول “الكلمة صار جسداً” ومعنى هذه الكلمات لا يزيد عن قوله
“الكلمة صار إنساناً” وتعبير الإنجيلي “صار جسداً” ليس غريباً
ولا بعيداً عن استعمال الأسفار الإلهية، لأنها غالباً ما تسمى الإنسان كله “جسد”
كما جاء في النبي يوئيل “سأسكب من روحي على كل جسد” (يؤ 2: 28)، ونحن لا
نعترض أن النبي يعني أن الروح القدس قد أعطى للجسد دون النفس، أو للجسد وحده، فهذا
غير معقول بالمرة. ولكن لأننا ندرك الكل عن طريق الجزء يسمى الإنسان جسداً، وهذا صحيح.
ولا يوجد ما يدعو إلى افتراض أن تسمية الإنسان جسد تعني عدم وجود النفس لكن لماذا يسمى
الإنسان جسداً، هذا ما نحتاج شرحه.
الإنسان مخلوق عاقل، ومركب، من النفس،
ومن جسد ترابي قابل للفناء. وعندما خلق الله الإنسان، أتى به من العدم إلى الوجود،
دون أن يكون في طبيعة الإنسان عدم فساد أو عدم فناء (لأن هاتين الصفتين من صفات الله
وحده). ولكن الإنسان ختم بروح الحياة، أي الاشتراك في اللاهوت فنال الإنسان بذلك الصلاح
الذي يفوق الطبيعة الإنسانية، ولذلك قيل أن الله نفخ في انفه نسمة حياة، فصار الإنسان
نفساً حية (تك 2: 7). وعندما عوقب الإنسان على معصيته قيل له بالحق “تراب أنت
وإلى التراب تعود” (تك 3: 19). فتعرى من النعمة أي نسمة الحياة أي روح ذاك الذي
يقول “أنا هو الحياة” ففارق الروح القدس الجسد الترابي وسقط الإنسان فريسة
للموت، أي موت الجسد وحده. أما النفس فلم تفقد عدم الموت، لأنه عن الجسد وحده قيل
“تراب أنت وإلى التراب تعود”. ولذلك كانت الحاجة ماسة إلى أن الذي فينا والذي
صار في خطر دائم وتحول إلى الانحلال، أن يتجدد بقوة، وأن يتم نسجه من جديد بنسيج الحياة
القادرة بطبيعتها على عدم الموت. وكانت الحاجة إلى رفع عقوبة “تراب أنت وإلى التراب
تعود”. أن يتحد الجسد بشكل فائق بالكلمة الذي يحيي الكل. وعندما يصبح الجسد، جسد
الكلمة، فأنه يشترك في عدم الموت الخاص بالكلمة. ولأنه من غير المعقول بالمرة، أن النار
التي لها قدرة وحرارة ذاتية على أن تحول الخشب إلى نار، تقف قدرتها ولا يمتد تأثيرها
إلى الخشب، وهذا يعني أننا نتمسك بأن الكلمة الذي هو فوق الكل قد أعطى الجسد من صلاحه
أي الحياة، فلم يكتف بتجديد النفس فقط.
لذلك السبب بالذات اعتقد أن الإنجيلي
القديس، كان يقصد الجانب الذي تأثر أكثر من غيره في الإنسان، عندما قال “الكلمة
صار جسداً، لكي نرى في وقت واحد، الجرح والدواء، المريض والطبيب، ذاك الذي سقط تحت
قبة الموت والذي يقيمه للحياة، ذاك الذي ساد عليه الفساد والذي طرد الفساد، ذاك الذي
أمسك به الموت والذي هو أسمى من الموت، ذاك الذي له عدم الحياة وذاك الذي هو واهب الحياة.
ولم يقل الإنجيلي أن الكلمة جاء إلى
الجسد مثلما فعل في القديم عندما جاء إلى الأنبياء والقديسين، واشتركوا فيه وإنما ما
يعنيه الإنجيلي، أنه صار جسداً، أي صار إنساناً ولكنه هو الله بالطبيعة وهو في الجسد،
وجعله جسد دون أن يفقد لاهوته، فهذا هو اعتقادنا لأننا نعبده وهو في الجسد حسب ما هو
مكتوب في أشعياء “الرجال ذو القامة سوف يأتون إليك ولك يكونون، سوف يأتون مقيدين
بسلاسل وسوف يخرون أمامك ويتوسلون إليك، لأن الله فيك، ولا إله آخر سواك” (أش
45: 14س)، وها هو يقول أن الله فيه، لأنه لا يفصل الكلمة عن الجسد، وأيضاً أنه لا يوجد
إله آخر سواه، أي الذي اتحد بالجسد، هيكله الذي أخذه من العذراء لأنه مسيح واحد من
الاثنين.