علم التاريخ

هيكل سليمان:



هيكل سليمان:

هيكل
سليمان:

صورة توضِّح نموذج
إعادة بناء هيكل سليمان بواسطة العالِم شيك
Shick

هيكل سليمان:

 

لقد
بلغ سليمان القمة في الغنى وفاضت البلاد بالخيرات المحلية والمستوردة، ونشطت
التجارة لتعم معظم المنطقة شرقاً وشمالاً وجنوباً وغرباً. وعمَّ السلام والأمان
والكفاية بدرجة مدهشة لم تبلغها إسرائيل قبلاً ولن تَبْلُغها بعدُ!! واتسعت
أُورشليم جداً عمَّا كانت عليه. وأقام سليمان العديد من البلاد والمباني في كل إسرائيل. وهكذا جاء بناء الهيكل كتاج
على قمة حضارة البلاد
المعمارية.

أمَّا
المكان الذي أُقيم عليه الهيكل فهو أصلاً من اختيار الله، وهو جبل المُريَّا:
“فقال له: إبراهيم. فقال هأنذا! فقال: خُذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحق واذهب
إلى أرض المُريَّا واصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك..
وفي اليوم الثالث رفع عينيه وأبصر الموضع من بعيد
” (تك 22: 14). وهذا الموقع عينه امتلكه أحد أبناء
اليبوسيين فيما بعد، وعمل فيه جرن (بيدر) للحصاد، وقد اشتراه منه داود وبنى فيه
مذبحاً:

+
“وكان ملاك الرب عند بيدر أرونة اليبوسي.. فجاء جاد (النبي) في ذلك اليوم إلى
داود وقال له: اصعد وأقم للرب مذبحاً في بيدر أرونة اليبوسي” (2صم 24: 16و18)

+ “وبنى داود هناك مذبحاً للرب، وأصعد محرقات وذبائح
سلامة، واستجاب الرب من أجل الأرض فكفَّت الضربة عن إسرائيل” (2صم 25: 24)

وقد
سمِّي هذا المرتفع فيما بعد “صهيون”.

لقد ابتدأ بناء الهيكل في السنة الرابعة لملك سليمان سنة 959
ق.م، وأكمل

بناءه بعد سبع سنوات على أيدي المهندسين
الفينيقيين (اللبنانيين) (1مل
14: 6). ودشَّنه سليمان بنفسه باحتفال مهيب،
وتمَّمَ الهيكل غرضين هامين للغاية: الأول وحدة الأسباط أي شعب إسرائيل وخاصة بين
يهوذا في الجنوب وإسرائيل في الشمال، بالإضافة إلى أنه رمز الملوكية في علاقتها
بالله! لذلك فالكاهن الأعظم كان يعيِّنه الملك فيصير في الحال عضواً في حكومته.

أمَّا
طقوس العبادة داخل الهيكل فهي إسرائيلية صرف. وصارت العبادة في الهيكل الميراث
الثمين الذي احتفظ به الشعب اليهودي في عمق أعماق كيانه الروحي والنفسي إلى مدى
الأجيال.

وكان
الهيكل مقراً دائماً لخزائن الملك والدولة وجميع مقتنياتها الذهبية والفضية
الثمينة.

لقد
صار هيكل سليمان عجيبة من عجائب الدنيا في عظمة مبناه ومعناه: “بيت الله

“و» بيت الصلاة
” وكان أهم ما فيه
بالنسبة للعالم هو رواق الأمم!! فكل أُمم العالم مدعوة أن ترى وتسمع من بعيد
العبادة والصلاة لله. وكان هذا الرواق آخر ما فيه والأقل أهمية في نظر إسرائيل،
ولكنه كان هو أهم ما فيه بالنسبة لله. وكأن الله أقام الهيكل بواسطة اليهود ليرثه
العالم كله، لا من حيث شكله وهندسته ومبناه، ولكن من حيث هدفه وجوهر رسالته كبيت
الله للصلاة.

لقد
ضاعت كل معالم هندسة الهيكل، واندثرت مع اندثاره كل آثاره، ولم يستطع أعظم عظماء
المهندسين والمنقبين أن يستردوا أي شكل من أشكاله، إلاَّ ما بقي من أوصافه المدونة
في الكتاب المقدَّس. ولم يكن هذا مصادفة؛ بل عن قصد
إلهي محكم ومبيَّت حتى لا يكون لبيت الله شكلٌ محدَّد يُستعبد له
الإنسان.

لقد
أدرك سليمان ذلك تماماً، إذ حسب أن هذا الهيكل بكل عظمته وكل أسراره وأسمائه
وصفاته ومشتملاته لا علاقة له بسكنى الله شخصياً فيه، وحاشا جداً لله ساكن السموات
العُلا أن يسكن في بيت مصنوع بالأيادي:

+
“والآن يا إله إسرائيل، فليتحقَّق كلامك الذي كلَّمت به عبدك داود أبي. لأنه
هل يسكن الله حقا على الأرض. هوذا السموات وسماء السموات لا تسعك، فكم بالأقل هذا
البيت الذي بنيت. فالتفت إلى صلاة عبدك وإلى تضرعه أيها الرب إلهي واسمع الصراخ
والصلاة التي يصليها عبدك أمامك اليوم. لتكون عيناك مفتوحتين على هذا البيت ليلاً
ونهاراً، على الموضع الذي قلت إن اسمي يكون فيه لتسمع الصلاة التي يصليها عبدك في
هذا الموضع. واسمع تضرُّع عبدك وشعبك إسرائيل الذين يصلون في هذا الموضع، واسمع
أنت في موضع سكناك في السماء، وإذا سمعت فاغفر” (1مل 8: 2630)

أي
أن الذي يوجد في هيكل الله حقا وبالفعل هو “اسم الله”، لا في المكان إنما
في أفواه الناس وقلوبهم!! أمَّا الكلمة التي حيَّرت وأضلت كثيراً من الناس فهي
كلمة “يسكن” بمعنى أن الله يقيم شخصياً في الهيكل- كما يقيم الصنم جالساً في
هيكله- حاشا- فهي كلمة مفهومة خطأ، وهي مشتقة أصلاً من كلمة
shakan
شاكان، أي يسكن، ومنها اشتُقَّت كلمة “شاكيناه” و“سَكِينَة” أي حضرة
الله، والهدوء والسلام الذي يتأتى من حضرة الله. هذه الكلمة العبرية هي واردة
أصلاً في استخدام البدو الرُحَّل غير المقيمين بمعنى “خيمة” و“يُخيِّم”.
وهنا يقتصر المفهوم على الوجود المؤقَّت مثل الوارد في مفهوم “خيمة الاجتماع”، أي
وجود الله المؤقت مع الناس وليس الإقامة الدائمة. فبمجرَّد ذكر اسم الله في الصلاة
بالعبادة القلبية الصادقة والمخلصة، فالله يتراءى ويوجد، أو بالحري وبالأصح
يتجلَّى، بمعنى أن الله الموجود في كل الوجود
يعلن وجوده، أو يعلن نفسه للمصلِّي الذي ينادي ويدعو باسم
الله.

ولقد
أضفى الهيكل على أُورشليم بالتالي مسحة المدينة المقدَّسة بكل معنى وبكل ما يمكن
أن يتصوره العقل، حتى صارت أُورشليم بحجارتها ومبانيها وشوارعها وأسوارها مقدَّسة
في إحساس الأجيال كلها. لقد اختصت أُورشليم وحدها دون كافة بلاد إسرائيل بذبيحة
الشكر أو السرور وبذبح خروف الفصح. فلا يحل ولا يصلح أن يُذبح الفصح إلاَّ داخل
أسوار أُورشليم. يأتيها العابد من كل مدن فلسطين، وبنو إسرائيل من كل أنحاء العالم
ليذبحوا الفصح في أُورشليم. ومن أجل كرامة ذبح الخروف للفصح تُفتح البيوت كلها في
العيد لكل الآتين من بعيد، من البلاد والسائحين من خارج البلاد، ليستريحوا ويجدوا
المأوى والضيافة والترحاب ومكاناً للذبح- فالمنازل في أُورشليم لم يكن يُسمح
بتأجيرها فهي ملك الجميع!

ولم يكن يوجد في أُورشليم شيء نجس ولا يُسمح لجثة الميت أن
تمكث فيها بعد الغروب، ولم يكن فيها قبور إلاَّ مقبرة بيت داود ومقبرة خلدة
النبية. ولم يكن يُسمح فيها بتربية الحيوانات ولا الطيور، ولا إقامة الحدائق
لئلاَّ تؤدي نفايات الأرض والعفن من الزرع إلى نجاسة الهواء. ولم يُسمح بإقامة
الأفران فيها لئلاَّ يلوث دخانها الهواء!! لذلك بقدر ما يتصورها الآن شعب بني
إسرائيل وهي أمامهم خربة، بقدر ما يسحُّون الدموع ويبلُّون أحجارها والأسوار.

ومن
أقوال الربيين العجيبة والغريبة: [إن الشاكيناه بقيت ثلاث سنين ونصف على
جبل الزيتون تنتظر توبة إسرائيل، يتردد صداها اطلبوا الرب مادام يوجد ادعوه فهو
قريب، وعندما وجدت أن ذلك كله بلا فائدة عادت الشاكيناه إلى مقرها]([1]).
لقد عادت الشاكيناه (حضرة الله) إلى مكانها وقد كان، فسقطت المدينة العظيمة
أُورشليم ومعها الهيكل العجيب المهيب حتى الأرض وحتى التراب!!

أمَّا الرد المسيحي ومعه القول الصحيح فكان في فم المسيح:
“لأنكِ لم تعرفي زمان افتقادكِ
” (لو 44: 19). وكان المسيح أول
الباكين على خرابها وخراب الهيكل!! “وفيما هو يقترب نظر إلى المدينة وبكى
عليها” (لو 41: 19)

ولم
ينجُ هذا الهيكل بكل قداسته المظهرية، المضفاة عليه من أفكار وتصورات الربيين، من
التخريب والنهب على ممر العصور. وكانت أول غارة عليه للنهب في أيام رحبعام بن
سليمان سنة 922915 ق.م على يد شيشق فرعون مصر (1مل 26: 14). كما نُهب
على يد ملوك إسرائيل أنفسهم لشراء أعوان أو دفع جزية. أمَّا آخر غارة نهب وسلب
فكانت على يد نبوخذنصر سنة 587 ق.م حيث تخرَّب الهيكل أيضاً ونُهب كل ما فيه مع كل
المسبيين من سكان البلاد إلى بابل، ولكن عند عودة المسبيين أعطاهم كورش ملك بابل
أمراً ملكياً بالبناء سنة 537 ق.م تقريباً، وأعطاهم جميع آنية الهيكل ولكن بدون
تابوت عهد الله الذي ضاع ولم يوجد له أثر. وهكذا كان بناء الهيكل الثاني الذي دام
أكثر من 500 سنة! ولكن تمَّ تخريب الهيكل مرَّة أخرى على يد أنطيوخس السلوقي ملك
سوريا وهو أنطيوخس إبيفانُس (175163 ق.م) الذي نهب كل ذخائره وأقام
فيه رجسة الخراب، أي بنى فيه مذبحاً للأوثان في 15 ديسمبر 167 ق.م. ولكن عاد المكابيون
وأعادوا تطهيره والعبادة فيه سنة 164 ق.م، وقوُّوا حصونه جداً. وأعاد هيرودس الملك
(الأدومي) بناء الهيكل في ضِعْف حجمه الأول وزيَّنه بالرخام الكورنثي والحجارة
الثمنية والتحف سنة 19 ق.م، وتمَّت العمليات الكبرى فيه سنة 9 ق.م، أمَّا العمليات
الدقيقة والتجميل فتمَّت بعد 46 سنة من البداية. ثم أُعيد تخريبه ودُكت أساساته
حتى التراب على يد القائد الروماني تيطس سنة 70م.

+
“اللهم إن الأُمم قد دخلوا ميراثك، نجَّسوا هيكل قدسك جعلوا أُورشليم
أكواماً” (مز 1: 79)

+
“إنهالت حجارة القدس في رأس كل شارع” (مرا 1: 4)

ويقول
المنقبون من علماء الآثار إنه يلزم الحفر حتى 125 قدم بين أكوام الحطام حتى نصل
إلى الأرضية الأصلية للمدينة([2])!!

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى