علم الملائكة

الشيطان ألقابة وأسماؤه



الشيطان ألقابة وأسماؤه

ألقاب
الشيطان

يُدعى
الشيطان عدو الخير بأسماء كثيرة مثل: الشيطان، إبليس، الحية القديمة، إله هذا
الدهر، رئيس هذا العالم، ولاة هذا العالم، رئيس سلطان الهواء، سلطان الظلمة، أسد،
ذئب، تنين، لوياثان، القتَّال، الشرير، بعلزبول، بليعال، العدو، الخصم، المشتكي،
روح الضلال، الأثيم، المُجرب، روح كذب، أبو الكذاب، الذي يخطئ من البدء، قتَّال
النفوس، الذي له سلطان الموت، روح رديء، الروح النجس.

هذه
الأسماء وغيرها تكشف عن مركزه أو عن شخصيته أو عن أنشطته وأعماله.

 

أولاً:
أسماء تكشف عن مركزه

1.
الكاروب المظلل

خُلق
الشيطان كواحدٍ من طغمة الكاروبيم السمائية (حز 28: 14، 16)، من أعظم الطغمات
السمائية، وربما كان الأول من بينهم، غاية في الجمال والقوة. واليوم إذ سقط لازال
غاية في القوة، لكن الله يحد هذه القوة ويقاومها بكونه خالقه الذي له القوة غير
المحدودة وصاحب سلطان على كل الخليقة. لازال الشيطان يحمل نصيبًا من الكرامة، لكن
بلا جمال، إذ فقد قدسيته. لهذا يليق بنا أن ندرك أن الله ضابط الكل، له كمال
السلطان عليه، ويهب مؤمنيه سلطانًا ليعيشوا غالبين ومنتصرين.

 

لقد
أساء الشيطان استخدام طاقاته وقدراته وإمكاناته، فحوّلها للهدم عوض البنيان. هكذا
فإن عمله في حياة الخاضعين له أن يحول طاقات الإنسان خاصة عواطفه ومشاعره وقدراته
العقلية والعملية ومعرفته لتحطيمه وتحطيم إيمان الآخرين، فلا يكتفي بإنكار وجود
الله، إنما يُكرس كل إمكاناته لسحب الكثيرين من دائرة الإيمان الحي إلى عدم
الإيمان، والتشكيك في وجود الله أو في اهتمامه بالبشر ورعايته لهم.

 

2.
رئيس هذا العالم

دُعي
كذلك (يو 31: 12 ؛ 30: 14؛ 11: 16)، لأنه يريد أن يتشبه بالله، يسيطر على العصاة
من الملائكة والبشر، وهو يهدد ليهزم أولاد الله (1 يو 2: 15-17).

يمكننا
أيضًا القول بأنه رئيس أولئك الذين ارتبطوا بالعالم، أما الذين بحق يُقال عنهم بفم
السيد المسيح: “لأنكم لستم من العالم” (يو 15: 19)؛ هؤلاء ليس لعدو
الخير حق الرئاسة عليهم.

 

+
قول السيد المسيح: “لأن رئيس هذا العالم”، يعني به إبليس، وقد دعاه
الناس الأشرار بهذا الاسم، ليس لأنه يرأس السماء والأرض، وإلا لقلب الخلائق وعكسها،
وإنما يرأس الذين قد أسلموا إليه ذواتهم. القديس يوحنا الذهبي الفم

 

+
نفهم من هذه الكلمات أنه يوجد ملك واحد، وهو خالق الكون كله. بينما على الجانب
الآخر يوجد رئيس هذا العالم الذي يسمى نفسه ملك الظلمة. تخدم ربوات من الملائكة
الملك الحقيقي، بينما يلتف حول رئيس قوى الظلمة ربوات من الشياطين (كو 13: 1).
تتبع الرئاسات والسلاطين والفضيلة ملك الملوك ورب الأرباب. وفي الآخرة حين يُسلم
المسيح المُلك لله الآب بعد أن يكون قد أباد كل رئاسة وكل سلطان وكل قوة للعدو،
فإنه لابد أن يملك إلى أن يضع جميع الأعداء تحت موطئ قدميه (1 كو 24: 15، 25).
القديس غريغوريوس النيسي

 

+
بمثل هذه الكلمات يشير إلى الشيطان كرئيس ليس على خلائق الله، بل على الخطاة،
هؤلاء الذين يشير إليهم هنا باسم “هذا العالم”. عندما يستخدم اسم
“العالم” بمعنى الشرير. يشير السيد فقط إلى محبي هذا العالم، الذين كُتب
عنهم في موضع آخر: “محبة العالم عداوة لله” (يع 4: 4). حاشا لنا أن نفهم
الشيطان أنه رئيس العالم كمن يسيطر على تدبير أمور كل العالم، السماء الأرض وما
فيهما. مثل هذا العالم قيل عنه عندما تحدثنا عن المسيح الكلمة: “كوِّن العالم
به” (يو 1: 10). العالم كله من أعلي السماوات إلى أسافل الأرض يخضع للخالق
ليس للهارب؛ للمخلص لا للمخرب؛ للمنقذ لا للمستعبِد؛ للمعلم لا للمخادع.

 

+
أما رئيس هذا العالم (الشيطان)، المسيطر حيثما وجد الضلال والاضطراب، فيبتعد عن
إنسان تسود حياته السلام والترتيب الكامل ويسيطر عليها ابن الله. فعندما ينشأ هذا
السلام من الداخل ويثبت، فإن جميع الاضطهادات التي يثيرها رئيس هذا العالم من
الخارج، لا تستطيع أن تهز شيئًا من ذلك البناء الداخلي، بل يؤدي قوة البناء من
الداخل إلى فشل مكائد إبليس من الخارج. لذا أكمل الرب قائلاً: “طوبى
للمطرودين من أجل البرّ. لأن لهم ملكوت السماوات”.

 

+
لأنهُ إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن
تخدموا الله والمال. فمن يعبد المال يخدم الشيطان الذي لقبه ربنا (رئيس هذا
العالم) وذلك لسيطرته بضلاله على الأشياء الأرضية” فالإنسان إما أن
“يبغض” هذا الواحد “ويحب الآخر” أي الله. أو يلازم الواحد
“الشيطان” ويحتقر الآخر “الله”. لأن من يخدم المال يخضع
للشيطان القاسي المهلك. فإذ يرتبك بشهوته للمال يخضع للشيطان ويلازمه رغم عدم
محبته له، لأنه من منا يحب الشيطان؟! ويكون بذلك يشبه إنسانًا أحب خادمة لدى شخص
عظيم، فبالرغم من عدم محبته لسيدها إلا أنه يخضع لعبوديته القاسية بسبب محبته
للخادمة. القديس أغسطينوس

 

+
إن كان في وقت عماده قبِل الروح حسب محدوديَّة ناسوته، فإن هذا يلزم حفظه مع
الأمثلة الأخرى. بكونه الله لم يتقدَّس بنوال الروح. إذ هو ذاك الذي يقدِّس كما
قلت. وبكونه بشريًّا يتقدَّس حسب تدبير تأنُّسه. لهذا مُسح لكي ما يقضي للأمم.
يعني هنا في هذا النص القضاء البار. إذ يبرر الأمم بإدانة الشيطان الذي مارس حكمًا
طاغيًا عليهم. وقد علَّمنا هذا بنفسه، قائلاً: “الآن دينونة هذا العالم. الآن
يُطرح رئيس هذا العالم خارجًا. وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليَّ الجميع”
(يو 12: 31-32). نطق بالعبارة لهلاك ذاك الذي مارس الحكم الطاغي – كما قلت – على
الأرض كلها، وبقضاء مقدَّس خلَّص الذين انخدعوا. القديس كيرلس الكبير

 

الأرض
مملوءة بالملائكة والشياطين

إذ
يود عدو الخير – إن أمكن – أن يسيطر على كل البشرية ليكون رئيسًا لهذا العالم،
فإنه لا يكف عن الجولان في كل الأرض هو وملائكته لنصب شباكهم للبشر، وكشف أخطائهم
لكي يشتكوهم أمام الله. هذا ما يكشفه لنا سفر أيوب.

 

+
[“فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ:
مِنْ الْجَوَلاَنِ فِي الأَرْضِ، وَمِنَ التَّمَشِّي فِيهَا” (أي 1: 7). ماذا
نفهم من ذلك؟ الأرض مملوءة بالشياطين والملائكة… هذا النص يعني أن الشيطان مع
الملائكة في العالم. فكما أن الناس المخادعين مع الصالحين ممتزجون معًا هكذا أيضًا
الملائكة والشياطين.القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

 

3.
رئيس سلطان الهواء

دُعي
رئيس سلطان الهواء (أف 2: 2)، أشبه بحاكم إمبراطورية الجو، ويقيم لنفسه مملكة على
الأرض.

يُريد
عدو الخير أن ينشر قواته كما في الهواء، حتى لا يفلت إنسان من أيديهم. وكأنه أراد
أن يؤكد أنه قد وقف حاجزًا بين سكان الأرض والسماء، كمن له سلطان أن يمنع كل نفسٍ
من الصعود إلى حيث المسيح جالس، بل ينزل بها إلى الجحيم حيث هو ينحدر معها.

 

4.
إله ومَلِكُ هذا الدهر (2 كو 4: 4)

إذ
سقط عدو الخير في الكبرياء لم يعد له موضع في السماء يستريح فيه، ولا شركة مع
القدوس المتواضع المحب، فصار غريبًا عن السماء، لن تقبله ولن يقبلها. من هذا
المنظار صار حاسدًا للإنسان الذي خلقه الله وقدَّم له إمكانية الدخول إلى السماء.
أقام عدو الخير نفسه إلهًا على هذا الدهر ليملك على قلب الإنسان وفكره، ويسحبه من
السماويات. يربطه بالتراب ويُشككه في التمتع بالأمجاد الأبدية.

 

يزين
عدو الخير الخطية ومحبة العالم ليصطاد البشر في شباكه ويحرمهم من التمتع بالمصلوب
غافر الخطايا وواهب الأمجاد الفائقة.

 

لقد
حسب العدو البشرية غنائمه، وجاء كلمة الله متجسدًا ليرد بصليبه ما له، ويدخل بهم
إلى أحضان الآب أبديًا.

 

يقول
السيد المسيح: “كيف يقدر شيطان أن يخرج شيطانًا. وإن انقسمت مملكة على ذاتها،
لا تقدر تلك المملكة أن تثبت. وإن انقسم بيت على ذاته لا يقدر ذلك البيت أن يثبت.
وإن قام شيطان على ذاته وانقسم، لا يقدر أن يثبت، بل يكون له انقضاء. لا يستطيع
أحد أن يدخل بيت قوي وينهب أمتعته، إن لم يربط القوي أولاً وحينئذ ينهب بيته”
(مر 3: 23-27).

 

+
يقصد بالقوي الشيطان، وما هو بيته إلا مملكته على الأرض، وأما أمتعته فهي أولئك
الناس الذين يتشبهون بإبليس أبيهم في شئونهم وأعمالهم. وكما أننا ندعو القديسين
أوانٍ مقدسة وأمتعة مكرسة، كذلك يمكن تسمية الأشرار أمتعة إبليس وآنيته، لأنهم
يشتركون معه في الخبث والشر. دخل المسيح الكلمة وحده بيت إبليس، هذا العالم الأرضي،
وربط الشيطان، في “سلاسل الظلام وطرحه” (2 بط 2: 4). خلص لاوي فلم يعد
بعد أسيرًا في مملكة الشيطان، وأصبح بتوبته جديرًا بالبركات الإلهية، فنتعلم أن
التوبة هي السبيل السوي للخلاص والفداء، فقد قيل: “التفتوا إليّ وأخلصوا يا
جميع أقاصي الأرض” (إش 45: 22). القديس كيرلس الكبير

 

+
لقد سقطنا تحت سلطان أعدائنا – أي “مَلِكُ هذا الدهر” وأعوانه من قوى الشر. نتيجة
لهذا نشأت حاجتنا إلى الفداء بواسطة ذلك الذي يشترينا حتى نعود من حالة التغرب عنه.
لذلك بذل مخلصنا دمه فدية عنا…. وإذ أن “مغفرة الخطايا”، وهي تتبع الفداء تصبح
مستحيلة قبل أن يتحرر الإنسان، فلا بد لنا أولا أن نتحرر من سلطان ذلك الذي أخذنا
أسرى واحتفظ بنا تحت سيطرته، وأن نتحرر بعيدا عن متناول يده، حتى نتمكن من أن نحظى
بغفران خطايانا وبالبُرْء من جراحات الخطية، حتى ننجز أعمال التقوى وغيرها من
الفضائل.

 

+
والحق؛ أما إذا فضَّلنا الشهوة عن الله فتملُك الخطيَّة علينا، حيث يقول الرسول: “إذًا
لا تملُكنَّ الخطيَّة في جسدكم المائت” (رو 6: 12).

 

إذن
ملِكان يبادران لكي يملُكا، تملُك الخطيَّة أو الشيطان على الأشرار، ويملُك العدل
أو المسيح على الأبرار.

 

إذ
كان إبليس يعلم أن المسيح جاء ليغتصب ملكوته، ويُخضع لقوته وسلطانه أولئك الذي
كانوا قبلاً خاضعين للمخادع، “أراه جميع ممالك المسكونة” وكل سكان
العالم، أراه كيف يملك على الواحد بالشهوة، وعلى الآخر بالبُخل، وثالث بحب المجد
الباطل، ويأسِر آخرين خلال جاذبيَّة الجمال… وكأن الشيطان يقول له: أتريد أن
تملك على كل الخليقة؟! وأراه الجموع غير المحصية التي تخضع له، والحق يُقال لو
قبلنا أن نعرف في بساطة بؤسنا ونُدرك مصيبتنا لوجدنا الشيطان يملك في معظم العالم،
لذلك يسمِّيه الرب “رئيس هذا العالم” (يو 12: 31؛ 16: 11). وعندما يقول
إبليس ليسوع: أترى جميع الشعب الخاضع لسلطاني؟ يكون قد أراه ذلك “في لحظة من
الزمان”، إذ يحسب الوقت الحالي لحظة أن قورن بالأبديَّة… حينئذ قال إبليس للرب:
أجئت لتصارع ضدِّي، وتنزع عنِّي كل الذين هم تحت سلطاني؟ لا، لا تحاول أن تقارن
نفسك بي، ولا تعرض نفسك لصعاب هذه المعركة. انظر كل ما أطلبه منك، “إن سجدت
أمامي يكون لك الجميع”.

 

بدون
شك يريد ربَّنا ومخلِّصنا أن يملك، لكن بالعدل والحق وكل فضيلة… لا يريد أن
يكلَّل كملكٍ بدون تعب (الصليب)…

 

أجابه
الرب قائلاً: “مكتوب للرب إلهك تسجد، وإيّاه وحده تعبد” (تث 6: 13).
إرادتي هي أن يكون الكل لي يعبدونني، ولا يسجدون لغيري. هذه هي الرغبة الملوكيَّة.
أتريدني أن أخطئ أنا الذي جئت لأبيد الخطيَّة وأُحرَّر الناس منها؟!

لنفرح
ولنبتهج نحن إذ صرنا له، ولنُصَلِ إليه ليقتل الخطيَّة التي ملَكت في أجسادنا (رو
6: 6) فيملك وحده علينا. العلامة أوريجينوس

 

+
حسبك ما أشار به حبقوق وهو يندد بأعداء الرسل: “ويل للمُكثر ما ليس له،
وللمثقِل نفسه رهونًا، ألا يقوم بغتة مقارضوك، ويستيقظ مزعزعوك، فتكون غنيمة
لهم” (حب 2: 6). فقد جمع الشيطان في حظيرته كل سكان الأرض وهم ليسوا له،
وجعلهم يسجدون له، ويعبدونه، فتثقَّل وتعظَّم، ولكن استيقظ البعض ليسلبوه غنائمه،
فقد ألقى الرسل بشبكة تعليمهم على المأسورين والخطاة، فرجعوا بها إلى الله مملوءة
بأهل العالم قاطبة. القدِّيس كيرلس الكبير

 

5.
بعلزبوب أو بعلزبول أو رئيس الشياطين

بعلزبوب،
معناها “رب الذباب”، وهو أحد آلهة الفلسطينيين، كان يُعبد في عقرون.
وكان ذا شهرة واسعة حتى أرسل إليه أخزيا ملك إسرائيل رسلاً ليسأل إن كان يبرأ مما
أصابه من سقوطه من الكوة في السامرة. وقد أرسل الله نبيه إيليا لتوبيخ الملك على
هذا التصرف (2 مل 1: 2-6، 16).

 

دُعي
هكذا لأنه يحمي المتعبدين له من ضربات الذباب التي تُسبب أمراضًا وأوبئة مدمرة.
وقد وجد
DeHass خاتمًا بجوار غزة، عليه نقش على شكل بشري له أربعة أجنحة مثل
ذبابة بارزة، ربما يمثل إله عقرون.

 

في
استخفاف به دعوه “بعلزبول” أي “بعل الأقذار”. وقد صار هذا
الاسم في أيام السيد المسيح يُشير إلى إبليس أو رئيس الشياطين. وقد لقبوا السيد
المسيح بهذا الاسم لتشويه معجزاته الخاصة بإخراج الشياطين والأرواح الشريرة (مت 12:
24، 27؛ لو 11: 15، 18-19).

 

يرى
البعض أنه من الظواهر التي ظهرت عبر التاريخ أن بعض الأمم تستخدم أسماء آلهة الأمم
المعادية لها وتحسبها أسماء للشياطين كنوعٍ من السخرية. هذا ما حدث عندما انقسم ال
Aryans إلى هنود وآرانيين Iranians، بقي ال Devas آلهة للهنود، وحسبها الآخرون شياطين.

 

هذا
هو مركز الشيطان كرئيس للقوات الشيطانية، التي تجلب البشر إلى عبودية روحية خلال
الشهوات والعبادات الوثنية.

 

ثانيًا:
أسماء تكشف عن شخصيته

6.
لوسيفر (إش 12: 14)

كلمة
“لوسيفر” معناها: “جالب النور” أو “كوكب الصباح”
(إش 14: 12). وفي العبرية
heylel معناها “ناشر البهاء”. وهو لقب لكوكب فينوس، وإلهه الحب
والجمال عند الرومان.

 

ورد
هذا الاسم للتعبير عن سقوط الطاغية ملك بابل (إش 14: 12)، غير أن الكثير من آباء
الكنيسة والدارسين المعاصرين يرون أن النص لا يقصد ملك بابل بل الشيطان نفسه
المتمرد على عرش الله، وقد انحدر إلى الهاوية في أعماق الجب (إش 14: 15).

دُعي
الشيطان كوكب الصبح، لأنه أراد أن يختلس لقب السيد المسيح “كوكب الصبح
المنير” (عد 24: 17؛ رؤ 22: 16). في خداعه يظهر الشيطان في صورة ملاك نور (2
كو 11: 14). وسيأتي ضد المسيح مدعيًا أنه كوكب الصبح. لهذا لا نعجب إن دُعي الشيطان
لوسيفر.

 

يعد
الله المؤمن الحقيقي أن يتمتع بنور السيد المسيح وبهائه، فيُقال عنه: “وأعطيه
كوكب الصبح” (رؤ 2: 28؛ دا 12: 3).

 

يُقارن
القديس أثناسيوس بين الطغمات السماوية التي احتفظت بمجدها وبين الشيطان الذي فقد
بهاءه قائلاً: [ما يُريده الله يُريدونه هم أيضًا، ولا يختلفون معه في الحكم ولا
في التعليم، بل يطيعون خالقهم في كل شيء. لأن كل هذه (الكائنات) لم تكن تستطيع أن
تبقى في مجدها لو لم تشأ ما يشاءه الآب أيضًا. فمثلاً الذي لم يبقَ في مجده بل ضل
بعيدًا، سمع الكلمات: “كيف سقطت من السماء يا لوسيفر، المشرق في الصباح؟”
(إش 14: 12).]

 

مقاومة
إبليس للأبرار

في
رسالة القديس جيروم إلى أوستوخيوم
Eustochium حيث يُحذرها من محاربات الشيطان يوضح لها أن عدو الخير لا ينشغل
بالذين هم خارج الكنيسة، إذ يكونوا كآخاب بن قولايا وصدقيا بن معسيا اللذين كانا
يتنبآن باسم الله بالكذب، هذين قلاهما ملك بابل بالنار (إر 29: 22). فالأشرار
يسلمون أنفسهم بأنفسهم للنار الأبدية، لكن ما يشغل ذهن الشيطان هم المؤمنون. [إنها
كنيسة المسيح التي يُسرع ليفسدها. وكما جاء في حبقوق: “طعامه أفخر
(الأطعمة)” (حب 1: 16
LXX). كأن أيوب هو ضحية مكائده؛ وبعد افتراسه يهوذا طلب أن يغربل
(بقية) الرسل.]

 

+
لكي ندرك قوة ذاك الطاغية المرعب لننظر كيف أن ذاك الملاك الذي لأجل عظمة جلاله
وبهائه دُعي لوسيفر قد أُلقي خارج السماء بسبب هذه الخطية وحدها. وبسبب طعنه بشوكة
الكبرياء طُرح من مركزه العظيم الفخم إلى أسفل كملاك لجهنم. كان كبرياء القلب
بمفرده كافيًا لأن يطرحه من السماء إلى الأرض. عظمة سقوطه توضح لنا بأي اهتمام
ينبغي أن نشعر بالضعف البشري لكي نكون في يقظة من الكبرياء؟… بمعنى أن (لوسيفر)
قد وُهب سموًا إلهيًا ونال حكمة، فظن أن هذا السمو وهذه الحكمة وهذا الجمال،
الأمور التي حصل عليها كهبات من الخالق، يتمتع بها بقوته الشخصية وليس من نعم هذا
الكريم. بهذا انتفخ كما لو كان في غير حاجة لأية معونة إلهية لكي يستمر في هذه
الحالة من النقاوة. وفكر في نفسه أن يكون مثل الله، لا يحتاج إلى أي أحدٍ، واثقًا
في قوة إرادته الذاتية، متخيلاً إنه من خلالها يستطيع أن يمد نفسه بغنى بكل شيءٍ
ضروري في التدرب على الفضيلة أو حفظ بركتها الكاملة. هذا الفكر بمفرده كان سبب
سقطته الأولى، وإذ يبحث الله عنه ظن (الشيطان) إنه غير محتاج إليه. أصبح فجأة
مزعزعًا وغير ثابتٍ، وظهر ضعف طبيعته، وفقد التطويب الذي تمتع به كهبة إلهية، لأنه
“أحب كلمات الدمار” التي بها تكلم، قائلاً: “أصعد إلى السماء”.
القديس يوحنا كاسيان

 

7.
إبليس أو المفتري

اُستخدم
التعبير “إبليس” في اليونانية “ديافولوس” أو “ديابولوس
Diabolos” 35 مرة في الكتاب المقدس، ويعنى المخادع الذي يضع لنا شراكًا. يصوره
هذا الاسم أنه يضع تقارير كاذبة مخادعة تشوه سمعة الغير، وهو يحاول تشويه صورة
الآب والسيد المسيح والعمل الإلهي، كما يود أن يشوه صورة المؤمنين. كما يعني
المُشتكي، لا عمل له إلا أن يشتكي علينا، ليصدّ مراحم الله عنّا. وقد دُعي أيضًا
بالشيطان أي المقاوم، فهو خصم لا يتوقّف عن مقاومتنا، وكما يقول الرسول: “إبليس
خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو” (1 بط 5: 8).

 

+
يُدعى الشيطان أو المفتري بسبب افتراءاته، فإنه يفتري على الإنسان أمام الله،
قائلاً: “هل مجانًا يتقي أيوب الله؟” (أي 1: 9)… ويفتري على الله أمام
الإنسان، قائلاً: “نار الله سقطت من السماء، فأحرقت الغنم” (أي 16: 1).
فكان متلهفًا على إثارته بأن الكارثة حلت من السماء من فوق، فيجعل العبد في نزاعٍ
مع السيد، والسيد مع عبده. في الواقع لم يجعلهما في نزاع، لكنه حاول ذلك وكان
عاجزًا. القديس يوحنا الذهبي الفم

 

+
“يقضي لمساكين الشعب، يخلص بني البائسين، ويسحق المفتري” (مز 72: 4).
بحق يُدعى الشيطان “المفتري”، فقد افترى على كل من الله، فبسبب الحسد
ادعى أن الله، منع الأكل من شجرة (معرفة الخير والشر)، وافترى على أيوب بأكاذيب،
قائلاً “هل حقًا مجانًا يتقى أيوب الله؟… أبسط يدك الآن، ومس كل ما له،
فإنه في وجهك يجدف” (أي 1: 9، 11). في المزمور الثامن أعطاه اسمي “عدو
ومنتقم”، بينما يدعوه هنا (مز 72: 4) مفتريًا. ثيؤدورت أسقف قورش

 

+
يحمل الكتاب المقدس شهادة ضد الشيطان أنه خرج من حضرة الله وضرب أيوب بقروح (أي 7:
2). لأنه هكذا تكون صفات الذين يخرجون من حضرة الله، يضربون رجال ويؤذونهم. وهكذا
أيضًا تكون صفات الخارجين عن الإيمان (الأريوسيين) يضطهدون الإيمان ويضرون به.وعلى
العكس نجد القديسين إذ يقتربون منهم (رجال الله) ينظرون إليهم كأصدقاء، كما فعل
داود متحدثًا بأسلوب صريح قائلاً: “عيناي على أمناء الأرض لكي أجلسهم
معي” (مز 6: 101). البابا الأنبا أثناسيوس الرسولي

 

8.
الشيطان

استخدم
52 مرة في الكتاب المقدس، وكما رأينا أنه مشتق من العبرية حيث يعنى
“المقاوم”، هذا اللقب يكشف عن ثورته ومقاومته لله ليقيم لنفسه مملكة،
لذا يقاوم أولاد الله (زك 3: 1-2؛ لو 22: 31-32)، بينما يقف السيد المسيح مدافعًا
عنا ومحاميًا ضده.

سنخصص
بمشيئته الله ردا مفصلا عن مقاومة إبليس لنا، وصراعه ضدنا لاحقا.

 

9.
الحية القديمة

يذكرنا
هذا الاسم (2 كو 3: 11؛ رؤ 9: 12) بأول عمل قام به ضد أبوينا الأولين في تكوين 3
فأسقطهما في الخطية. أما دعوته بالقديم فيشير إلى أنه معروف منذ قديم الزمن وله
خبرات طويلة. عندما ذكر القديس بولس هذا الاسم لم تكن هناك حاجة إلى إعلان أنه
يقصد به الشيطان.

 

قصة
الكتاب المقدس كله من سفر التكوين حتى الرؤيا هي قصة الصراع بين الخير والشر، قصة
غواية الشيطان للإنسان خلال الحية منذ كان في جنة عدن، ودخول الإنسان في المعركة
حيث يختفي في المسيح قائد المعركة وواهب الغلبة على الشيطان، فيهب الإنسان شركة
مجده.

 

+
أبطل كل عمل شيطاني ولا تصدق “الحية” المقاومة التي تغيرت عن طبعها
الأصلي بإرادتها الحرة. والتي تستطيع أن تغري الإرادة دون أن تلزمها بشيء.أيضًا لا
تنصت إلى أقوال التنجيم والعرافة والتكهنات ولا إلى خرافات الإغريق في الإلهيات.
فإن العرافة والسحر واستحضار الأرواح لا تستحق حتى سماعها. ابتعد عن كل نوع من
الإفراط ولا تنسق إلى النهم ولا إلى الفسق، ولتكن ساميًا فوق كل طمع ورِبا فاحش.لا
تهلك نفسك بحضورك اجتماعات الوثنيين في مشاهدهم العامة ولا تستخدم الاحجبة عند
المرض. ابطل أيضًا كل فظاظة…لا تنزلق في مذهب السامريين أو اليهودية، لأن يسوع
المسيح فاديك.

ابتعد
عن ملاحظة السبوت (غل 4: 10)، ولا تدع أطعمة ما أنها دنسة. على وجه الخصوص أبغض كل
اجتماعات الهراطقة الأشرار. وفي كل طريق أمن نفسك بالأصوام والصلوات والصدقات
والقراءة في أقوال الله، فإذ تعيش بقية حياتك في الجسد في تعقل متمسكًا بالتعاليم
الصادقة، تتمتع بالخلاص الواحد الذي يفيض من العماد. بهذا تحسب عضوًا في جيوش
السماء بواسطة الله الآب، وتستحق أكاليل سمائية في المسيح يسوع ربنا الذي له المجد
إلى أبد الأبد آمين.القديس كيرلس الأورشليمي

 

+
يوصي الكتاب المقدس كل واحدٍ أن يحفظ قلبه بكل اجتهادٍ (أم 4: 22)، حتى بحفظه
للكلمة في داخله مثل فردوس، يتمتع بالنعمة ولا ينصت إلى الحية التي تحاول أن تتحرك
في الداخل، هذه التي توحي بأشياء تقود إلى اللذة، والتي بها يتولد الغضب الذي يذبح
الأخ، وأما النفس التي يتولد منها هذا فتموت. القديس مقاريوس الكبير

 

+
ليتنا لا نسير في الأمور الأرضية فلا تقدر الحية أن تضرنا. لنحتذِ بأحذية الإنجيل
فتزيل سم الحية، وتبطل من عضَّاتها حيث نستعين بتغطية أقدامنا بالإنجيل. القديس
أمبروسيوس

 

يتطلع
القديس جيروم إلى الشيطان بكونه الحية القديمة التي تزحف على الأرض وتأكل التراب.
فإن ارتبط الإنسان بالخطية يسمع الصوت الإلهي: “أنت تراب وإلى تراب
تعود”، فيصير مأكلاً للحية. أما إذ التصق بالسماويات فلن يقدر العدو أن يقترب
إليه ويلتهمه. يُشبه القديس جيروم بطائر إن بقى يقفز على الأرض تفتح الحية فاها
وتبتلعه، أما إن حلق طائرًا في السماء، فلن تقدر أن تثب وتلتهمه.

 

+
قال الله للشيطان: ترابًا (أرضًا) تأكل”. هل هي الأرض التي نطأها بأقدامنا
يأكلها الشيطان يا إخوة؟ لا، إنها البشر الذين لهم فكر أرضي، شهوانيون، ومتكبرون،
الذين يحبون الأرض، يضعون كل آمالهم فيها. إنهم يجدُّون بالكلية لأجل منافع جسدية،
بالحري من أجل ملذات كهذه، ويفكرون قليلاً في خلاص نفوسهم وقد لا يفكرون قط في ذلك.
يطلب الشيطان أُناسًا كهؤلاء. يبدو أنه يفعل ذلك بعدل، فقد عينوا له منذ بداية
العالم، عندما قيل له: “ترابًا تأكل”.

 

لهذا
فلينظر كل واحدٍ إلى ضميره! فإن رأى أنه مشغول بالأكثر بجسده أكثر من نفسه فليخف
لئلا يصير طعامًا للحية. الأب قيصريوس أسقف آرل

 

10.
التنين العظيم

يكشف
هذا اللقب عن عنفه كوحشٍ رهيبٍ مدمرٍ.

كثيرًا
ما أُشير في العهد القديم إلى الشيطان بكونه تنينًا:

“في
ذلك اليوم يُعاقب الرب بسيفه القاسي العظيم الشديد لوياثان الحية الهاربة، لوياثان
الحية الملتوية، ويقتل التنين الذي في البحر” (إش 27: 1).

“استيقظي،
استيقظي، ألبسي قوة يا ذارع الرب… ألست أنتِ القاطعة رهب، الطاغية
التنين؟!” (إش 51: 9).

 

“أنت
شققت البحر بقوتك، كسرت رؤوس التنانين على المياه” (مز 74: 13).

يتكرر
ذكر “التنين” في سفر الرؤيا ثلاث عشرة مرة، يظهر فيها أنه يعني
“إبليس”. كالقول: “فطُرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس
والشيطان، الذي يُضل العالم كله” (رؤ 12: 9). كما قيل: “فقبض على التنين
الحية القديمة الذي هو إبليس والشيطان وقيده ألف سنة” (رؤ 20: 2).

 

دُعي
“التنين الأحمر العظيم” (رؤ 12: 3)، لأنه سافك الدماء.

 

+
نزل (السيد المسيح) بنفسه من عرش الآب، لكي يبقى ويُخضع التنين الذي صنع هجومًا
على الجسد.

 

+
التنين الذي هو عظيم وأحمر وماكر ومتشعب الجوانب وله سبعة رؤوس وقرون ويجر ثلث
النجوم إلى أسفل ويقف مستعدًا ليلتهم طفل المرأة التي تلد (رؤ 12)، هو الشيطان
الذي يتربص ليُحطم ذهن المعمدين الذين يقبلون المسيح وصورة الكلمة وملامحه الواضحة
التي تتجلي فيهم. لكنه يفشل في اقتناص فريسته التي تتجدد وتصعد إلى عرش الله.

الأب
ميثوديوس

 

في
الفصل الثاني من كتابه عن “وليمة العشر عذراى”، كتب الأب ميثوديوس تحت
عنوان: “العذارى مدعوات للاقتداء بالكنيسة الغالبة للتنين في البرية”.
[إذن إذ تأتى الكنيسة إلى هذه البرية، الموضع العقيم من الشرور، تنتعش، وتطير نحو
السماء بأجنحة البتولية، التي يدعوها الكلمة: “جناحي النسر العظيم” (رؤ
12: 24)، فتغلب الحية.]

لقد
طالب هذا الأب العذارى ألاَّ ينشغلن بهجوم التنين، بل يحملن روح الشجاعة والقوة بالمسيح
يسوع، فيصير لهن رؤوس مقدسة مكللة بالمجد، يتمتعن بها خلال مقاومة التنين برؤوسه
السبعة وقرونه العشرة.

 

يرى
العلامة أوريجينوس أن كلمة “تنين” أُستبدلت بكلمة “لوياثان”
بالعبرية في مزمور 104: 26.

 

11.
الشرير

يشير
التعبير اليوناني
ho poneros إلى أنه ليس فاسدًا في ذاته فحسب، وإنما يطلب فساد الغير. حرفا “ho” تعنى أنه شخص معين وليس مجرد كائن شرير.

+
“لكن نَجِنّا من الشّرِّير”، أي لا تسمح لنا أن يجربنا الشيطان فوق ما
نحتمل، بل تجعل مع التجربة المنفذ حتى نستطيع أن نحتمل (1 كو 13: 10).الأب إسحق

 

+
لقد خُدعنا، إذ كنا موضوع حسد الشرير. القديس غريغوريوس النزينزي

 

+
يُسمح للشيطان المجرِّب أن يثير حربًا على القدِّيسين بكل أنواع التجارب، حتى
يتزكَّى حبهم لله، ولكي يكون ذلك شاهدًا. وذلك عندما تُنزع عنهم الأمور الحسية أو
يُحرمون منها أو يصيرون في عوزٍ منها ومعدمين، بينما يبقون محبين لله، ثابتين في
محبته، يحبون بالحق. وبينما يحاول العدو إغراءهم يبقون غير منهزمين، ولا يغيرون
محبتهم لله…

فالعدو
يرغب بقوة أن يجرِّب كل إنسانٍ، إن كان ذلك ممكنًا له، ويسأل الله من أجل الكل لكي
يجرِّبهم، كما سأل من أجل البار أيوب… وإذ نال في وقت قصير سماحًا بذلك، اقترب
الشيطان فورًا حسب قوة من سيجربه. هكذا يصارع الشرير معهم حسب شهوته. وبهذا
يتزكَّى أولئك المستقيمون والثابتون في حب الله عندما يستخفُّون بكل الأشياء
ويحسبونها كلا شيء بجوار حبهم لله. مار اسحق السرياني

 

+
الشيطان الذي علَّم يهوذا أن يسلم معلمه، عاد فعلَّمه أن يشنق نفسه، ليرث بالاثنين
الهاوية التي تأهل لها. لم يُكتب أن يهوذا بكى، لأن الشرير لم يتركه يبكي، لأنه لو
بكى لأطفأ ناره بالدموع. القديس يعقوب السروجي

 

مع
إدراك المؤمن لإمكانيات النصرة على “الشرير”، وأنه بالله الكلي الصلاح
حتمًا يهزم الشرير، غير أنه في تواضع لا يندفع ليلقي بنفسه في تجارب الشرير. إن
جُرب يُصارع بروح القوة، ويصمد في نبلٍ وشجاعة، وإن لم يُسحب للتجربة، لا يندفع
بنفسه نحوها. بهذا الروح علمنا السيد المسيح أن نصلي قائلين: “لا تدخلنا في
تجربة، لكن نجنا من الشرير” (مت 6: 13).

 

+
“ولا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير. لأن لك الملك والمجد إلى الأبد.
آمين” (مت 6: 13). هنا يعلمنا الرب بكل وضوح مدى تفاهتنا ويقمع كبرياءنا،
ويرشدنا أن نستنكر كل صراعاتنا وننبذها بدلاً من اندفاعنا إليها. لأنه هكذا تصير
نصرتنا أكثر مجدًا، وتزداد هزائم الشيطان. أعني أنه ينبغي أن نصمد في نبل إذا ما
تم سحبنا أو جرنا. وإذا لم يستدعنا أحد نبقى في هدوء وسكينة منتظرين قدوم الصراع،
فإن أتى، نُظهر للناس تحررنا من المجد الباطل وتمتعنا بنبل الروح.

 

هنا
يدعو الرب الشيطان “بالشرير”، فيأمرنا أن نشن عليه حربًا بلا هوادة.
يقول لنا ضمنًا إن الشيطان لم يكن هكذا بالطبيعة، لأن الشر ليس من الأمور الطبيعية،
بل هو من صنعنا نحن وباختيارنا، وقد دُعي الشيطان هكذا، باعتباره متميزًا بالشر
الزائد جدًا فيه، ولأنه إذا قاومناه أو ألحقنا به ضررًا، شَّن علينا حربًا ضروسًا.
لهذا لم يقل (الرب): “نجنا من الأشرار” بل “من الشرير”،
معلمنا ألا نثير المتاعب مع جيراننا، لأنه مهما عانينا من قلاقل على أيديهم، علينا
أن نوجه عداوتنا للشيطان وحده، فهو أصل كل آثامنا. وإذ يجعلنا مترقبين متحفزين لما
قبل الصراع بأن يركز فكرنا في العدو الحقيقي، مستأصلين من داخلنا كل تراخٍ، يعود
لشجعنا ويرفع من أرواحنا، بأن يذكرنا بالملك الذي يرأس صفوفنا، فيصفه أنه أقوى من
الجميع، إذ يقول: “لأن لك الملك والقوة والمجد”.

القدِّيس
يوحنا الذهبي الفم

 

+
يسأل الكثيرون ما لا ينبغي أن يسألوا، غير عالمين ما هو مناسب لهم. ينبغي أن يحذر
المصلي من أمرين: أن لا يسأل ما لا ينبغي سؤاله، وأن لا يسأل من لا ينبغي أن يُطلب
منه. فينبغي أن لا نطلب شيئا من الشيطان أو الأوثان أو الأرواح الشريرة. بل ينبغي
أن نطلب من الرب إلهنا يسوع المسيح ومن الله أب الأنبياء والرسل والشهداء، أبي
ربنا يسوع المسيح، خالق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها. ونحذر من أن نطلب منه
ما لا ينبغي طلبه. فإن كان ينبغي أن نطلب الحياة، ماذا ننتفع من طلبها من الأوثان
التي لا تسمع ولا تنطق؟ وأيضا ماذا ينفعكم أن طلبتم من الله الآب الذي في السماوات
موت أعدائكم؟ ألم تسمعوا وتقرأوا في المزمور ما تنبئ به عن نهاية يهوذا الخائن
المؤلمة إذ يقول “وصلاته فلتكن خطية” فإن طلبتم الإثم لأعدائكم ستكون
صلاتكم خطية. القديس أغسطينوس

 

+
عار عليك، أيّها الشيطان الشرّير، تنكر علينا رؤية شبه سيّدنا، والقداسة التي تخرج
منها. ترغب في منعنا من النظر إلى آلامه المخلّصة، والتعجّب من عطفه ومدح قوته
العظمي. أنت تغير من التكريم الذي يعطيه الله للقدّيسين. تتمنّى أن لا نري الصورة
المجيدة، ولا أن نتحمّس لتقليد شجاعتهم وإيمانهم. فلن نتبع اقتراحك، أيّها الشيطان
الشرّير، يا مبغض جنس البشر. اسمعوا يا أيّها الشعوب والأمم والألسنة، أيّها
الرجال والنساء، الشيوخ والصغار، الشباب والأطفال، وكل الشعب المسيحي المقدّس. لو
بشركم أحد بما هو عكس ما استلمته الكنيسة الجامعة (الأرثوذكسيّة) من الرسل،
والآباء، والمجامع وحفظته إلى هذا اليوم، فلا تسمعوا إليه. لا تأخذوا نصيحةً من
الحية، كما فعلت حواء، وأخذت الموت. لو بشركم إمبراطور أو ملاك بغير ما تعلّمتموه،
فأغلقوا آذانكم. استخدم الروح القدس عبارة: “ليكن محرومًا” أو أناثيما
(غل 1: 8)، بدلاً من فأغلقوا آذانكم، ولكنّي امتنع عن استخدّام هذه الكلمة راجيًا
إصلاحكم. القدّيس يوحنا الدمشقي

 

+
ينبغي علينا ألا ندعو شيئًا ما شريرًا إلا الخطية وحدها التي تفصلنا عن الله
وتربطنا بالشيطان الشرير. الأب ثيؤدور

 

في
قداس المعمودية حيث يتقدم الشخص ليدخل في عهد مع الله الكلي الصلاح، ويُحسب عضوًا
في كنيسة المسيح، يعمل لحساب ملكوت السماوات، يعلن بروح القوة جحده للشرير وكل
أعماله.

 

+
هل رأيتم صيغة الاتفاق؟ فإنكم بعد جحد الشرير وكل ما له يطلب منكم الكاهن أن
تقولوا: “أدخل في خدمتك أيها المسيح”. القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

 

12.
أبدون، أو أبوليون (رؤ 11: 9)

كلمة
“أبدون” مشتقة من الفعل العبري “أباد”، وهو يُطابق الفعل العربي،
الذي يعني “أباد” أو “أهلك”، وكأن أبدون تعني
“إبادة” أو “المبيد” أو “المهلك”. يقابلها في
اليونانية “أبوليون”. وقد وردت مرة واحدة في العهد الجديد (رؤ 9: 11)
كاسم لملاك الهاوية أو الشيطان المُهلك.

 

استخدم
هذا الاسم في العهد القديم تارة لعالم الموتى في جانبه المرعب والمُدمر كما جاء في
المزمور: “هل يُحدث في القبر برحمتك، أو بحقك في الهلاك (أبدون)؟” (مز
88: 11). وقد جاءت كلمة أبدون موازية للهاوية في أيوب 26: 6؛ أمثال 15: 11؛ 27: 20.
كما جاءت موازية للموت وأحيانًا مع القبر.

 

استخدم
الحاخامات كلمة “أبدون” لتعني الاسم الثاني من بين أسماء عالم الموتى
السبعة.

من
الواضح أن كلمة “أبدون” الواردة في سفر الرؤيا (9: 11) يُقصد بها
الشيطان، أو ملاك الهاوية، الذي ينزل إلى الأرض لمقاومة المؤمنين. لوصف الوارد هنا
يتطابق مع ما ورد عن الشيطان في رؤيا (9: 1) “رأيت كوكبًا قد سقط من السماء
إلى الأرض، وأُعطي مفتاح بئر الهاوية”؛ و(إش 14: 12؛ 1 بط 5: 8؛ يو 8: 44).

 

ثالثا:
أسماء تشير إلي أنشطته

13.المجرب

دُعي
الشيطان بالمجرب في مت 4: 3؛ و1 تس 3: 5. وهو لا يتوقف عن أن يجرب البشر في حرب
أخلاقية، حاثًا إياهم على الشر. التعبير في اليونانية يشير إلى نشاطٍ مستمرٍ، يحمل
سمات الشيطان في العمل الدائم في هذا المجال.

 

14.
المشتكي (رؤ 10: 12)

يشتكي
على المؤمنين أمام إلهنا نهارًا وليلاً. لقد اشتكى أيوب ودخل معه في معركة روحية،
لكنه انهزم أمام برّ أيوب (أيوب 1: 9-11 ؛ 2: 4-5). واشتكى يهوشع وشعب الله، لكن
ملاك الرب دافع عنهم (زك 3: 1-2).

 

15.
المخادع (رؤ 9: 12 ؛ 3: 20)

يكمن
سرّ نجاحه المؤقت في خداعه في الآتي:

ا.
جهل بعض المؤمنين حيله (أف 11: 6).

ب.
رتبته الأولي ككاروب، له قدراته التي يسيء استخدامها.

ج.
له خبرة طويلة ومعرفة عبر الأجيال.

د.
قدرته أن يتشكل حتى يظهر كملاك نور.

ه.
استخدامه كل وسيلةٍ ممكنةٍ، وكل شخصٍ ينضم إلى حزبه، فهو الروح الذي يعمل في أبناء
المعصية (أف 2: 2).

 

16.
القتّال

قال
السيد المسيح لليهود المقاومين له: “أنتم من أب هو إبليس، وشهوات أبيكم
تريدون أن تعملوا. ذاك كان قتالاً للناس من البدء، ولم يثبت في الحق، لأنه ليس فيه
حق، متى تكلم بالكذب، فإنما يتكلم مما له، لأنه كذاب وأبو الكذاب” (يو 44: 8).

 

إنه
قتّال منذ البدء، فقد خدع حواء بالحية وآدم بواسطة حواء، ودمَّر حياتهما وقتلهما
روحيًا وجسديًا، إذ دخل الموت إلى العالم. وبث في قايين روح القتل فقتل أخاه هابيل.
هذا هو فكر اليهود أنفسهم، إذ جاء في
Zohar
Qadosh
وهو كتاب فقهي يهودي عن
الأشرار أنهم يدعون: “أبناء الحية القديمة التي ذبحت آدم ونسله”.

 

+
مات آدم وحواء في الحال في اليوم الذي فيه أكلا من الشجرة الممنوعة. ليس أحد سوى
إبليس القتَّال هو الذي قتلهما عندما خدع حواء خلال الحية، وأعطت حواء زوجها من
الشجرة فأكل (تك 3: 1–6).

 

+
دُعي بحق قتَّالاً، ليس لأنه قتل أفرادًا معينين، وإنما لأنه قتل كل الجنس البشري،
إذ “في آدم مات الجميع” (1 كو 15: 22).

 

+
من جانب قتلنا القتَّال، ولكن بنعمة الله نحن دُفنا مع المسيح وقمنا معه، إن صرنا
بالحقيقة نشاكل قيامته، ونسلك في جدة الحياة. (رو 6: 4).

 

+
الآن يحكم القتَّال الذين يهلكون، يدير الموتى، لكنه لا يقدر أن يحكم أحدًا من
الأحياء.

 

+
إنه ليس بالأمر المنافي للعقل تأكيد أن شهوات إبليس هي القتل وممارسة الظلم والطمع،
إذ يوَّلد شهوات مشابهة في أبنائه. أيضًا ليس بالأمر السخيف القول بصفة عامة أن
شهوات الشيطان هي الأعمال الدنسة المقاومة في طبيعتها للطهارة، وليس من الصعب
الاعتقاد بأن شهوات إبليس هذه تثير شهوات أبناء إبليس نحو الأمور النجسة. العلامة
أوريجينوس

 

+
لماذا أنتم أبناؤه؟ من أجل شهواتكم وليس لأنكم وُلدتم منه. ما هي شهواته؟
“إنه قتال من البدء”. هذا ما يوضح: “شهوات أبيكم تفعلون”.
“أنتم تطلبون أن تقتلوني، الإنسان الذي يخبركم بالحق”. للشيطان إرادة
شريرة نحو الإنسان، ويقتل الإنسان. فإن الشيطان في إرادته الشريرة نحو الإنسان أخذ
شكل الحية، وتحدث مع المرأة، ومن المرأة بث سمه في الرجل. لقد ماتا باستماعهما
للشيطان (تك 3: 1)، هذان اللذان لو لم ينصتا له لسمعا للرب. لأنه كان يلزم للإنسان
أن يطيع الخالق لا المخادع… لقد دُعي الشيطان بالقتال، ليس كمن يتسلح بسيف
ويلتحف بفولاذٍ. جاء إلى الإنسان وبذر فيه اقتراحاته الشريرة وذبحه. لا تظن إذن
أنك لست بقاتلٍ عندما تغوي أخاك على الشر. إن كنت تغوي أخاك على الشر فإنك تذبحه.
ولكي تعرف هذا أنك تذبحه أنصت إلى المزمور: “أبناء البشر أسنانهم حراب وسهام،
ولسانهم سيف حاد” (مز 47: 4). نعم أنتم تعملون شهوات أبيكم، ولهذا تندفعون
بجنونٍ نحو الجسد، إذ لا تقدرون أن تسيروا حسب الروح.”إنه قتال منذ
البدء”، على الأقل في بداية البشرية. منذ ذلك الوقت صارت إمكانية قتل الناس
قائمة، فقط في الوقت الذي خُلق فيه الإنسان صار ممكنًا قتل البشر. فإنه ما كان
يمكن قتل الإنسان لأنه لم يكن بعد قد خُلق… ومن أين صار قاتلاً؟ لأنه لم يثبت في
الحق. إذن كان في الحق وسقط بعدم ثبوته فيه. ولماذا لم يثبت في الحق؟ لأن الحق ليس
فيه مثل المسيح. فإن المسيح فيه الحق بطريقة ما، بحيث هو نفسه الحق. لو أنه ثبت في
الحق لثبت في المسيح، لكنه لم يثبت في الحق، لأنه لا يوجد الحق فيه.القديس
أغسطينوس

 

17.
الكذاب؛ وأبو الكذابين (يو 44: 8)

+
الشيطان كذاب ولن ينطق بالحق.القديس يوحنا الذهبي الفم

 

+
يقول بولس: “الذي مجيئه بعمل الشيطان، بل بقوة وبآيات وعجائب كاذبة” (2
تس 2: 9)، مظهرًا أن الشيطان يستخدمه كأداة عاملاً في شخصه وخلاله. فإذ يعلم أن
ديونته لن تتأخر بعد كثيرًا، يصنع حربًا ليس خلال وكلائه كعادته بل يصنعها علنًا
من ذلك الحين فصاعدًا، مستخدمًا “آيات وعجائب كاذبة”. لأن أب الكذب يعمل
أعمال الكذب، حتى يظن الناس أنهم يرون الميت يقوم وهو لم يقم، والعرج يمشون،
والعمى يبصرون مع أنهم لم يشفوا حقيقة. القديس كيرلس الأورشليمي

 

+
الكذب مصدره الشيطان والحق مصدره الله. لنهرب من الكذب يا اخوتي، حتى نتحرر من
الأسر في أيدي العدو، ولنجاهد لكي نتمسك بالحق حتى نتحد مع ذاك الذي قال: “أنا
هو الحق” (يو 6: 14).

 

+
يجب على كل أحدٍ أن يعطى اهتمامًا عظيمًا لئلا يسلبه “الكذب”، لأن
الكذاب لا يتحد مع الله.

 

الكذاب
غريب عن الله. ويقول الكتاب المقدس بأن الكذاب هو من الشيطان إذ هو “كذاب
وأبو الكذاب” (يو 8: 33، 44).

 

هكذا
ُدعي الشيطان أبو الكذاب، أما الحق فهو الله، إذ يقول بنفسه: “أنا هو الطريق
والحق والحياة” (يو 6: 14).

 

أما
ترون إذن كيف أننا نصير غرباء عن الله بالكذب وبمن نتحد (عن طريقه)؟! لذلك إن
أردنا بحق أن نخلص، يلزمنا أن نحب الحق بكل قوتنا وكل غيرتنا، ونحرس أنفسنا من كل
كذبٍ، حتى لا يفصلنا عن الحق والحياة.القديس دوروثيؤس من غزة

 

+
يشير الكذب إلى خصم ذاك الذي قال: “أنا هو الحق” (يو 14: 6). هذا هو ضد
المسيح، الذي أبوه هو كذاب بكونه إبليس.

 

+
إن كان أحد ليس بعد كذابًا، ويثبت في الحق، مثل هذا ليس بإنسان بل يقول له الله
ولمن هم مثله: “أنا قلت إنكم آلهة، وبنو العلي كلكم” (مز 81: 6)، ولا
تُضاف العبارة: “بالحقيقة تموتون كبشرٍ” (مز 81: 7).

 

إن
لم يثبت أحد في الحق، فمن الواضح أن إبليس القتال من البدء لا يثبت في الحق… وقد
جاء السبب مُعبرًا عنه بعد ذلك: “لأنه ليس فيه حق”. أما السبب أن الحق
ليس فيه فهو أنه خُدع ويقبل الكذب، وأنه خدع نفسه بنفسه. على هذا الأساس حُسب أشر
من كل بقية المخدوعين، إذ خُدعوا بواسطته، أما هو فخلق الخداع لنفسه.

 

+
قد يقول قائل إن عبارة: “ليس فيه حق” تعني أنه ليست له شركة مع المسيح،
هذا الذي يثير حروبًا ضده.

 

يقول
آخر بأنه من أجل أنه لا يوجد فيه حق قط، بل هو مخدوع في كل شيء. والسبب أنه هو
إبليس وهو شرير، وأشر من كل أحدٍ آخر يخطئ.

 

إذ
يوجد بين جماهير الخطاة شيء من الحق وسط أمور كثيرة خاطئة، لكن لا يوجد حق قط في
إبليس.

 

ويتفق
فريق ثالث مع البقية ويقولون إنه من الاستحالة أن يوجد كائن عاقل متمسك برأي خاطئ
في كل شيء، ولا يقبل الحق في أي أمر حتى ولو في أمر صغير، فعندما يفكر إبليس في
نفسه فعلى الأقل يتمسك برأي صادق أنه كائن عاقل…

 

+
يلزمنا أن نفهم العبارة: “لا يثبت في الحق” أنها لا تشير إلى نوع معين
من الطبيعة، كما لا تعني أنه كان من المستحيل عليه أن يثبت في الحق.العلامة
أوريجينوس

 

+
أعلن الرب أن الشيطان كذَّاب من البدء، وليس فيه الحق (يو 8: 44)، وبكونه كذَّابًا
وليس فيه الحق فإنه لا ينطق بالحق بل بالكذب، عندما قال: “إليّ قد دُفع وأنا
أعطيه لمن يريد” (لو 4: 6).

 

+
لقد كذب الشيطان في البداية وبقي في كذبه حتى النهاية، فإنه ليس هو الذي يقيم
ممالك هذا العالم بل الله إذ “قلْب الملك في يد الله” (أم 21: 1). كما
يقول الكلمة خلال سليمان: “بي تملك الملوك وتقضي العظماء عدلاً، بي تترأس
الرؤساء والشرفاء وكل قضاة (ملوك) الأرض” (أم 8: 15). القدِّيس إيريناؤس

 

+
كل من هو من اللّه يعد أخًا لنا، أما الذي يرفض الاشتراك في أعمال الصلاح بكامل
إرادته إنما هو يبث الشر. إذ يصير “أبو الكذَّاب” (يو 44: 8)، فقد أعدَّ
نفسه لمحاربة كل من اختار أن يعيش في الصلاح. القديس غريغوريوس النيسي

 

18.
الخصم

يختتم
الرسول بطرس رسالته الأولى بالحديث عن الشيطان عدو الخير بكونه العدو اللدود الذي
يريد إهلاكنا. وبهذا لا يكره الإنسان أخاه الذي يضايقه لأنه ليس هو الخصم بل
الشيطان. “اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه
هو، فقاموه راسخين في الإيمان، عالمين أن نفس هذه الآلام تجري على إخوتكم الذين في
العالم” (1 بط 8: 5-9). هو خصمنا بسبب عداوته لله ونحن صورة الله.

 

يقول
القديس كيرلس الأورشليمي: [هل يوجد شيء أكثر رعبًا من الشيطان؟ ومع ذلك لا نجد
درعًا ضده سوى الإيمان، إذ هو ترس غير منظور ضد عدو غير منظور، يصوب أسهمًا مختلفة
في وسط الليل نحو الذين بلا حذر. لكن إذ هو عدو غير منظور فلنا الإيمان عدة قوية
كقول الرسول: “حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع
سهام الشرير الملتهبة” (أف 16: 6). فإذ يُلقي الشيطان شرارة ملتهبة من الشهوة
المنحطة، يُظهِر الإيمان صورة الدينونة فيطفيء الذهن الشرارة.] ويقول القديس يوحنا
الذهبي الفم البطريرك المتألم: [حتى متى يضاد أحدنا الآخر؟ إلى متى يحارب بعضنا
البعض، فنفرح بذلك إبليس عدونا؟ ]

 

19.
بليعال

يقول
الرسول بولس: “أي اتفاق للمسيح مع بليعال؟ وأي نصيب للمؤمن مع غير
المؤمن؟” (2 كو 15: 6).

 

كلمة
“بليعال” مشتقة من كلمتين “بلي
Beli
وتعني “بدون”، و”عال
Ya’al” وتعني “مفيد” أو “نافع”. وكأن بليعال
يعني أنه لا يصلح في شيء، أو لا نفع منه.

وقد
ذكرها الرسول بولس (2 كو 6: 15) في مقابل السيد المسيح صانع الخيرات، وكأنه يقصد
إبليس أو الشيطان الذي ليس فيه خير البتة، أو ضد المسيح.

كثيرًا
ما اقترنت هذه الكلمات بكلمة ابن أو ابنة أو رجل أو نبي، وتعني أنه شخص لئيم أو
شرير. فقيل “ابنة بليعال” (1 صم 1: 16)، و”رجل بليعال” (2 صم
16: 7)، و”بنو بليعال” (تث 13: 13؛ قض 19: 22؛ 20: 13؛ 1 صم 2: 12؛ 10: 27؛
1 مل 21: 10، 13؛ 2 أي 13: 7).

 

وردت
كلمة بليعال في الكتابات اليهودية الرؤيوية بمعنى الشيطان أو ضد المسيح.

وردت
أيضًا في ناحوم بمعنى الشيطان: “لا يعود يعبر فيكِ أيضًا المهلك (بليعال)؛ قد
أنقرض كله” (نا 1: 15).

 

+
“أية شركة للنور مع الظلمة؟ وأي اتفاق للمسيح مع بليعال؟” (2 كو 6: 14-15).
كما يتميز النهار عن الله، هكذا البرّ عن الشر، والخطية عن الأعمال الصالحة،
والمسيح عن ضد المسيح إذ لا يمكن لهما أن يختلطا. إن أعطينا للمسيح مسكنًا مستقرًا
في قلوبنا نطرد الشيطان منها. إن أخطأنا، ودخل الشيطان خلال باب الخطية ينسحب
المسيح فورًا. القديس جيروم

 

+
آدم هو أول من سقط، إذ تجاهل وصايا الله؛ بليعال كان مجرَّبه بشهوة الأكل من شجرة.

 

+
عندما ترى الحرب، اقترب مناضلاً. هذا هو مجد الملك أن يرى الجند مستعدين. هوذا
الملك حاضر ويود أن تحارب بالرجاء فيه. لقد جعل الجوائز مُعدة. وها هو يتطلع بسرور
إلى النصرة، ويعدك بأن تكون تابعًا له. ألا تريد أن تُخلص نفسك من بليعال، كن
مثابرًا.

كوموديانوس

 

جاء
في كتب الأبوكريفا الغنوسية”أعمال أندراوس ومتياس”: [أجاب أندراوس
الشيطان، وقال له: يا بليعال الكلي الشر، يا عدو كل خليقة، فإن ربي يسوع المسيح
سيحدرك إلى أسفل الهاوية.]

 

+
لا يمكن أن يوجد نوعان من الحب متناقضان في إنسانٍ واحدٍ. فكما لا يوجد اتفاق بين
المسيح وبليعال، وبين العدالة والظلم، يستحيل لنفسٍ واحدةٍ أن تحب كلاً من الصلاح
والشر. يا من تحب الرب اكره الشرير إبليس. في كل عملٍ يوجد حب لواحدٍ وكراهية
للآخر… يا من تحب الأشياء الصالحة لتكره الأشياء الشريرة، إذ لا تقدر أن تحبها
ما لم تكره الشر. القديس جيروم

 

20.
المضل لكل العالم (رؤ 9: 12).

في
كل الأزمنة يحاول الشيطان الخلط بين الكذب والحقيقة، وبين الشر والخير.

+
لا يستغرب أحد للهرطقات الموجودة اليوم، إذ أنها كانت منذ البدء وذلك لأن الشيطان
يحاول بمهارة الخلط بين الكذب والحقيقية. وكما أن الله منذ البدء وعد الإنسان
بخيرات كثيرة، كذلك الشيطان يُغري دائمًا بوعوده المخادعة. الله زرع لهم جنة عدن،
وجاء الشيطان وقال لهم: “ستكونون مثل آلهة” وفي الواقع لم يقدر أن
يعطيهم شيئًا، كل ما في الأمر أنه بهرهم بوعوده فقط. وهذا ما يفعله المخادعون.
القديس يوحنا الذهبي الفم

 

+
الآن الشيطان، الذي هو عدو الحقيقة ويحارب خلاص الإنسان، يقترح أن صور أناسٍ
فاسدين، أو طيور، أو وحوش أو زواحف يجب أن تعبد مثل الله (رو 1: 23)، مضللاً ليس
فقط الأمم بل أبناء إسرائيل. وفي هذه الأيام، يتمنّى أن يعكر سلام كنيسة المسيح من
خلال الشفاه الكاذبة واللسان عديم البرّ، الذي يستخدم كلام الله لهدف شرّير،
محاولاً أن يخفي نيّته المظلمة المخزيّة، غاويًا قلوب الضعفاء بعيدًا عن الاستعمال
الصحيح. قام البعض يقولون إنه من الخطأ أن نصنع صورًا لآلام المسيح المخلّصة،
وكفاح القدّيسين ضد الشيطان، الذي عند النظر إليهم، ممكن أن نتعجّب ونمجّد الله.
أيوجد إنسان له معرفة بالله وإحساس روحي ولا يري خداع الشيطان في هذا؟ لأنّه لا
يريد أن يُغلب، ويكشف خزيه للجميع، أو أن يعلن مجد الله وقدّيسيه للجميع. القدّيس
يوحنا الدمشقي

 

21.
العدو

في
مثل الحنطة والزوان يكشف السيد المسيح عن دور الشيطان، فيقول: “جاء عبيد رب
البيت، وقالوا له: يا سيّد أليس زرعًا جيّدًا زَرعت في حقلك، فمن أين له زوان؟
فقال لهم: إنسان عدوّ فعل هذا” (مت 13: 27-28).

 

يرى
القدّيس يوحنا الذهبي الفم في هذا المثل صورة حيّة لواقع الكنيسة فإنه بقدر ما
تُبذر بذار الحق، يبذل عدوّ الخير كل الجهد أن يلقي بالزوان في وسطها. إنه يقول: [بعد
الأنبياء يأتي أنبياء كذبة، وبعد الرسل يأتي رسل كذبة، وبعد المسيح يأتي ضدّ
المسيح.]

 

+
إذ يعرف الكاهن أن العدو يصير بهذا ثائرًا ضدكم، يُصرّ بأسنانه، ويصبح كأسدٍ ثائرٍ،
إذ يرى الذين كانوا قبلاً خاضعين لسطوته صاروا فجأة ثائرين عليه، ليس فقط يجحدونه،
وإنما ينطلقون إلى جانب المسيح. عندئذ يدهنكم الكاهن على رؤوسكم ويضع عليكم
العلامة (الصليب)، حتى يحوّل العدو عينيه عنكم، فلا يجسر أن يتطلع إلى وجوهكم إذ
يراها تضيء مُشعَّة، فيثب هاربًا منها ويصيب العمى عينيه. لهذا فإنه منذ ذلك اليوم
تقوم حرب وصراع ضده. القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

 

22.
الأسد

“اصحوا
واسهروا، لأن إبليس خصمكم كأسدٍ زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو” (1 بط 5: 8).

 

+
الرذيلة تحاكي الفضيلة، وذلك كما يجتهد الزوان أن يبدو قمحًا، فينمو مثله في مظهره،
لكن يكتشفه عارفوه ويميزونه من طعمه.

 

هكذا
أيضًا يُغير الشيطان نفسه في شكل ملاك نور (2 كو 11: 14)، لا لكي يصعد مرة أخرى
إلى حيث كان، إذ قلبه صلب كالسنديان، فصارت إرادته عاجزة عن أن تتوب. إنما يفعل
هذا بقصد إغراق السالكين في حياة ملائكية في ظلمات العمى والكفر المهلك.

 

ذئاب
كثيرة تجول في ثياب حملان (مت 7: 15)، نعم ثيابها ثياب حملان وليس أظافرها أو
أسنانها. وإذ هم يسيرون في الجلد الناعم يخدعون الأبرياء بمظهرهم، فيبثّون فيهم من
أنيابهم سم الدنس المهلك.

 

إذن
نحن نفتقر إلى نعمة إلهية وذهن علوي وبصيرة نفاذة حتى لا نأكل الزوان علي أنه حنطة،
فيصيبنا ضرر من الجهل، ونسقط فريسة للذئاب التي نحسبها حملان، ويبيدنا الشيطان
المهلك الذي نظنه ملاكًا مباركًا إذ يقول الكتاب: “كأسد زائر يجول ملتمسًا من
يبتلعه هو” (1 بط 5: 8).

 

+
أما الآن وقد تحصنت بهذه المقالات فتعقل، “لأن إبليس خصمنا” كما قرئ
الآن “كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه”. ولو أن الموت كان في الأزمنة
الماضية قويًا ومبيدًا ففي غسل الميلاد المقدس “يمسح السيد الرب الدموع عن كل
الوجوه” (إش 35: 15).

القديس
كيرلس الأورشليمي

 

+
هذا هو العدو الذي يجب أن نهرب منه. فمن هو هذا الأسد الذي يتتبعنا؟ ينبهنا
القدِّيس بطرس ويقول لنا: “إبليس خصمكم كأسدٍ زائرٍ يجول ملتمسًا من يبتلعه
هو، فقاوموه راسخين في الإيمان” (1بط 5: 8-9).

 

إذًا
يوجد أسد قد صعد من غابته: فأين هي هذه الغابة؟ إنه سقط إلى أسفل. لقد نزل إلى
أسافل الأرض، إلى أعماقها.

 

أنت
إنسان، أنت أعلى من الشيطان، لأنك على أي حال من الأحوال أفضل منه. أما هو فبسبب
فساده قد هبط إلى أسفل.

 

فإذا
ما خرج هذا الأسد من غابته أي من مكان عقابه (الجحيم)، فسيقال: “قد صعد الأسد
من غابته وزحف مهلك الأمم. خرج من مكانه ليجعل أرضك خرابًا” (إر 4: 7). إنه
يريد أن يدخل إلى أرضك، ويريد أن يفترس كل واحدٍ منا.

 

“تخرب
مدنك فلا ساكن. من أجل ذلك تنطَّقوا بمسوح”. إذًا، بما أن الأسد قد صعد إليك
ليهددك وليبيد أرضك، اَلبس المسوح، واِبكِ وتنهد وتضرع إلى الله بالصلوات أن يُفني
هذا الأسد ويُهلكه حتى تتخلص منه، ولا تسقط بين أنيابه. لأنه يحاول أن يصطادك عن
طريق أذنيك، حين يلقي إليك بكلمات كاذبة محببة إلى نفسك، ليجعلك تحيد عن طريق الحق.
وهو يريد أيضًا أن يفترس قدميك، وينزعهما من فوق أرض الحق. ليكن! تمنطق بمسوحٍ،
واقرع صدرك، اِبكِ، واصرخ صرخات الحرب حينما ترى العدو يهددك، حتى يرتد حمو غضب
الرب عنك، لأنك تكون قد دخلت إلى المدينة الحصينة. فلنشكر الله الذي ينقذنا في
المسيح يسوع الذي له المجد والقدرة إلى أبد الآبدين آمين.العلامة أوريجينوس

 

23.
الروح النجس

تُدعى
الشياطين بالأرواح النجسة، فهي أرواح مثل الملائكة، ليس لها أجساد مادية مثل البشر،
ولتمييزها عن السمائيين تُدعى “نجسة”، إذ لا تطيق القداسة، ولا تقبل
الله القدوس، يدعوها الرسول بولس: “أجناد شر روحية” (أف 6: 12). تشتهي
أن تغزو الناس والحيوانات وتقطن فيهم لتشبع هوايتها، ألاَّ وهي أن تملك وتسيطر (مت
8: 28-32). لها القدرة أن تغزو أفكار الناس وقلوبهم إن تجاوبوا معها وقبلوها. في
الأيام الأخيرة تُسيطر على رؤساء العالم لتجمعهم للحرب في موقعة هرمجدون (رؤ 16: 14-16).

 

لعبت
هذه الأرواح دورًا خطيرًا في نشر العبادة الوثنية، وتضليل البشر كي لا يعبدوا الله
الحقيقي، وكانت الذبائح التي تُقدم للأوثان تُحسب “مائدة للشياطين”.

 

اهتم
السيد المسيح بإخراج الشياطين ممن سكنت فيهم وعذَّبتهم، وأعطى تلاميذه سلطانًا
لإخراج الشياطين والأرواح النجسة (مت 10: 1).

 

كان
ممكنا لمجموعة من الأرواح النجسة أن تسكن إنسانًا واحدًا، كما حدث مع مجنون كورة
الجدريين، الذي كان به لجيئون، أو فرقة من الأرواح الشريرة أو الشياطين (مز 5: 1-17)،
كما أخرج السيد المسيح من مريم المجدلية سبعة شياطين (لو 8: 2).

 

+
حينما يتكلم الكتاب عن روح الإنسان يضيف كلمة “الإنسان” إلى
“روح”. وإذ قصد الرياح يقول “روح عاصف”. وإذا قصد الخطية يقول
“روح الزنى”. وإذا قصد الشيطان يقول “الروح النجس”…

 

على
أي الأحوال كل شيء ليس له جسم يدعى على وجه العموم روحًا. فإذ لا تحمل الشياطين
ذلك الجسم يدعون أرواحًا. لكن يوجد اختلاف عظيم، لأنه حين يدخل روح نجس إنسانًا
(ليحفظ الله السامعين وغير الحاضرين أيضًا من هذا)، فإنه يأتي كذئب يهجم على خروف
متعطشًا إلى الدماء ومتأهبًا للإهلاك. مجيئه قاس للغاية، أحاسيسه عنيفة جدًا، يظلم
الذهن، هجومهم مملوء ظلمًا، يغتصب مملكات الغير، ويستغل بالقوة جسم شخص آخر
وإمكانياته كما لو كانت له، فيسقط القائمين (إذ هو منتسب للذين سقطوا من السماء لو
10: 18)، ويملأ الإنسان ظلامًا فتكون عينا الإنسان مفتوحتين ولكنه لا يرى. يدفع
بهذا الإنسان إلى حافة الموت. حقًا إن الشياطين أعداء للناس، إذ يستخدمونهم بحماقة
بغير رحمةٍ. القديس كيرلس الأورشليمي

 

24.
الجبل

+
قال المخلص: “إن كان لكم إيمان مثل حبة الخردل، تقولون لهذا الجبل: انتقل
فينتقل” (مت 17: 20). هكذا الشيطان هو “جبل” يُخرب بشروره، ويدمر
كل أحدٍ فيجعل فكره في الأرضيات. العلامة أوريجانس

 

25.
راعٍ به غيم

+
“وأنت أيها البرج، الراعي المغيم
cloudy shepherd
لابنة صهيون…” (راجع مي 4: 8). تشير هذه الكلمات إلى صدقيا الملك الشرير
الذي يدعوه النبي برجًا لأن شعب اليهودية يجلسون تحت ظله، كما يدعوه راعيًا، من
أجل إدارته للملكة، و”مغيَّمًا” بسبب خطأ الوثنية الذي التصق به.

 

مرة
أخرى فإنه بالمفهوم التصويري يدعو الشيطان راعيًا مغيمًا، لأنه من الجانب الرمزي
يهاجم ابنه صهيون على الدوام تحت سماء مملوءة غيمًا. وإذ يمسك بها بسحبها بعيدًا
عن النور، حقًا إن من يعمل بمكرٍ يبغض النور. لكن أخيرًا رئيس أورشليم الرمزية
الشرعية حطم هذا الطاغية بمجيئه وطرد الراعي المظلم.القديس مار أفرآم السرياني

 

26.
المرتد

+
لتتأكد أنك سوف لا تهرب من المعركة مع المرتد، وأنك لا تنال النصرة عليه بدون
الجهاد العظيم في حفظ التعاليم الإنجيلية. كيف تتوقف في وسط معمعة المعركة، وتنتصر
في النضال ضد العدو؟ إنه يجول في كل الأرض تحت السماء وكل المناطق ككلبٍ مسعورٍ
يطلب أن يفترس (1 بط 8: 5). هذا ما نتعلمه من تاريخ أيوب. إذن إن رفضت المعركة مع
خصمك، فلتلجأ إلى عالم لا يوجد فيه خصم، عندئذ تجنُّبك الصراع معه يكون أمرًا
ممكنًا بالنسبة لك، فتستكين من المخاطر لتمارس التعاليم الإنجيلية. لكن إن كان هذا
غير ممكنٍ لك، فلتسرع وتتعلم كيف تحارب ضده، مستمدًا تعليماتك من الكتاب المقدس في
فن الصراع، فلا تنهزم خلال جهلك ولا تُسلَّم للنار الأبدية.القدِّيس باسيليوس
الكبير

 

+
لقد فضحه الرب كاشفًا حقيقة شخصيَّته، إذ قال له: “اذهب يا شيطان”..
مُظهرًا ذلك من ذات اسمه، فإن كلمة “شيطان” في العبريَّة تعني
“مرتد “. لقدِّيس إيريناؤس

 

27.
الثعبان الطيّار

يعلق
البابا غريغوريوس (الكبير) على تسمية إشعياء النبي الثعبان: “طيارًا”
(إش 14: 29)، قائلاً: [لويثان هذا يُدعى في موضع آخر ليس حية مجردة، بل حية طيارة،
لأنها تسيطر على أرواح شريرة أو على شعبٍ شريرٍ… فإن البازيليق
basilisk لا يُهلك بعضاته (مثل الحيات) وإنما بتنفسه. فهو يلوث الهواء
بتنفسه ويجعل ما يلمسه ذابلاً بالنسمة الخارجة من أنفه، حتى وإن كان بعيدُا عنه.]

 

28.
شعلة منتشلة من النار

“وأراني
يهوشع الكاهن العظيم قدام ملاك الرب والشيطان قائم عن يمينه ليقاومه. فقال الرب
للشيطان: لينتهرك الرب يا شيطان، لينتهرك الرب الذي اختار أورشليم، أفليس هذا شعلة
منتشلة من النار؟!” (زك 3: 1، 2)

 

لقد
حارب السيد المسيح الشيطان الذي هو “شعلة منتشلة من النار”، الشعلة
المُهلكة التي اختارها البشر لأنفسهم، فألهبتهم بنار الشهوات المميتة. وكما يقول
القديس إكليمنضس السكندري: [لماذا يهرب الناس إلى هذه الشعلة المميتة فيموتون بها
بينما في إمكانهم أن يعيشوا مكرمين في الله؟! ]

 

ويرى
القديس ديديموس الضرير أن الشيطان شعلة منتشلة من النار، كان يمكن لله أن يتركها
تحترق دون أن ينتشلها،لكنه لم يسمح بعقابه كل العقاب حاليا، إنما انتشله ليستخدمه
في أغراضه الإلهية دون أن يثمر الشيطان كالغصن الذي أصابنه النار، فلا تعود إليه
الحياة. يستخدمه الرب أداة ليتمجد فيه بنصرة أولاده عليه.

 

 الشيطان
إسلاميا

 

تعريف
لفظة الشيطان أسلاميا:

أولاً:
تعريفها لغة:

اختلف
أهل اللغة في الأصل الذي يرجع إليه اشتقاق هذه الكلمة على قولين:

الأول:
أنها ترجع في اشتقاقها إلى الجذر (شَطَنَ).

الثاني:
أنها ترجع إلى الجذر (شَيَطَ).

 

وسنعرض
إلى معاني هذين الجذرين عند أهل اللغة، وذلك فيما يلي:

1-
الجذر الأول: (شَطَنَ): الشَطَن الحبل الطويل الشديد الفتل يستقى به، وشطَنت الدار
إذا بعدت، وغزوة شطون أي بعيدة، والشَطْن مصدر شَطَنه يشطُنه إذا خالفه عن نيته
ووجهه، وبئر شَطون إذا استقي ماؤها بحبلين لعوج فيها، وحرب شَطون عسرة شديدة، ورمح
شَطون طويل أعوج، وأشطن أبعد، والشيطان كل عاتٍ متمرد من الإنس والجن والدواب،
والعرب تسمي الحية شيطاناً وقيل الحية ذو العرف القبيح، ورُؤُوس الشياطين من النبت
هو الشَّفلَّح ينبت على سوق، وتشيطن الرجل فهو شيطان وشاطن.

 

2-
الجذر الثاني: (شَيَطَ): شاط الشيء شيْطاً وشياطة وشيطوطة، احترق، وشاطت القدر
شيطاً احترقت، وقيل احترقت ولصق بها الشيء، وتَشَيَّط الدم إذا علا بصاحبه، وشاط
دمه وبدمه وأشاط دمه وبدمه عرَّضه للهلكة، واشتاط غضبا التهب في غضبه، وشاط الرجل
هلك، والإشاطة الإهلاك وفي حديث زيد بن حارثة أنه قاتل براية محمد حتى شاط في رماح
القوم، أي هلك، وشاطت الجزور إذا لم يبق فيها نصيب إلا قُسِم، واستشاط الرجل من
الأمر إذا خفّ له واحتدّ وتحرّق، والشيطان فعلان من شاط يشيط إذا هلك واحترق.

 

ومن
هذا العرض نخلص إلى أن (شطن) جذر مضطرد يدل في أصل معناه على البعد، و(شيط) أصل
مضطرد يدل في أصل معناه على الهلاك والبطلان.

 

والحق
أن الخلاف في اشتقاق لفظة الشيطان من أحد الجذرين، إنما هو خلاف قديم وكبير بين
أرباب اللغة، كانت نشأته مع نشأة مدرستي البصرة والكوفة في اللغة، فلقد ذهب
البصريون إلى ترجيح اشتقاقها من(شطن)، في حين خالفهم الكوفيون مرجحين اشتقاقها من
(شيط)، ولقد كان أكثر أهل اللغة، والمفسرون ممن جاء بعد نشأة المدرستين، على رأي
أهل البصرة، فلم يؤيد الرأي الثاني إلا القليل من المفسرين وأهل اللغة.

 

ومهما
يكن مرجع هذه اللفظة، سواء أكانت من (شطن)، بمعنى بَعُدَ عن الحق والخير، أو من
(شيط) بمعنى احترق وبطل، فإن كلا المعنيين لصيق بمفهوم هذه اللفظة في اللغة والشرع
فهو البعيد دائماً وأبداً عن الحق والخير، وهو الهالك الباطل.

 

بين
العربية وغيرها من اللغات:

المعلوم
لدينا أن لفظة الشيطان تأخذ أشكالاً لغوية متقاربة في لسان اللغات المنحدرة من
أصول لاتينية، وإغريقية، فالإنجليز يطلقون عليه لفظ (
satan
وهي في لفظها شديدة القرب من كلمة الشيطان، وكذا الفرنسيون، فهذا يدل على أخذ
العرب هذه اللفظة عن ما سبقهم من اللغات اللاتينية والإغريقية والعبرية القديمة
والأرامية.

 

إن
كان الأمر كذاك فقد بطل كل ما قاله علماء اللغة من أن أصل اشتقاقها من كلمات عربية
المنشأ، ولكن الأمر يتعلق بأصول اللغات كلها بما فيها العربية – وهذا بحث يطول فيه
السجال في غير هذا الموضع –

 

وقد
كان العرب يسمون الثعبان الكبير بالشيطان، وفي بعض التفسيرات أن هذا المعنى هو
المقصود من (طلعها كأنه رؤوس الشياطين)، وذكر الشراح اليهود المتأخرون أن الشيطان
تمثل لآدم في صورة الحية حين أمره بالأكل من الثمرة المحرمة، والعلاقة بين الشيطان
والحية لا تقف عند ذلك الحد، وأُخذ من سفر أيوب أن ما يذكره المؤرخون أن الشيطان
كان معروفاً بين العرب من ذلك العهد الذي كان فيه خروج بني إسرائيل من مصر… ويرى
بعض الغربيين أن الكلمة أصلها يوناني من كلمة
diablos))
والتي تفيد معنى الاعتراض والدخول بين الشيئين كما تفيد معنى الوقيعة، وأصلها في
اليونانية من
dia بمعنى أثناء، و baline بمعنى يقذف أو يلقي، ومعنى الكلمتين معاً قريب من معنى الاعتراض
والدخول بين الشيئين، وهو قريب من ثم إلى معنى الوقيعة، وعندنا أن هذا التركيب
أضعف من قول القائلين إن كلمة (
devil) أي الشيطان في اللغة الساكسونية مأخوذة من فعل الشرّ do evil أي doبمعنى يفعل،
و
evil بمعنى الشرّ، وقد أجمع اللغويون والدينيون على نبذ هذه التراكيب
مع أنه أقرب إلى صفة الشيطان من الصفة التي توحي بها الكلمتان اليونانيتان بعد
التمحل والتكلف…

 

تعريف
لفظة الشيطان في الفقه الإسلامي:

الشيطان:
هو كل عاتٍ متمرد من الجن والإنس والدواب – فهذه هي الغرابة في الإسلام – حتى
الدواب تصبح شياطين؟! -.

وهذا
تعريف خاطىء لا ينطبق على مفهوم الشيطان، فانظروا التضارب بين الحديث الوالنص
القرآني عن مفهوم الشيطان حيث لم ترد هذه اللفظة (شيطان) أبداً في كتاب محمد بمعنى
الدّواب، وعليه يكون التعريف الإسلامي خاطىء.

 

تعريف
نظائر لفظة الشيطان إسلاميا:

أولاً:
لفظة إبليس:

1-
لغة: أبلس الرجل قُطِع به، وأبلس سكت، وأبلس من رحمة الله يئس وندم ومنه سُمِّي
إبليس لأنه أبلس من رحمة الله وقيل: إبليس لا ينصرف لأنه أعجمي معرفة، والمبلس
الساكت من الحزن أو الخوف،والإبلاس الحَيْرة.|

 

2-
في مفهوم الشرع: لا يُوجد تعريف اصطلاحي لإبليس في الشرع (كالعادة)، إذ هو مخلوق
معروف لدى الأديان الأخرى، وهو رمزُ الشرّ عند كل شعب من الشعوب ودين من الأديان
وطائفة من الطوائف، أما إذا أردنا أن نعرّف إبليس في هذا البحث، فسيكون تعريفه
تعريفاً وصفياً على ضوء المفهوم الشرعي، وعليه نعرّف إبليس بأنه:

 

الجانّ
الذي أبى السجود لآدم حين خلقه الله، فاستحق لعنته، وطُرِد من جنته، ووجبت له
النار بعد إنظار الله له إلى يوم القيامة، وأُوتِي من وسائل الإغواء ما لم يُؤتَ
أحد من العالمين.

 

ثانياً:
تعريف لفظة الطاغوت:

1-
لغة: الجذر (طغَوَ)، وكذلك (طغى) مثله، فنقول: طغوت وطغيت طغياناً وطغواناً،
والمعنى: جاوز القدر وارتفع وغلا في الكفر، وأطغاه المال: جعله طاغياً، والطاغية: صيحة
العذاب، والبغي، والكفر، والطاغوت: الكهنة والشياطين، وأصل وزنه طَغَيوت وهي كلمة
أرامية، والطاغوت كل رأس في الضلال، والطاغوت يكون للأصنام، والطاغوت يكون من الجن
والإنس.

 

2-
في مفهوم الشرع: الطاغوت يحتل مرتبة هي أعلى من مجرد كونه متمرداً أو عاتياً كما
هو حال الشيطان، بل هو في مرتبة تصل إلى قمة الكفر والطغيان بحيث يجترئ على خصائص
ألوهية الله سبحانه حيث يدعو البشر لعبادته من دون الله، فقد قال مالك بن أنس: ”
الطاغوت كل ما يعبد من دون الله “، ولقد جاء في بيان معنى الكفر بالطاغوت في
قول محمد:

+
فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ
بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى:

 

ومن
خلال ما سبق يمكننا أن نخرج بالتعريف التالي للطاغوت في الشرع:

الطاغوت:
هو كل ذي طغيان على الله فعُبِد من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن
عبده، إنساً كان ذلك المعبود أو جانّاً.

 

وأخص
مظاهر هذه العبودية أن ينصب شيطان الجن أو الإنس نفسه حاكماً من دون الله يشرّع
للبشر قوانين الكفر والضلال، يقول محمد: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ
أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ
يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَموا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا
بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً.

 

لفظة
الشيطان ونظائرها في الفقرات القرآنية التي كتبها خلفاء محمد

أولاً:
لفظة الشيطان في الفقرات القرآنية المنسوبة لمحمد:

لقد
وردت لفظة الشيطان وتصريفاتها المختلفة (شيطاناً، شياطين، شياطينهم) (المعجم
المفهرس لألفاظ القرآن الكريم – محمد فؤاد بعد الباقي – ص 485) (ثماني وثمانين مرة)،
منها تسع وستون مرة معرفة ب(ال) أو بالوصف، ومرة واحدة بلفظة (شيطاناً) نكرة،
وثماني عشرة مرة بلفظة (شياطين) معرفة ب(ال) أو بالإضافة.

 

أما
على صعيد المكي والمدني من السور، فلقد وردت لفظة الشيطان واشتقاقتها ثلاثاً
وخمسين مرة في ثنايا السور المكية، وخمساً وثلاثين مرة في السور المدنية.

 

وقد
وردت هذه اللفظة وتصريفاتها في ثنايا ست وثلاثين سورة من سور القرآن احتلت السور
الواقعة في أول المصحف العثماني الذي كتبه عثمان وأحرق القرآين المختلفة معه القدر
الأكبر منها فأخذت البقرة، والنساء، والأعراف ثماني لفظات لكل سورة، ثم تلتها في
الترتيب الأنعام بست لفظات، ثم الإسراء، ومريم بخمس لفظات لكل سورة، ثم الحج،
والمجادلة بأربع لفظات لكل سورة، ثم آل عمران، ويوسف بثلاث لفظات لكل سورة، ثم
المائدة، والأنفال، والنحل، والنور، والصافات، وص والزخرف، والشعراء بلفظتين لكل
سورة، ثم إبراهيم، والحجر، والكهف، وطه، والفرقان، والنمل، والقصص، والعنكبوت،
ولقمان، وفاطر، ويس، وفصلت، ومحمد، والحشر، والتكوير، والأنبياء، والمؤمنون،
والملك بلفظة واحدة لكل سورة.

 

ثانياً:
لفظة الطاغوت في السياق القرآني:

وردت
لفظة (طاغوت) على صورة واحدة وهي: صيغة الإفراد في كتاب القرآن المنسوب لمحمد
(المرجع السابق – ص 541) ثماني مرات.

 

وقد
وردت هذه اللفظة في السور المكية مرتين فقط، أما الألفاظ الست الباقية فجاءت في
السور المدنية.

 

أما
السور التي وردت فيها هذه اللفظة فخمس، أخذت سورة النساء أكبر نصيب من هذه اللفظة
فوردت فيها ثلاث مرات، ثم تلتها سورة البقرة بلفظتين، ثم المائدة، والنحل، والزمر
بمرة واحدة.

 

ثالثاً:
لفظة إبليس في السياق القرآني:

وردت
لفظة (إبليس) في سياق فقرات كتاب عثمان المنسوب لمحمد هيئة واحدة، وكان ورودها أحد
عشر مرة باللفظ الصريح، ومرة واحدة بصفته (السفيه) كما أجمع على ذلك أهل التأويل
(جامع البيان – للطبري – ج 29 – ص 107 و تفسير القرآن العظيم – لابن كثير – ج 4 –
ص 429.).

 

وقد
أخذت السور المكية النصيب الأعظم من هذه اللفظة فوردت إحدى عشرة مرة فيها، وبقيت
لفظة واحدة لسورة مدنية واحدة.

 

أما
عدد السور التي وردت فيها هذه اللفظة فعشر سور وهي: سورة الحجر، وص حيث احتوت كل
منهما على لفظتين، ثم تلتها سورة البقرة، والأعراف، والإسراء، والكهف، وطه،
والشعراء، وسبأ، والجن بمرة واحد لكل سورة.

 

مما
سبق:

1-
وردت ألفاظ (شيطان، إبليس، طاغوت) بمجموعها مائة وثماني مرات.

2-
ورود هذه الألفاظ في السور المكية (66 مرة) أكثر منه في السور المدنية (42 مرة)
دليل على تأثره بالأساطير اليهودية والنصرانية والفارسية والزرادشتية.

 

3-
لم يُذكر إبليس في السور المدنية إلا مرة واحدة، وكان ذكره في القرآن المكي هو
الأغلب لمحاولة محمد استمالة عطف أهل الكتاب من يهود ومسيحيين قبل أن ينقلب عليهم
في يثرب.

 

4-
في حين كانت ألفاظ (شيطان، إبليس) ترد بشكل أكبر في السور المكية، لاحظنا أن لفظة
(طاغوت) وردت في السور المدنية ثلاثة أضعاف ورودها في السور المكية، فلماذا؟ لأن
في يثرب وبعد أن سرق محمد القبائل وقوافلها كما حدث في غزوة بدر فكان نتيجة عمله
كقاطع طريق ومستولي على ما ليس له أن قاومه أصحاب المال فبدأ بنعتهم بهذا الوصف
كثيرا لأنهم قاوموا أعماله المخرّبة.

 

5-
خلو سورة التوبة – على طولها وهي آخر سورة – من هذه الألفاظ إشارة على عدم صمود
أية مقاومة أمام غزو محمد ورفاقه بعد أن تقوو بمال غيرهم وسرقتهم وسبي أموالهم
ونشسائهم بغير وجه حق فلم يعد لمحمد داع إلى أن يستخدم هذه الألفاظ لخلو الساحة له
من منافسين يحقّرهم كالعادة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى