بدع وهرطقات

الفصل الثاني



الفصل الثاني

الفصل
الثاني

الكاتب
ومصداقيته

هل
روى حقائق أم إدعاءات وأكاذيب؟!

 

يقول
الكاتب في بداية روايته: ” أن وصف كافة الأعمال الفنية والمعمارية والوثائق
والطقوس السريّة في هذه الرواية هو وصف دقيق وحقيقي “.

 فهل
هذا الكلام حقيقي أم مجرد ادعاء في غير محله؟!

 عندما
سُئل دان بروان عن ديانته في موقعه الشخصي على الانترنت وقيل له: ” هل أنت
مسيحي؟ “. أجاب مراوغاً: ” ربما ليس بالمعنى التقليدي للكلمة 000 أنا
اعتبر نفسي دارساً لأديان كثيرة، وكلما تعلمت كثير كان لدي أسئلة أكثر، وبالنسبة
لي فالبحث الروحي سيكون عملاً متقدماً طويل العمر”.

 كما
وصف الأديان جميعاً بالكذب والتلفيق (الفبركة)، فقال: ” كل إيمان في العالم
مبني على تلفيق (فبركة-
fabrication). هذا هو تعريف الإيمان – قبول لما نتخيل أنه حقيقي, والذي لا
يمكن أن نبرهن عليه ” (ص341).

 ”
هؤلاء الذين يفهمون حقاً إيمانهم يفهمون القصص بشكل مجازي 000 الرمزية الدينية
أصبحت جزءاًً من الحقيقة الملفقة. والعيش في هذه الحقيقة يساعد الملايين من الناس
على حل مشكلاتها ووبطريقة أفضل ” (ص342).

 وهو
بذلك قد عبر عن نفسه خير تعبير، فمن خلال روايته التي مزج فيها الحقيقة بالأكاذيب،
والخيال بالواقع، نجده يمزج بين المسيحية والوثنية والعقيدة بالأسطورة، والتاريخ
يحوله إلى أسرار ورموز وألغاز، وفي ذروة حماسه لأفكاره راح يكيل الاتهامات للكنيسة
الكاثوليكية في عقائد لا تخص الكاثوليكية وحدها، بل تخص جميع الطوائف المسيحية من
أرثوذكس وبروتستانت وإنجليكان، كما راح في تصويره للتاريخ وكأنه مجموعة من
الألغاز، يمحور الكنيسة في دائرة الفاتيكان، ويصور الفاتيكان وكأنه خزانة للأسرار
التي يغلفها الغموض وتخفي حقائق التاريخ وأسراره!! كما زعم أن كل الأديان تتكون من
الأكاذيب الكثيرة والملفقة، ونسب لأشخاص ما لم يكن لهم، وبدلاً من أن يتحرى
الحقائق راح يجرى وراء القصص والروايات والأساطير المنحولة والمزيفة وأدعى أنها
حقائق دامغة!!

 وما
نقوله هذا ليس تجني بل هو ما سنثبته، حالاً بالبراهين الساطعة والأدلة الدامغة،
أدبياً وعلمياً وتاريخياً وجغرافياً ودينياً، ولم نعتمد في دراستنا هنا إلا على
أدق المراجع والموسوعات العلمية وعلى رأسها: ”
Encyclopedia Britannica 2004 “، و ” Encarta
Encyclopedia Deluxe 2004

“، وأوسع موسوعة عالمية على الانترنت وهي: ”
en.wikipedia.org “.

 

1 – أسطورة الكأس المقدسة والدم الملكي والنسل المزعوم:

تقول
هذه الأسطورة، أسطورة الكأس المقدسة (
Holy Grail)، أنها الكأس الذي استخدمها يوسف الرامي ليجمع فيها دم المسيح
التي تساقط من جسده على الصليب. هذه الكأس كانت لها قوة إعجازية كبيرة، ثم حملها
يوسف الرامي وذهب بها إلى بريطانيا، وهناك أسس سلالة من الحراس لحمايتها. وكان
العثور على هذه الكأس هو هدف فرسان الدائرة المستديرة التي كونها الملك آرثر الذي
حكم بريطانيا في نهاية القرن الخامس الميلادي وبداية السادس، والذي دارت حوله
الأساطير الكثيرة.

وفي
فرنسا دونت الأسطورة في شكل قصيدة غير كاملة ودخلت الأدب الأوربي لأول مرة عن طريق
الكاتب الفرنسي
Chrétien de
Troyes
(1180 – 1219م)، أدعى أنه أخذها من كتاب حقيقي أعطاه له رئيسة
الكونت
Philip of
Flanders
.
ثم ترجمت إلى بقية اللغات الأوربية التي أضافت إليها عناصر جديدة. ثم تم ربطها
بأسطورة أخرى، هي أسطورة الكأس التي استخدمها الرب يسوع المسيح في العشاء الأخير (
Holy Chalice)، وقالت أن يوسف الرامي استخدم كأس العشاء الرباني في جمع دم
المسيح من على الصليب، ثم أُلقي يوسف في السجن، وهناك زاره المسيح وكشف له أسرار
هذه الكأس المقدسة، وبعد أن خرج من السجن أخذ أنسباءه وأتباعه الآخرين وسافر إلى
الغرب، وهناك أسس سلالة حراس الكأس المقدسة.

وفي
القرن التاسع عشر انتشرت هذه الأسطورة بصورة كبيرة وكتب عنها الكثيرون من الكتاب،
وفي القرن العشرين تم تصويرها في كثير من الأفلام الروائية. وأخيرا صدرت في كتاب
روائي باسم: ” الدم المقدس، الكأس المقدسة ” سنة 1982م. وفي هذا الكتاب
قدم مؤلفوه الثلاثة الأسطورة بأسلوب تقديم الحدث التاريخي في صورة رموز وألغاز
وأسرار، وحولوا دم المسيح إلى نسل للمسيح والكأس إلى رحم مريم المجدلية، الذي حمل
نسل المسيح، دم المسيح. وزعموا أنه من المحتمل أن يكون المسيح قد ذهب بعد الصلب مع
مريم المجدلية وأطفالهما، التي تخيلوا أنه يمكن أن يكون قد تزوجها، إلى ما يعرف
الآن بجنوب فرنسا، وأسسوا هناك سلالة ملكية، هي الميروفينجيان
Merovingian’s، الذين حكموا المنطقة التي تعرف الآن بفرنسا وألمانيا من القرن
الخامس الميلادي إلى القرن الثامن، وكان يشار إليهم أحيانا بالملوك ذوي الشعر
الطويل.

وزعم
الكتاب أنهم توصلوا من خلال بحثهم في أسطورة الكأس المقدسة في قصر رينيه بجنوب
فرنسا، إلى وجود جمعية سرية تدعى ” أخوية سيون ” ترجع إلى زمن الحروب
الصليبية، وزعموا أنها بدأت مع تكوين فرسان الهيكل، لحماية هذا النسل الملكي الذي
قد ينتمي إلى المسيح والمجدلية، أو على الأقل ينتمي لداود الملك والنبي ورئيس
الكهنة هارون. كما ادعوا أن الكنيسة الكاثوليكية حاولت قتل كل بقايا هذه السلالة
وحراسها، وكذلك حراس الهيكل (هيكل سليمان)، لكي تستمر في سيطرتها من خلال تتابع
التسليم الرسولي عن بطرس الرسول وليس مريم المجدلية، التي زعموا أن المسيح أراد أن
يضعها على رأس الكنيسة بدلاً من بطرس الرسول!!

 ولكن
كُتّاب رواية ” الدم المقدس، الكأس المقدسة ” كانوا أكثر مصداقية وأمانة
من مؤلف ” شفرة دافنشي”، الذي أنتحل أفكارهم وأضاف إليها في روايته، فقد
اعترفوا بأن ما وضعوه في روايتهم ما هو إلا أساطير لا دليل على صحتها، أو أنها
كاذبة، بل قال ريتشارد لي أحد المؤلفين الثلاثة في حديث تليفزيوني: أنهم قدموا
افتراضات وليس حقائق ” ولكنهم لم يؤمنوا قط أنها حقيقة “.

 ما
وضعه مؤلفو رواية ” الدم المقدس، الكأس المقدسة ” أنتحله دان براون مؤلف
” شفرة دافنشي وأضاف إليه الكثير من أساطير أخرى إلى جانب أفكاره الخاصة.
فقام مؤلفو الرواية الأولى باتهام دان براون بالانتحال على أساس أنه استخدم ما جاء
في رواياتهم بكثرة شديدة (بكثافة)، وسجل هو ذلك في روايته، في الفصل 60، بقوله:
” وهنا المجلد الأكثر شهرة 000 كتب على غلافه: ” الدم المقدس, الكأس
المقدسة “، الكتاب الرائع الأكثر مبيعاً في العالم 000 وقد أثار الكتاب ضجة
لدي صدوره في الثمانينات, إذا أردت رأيي الشخصي, فقد بالغ مؤلفوه قليلاً في
تحليلاتهم, لكن الفكرة الأساسية كانت صحيحة وبفضلهم تم إحياء إثارة فكرة سلالة
المسيح وطرحها على الملأ
“.

أنتحل
براون ما جاء في رواية ” الدم المقدس، الكأس المقدسة “، وزعم أن الشخص
الجالس على يمين المسيح في لوحة العشاء الأخير لليوناردو دافنشي، والذي يفترض أنه
القديس يوحنا الرسول، قام ليونادرو دافنشي برسمه، بشفرة متعمدة، على أنه مريم
المجدلية؛ ” كان ذلك الشخص ذا شعر احمر كثيف ويدين ناعمتين مطويتين وصدر
صغير. لقد كان الشخص دون أي شك 000 امرأة “، وزعم أنها كانت زوجة للمسيح
وأنها كانت حامل منه، وقال أنه لم يرسم الكأس في اللوحة على افتراض أنه كان يعرف
أن المجدلية هي نفسها الكأس المقدسة، حاملة دم المسيح، أي النسل الملكي!!

يقول
في الفصل 58: ” أن قصة الكأس هي قصة الدماء الملكية, فعندما تحدث عن قصة
الكأس المقدسة، الكأس التي حملت دم المسيح 000 هي في الحقيقة تتحدث عن مريم
المجدلية – الرحم التي حملت سلالة المسيح الملكية “.

 وزعم
أنه أيد ذلك بوجود ما يشبه حرف
M الذي رسم للموقع الجسماني لكل من المجدلية والرسول الذكر القديس
بطرس الذي تنحي إليه المجدلية. وأن حرف
M كما جاء في الرواية:
” يرمز إلي كلمة ماتريمونيوم (
Matrimonium) – زواج – أو مريم المجدلية “. وزعم أن غياب القديس يوحنا،
مع وجود يهوذا واكتمال عدد التلاميذ ال 12 تُرك بدون تفسير. وزعم أن ملابس المسيح
متبادلة مع ملابس المجدلية ومعكوسة الألوان دلالة على الاتحاد الكامل بينهما.

 كما
زعم أن اقتراب كل من المسيح والمجدلية من الأسفل، عند الورك، يمثل حرف
V
الذي يرمز إلى الكأس، رحم الأنثى: ” لاحظي أن يسوع وعروسه يبدوان وكأنهما
متصلين عند الورك, ثم يبتعدان عن بعضهما في الطرف العلوي وكأنهما بهذه الوضيعة
يرسمان شكلاً واضحاً ألا وهو الكأس 00 “. ” رأت صوفي شكل
V
الواضح تماماً في مركز اللوحة بالضبط, حتى قبل أن يمر وقت قليل كناية عن الكأس
المقدسة , الكأس 000 رحم الأنثى “!!

 كما
زعم أن التعبير الفرنسي القديم للكأس المقدسة هو
San Greal
وأن ذلك تبادل لفظي مع
San real والذي يعني ” الدم الملكي “: ” وكلمة سان جريل أتت
من سان
san و Grail أي الكأس المقدسة. وقد أتت من كلمتين قديمتينً لكن من مكان مختلف Sang Real 000 سان جريل كانت تعني حرفياً الدم المقدس “.

 وما
زعمه الكاتب هنا أعترف من قبله مؤلفو رواية ” الدم المقدس، الكأس المقدسة
” أنه مجرد افتراضات وتخمينات لا يؤمنون بها على الإطلاق وأنها لا سند كتابي
أو تاريخي أو ديني لها، فلا مثيل لها لا في الكتاب المقدس ولا في كتب آباء الكنيسة
ولا في الكتب الأبوكريفية، كما سنرى، بل هي مجموعة من الأساطير تشابكت معاً وصيغت
بأسلوب وضع التاريخ في صورة ألغاز ورموز، وضعها كاتب لا يؤمن لا بالمسيحية ولا
بالأديان، بل يرى أن الأديان مليئة بالأكاذيب، بل أن أسلوب التشفير المنسوب
لليوناردو دافنشي لا يوافق عليه معظم علماء الفن والمؤرخين. بل وكل ما قيل عن وجود
صلة بين أخوية سيون أو فرسان الهيكل هو محض ادعاءات وأكاذيب، كما سنرى في الصفحات
التاليةً.

 وأدعى
أن من يدقق في اللوحة سيجد أن التلميذ الثالث على يسار المسيح مرسوم بشكل أقرب
للأنثى مثل صورة القديس يوحنا التي يزعم الكاتب أنها للمجدلية، فهل كان دافنشي
يرمز لزوجة أخرى للمسيح أو لأحد التلاميذ؟!! وهذا يكذبه علماء الفن الذين يقولون
أن الرسامين في فترة دافنشي اعتادوا على رسم الشباب بهذا الشكل.

 واللوحة
هنا لا تصور العشاء الرباني، بل عشاء الفصح، والفارق بين عشاء الفصح والعشاء
الرباني هو أن الرب يسوع المسيح تناول مع تلاميذه الفصح أولاً، وكان عشاء الفصح،
حسب العادة في عصره، يتكون من خروف الفصح إلى جانب نوع الحساء (الطبيخ) المصنوع من
البلح والتين والذي كانوا يضعونه في أطباق ويغمسون منه، مع وجود أربعة كؤوس يشرب
فيها الجالسون الخمر على أربعة مراحل، مع التسابيح والصلوات والشكر، بينما كان
العشاء الرباني يتكون من خبزة واحدة وكأس واحدة ترمزان إلى جسد المسيح ودمه. وفيما
هم يأكلون الفصح قال الرب لتلاميذه: ” الحق الحق أقول لكم أن واحدا منكم
سيسلمني. فكان التلاميذ ينظرون بعضهم إلى بعض وهم محتارون في من قال عنه. وكان
متكئا في حضن يسوع واحد من تلاميذه كان يسوع يحبه. فأومأ إليه سمعان بطرس أن
يسأل
من عسى أن يكون الذي قال عنه. فاتكأ ذاك على صدر يسوع وقال له يا سيد من
هو. أجاب يسوع هو ذاك الذي اغمس أنا اللقمة وأعطيه. فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا
سمعان الإسخريوطي ” (يو13: 21-26). نلاحظ هنا أنه في العشاء كان أمامهم أطباق
يغمسون منها، وهذا هو عشاء الفصح. وبعد أن خرج يهوذا يتكلم الكتاب عن العشاء
الرباني فيقول: ” وفيما هم يأكلون اخذ يسوع خبزا وبارك وكسر وأعطاهم وقال
خذوا كلوا هذا هو جسدي. ثم اخذ الكأس وشكر وأعطاهم فشربوا منها كلهم. وقال لهم هذا
هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من اجل كثيرين لمغفرة الخطايا ” (مت26:
26-28)، ويصور عادة بمائدة تحوي كأس واحدة وخبزة واحدة.

 ومن
المفيد هنا أن نوضح أن لوحة دافنشي أسمها العشاء الأخير وليس العشاء الرباني،
وهناك فرق كبير بين هذا وذاك، فقد رسم دافنشي لوحة للعشاء الأخير، أي الفصح الأخير
للمسيح والذي كان يتكون من طبيخ التين والبلح وأربعة كؤوس للخمر، وليس العشاء الذي
تكون من كأس واحد وخبزة واحدة. ومن هنا لم يرسم الكأس وكان عليه أن يرسم أربعة
كؤوس، ولكن لأنه لم يكن لها دور في الفصح من جهة موضوع دم المسيح، ولا يمكن أن
نفترض هنا أنه تعمد عدم رسم الكؤوس الأربعة لأنه رمز بذلك لشيء ما!! فما الذي كانت
تشير إليه أربعة كؤوس تملأ بالخمر الذي لا صلة له بدم المسيح، والذي بنيت الأسطورة
عليه؟!!

 كما
تظهر في الصورة يد القديس بطرس في الهواء والتي يُزعم أنها تبدو بحركة تشبه
التهديد بالذبح تعبيرا من الفنان لرؤيته الصراع بين بطرس والمجدلية!! ولكن ما عبر
عنه الفنان هنا هو إشارة إلى تحول القديس بطرس ليسأل القديس يوحنا عن شخص الخائن،
فأصبعه يتجه إلى المسيح وليس ليوحنا، المزعوم أنها المجدلية.

 

2 – مملكتي ليست من هذا العالم:

 قال
الكاتب أن المسيح من نسل داود الملكي وأنه وريث عرش داود بمعني دنيوي حرفي، كما
زعم أن المجدلية من سبط بنيامين ومن سلالة ملكية: ” كانت من عائلة بنيامين؟
“، ” نعم “, قال تيبينج “. كانت مريم المجدلية من سلالة ملكية
“!!

 وهذا
يدل على جهل الكاتب بالكتاب المقدس حيث لم يكن هناك سلالة ملكية من سبط بنيامين في
إسرائيل على الإطلاق، فقد كان أول ملك على إسرائيل هو شاول البنياميني، والذي رفضه
الرب بسبب خطاياه، ولم يخرج من نسله أي ملك بعد ذلك بل صارت الملكية فقط في بيت
داود النبي والملك إلى أن جاء المسيح من نسله.

وقد
كذب المؤرخون الزعم بأنها من سبط بنيامين، بل كانت من مجدل والتي كانت تقع في شمال
إسرائيل في حين أن قبائل بنيامين استقرت جنوباً. كما كان القديس بولس من سبط
بنيامين ومع ذلك لم يشر بالمرة إلى المجدلية ولا إلى موطنها.

 كما
يزعم الكاتب أن فكرة الزواج المزعوم للمسيح والمجدلية تخلق اتحاد ملكي سياسي يطالب
بعرش إسرائيل، فيقول: ” أن يسوع كان من عائلة داوود, وهو سليل الملك سليمان –
ملك اليهود, وبزواجه من عائلة بنيامين ذات النفوذ, يكون قد وحد بين سلالتين
ملكيتين بشكل يتم فيه خلق اتحاد سياسي قوى مع إمكانية المطالبة شرعاً بالعرش
وإعادة سلالة الملوك كما كان الأمر في عهد سليمان “.

 وهذا
يعني أنه لو طهرت هذه السلالة المزعومة ستملك على إسرائيل، وبالتالي تسود إسرائيل
على العالم كله، بحسب ما يتوقع اليهود في مسيحهم المنتظر، وهذه فكرة صهيونية
مرفوضة مسيحيا وعربياً وإسلامياً. كما أكد الرب يسوع المسيح نفسه في الإنجيل
القانوني الموحى به، بأوجهه الأربعة، أنه ليس ملكاً أرضياً، وأن مملكته ليست من
هذا العالم: ” مملكتي ليست من هذا العالم 000 ولكن الآن ليست مملكتي من هنا
” (يو18: 36).

 والكتب
الأبوكريفية تصور المسيح كابن الله الوحيد المولود (المنبثق) من الآب، الإله
السامي غير المرئي وغير المدرك، وأنه كائن روحاني نوراني، وليس له جسد مادي بل ظهر
كشبح وخيال. كما وصفت رسالته بأنها خلاص الروح، وليس الجسد، بل خلاص الروح من
الجسد الشرير الذي وضعها فيه إله هذا العالم، وذلك بالمعرفة، معرفة الإنسان لذاته
ومعرفته للإله السامي عن طريق الابن، المسيح. وهذا ينفي فكرة أن يحكم المسيح أو أن
تكون له سلالة ملكية تحكم حكماً دنيوياً.

 

3 – هل يمكن أن يكون المسيح قد تزوج؟

 زعم
الكاتب ذلك وبني زعمه وادعاءه على نقطتين هما:

(1)
الأولى هي ادعاؤه: ” أن يسوع كان يهودياً 000 وقد كان العرف الاجتماعي في ذلك
العصر يحرم تماماً علي الرجل اليهودي أن يكون أعزباً, كما أن الامتناع عن الزواج
كان ذنباً يعاقب عليه بحسب التقاليد اليهودية, وكان واجب الأب اليهودي أن يجد زوجة
مناسبة لابنه, فلو كان المسيح أعزباً, لكان ذلك قد ذكر في احد الأناجيل وتم تفسير
حالة عدم زواجه غير المألوفة علي الإطلاق “!!

(2)
والثانية هي فهمة الخاطيء لعبارة ” رفيقة ” والتي وردت في الكتاب
الأبوكريفي المسمى بالإنجيل بحسب فيليب، وقوله أن المسيح كان يقبل المجدلية، وخاصة
كلمة ” في فمها ” والتي لم توجد أصلا في المخطوطة القبطية للكتاب.

 وللإجابة
على ذلك نوضح:

أولاً:
لم
يذكر العهد الجديد في أي موضع مطلقاً أن المسيح كان متزوجاً، هذا بافتراض ناسوته،
كإنسان، ولم يكن من ضمن رسالته ذلك، ولم يكن من ترتيبه ذلك. ولم يمهد لخلافة تكون
من نسله أبداً. فقد جاء الرب يسوع المسيح لنشر ملكوت السموات في العالم أجمع، وقد
أعد لذلك تلاميذه ليكونوا شهودا له ولعمله الفدائي ولرسالته ككل ” ثم دعا
تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم سلطانا على أرواح نجسة حتى يخرجوها ويشفوا كل مرض وكل
ضعف. وأما أسماء الاثني عشر رسولا فهي هذه ” (مت10: 1و2)، ” وبعد ذلك
عيّن الرب سبعين آخرين أيضا وأرسلهم اثنين اثنين أمام وجهه إلى كل مدينة وموضع حيث
كان هو مزمعا أن يأتي ” (لو10: 1). وفي لحظات صعوده قال لهم: ” لكنكم
ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودا في أورشليم وفي كل
اليهودية والسامرة والى أقصى الأرض ” (أع1: 8). ولو كان في نيته الزواج
وإنجاب نسل ملكي، كما هو مزعوم، لكان قد أعلن عن ذلك، بل وكان قد جهز نسله الملكي
المقدس لهذه المهمة.

 ولو
افترضنا جدلاً أنه كان يقصد ملكوتا دنيوياً، فسيكون ملكه في أورشليم، أي سيكون
ملكاً لليهود، وهذا لم يتحقق، وإذا تخيلنا أن ذلك يمكن أن يتحقق عندما

يكتشف
العالم حقيقة سر الدم المقدس والنسل الملكي للمسيح، فهذا يعني أن ملكوته سيكون في
إسرائيل ولصالحها ويجعلها سيدة العالم!! وهذه فكرة صهيونية بحتة تنفي عن مسيح
المسيحية عقيدة مجيئه الثاني في نهاية العالم، وتنكر ما جاء في الفكر الإسلامي عن
نزول المسيح آخر الزمان وكونه علامة للساعة ” وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ
فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا ” (الزخرف: 61).

 كما
ظهر مع المسيح أمه العذراء القديسة مريم وأخوته أكثر من مرة؛ ” فقال له واحد
هوذا أمك وإخوتك واقفون خارجا طالبين أن يكلموك ” (مت12: 47). ولم يذكر أن له
زوجة مطلقاً. وعند الصليب سلم المسيح أمه لرعاية تلميذه الحبيب يوحنا ” يا
امرأة هوذا ابنك. ثم قال للتلميذ هوذا أمك. ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى
خاصته ” (يو19: 27). وإذا كان له زوجة فلماذا يتركها دون أن يسلمها ليوحنا مع
أمه لتكون تحت رعايته ورعاية أمه؟ وإذا كان قد أعدها لقيادة الكنيسة فلماذا لم
يحدث ذلك؟ كما دافع القديس بولس عن حقه في الزواج لو كان قد أراد ذلك فيقول ”
ألعلنا ليس لنا سلطان أن نجول بأخت زوجة كباقي الرسل وأخوة الرب وصفا
” (1كو9: 5). فإذا كان قد استشهد بزوجات الرسل، أخوة الرب وبطرس، فلماذا لم
يستشهد بالمسيح أيضاً لو كان قد تزوج قبل الصلب والقيامة والصعود.

 كما
أن زعمه بأن كل رجل يهودي، حسب العرف الاجتماعي في ذلك العصر، لابد أن يتزوج فهذا
ادعاء كاذب وباطل؛ فقد كان هناك عدد كبير من الأنبياء غير متزوجين مثل ارمياء
النبي ويوحنا المعمدان، بل وكانت هناك جماعات من اليهود ترفض الزواج مثل جماعة
الآسينيين في قمران، زمن المسيح.

 وكان
الرب يسوع المسيح نفسه عريساً، ولكن عريساً للكنيسة، فهو رأس الكنيسة ” لان
الرجل هو راس المرأة كما أن المسيح أيضا راس الكنيسة
. وهو مخلّص الجسد ”
(أف5: 23)، وعريسها السمائي ” لنفرح ونتهلل ونعطيه المجد لان عرس الحمل
(المسيح) قد جاء وامرأته (الكنيسة) هيأت نفسها. وأعطيت أن تلبس بزا نقيا بهيا لان
البزّ هو تبررات القديسين. وقال لي اكتب طوبى للمدعوين إلى عشاء عرس الحمل ”
(رؤ19: 7-9).

ثانياً:
فهمه
الخاطيء لما جاء في الإنجيل الأبوكريفي بحسب فيليب، حيث يقول: ” ورفيقة
المخلص هي مريم المجدلية, أحبها المسيح أكثر من كل التلاميذ واعتاد أن يقبلها في
معظم الأحيان من فمها. وقد تضايق باقي التلاميذ من ذلك وعبروا عن استيائهم. وقالوا
آه ,” لماذا تحبها أكثر منا؟ “. ” بالعكس ” قال تيبينج
بالفرنسية ثم ابتسم مشيراً إلى السطر الأول: إذا سألت أي عالم باللغة الآرامية
فسيقول لك أن كلمة رفيقة في تلك الأيام كانت تعني حرفياً الزوجة
“!!

 وهذا
الزعم كاذب ومجرد ادعاء بلا دليل، لأن النسخة التي عثر عليها من هذا الكتاب في
مكتبة نجع حمادي مكتوبة بالقبطية وليس الآرامية، ويرى العلماء أن الكتاب والذي كتب
أصلاً في القرن الرابع كتب باليونانية، ولو أفترضنا أن الكلمة اليونانية كانت تعني
زوجة لترجمت ” زوجة ” وليس رفيقة. فمن أين أتى الكاتب بالمعنى من الآرامية
والكتاب لم يكتب بها؟!

 بل
ويرى هذا الكتاب الأبوكريفي الزواج كنوع من الدنس، فيقول ” قال البعض: ”
أن مريم حبلت بالروح القدس “، أنهم مخطئون، أنهم لا يعلمون ماذا يقولون. فمنذ
متى تحبل المرأة من امرأة؟ إن مريم هي العذراء التي لا قوة تدنسها, أنها
لعنة عظيمة على العبرانيين, الذين هم الرسل والتلاميذ. هذه العذراء التي لا قوة
تدنسها
[000] القوى تدنس نفسها “.

 بل
ويرى المسيح كروح محض يظهر في أشكال مختلفة: ” يسوع أخذهم سرا, لأنه لم
يظهر كما كان, ولكن لكي يستطيعوا أن يروه. ظهر لهم جميعهم. ظهر للعظماء كعظيم. ظهر
للصغير كصغير. ظهر للملائكة كملاك, وللإنسان كإنسان, لهذا السبب, الكلمة تخفي
نفسها من الجميع.
وبالفعل, فقد رآه معتقدين أنهم رأوا أنفسهم, لكنه حين ظهر
لتلاميذه بمجد على الجبل, لم يكن صغيرا. أصبح عظيما,

وقد
جعل التلاميذ عظماء, لكي يستطيعوا إن يروه بعظمة “. وبالتالي فكيف
يتزوج وينجب وهو روح؟!

 وهذا
الفكر يوجد ما يماثله عند بعض الكتاب المسلمين مثل الصوفي الشهير ابن العربي
والكاتب المصري أحمد بهجت والكاتب اللبناني محمود شلبي:

 قال
ابن العربي: ” وتمثل لها جبريل أو الملك بشراً سوياً وقال لها أنا رسول ربك
لأهبك غلاماً زكياً فوهبها عيسى عليه السلام فكان انفصال عيسى عن الملك المتمثل في
صورة الرجل ولذلك حرج على صورة أبيه ذكراً بشراً روحاً فجمع بين الصورتين
اللتين كان عليهما أبوه الذي هو الملك فأنه روح من حيث عينه بشر من حيث تمثله في
صورة البشر
“(1).

 وقال
الأستاذ محمود شلبي: ” فالسر الأعظم 00 أن النسبة الروحية في عيسى أضخم من
المعتادة في الناس 00 فغلبت فيه صفات الروح 00 على صفات الجسد 000 فجاء عيسى 00
وفيه صفات أعلى نوع من الأرواح 00 الذي يفعل ما شاء 00 وهذا هو سر الطلسم في عيسى
00 فهو يُحيي الموتى 00 ويمشى على الماء 00 ويمشي في الهواء 00 ويخلق الطير فيكون
طيراً 00 ويبرئ الأكمه والأبرص 00 بمجرد اللمس 00 ولا يحتاج إلى طعام أو شراب 00
لأن الروح لا تطعم ولا تشرب 00 فكيف بنفخة الروح القدس 00 وهو آخذ من مرتبته 00 0
وهو
يستطيع أن يتمثل فيما شاء من الهيئات والصور 00 لأن هذا من صفات الأرواح 00 وقد
ثبت هذا عنه في أكثر من موضع 00 أن هيئته كانت تتغير إلى هيئة أخرى 000 وهو
ينبئهم بما يأكلون وما يدخرون 00 وهذه صفة من صفات الأرواح. تعلم من الغيوب إلى
مسافات بعيدة في المكان والزمان
000 فجاء جسده مجرد غلاف لطيف تتستر به 00
روحه العلوية الُقدسية 000
(2).

 وقال
الأستاذ أحمد بهجت في تعليقه على قوله ” إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ
بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ. وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي
الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ ” (آل عمران: 45 و46):

 ”
زادت دهشة مريم 00 قبل أن تحمله في بطنها تعرف اسمه 00 وتعرف أنه سيكون وجيهاً عند
الله والناس، وتعرف أنه سيكلم الناس وهو طفل وهو كبير 00 وقبل أن يتحرك فم مريم
بسؤال آخر 00 رأت الروح الأمين يرفع يده ويدفع الهواء في اتجاه مريم 00 وجاءت
نفخة الهواء مضيئة بنور لم تره ” مريم ” من قبل 00 وتسلل هذا النور إلى
جسد مريم وملأه فجأة
000 لم تعد وحدها، وهي تحس أنه (الملاك) لم يتركها وحيدة
00 حركت يده دفعة ملأتها من النور 00 هذا النور يتحول داخل بطنها إلى طفل 00
طفل سيصبح عندما يكبر كلمة الله وروحه التي ألقاها إلى مريم
000 كان حملها
يختلف عن النساء 00 لم تمرض ولم تشعر بثقل ولا أحست أن شيئاً زاد عليها ولا أرتفع
بطنها كعادة النساء 00 كان حملها به نعمة طيبة “(3).

 أما
عبارة ” واعتاد أن يقبلها في معظم الأحيان من فمها “، فهي عبارة غير دقيقة،
لأن المخطوطة التي وردت بها قديمة وبها أجزاء تالفة ولم ترد فيها كلمة ” فمها
” على الإطلاق، فقد وردت هكذا ” واعتاد أن يقبلها في معظم الأحيان من
[ 000 ]
“، ولم ترد كلمة معينة هنا،بل فراغ، وقد وضع بعض المترجمين كلمة
من فمها لسد هذا الفراغ، ولكن هذا غير علمي، فيمكن أن توضع كلمات مثل ” يدها
أو وجهها ” مثلاً، أو يترك الفراغ كما هو. كما لا يعني التقبيل هنا الجنس،
فبحسب مفهوم إنجيل فيليب نفسه فالمسيح روح محض، ولا يمكن أن تعني قبلته سوى علامة
حب روحي لا أكثر ولا أقل.

 كما
أن بقية النص يقول: ” وقد تضايق باقي التلاميذ من ذلك وعبروا عن استيائهم.
وقالوا آه ,” لماذا تحبها أكثر منا؟ “. والسؤال هنا هو، لو كانت
المجدلية هي زوجته فهل كان التلاميذ يسألون مثل هذا السؤال؟ فهل يسأل معلم لماذا
يحب زوجته أكثر من تلاميذه؟ والرب يسوع المسيح نفسه يقول، وينقل عنه القديس بولس
قوله: ” من اجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا
واحدا ” (مت19: 5، أف5: 31). لقد تضايقوا، بحسب مفهوم الكاتب، بسبب تفضيل
وليس بسبب زواج.

 

4 – من هو رأس الكنيسة؟

 يزعم
الكاتب أن المسيح كان يعد المجدلية لتكون هي قائدة الكنيسة ورأسها، فيقول: ”
وفي تلك الفترة حسب ما يذكر الإنجيل, يشعر يسوع بأنه سوف يتم القبض عليه وصلبه
قريباً, لذا فهو يقوم بإعطاء مريم المجدلية تعليمات حول كيفية متابعة كنيسته بعد
أن يموت. ونتيجة لذلك يعبر بطرس عن استيائه حول قيامه لامرأة تحتل البطولة, يمكنني
القول إن بطرس كان متعصباً للرجال “.

 كانت
صوفي تحاول استيعاب ما قاله “. هذا الذي تتحدث عنه هو القديس بطرس , الصخرة
التي بني عليها كنيسته؟ “.

 ”
هو بذاته, إلا أن هناك خطا بسيطاً, فبحسب هذه الأناجيل غير المحرفة, لم يكن
بطرس هو التلميذ الذي أعطاه المسيح تعليمات تتضمن كيفية تأسيس الكنيسة المسيحية,
بل كانت مريم المجدلية 000
كان يريد لمستقبل كنيسته أن يكون بين يدي مريم
المجدلية؟ “. وبترجمة أدق ” الصخرة التي بني يسوع كنيسته عليها 000 لم
تكن بطرس بل مريم المجدلية “!!

 ولا
تؤمن الكنائس الأرثوذكسية والبروتسانتية والإنجليكانية بأن القديس بطرس هو هذه
الصخرة التي بنيت عليها الكنيسة، بل الكنيسة الكاثوليكية فقط هي التي
تقول بذلك
بناء على مفهومها الخاص لقول الرب يسوع المسيح ” أنت بطرس وعلى هذه الصخرة
ابني كنيستي “. والمعنى الصحيح هنا لا يفهم إلا من خلال الحوار الذي دار بين
الرب يسوع المسيح وتلاميذه كاملاً: ” ولما جاء يسوع إلى نواحي قيصرية فيلبس
سأل تلاميذه قائلا من يقول الناس أني أنا ابن الإنسان. فقالوا. قوم يوحنا
المعمدان. وآخرون إيليا. وآخرون ارميا أو واحد من الأنبياء. فقال لهم وأنتم من
تقولون أني أنا. فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح ابن الله الحي. فأجاب
يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان بن يونا. أن لحماً ودماً لم يعلن لك لكن أبي الذي
في السموات. وأنا أقول لك أيضا أنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي وأبواب
الجحيم لن تقوى عليها. وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات. فكل ما تربطه على الأرض يكون
مربوطا في السموات. وكل ما تحله على الأرض يكون محلولا في السموات ” (مت16:
13-18).

 من
هذا الحوار يتضح أن الصخرة هنا هي الإيمان بأن يسوع هو ” المسيح ابن الله
الحي “. كما أن بطرس نفسه مشار إليه في هذه الآية بضمير المخاطب ” أنت
“، أما الصخرة فبضمير الغائب ” هذه الصخرة “. كما أن بطرس
باليونانية المستخدمة في هذه الآية ”
ΠέτροςPetros “، مذكر، أما كلمة صخرة فهي ” πέτραpetra “، مؤنث. كما أن نفس السلطان الذي أعطاه الرب لبطرس هو نفس
السلطان الذي أعطاه لبقية التلاميذ: ” الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض
يكون مربوطا في السماء. وكل ما تحلّونه على الأرض يكون محلولا في السماء ”
(مت18: 18). وعندما كان معظم الرسل يكرزون بالإنجيل في جميع كان هناك في الكنيسة
في أورشليم ثلاثة من التلاميذ وصفهم الكتاب بالأعمدة، يقول القديس بولس بالروح:
” فإذ علم بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفا (بطرس) ويوحنا المعتبرون أنهم
أعمدة أعطوني
وبرنابا يمين الشركة ” (غل2: 9). أي كان بطرس واحداً من
أعمدة الكنيسة وليس رأسها. أما رأس الكنيسة فكان هو الرب يسوع المسيح نفسه ”
لان الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضا رأس الكنيسة. وهو مخلّص الجسد
” (أف5: 23)، ” وهو رأس الجسد الكنيسة. الذي هو البداءة بكر من الأموات
لكي يكون هو متقدما في كل شيء ” (كو1: 18).

 ومن
ثم لم يسلم المسيح الكنيسة لأي إنسان مهما كان بل أعد تلاميذه ورسله وقادهم وقادة
الكنيسة بالروح القدس، ومن ثم يستخدم الكتاب عبارات: ” قال الروح القدس
” (أع2: 13)، ” أرسلا من الروح القدس ” (أع4: 13)، ” رأى
الروح القدس ونحن ” (أع28: 15)، ” منعهم الروح القدس ” (أع6: 16)،
” قبلتم الروح القدس ” (أع2: 19)، ” الروح القدس يشهد في كل مدينة
قائلا ” (أع23: 20)،” أقامكم الروح القدس ” (أع28: 20)، ” هذا
يقوله الروح القدس ” (أع11: 21)، ” كلم الروح القدس ” (أع25: 28)،
” فقال الروح ” (أع10: 6؛19: 10؛12: 11)، ” أشار بالروح ”
(28: 11)، ” فلم يدعهم الروح ” (أع7: 16)، ” مقيدا بالروح ”
(أع22: 20)، ” يقولون … بالروح ” (أع4: 21).

 

5- جماعة أخوية سيون: “رمز جماعة
أخوية سيون”
:

أدعى
الكاتب أن جماعة ” أخوية سيون “، والتي أعطى لها أهمية خاصة في روايته،
أنها منظمة قديمة ترجع لسنة 1099م! وهذا الكلام ثبت بالدليل القاطع وباعتراف موثق
أنه غير صحيح بالمرة! فقد تأسست هذه الجماعة أصلاً سنة 1956م، وقد أسسها في فرنسا
بيير بلانترد
Pierre Plantard وأندرى بونهوم Andre Bonhomme,
وتبين أن ما كل ما نسب إليها، وخاصة ما سمي ب
Les Dossiers Secrets، ليعطيها أهمية ومكانة قديمة، بنى عليها الكاتب جزءاً كبيراًَ من
حبكته، كان تزييفاً زيفه الكاتب الفرنسي الساخر والممثل فيليب دي كريزى
Philippe de Chérisey (1923 – 1985)، المشهور بخلق وتزييف الوثائق عن جماعة ”
أخوية سيون “. وقد أعترف تحت القسم أنه الموضوع كله من تزييف وفبركة.

 

6- الشكينة:

 زعم
الكاتب أن قدماء المصريين عبدوا الإلهة ” شكينة ” كمساوية ليهوه!! وهذا
يدل على جهله بالكتاب المقدس والأديان القديمة!! فكلمة شكينة في العبرية هي؛
שכינהShekinah “، وتعني ” سكن “، وتشير إلى لمعان أو مجد محضر
الله الساكن في وسط شعبه. وقد استخدمها الترجوم ومعلمو اليهود في الإشارة إلى الله
نفسه، لأنهم كانوا لا يستسيغون أن ينسبوا لله صورة أو عاطفة.

 ولا
ترد كلمة ” شكينة ” في الكتاب المقدس، فقد ظهرت بعد عصور الكتاب، لكن
مضمونها يشيع في كلا العهدين القديم والجديد، فهي تتضمن معنى سكنى الله في وسط
شعبه (خر 25: 8، 29: 45و46)، ففي هذه العبارات وأمثالها تتردد كلمة ” أسكن
” التي منها جاءت كلمة ” شكينة “.

 ويستخدم
الترجوم عبارات ” شكينة الله “، و” مجد الله ” و ” كلمة
الله ” كمترادفات، بل يستخدمها في الواقع للدلالة على الله نفسه. ويستخدمها
اليهود والمسيحيون للدلالة على حضور الله بصورة ظاهرة كما في ظهور بهاء مجد الله
بين الكروبيم فوق غطاء التابوت (خر 25: 20-22، 40: 34-38) انظر خر 33: 14-23)(4).

 

7- الفاتيكان:

 أشار
الكاتب مرات عديدة للفاتيكان كمركز القوة الدينية في الكنيسة الكاثوليكية، بل ويرى
البعض، خاصة من غير المسيحيين، في كلمة الفاتيكان إشارة إلى كل ما هو مسيحي، بل
ويراها البعض كخزانة للأسرار ويرجع بتاريخها للعصور الأولى للمسيحية، ويتصور البعض
أن الأسفار المقدسة مخبئة فيها، وأن الكنيسة تخفي فيها كل ما لا تريد للناس أن
يعرفوه، منذ أقد عصور المسيحية!! وزعم الكاتب أن الفاتيكان هي التي حرّمت الكتابات
الغنوسية في القرن الرابع!!

ولكن
هذا عكس الحقيقة تماماً؛ أولاً؛ لأن الكاثوليكية ليست هي كل المسيحية، بل هناك
الأرثوذكسية وهي الكنيسة الأقدم والتي كانت مركزاً للمسيحية قبل ظهور قيادة روما
للكاثوليكية بأكثر من 200 سنة، وقبل ظهور الفاتيكان بمئات السنين، وكانت أهم
كراسيها الرسولية في الإسكندرية وإنطاكية بسوريا وأورشليم والقسطنطينية. وثانياً؛
لأنه لم يكن للفاتيكان في القرن الرابع الميلادي أي دور قيادي، بل كان في ذلك
الوقت مجرد كنيسة صغيرة ومقبرة على الطريق. وكان القصر البابوي في روما في
كاتدرائية جون لاتيران
Basilica
of St. John Lateran
،
ولم يكن هناك أي مجال رسمي للفاتيكان في الكنيسة قبل القرن الخامس عشر.

 

8 – اسم الله القدوس يهوه:

 زعم
دان براون أن اسم الله القدوس يهوه (
יהוה) المكون من
أربعة حروف والمسمى في اليونانية (
τετραγράμματον Tetragrammaton)، أي الاسم الذي من أربعة حروف (YHWH
مأخوذ من اسم
Jehovah المخنث والذي يتضمن الذكورة والأنوثة معاً!! والمكون من
اتحاد المذكر
Jah والاسم السابق للعبرية Eve فصار Havah!! وهذا في حد ذاته يدل على جهلة الفاضح، ومدى الفبركة والتلفيق في
ادعاءاته!!

 فاسم
يهوه في العبرية كما يتفق العلماء، الآن، وبصفة عامة، مشتق من الأصل العبري، في
شكله القديم ” هايا، هاياه
hayah, haya “(5)، ويعنى ” أكون Etre, to Be، يصير become، يحدث – happen“(6). والاسم في المضارع يعنى ” هو الذي يكون He Who is، أي ” الموجود الذاتي “، ” الموجود بذاته “،
وفى المستقبل يعنى ” هو الذي يستمر كائناً
He who will continue to be “(7)، أي الدائم الوجود، الموجود أبداً، الكائن الذي يكون
الدائم الوجود وواجب الوجود، الكائن المطلق، الإله المطلق، الموجود بذاته والذي له
حياه جوهرية في ذاته، الموجود الدائم، الحي الذي له الحياة في ذاته، الموجود بلا
مُوجد، الموجود المطلق. ويحدد أحد العلماء (
Newbery)
مغزى الاسم بقوله: ” الذي كان دائماً والذي يكون دائماً والذي يأتي أبداً
“(8).

 أما
كلمة
Jehovah من الكلمة اللاتينية Iéhova
هي مجرد بديل لفظي، دخل في القرن الثامن عشر لكلمة يهوه (
יְהֹוָה) والذي كان
محرما علي اليهود نطقه، وتقول دائرة المعارف البريطانية؛ أن كلمة ”
Jehovah “، هي نطق حديث للاسم العبري، وقد نتج من جمع الحروف الساكنة
للاسم (
Jhvh,) مع الحروف المتحركة لكلمة رب العبرية التي استبدل بها اليهود نطق
يهوه وهي (آدوناي –
adonay)، وبجمع الحروف المتحركة في هذه الكلمة مع الأربعة حروف (Jhvh,) تكونت كلمة (Jehovah) لتكون بديلاً
لكلمة ” يهوه –
יהוה YHWH ” العبرية(9). فهي مجرد بدل لفظي لا أكثر ولا أقل.

 

9 – الموناليزا وآمون وإيزيس:

 أدعى
براون أن الإله آمون اليوناني والإلهة المصرية إيزيس كانا يمثلان زوج إلهي في
الأسطورة المصرية!! وهذا كلام لا يعقله طالب في المرحلة الثانوية، فقد كانت زوجة
آمون في الديانة المصرية القديمة هي ” موط –
Mut
“، وكانت إيزيس زوجة لأوزوريس (إله العالم السفلي).

 كما
يقول أن ليوناردو دافنشي رسم لوحة الموناليزا كرسم ذاتي عبر به عن نفسه، وليشير
بها للإله المصري آمون والإلهة إيزيس، ويقابل بين
Mona
Lisa
و Amon and Isis!! وهذا الكلام مجرد ادعاء لفكرة عامة وربط غير علمي!! فليس هناك
من يعرف من هي الموناليزا، وهناك مصادر قالت أنها ليزا جيرارديني (
Lisa Gherardini)، كما أن اسم الموناليزا لم يكن من اختيار أو تسمية ليوناردو، بل
طُبق عليها فقط في القرن التاسع عشر، أي بعد ليوناردو (1452 – 1519م) بثلاثة
قرون!! بل كان اسمها الأكثر شهرة هو الجيوكوندا (
Giocondo).
أما اسم موناليزا فهو مكون من ”
Mona ” وهي
اختصار لكلمة ”
madonna “، أي سيدة، وليزا (Lisa)
وهي اسم معظم الموضوعات المثيلة التي كانت تُرسم.

 

10 – الاتحاد بين الذكر والأنثى:

 يعتبر
الموضوع الرئيس لهذه الرواية هو ما يمكن أن نسميه بلاهوت الأنثى، أو الاتحاد بين
الذكر والأثني، كما صوره في ادعاءاته عن آمون وإيزيس، وفي ادعاءه عن كلمة
Jehovah وزعمه أنها مكونة من اتحاد المذكر Jah
والاسم السابق للعبرية
Eve، المؤنث فصار Havah!! وقوله عن دافنشي أنه رسم الموناليزا ليعبر بها عن الازدواجية في
ذاته، أي دافنشي نفسه، وأخيرا في محاولته الأساسية في كل فصول الرواية لتصوير هذه
الازدواجية في ادعاءه وجود علاقة بين المسيح والمجدلية!! وهذا ما برهنا على تلفيقه
في الفصول التالية.

 وهناك
الكثير مما لفقه، أو بلغته فبركه، لكثيرٍ من الشخصيات والأحداث والأماكن ليوصل
أفكاره الهدامة والتي تطلب منا كشفها الرجوع للكثير من الموسوعات ودوائر المعارف
العلمية والعالمية.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى