بدع وهرطقات

الفصل السادس



الفصل السادس

الفصل السادس

بدعة رقاد النفوس بعد الموت والخلود المشروط

 

في عام 1856 حدث انشقاق في صفوف
السبتيين فانفصلت جماعة لقبوا أنفسهم الأدفنتست المسيحيين يعتقدون برقاد نفوس
الأموات الأشرار والأبرار (في حالة عدم وعي أو شعور) ويعتقدون بالخلود المشروط
وهاتان العقيدتان نادى بهما شخص يدعى “جورج ستورز” (1796 – 1879) وقد
قوبل ادخالهما بمعارضة شديدة من رائد السبتيين “ملر” الذي كان يؤمن
بوجود العذاب الأبدي رؤيا “حيرام إدسون” فيما يختص بتربة القدس سنة 1844
وافقت على كل آراء “جورج ستورز” بخصوص رقاد نفوس الأموات كما وافقت على
فكرة ملاشاة الأشرار. واضطر ملر الذي وجد نفسه أمام شخصية أقوى من شخصيته أن يسلم
لما تقوله النبية كما سبق وسلم لها نفسه فيما يختص بحفظ السبت. إنهم بحسب ظنهم
يؤيدون اعتقاداتهم “بالمكتوب” كما حدث عندما جرب الشيطان الرب يسوع
أجابه بقوله “مكتوب أيضاً”. إن أقوال الكتاب المقدس لا تفهم على وجهها
الصحيح إلا في مكانها وطبقاً لقرينتها. لأن الروح القدس لن يكون متعارضاً مع
كلماته. كما قال الرسول عن الأقوال الموحى بها “التي نتكلم بها أيضاً لا
بأقوال (بكلمات) “
not in words” تعلمها حكمة إنسانية بل بما يعلمه الروح القدس قارنين
الروحيات بالروحيات” (1 كو 2: 13) لكن المبتدعين عادة يستعملون “كلمات
معزولة” يستخدمونها بعيداً عن قرينتها لتثبيت مبادىء لا تمت إليها بأية صلة.
وبذلك يضعون الأقوال التي علّم بها الروح القدس موضع التعارض مع الروح القدس الذي
علّم بها.

مقالات ذات صلة

 ومثال ذلك لتأييد هرطقاتهم أن
أقوال الكتاب المقدس لا تؤخذ بحرفيتها “لأن الحرف يقتل” (2 كو 3: 6). إن
هذا التفكير يجعل النصوص الكتابية تعني أي شيء يوافق هوى المفسر ومزاجه. وما يجدر
ملاحظته أن الرسول نفسه الذي يشهد عن “كلماته” بأنها من تعليم الروح
القدس، هو ذاته الذي يخبرنا أن الحرف يقتل وإذا لم نأخذ هذا النص منعزلاً فإن
القرينة تدلنا أن الحرف يقتل وإذا لم نأخذ هذا النص منعزلاً فإن القرينة تدلنا على
معناه الصحيح. نجد هذا النص مع القرينة السابقة (ع 5) هكذا “ليس أننا كفاة من
أنفسنا إن نفتكر شيئاً كأنه من أنفسنا بل كفايتنا من الله جعلنا كفاة لأن نكون
خدام عهد جديد لا الحرف بل الروح. لأن الحرف يقتل ولكن الروح يحيي”.

 إن الرسول كان يتكلم عن خدمة
الناموس التي هي خدمة موت منقوشة بأحرف في حجارة معطاة لبني اسرائيل على يدي موسى
وواضح أن ما يقصده الرسول هو أن الناموس (الحرف) يقتل. لأن خدمة الناموس هي خدمة
موت. وفي هذا يقول الرسول في مكان آخر “لما جاءت الوصية (الناموس) عاشت
الخطية فمت أنا” (رومية 7: 9). أما خدمة الإنجيل فهي “خدمة البر”
أي أنه يقدم البر لا أن يطالب به. وهكذا كان الإنجيل حياة للنفوس وليس موتاً.

 ورقاد النفس بدعة هرطوقية سببها
انكار أن الإنسان ذو كيان ثلاثي “روح ونفس وجسد” ويعتبرون أن الجسد هو
كل الإنسان لكن كثيرين ممن يسلمون بوجود النفس بعد الموت لا يسلمون بوعيها
ويتمسكون بما يسمونه “رقاد النفس” مع أن الكتاب المقدس لا يذكر على
الإطلاق ما يسمى “رقاد النفس” وكل ما يذكره الكتاب هو رقاد الجسد. ولأجل
ذلك سنرى ماذا يقول الكتاب:

الإنسان كائن ثلاثي: روح ونفس وجسد

 هذا ما تقوله كلمة الله في العهد
القديم والعهد الجديد. وتذكر الثلاثة معاً في عدد واحد (1تس 5: 23) ” وإله
السلام نفسه يقدسكم بالتمام ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم…”وواضح
أن طلبة الرسول لأجل المؤمنين هو لأجل تقديس كل واحد منهم بجملته (أو كلية) لله،
أن تقديس الإنسان كله معناه حفظ “الروح و النفس والجسد” بلا أمام الله.
وفي هذا الترتيب تأتي الروح أولاً ثم النفس وهي حلقة الاتصال بين الروح والجسد.ومن
هنا كما في فصول أخرى نفهم أن الروح الإنسانية هي الجزء الأسمى في الإنسان، وهي
التي جعلت الإنسان إنساناً مميزاً عن الخلائق الأدنى غير العاقلة لأنها نفخة
القدير ” لكن في الناس روحاً ونسمة القدير تعقلهم ” (أيوب32: 8) فالروح
الإنسانية هي التي جعلت الإنسان في علاقة مع الله. فمن ناحية جعل الله الإنسان
سيداً على الخليقة الأدنى كممثل لله ومن ناحية أخرى مسؤولاً أمام الله لأجل طاعته
وعبادته. فإنه بواسطة الروح يُعبد الله. كما قال بولس في (رو 9: 1).

 لكن الهراطقة مثل شهود يهوه
السبتيين بعضهم يعتبر أن جسد الإنسان هو كل الإنسان وبعضهم يعتبر أن الإنسان هو
نفس وجسد فقط مثل الحيوان أي أنهم يسقطون من الإنسان ما جعله إنساناً وأعني به
الروح. ولكن إذا كانت الروح هي التي جعلته إنساناً فلماذا يقال ” صار آدم
نفساً حيةً ” (تك 7: 2) ولا يقال ” صار روحاً “؟ السبب هو أن
الملائكة أرواح عاقلة فتمييزاً للإنسان عن الملائكة يقال عنه أنه ” نفس حية
” ولكنه هو أكثر من ذلك إذ هو يتميّز عن الحيوان بالروح التي تعقل. والإنسان
وهو على قيد الحياة يسمى “نفساً ” كما قيل في (أع 14: 7)” فأرسل
يوسف واستدعى أباه يعقوب وجميع عشيرته خمسة وسبعين نفساً” لكن في حالة انفصال
الروح عن الجسد بالموت فالتعبير عن الإنسان هو أنه “روح ” كما قيل عن
قديسي العهد القديم الذين رقدوا أنهم “أرواح أبرار مكملين” (عب 23: 12)
كما قال الرسول بطرس عن الناس الأشرار الذين هلكوا بدينونة الطوفان، أنه قبل
الطوفان جاهد معهم الروح القدس بواسطة كرازة نوح لكن بسبب عصيانهم هم الآن ”
أرواح في السجن ” أي في هاوية العذاب مقر أرواح الأشرار (ا بط 19: 3).

 وظائف النفس والروح

 الروح هي الجزء الأسمى في الإنسان
وهي مركز العقل والفهم والحكم الأدبي أي التمييز بين الخير والشر وتوجد نصوص
كتابية عديدة توضح ذلك اكتفى بالإشارة إلى بعضها ويستطيع القارىء أن يرجع إلى
كتابه المقدس: (قض 8: 3؛ مزمور 106: 33؛ مر 8: 12؛ أيضاً في (1 كو 2: 11) يقول
“لأن مَنْ مِن الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه”.

 أما النفس فهي مركز العواطف
والشهوات والحبة والبغضة ونرجو الرجوع للشواهد التالية: (1 صم 18: 1)؛ مزمور 42: 1؛
لاويين 26: 15؛ 2 صم 5: 8؛ زك 11: 8؛ أيوب 30: 25؛ مز 10: 3؛ 1 بط 2: 11؛ مزمور
107: 18؛ أم 25: 25؛ أم 27: 7).

 من هذه الشواهد نستطيع أن نفهم
مكان النفس ووظائفها. فنراها كحلقة الاتصال بين الروح والجسد كما نرى التمييز
واضحاً بين الروح والنفس. والحقيقة أن الروح والنفس والجسد في فترة الحياة
“شخصية واحدة” وعند الموت يسقط الجسد مؤقتاً من هذه الوحدة المثلثة.
وتبقى الروح والنفس متلازمتين لا تنفصلان. وإذا كانت الروح تفكر والنفس تشعر فذلك
ليس معناه شخصيتين مستقلتين بل شخصية واحدة متفاعلة. فما تعرفه الروح يصبح نصيب
النفس. وما تشعر به النفس وما يجيش فيها من عواطف يصبح نصيب الروح. ونجد تفسيراً
لهذا التفاعل المتبادل مثلاً في القول “فتنهد بروحه” (مر 8: 12).
فالتنهد ظاهرة بدنية وليست عقلية والكتاب لا يخلط بين الجسد والروح، كما لا يخلط
بين النفس والروح. وإنما يقول “تنهد بروحه” فالذي أنتج التنهد انزعاج
عاناه السيد عندما أدركت روحه المعنى الأدبي لرغبة أولئك القوم في أن يروا آية من
السماء. ومع ذلك فالكتاب لا يقول تنهد بعقله بل بروحه. وهكذا نجد أن الروح التي
تميز أمور الإنسان هي المذكورة باعتبارها أنها موطن العقل، هذا لا يمنع أن النفس
والجسد كان لهما نصيبهما في الأمر ولكن التعبير دقيق ويعطى لكل من النفس والروح
معناهما وكيانهما الخاص، الأمر الذي لا وجود له عند السبتيين.

 إذاً كما قلنا، الروح هي الجزء
الأسمى في الإنسان وهي التي تحكم بحق كلا من النفس والجسد. فلو كان الإنسان مجرد
نفس وجسد كما يعلم السبتيون لكان على صورة الحيوان وليس على صورة الله. وأن الله
هو أبو الملائكة وأبو البشر لكنه ليس هو أبا البهائم. أن الحيوانات لها نفس وجسد
ونفسها في دمها (لاويين 17: 11) وتتلاشى بموتها (مز 49: 12) لأنها خلقت لأجل
الإنسان، عند خلقها فاضت بها المياه أو أخرجتها الأرض بكلمة الله (تك 1: 20، 24).
أما الإنسان فهو نفخة الله لذلك فهو خالد كخلود الله. في (تك 2: 7) نقرأ
“وجبل (كوّن) الرب الإله آدم تراباً من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار
آدم نفساً حية. أي أن نفخة القدير خلقت لآدم كياناً مكوناً من روح ونفس وجسد (1 تس
5: 23) كما سبقت الإشارة. هذه الحقيقة كانت معروفة لقديسي العهد القديم إذ يقول
اليهود “ولكن في الناس روحاً ونسمة القدير تعقلهم”. الروح تذكر في علاقة
الإنسان مع الله، لأن الله نفخ في الإنسان نسمة حياة، فالروح هي التي تميز الإنسان
عن الحيوان. وكما جبل الرب جسد آدم من التراب هكذا بواسطة نفخته جبل (كوّن) روحه
كما قيل في (زكريا 12: 1) “يقول الرب باسط السموات ومؤسس الأرض وجابل روح
الإنسان في داخله” أي أن تكوين روح الإنسان في داخله هو عمل عظيم من أعمال
الله نظير تكوين السموات والأرض. لذلك فإنه يقال أن الله هو “أبو أرواحنا
وليس أبا أجسادنا” (عبرانيين 12: 9) كما قيل في سفر العدد (ص 16: 22؛ 27: 16)
إنه “إله أرواح جميع البشر” لذلك فإن جميع البشر دعوا أبناء الله بسبب
خلق هذه الروح الإنسانية فيهم. كما قال بولس “إننا نحن ذرية الله” لأنه
خلق الإنسان على صورته (أعمال 17: 29؛ تك 1: 27) والملائكة وهم أرواح عاقلة دعوا
“أبناء الله” (أيوب 1: 6؛ 38: 7).

 ولكن يجب أن لا نخلط هذه الصورة
الطبيعية التي لكل إنسان حتى ولو كان إنساناً خاطئاً (يعقوب 3: 9) مع الصورة التي
لا يحصل عليها إلا كل ابن لله بالإيمان بالرب يسوع المسيح والولادة الثانية.
فالمؤمن فقط هو “المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق” (أف 4: 24).

 والنفس هي حلقة الاتصال بين الروح
والجسد. والإنسان الطبيعي كشخص ساقط هو مخلوق ” نفساني ” منقاد بشهوات
الجسد لأن النفس “مركز الشهوات ” كما سبقت الإشارة عند الكلام عن وظيفة
النفس ولا يعتق الإنسان إلا بالروح القدس بعد الإيمان، ” إذ أعتقتم من الخطية
صرتم عبيداً للبر “. كما صرنا عبيداً لله ولنا ثمرنا للقداسة” (رومية 6:
18، 22).

 أما الجسد فهو المسكن أو الخيمة
التي يسكنها الإنسان أو اللباس الذي يلبسه الإنسان ويخلعه عند الممات.

 و من الروح العاقلة والنفس الحساسة
تتكون ” نسمة الحياة” التي نفخها الله في أنف الإنسان فسرت في جسده
ولبسته كرداء تخلعه عند الممات، كما نقرأ في الشواهد التالية:

(1) فما أحيه (أنا) الآن في الجسد
فإنما أحيه في الإيمان…….(غلا 2: 20).

(2) إننا ونحن مستوطنون في الجسد
فنحن متغربون عن الرب (2 كو 5: 6).

(3) نثق ونسّر بالأولى أن نتغرب عن
الجسد ونستوطن عند الرب (2 كو 5: 8).

(4) أعرف انساناً في المسيح…..
أفي الجسد أم خارج الجسد لست أعلم، الله يعلم. اختطف هذا إلى السماء الثالثة (إلى
الفردوس) (2 كو 12: 2- 4) وهذه الأقوال تكذب ادعاءهم أن خارج الجسد لا توجد حياة
أو شعور أو إحساس.

(5) أحسبه حقاً ما دمت في هذا
المسكن (الجسد) أن أنهضكم بالتذكرة عالما أن خلع مسكني (أي جسدي) قريب… فأجتهد
أن تكونوا بعد خروجي تتذكرون كل حين بهذه الأمور (2 بط 1: 13- 15).

والموت ينسب للجسد لأن النفس لا
تموت مع الجسد. وهذا واضح من قول الرب يسوع للتلاميذ عندما شجعهم أن يكونوا أمناء
حتى الموت في طريق الشهادة لاسمه، فقد قال لهم “لا تخافوا من الذين يقتلون
الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك
النفس والجسد كليهما في جهنم” (متى 10: 28).

 والموت الآن بالنسبة للمؤمن يسمى
رقاداً. ليس رقاد النفس بل رقاد الجسد أو موت الجسد – لكنه بالنسبة لغير المؤمنين
يسمى موتاً. وغير المؤمن عندما يقاومون لأجل المحاكمة أمام العرش العظيم الأبيض
يسمون “أمواتاً” “ورأيت الأموات ي جميع غير المؤمنين صغاراً
وكباراً (صغاراً في المقام وكباراً في المقام لأنه لا فرق) واقفين أمام الله…
ودين الأموات… بحسب أعمالهم (رؤ 20: 12). وطالما الإنسان على قيد الحياة يقال عن
جسده أنه “مائت” أي في طريقه إلى الموت طال العمر أو قصر. لكن بعد الموت
تدب عوامل الفساد في الجسد الموضوع في القبر لذلك يقال عن الجسد (المدفون)
“الفاسد” أي الذي رأى فساداً (قارن 1 كو 15: 53، 54؛ أع 13: 36).

الحالة المتوسطة التي بين الموت
والقيامة

 الموت بالنسبة للجسد هو التوقف عن
كل وجود عملي. لكن الموت ليس انقراضاً للإنسان بحسب ما نفهمه من كلمة الله وإن
النفس الحية في الإنسان لا تنقرض بتوقف عملها كحياة للجسد. ولذلك فإننا لا نستطيع
أن نتخذ من تأثير الموت على الجسد حجةً نطبقها على تأثيره على الروح أو على النفس.
فالجسد هو الخيمة والنفس هي الساكن في الخيمة. والرسول بولس في (2 كو 5: 1) يميّز
بين الخيمة والساكن في الخيمة عندما يقول” إن نقض بيت خيمتنا الأرضي”فمن
الواضح أن الخيمة هي التي تنقض وليس ساكنها. إذ بعد ذلك في (ع 4) يقول” فإننا
نحن الذين في الخيمة” كما يقول في نفس العدد” لسنا نريد أن نخلعها”
نظير خلع الثوب أي الإنفصال عن الجسد- ومن ذلك يتضح أن الموت ليس هو توقفاً عن
الوجود بالنسبة للإنسان بل الإنسان بنفسه وبروحه في مكان آخر كما نفهم من إشارات
كثيرة في كلمة الله.

 وفي النص المقتبس من (2 بط 1: 15)
والذي سبقت الإشارة إليه يُطلق على الموت كلمة “خروج” أو رحيل إذ يقول
الرسول بطرس “بعد خروجي” أو بعد رحيلي. فالإنسان يخرج أو يرحل. لكن إلى
أين؟ هل إلى عدم وعي؟ أن الكتاب لا يقول ذلك ولكنه يقول أنه بالنسبة للمؤمن
“يستوطن عند الرب” “نثق ونسر بالأولى أن نتغرب عن الجسد ونستوطن
عند الرب”(2 كو 5: 8) إن هاتين الحالتين: التغرب عن الجسد والاستيطان عند
الرب متلازمتان أي تتمان في وقت واحد بدليل أنه يقول “إننا ونحن مستوطنون في
الجسد فنحن متغربون عن الرب” أي أن الحالتين تسيران معاً. فكيف يشك أحد في أن
الشيئين اللذين يتوق إليهما، وهما الحالتان العكسيتان، تسيران معاً وفي نفس الوقت
أيضاً؟. أن الرسول كان يشتاق “يسر بالأولى أن يتغرب عن الجسد” لأن الموت
لم يكن مرعباً له بل وسيلة تجعله مع الرب بروحه ونفسه، وسبق الرب أن قال لتلاميذه
“لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها..”
(مت 10: 28).

الوعي أو الشعور بعد الموت

 لن نجد في الكتاب المقدس شيئاً عن
رقاد النفس أو نوم النفس. بل كلمة رقاد ورقد هي بالنسبة لجسد المؤمن وهي كلمة
لطيفة فيها تعزية للمؤمن أن جسده يرقد على رجاء القيامة من بين الأموات أي على
رجاء القيامة في صباح قيامة الأبرار أو القيامة الولى يوم اختطاف الكنيسة وهذا ما
يتوقعه المؤمنون الأحياء بين لحظة وأخرى. فنقرأ في (مت 27: 52) كنتيجة لعمل المسيح
المجيد نتيجة للفداء بدمه “وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين”
وأيضاً “رقد استفانوس وحمله رجال أتقياء ودفنوه” أي دفنوا جسده وكذلك
“رقد داود وانضم إلى آبائه ورأى فساداً (أي جسده) (أعمال 13: 36).

 والقصة المعروفة عن لعازر والغنى
(لوقا 16) وغرض الرب من هذه القصة هو رفع الحجاب عن العالم الآخر. وبيت القصيد في
هذه القصة هو هذا “انك استوفيت خيراتك في حياتك” والآن “أنت
تتعذب” ولا تنسب للغنى أية جريمة سوى فشله فيما يتعلق بمال الظلم. فهو لا يقدر
أن يخدم الله والمال. لقد خدم المال لا الله. إن المسكين الذي أهمله حملته
الملائكة من عند بابه إلى حضن ابراهيم أما هو فكان يتعذب. وموضوعنا الهام في هذه
القصة هي حالة رجل معذب بعد موته مباشرة، قبل القيامة وقبل الدينونة (المحاكمة)
وله أخوة على الأرض يمكن أن يكرز لهم. ولعله لا يكون خروجاً عن الموضوع أن نذكر أن
هذه القصة توضح كما في سائر كلمة الله أن كل شيء يتقرر في هذه الحياة. في (يو 3: 18)
يقول “الذي يؤمن به لا يدان والذي لا يؤمن قد يدين) (
already) أي ليس له أن ينتظر لكي يرى فيما بعد هل هو
خالص أم هالك. وهذا ما قاله الرب يسوع في (يو 5: 24). الحق الحق أقول لكم إن من
يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة، بل قد انتقل
من الموت إلى الحياة”. نعم فالمؤمن قد انتقل (إذا كنا نصدق الرب) من الموت
إلى الحياة. وليكن الرب صادقاً وكل إنسان كاذباً. فالمؤمن في لحظة إيمانه ينتقل من
الموت إلى الحياة لأن الإيمان يكرم المسيح. أما غير المؤمن فلا يكرمه ويزدري
بكلامه، ولا يصدق الله حين أرسل المسيح في إرسالية المحبة.

 والروح القدس في الرسائل يؤكد ذلك
أيضاً، أن الإنسان، بعيداً عن المسيح هو “ميت في الذنوب والخطايا” إذ
نقرأ “وأنتم إذ كنتم أمواتاً في الذنوب والخطايا… ونحن أموات في الخطايا
أحياناً مع المسيح، بالنعمة أنتم مخلصون، وأقامنا معه وأجلسنا معاً (يهوداً وأمماً
كل من قد آمن) في السماويات في المسيح يسوع” (أفسس 2: 1 – 10) فهل يوجد ما هو
أسمى من ذلك؟ المؤمن جالس في السماء لأنه في المسيح. كما قيل في (رو 8: 30)
“والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضاً والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضاً”
وليس أنه سوف يمجدهم بل هم ممجدون منذ الآن
These also He has
glorified
. (لأن الله
وضعهم في المسيح الذي ممجد الآن”. وفي رسالة كولوسي يقول “شاكرين الآب….
الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى الملكوت ابن محبته الذي لنا في الفداء
بدمه غفران الخطايا” (كو 1: 12، 13).

 إن الدينونة هي فقط للإنسان الذي
بدون المسيح. وفكرة دينونة عامة هي فكرة خاطئة تماماً مع الإنجيل والزعم بدينونة
عامة هو فهم خاطىء مؤسس غالباً على سوء تفسير ما جاء في (متى 25: 31 – 46) عن
دينونة الأحياء التي هي خاصة بالأحياء الموجودين على قيد الحياة عندما يجيء الرب
لكي يقيم ملكه على الأرض ولا بد من تنقية الأرض من الأشرار قبل أن يملك.

 والآن نعود إلى موضوعنا وهو الوعي
أو الشعور بعد الموت. نستطيع أن نعرف مدى شيوع استخدام كلمة “روح” من
العبارة الموحى بها عن معتقدات اليهود (ما عدا الصدوقيين). في (أعمال 23: 8) نقرا
“لأن الصدوقيين يقولون أنه ليس قيامة ولا ملاك ولا روح. وأما الفريسيون
فيقرون بكل ذلك” ومن هنا نفهم أن كلمة روح مستخدمة استخداماً عادياً للتعبير
عن أرواح البشر بالانفصال عن الجسد. وبولس كان يقر أنه فرنسي مؤمن بالقيامة (1 ع
23: 6) وكذلك تلاميذ المسيح. ونقرا أن الرب يسوع بعد قيامته عندما كان التلاميذ
مجتمعين معاً “وقف يسوع نفسه في وسطهم وقال لهم سلام لكم. فجزعوا وخافوا
وظنوا أنهم نظروا روحاً. فقال لهم ما بالكم مضطربين ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم.
انظروا ورجلي ّ إني أنا هو. جسوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون
لي” (لوقا 24: 36 – 39).

 واضح هنا أن التلاميذ عرفوا صورة
الرب والمشكلة لم تكن هل هو يسوع في الجسد أم روح فقط (روحه الإنسانية) وقد أجاب
الرب على هذا السؤال بقوله “جسوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما
ترون لي. إذاً كيف دخل العلية والبواب مغلقة؟ ذلك أن جسد القيامة له لحم وعظام
(بدون دم) ولا تعيقه الحواجز.

 وفي ضوء هذه الحقائق التي يؤمن بها
جميع القديسين تصبح بعض الفصول الكتابية جلية مثل كلمات الرب للص المائت
“اليوم تكون معي في الفردوس” أو طلبة استفانوس وسط الحجارة المنهارة
عليه من أعدائه “أيها الرب يسوع أقبل روحي” (أعمال 7) أو الفصل الذي
يتكلم عن “أرواح أبرار مكملين” بالقيامة في (عب 12: 23؛ 11: 40).

 في رسالة فيلبي (ص 1: 21 – 24)
يقول بولس “لأن لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح، ولكن إن كانت الحياة في
الجسد هي لي ثمر عملي فماذا أختار؟ لست أدري. فإني محصور من الاثنين: لي اشتهاء أن
أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جداً. ولكن أن أبقى في الجسد ألزم من أجلكم”.
أن هذه الأقوال لا تحتاج إلى ايضاح.

لكن دعنا نتأمل فيها قليلاً:

 (1)الشيء الأول هو أن غرض حياة
الرسول كان المسيح. والموت كان ربحاً. أن عبارة “لأن لي” في بداية كلامه
تسري على كل من العبارتين التاليتين. فيمكننا أن نقرأها هكذا “لأن لي الحياة
هي المسيح و(لأن لي) الموت هو ربح” ثم يقول أيضاً.

 (2) فماذا اختار لست أدري – من
الواضح أنه رغماً عن كون الموت ربحاً له فإنه كان محصوراً بين اختيار الموت أو
الحياة، وذلك لأن الأمر كان يتعلق باختيار ما فيه صالحه الشخصي أو ما فيه صالح
القديسين كما يخبرنا بعد ذلك – لقد أعلن الرسول سبب حيرته بين هذين الشيئين (الموت
أو الحياة) عندما يقول “لي اشتهاء” أن انطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل
جداً. ولكن – وهنا الحيرة – “أن أبقى في الجسد ألزم من أجلكم” فمع أن
الموت كان ربحاً له إلا أن الانحصار كان بين ربحه الخاص وربح الآخرين. فالانطلاق
ليكون مع المسيح لم يكن شيئاً ثالثاً على الإطلاق – لقد كان محصوراً بين اثنين لا
ثالث لهما: الموت والحياة – الأول ربح له والثاني ربح للقديسين. وهو يحدد هنا
بعبارة دقيقة أن الانطلاق والوجود مع المسيح معناه الموت كما أن البقاء في الجسد
معناه الحياة أو العيشة مع الأرض. وقبل أن نترك هذه النقطة فإننا نوجه سؤالاً إلى
أولئك القوم الذين يقولون بعقيدة عدم الوعي بعد الموت: كيف يكون الموت ربحاً
للمؤمن إذا كان سيفقد صلته بالمسيح؟ ماذا يقصد الشيطان من وراء هذا التعليم إلا أن
يحزن قلب المؤمن؟ لكن كلا يا قوم أنه لا يستطيع أن يحزن من قد فرحه الرب.

 ثم ننتقل إلى نص واحد كتابي آخر في
هذا الموضوع. وهو نص يصور لنا واقعية كاملة ذات الشيء الذي هو موضوع بحثنا. ليس في
مثل بل في حقيقة تاريخية. رجل متغرب عن الجسد. روح واعية بأمور لا ينطق بها – شعاع
عابر يضيء من دائرة غير المنظور – موسى على جبل التجلي مع الرب.

 لم يكن الأمر حلماً فإن العيون
المغلقة بالنوم لم تره بالعكس إذ استيقظت رأته (لوقا 9: 32) “وأما بطرس
واللذان معه فكانوا قد تثقلوا بالنوم. فلما استيقظوا رأوا مجده والرجلين الواقفين
معه” ذلك يدل أيضاً على أن الأمر لم يكن مجرد رؤية تجلت عند اليقظة بل أن
المشهد كان هناك قبل أن يروه – “موسى وإيليا يتكلمان مع يسوع” إنه كان
شيئاً حقيقياً واقعياً بغض النظر عن جميع المشاهدين وما أبسط وصفه “رجلان
يتكلمان معه وهما موسى وإيليا” أحدهما رفع بمجد إلى السماء منذ قرون مضت،
والآخر “انطلق” منذ عهد أطول ودفن جسده ومع ذلك لا زال
“رجلاً” يرى ويشاهد ويتكلم، فلا هو تلاشى ولا هو نائم، بل في ملء النشاط
والتفكير والتمتع. ولا هو مقام من الأموات أيضاً لأن يسوع نفسه هو
“الباكورة” (1 كو 15: 20) كما هو “البكر من الأموات” (كو 1: 18؛
رؤ 1: 5) – والمسألة هنا لم تكن مجرد إعادة البعض إلى الحياة الأرضية التي تركوها
منذ ساعات أو أيام مثل لعازر وغيره الذين أقامهم الرب، لأن هؤلاء ماتوا بعد ذلك –
بل مسألة رجل يتمتع ببركة جو آخر – جو ما كان ممكناً أن يتمتع به ما لم يكن قد
أقيم (حسب عقيدة السبتيين الذين يقولون بنوم النفس أو عدم وعيها) قيامة روحية وفي
عدم فساد – ولكن هذه القيامة بدايتها وباكورتها هو الرب نفسه كما يؤكد الكتاب.
فموسى إذاً لم يكن ممكناً أن يكون هذه الباكورة أو هذا البكر – ويتضح من هذا أنه
كان في حالة الانفصال عن الجسد وقتذاك، ومع ذلك كان شريكاً لواحد لم يمر بالموت
اطلاقاً. ومع أنهما لم يكونا على صورة جسد مجد المسيح إلا أنهما ظهرا
“بمجد”. وليس ذلك فقط بل دخلا في السحابة أو “المجد الأسنى” –
سحابة الحضور الإلهي (2 بط 1: 17) وليس سحابة ممطرة.

 فهل يمكن أن يكون هناك ما هو أوضح
من ذلك لتبيان حالة الإنسان بعد الموت أو الانطلاق؟ – وهل هناك ما هو أوضح من قول
الرب يسوع أن راحلين كإبراهيم واسحق ويعقوب لا زالوا “أحياء عنده” (لوقا
20: 38) عند ذاك الذي كما يخبرنا الرب “ليس إله أموات بل إله أحياء” –
من هذا نرى ونتعلم كيف يوجد حقاً انطلاق ووجود مع المسيح، وإن هذا الانطلاق
بالمقارنة مع الحياة الأرضية هو أفضل جداً – ونكتفي بهذا المقدار لنقض ما يقوله
أصحاب بدعة “رقاد النفس” ولو أنه توجد براهين أخرى كثيرة خلاف ما ذكر.

اعتراضات من العهد القديم

 كثيراً ما يأتي المعترضون
باقتباسات من العهد القديم، خصوصاً من أسفار أيوب والمزامير وسفر الجامعة. وكأنها تتعارض
مع أقوال العهد الجديد الواضحة. ولكن كلمة الله ليس فيها قول يعارض قولاً آخر لأن
الكاتب الماهر هو الروح القدس ولم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان. ولكن يجب أن نعلم أن
العهد القديم كله كان عهد ظلال وأما النور الكامل فكان ينتظر مجيء المسيح – قالت
المرأة السامرية للرب يسوع “أنا أعلم أن مسيّا الذي يقال له المسيح يأتي فمتى
جاء ذاك يخبرنا بكل شيء” (يو 4: 25).

 كما أن الرسول بولس يخبرنا أن
المسيح “أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل” (2 تي 1: 10)
وهذا معناه أن المعترضين على الحقائق الواضحة في العهد الجديد يتلمسون النور
بأنفسهم من بين ظلال العهد القديم حيث كانت الظلمة نسبياً لا زالت تخيم على هذا
الموضوع بالذات، موضوع الموت ومصير الإنسان بعد القبر. فهم ينظرون إلى الموت كما
كان قبل أن يبطله المسيح للمؤمن. وهم ينظرون إلى الحياة والخلود قبل أن ينيرهما
المسيح بواسطة الإنجيل فلا عجب إن كانوا يتعثرون في الظلمة التي اختاروها لأنفسهم.

 ولكن إبطال الموت مقترن بلا شك
بإنارة الحياة والخلود بواسطة الإنجيل ومن الواضح أن تكون أقوال العهد القديم
متمشية مع هذا الحق على نوع ما. فإذا كانت “الحياة” قد أنيرت فعلاً
بواسطة الإنجيل وليس بغيره فكيف كان يمكن أن يكون الموت معروفاً معرفة كاملة في
العهد القديم.

 أيضاً ما جاء في رسالة العبرانيين
(ص 9: 8) يزيدنا إيضاحاً حيث يخبرنا الوحي الإلهي أن الحجاب كان فيه قائماً
“معلناً الروح القدس بهذا أن طريق الأقداس (حيث محضر الله) لم يظهر بعد ما دام
المسكن الأول له إقامة؛ ذلك هو عنوان العهد القديم وطابعه. أما أن ابراهيم وقديسين
آخرين ذهبوا إلى السماء (بأرواحهم) بعد الموت فهذا لا يتضمن أن الطريق إلى هناك
كان معلناً في العهد القديم – أعني أنه لم يكن معلناً أن يموتوا. لأن تدبير العهد
القديم كان يتناول المواعيد الأرضية وليس المواعيد السماوية.

أما ما جاء في سفر الجامعة فهو
أسلوب شخص أُعطي حكمة من الله فيما يختص بما هو تحت الشمس أي سليمان. ولكن سليمان
هذا وهو أعظم الحكماء يشهد في سفره أن حكمة أعظم الحكماء تعجز عن معرفة حقيقة غير
المنظور ما لم يعلنه الله – أي الاعتراف بقصور الحكمة البشرية وعجزها عن إدراك
سرائر الله – لذا يقول في (ص 3: 21) “من يعلم روح بني البشر هل هي تصعد إلى
فوق، وروح البهيمة هل هي تنزل إلى أسفل إلى الأرض”. وعلى نفس المنوال يقول في
(ص 11: 5) “كما أنك لست تعلم طريق الروح (القراءة الصحيحة هي الروح وليس
الريح) ولا كيف العظام في بطن الحبلى كذلك لا تعلم أعماله الله الذي يصنع
الجميع” أي نحن بالعلم البشر لا نعل كيف تأتي روح الإنسان ولا حتى جسده – إلى
حيز الوجود في بطن الحبلى. أي أن الحياة سرّ والموت أيضاً سر. فبالحكمة البشرية لا
أحد يعلم. لكن القائل هذا في آخر سفره وبموجب إعلان من الله استطاع أن يقول
“فيرجع التراب (أي الجسد) إلى الأرض كما كان (كما في تك 3: 19) وترجع الروح
إلى الله الذي أعطاها” (ص 12: 7). ألا يدل ذلك على أن رجوع التراب إلى الأرض
“كما كان” ما هو إلا وسيلة لرجوع الروح إلى حضرة الله الذي أعطاها؟. ليس
كما كانت. ونرجو أن نلاحظ ذلك جيداً، ليس كما كانت بل بالصفة التي اكتسبتها في
خيمتها الأرضية أو مسكنها الأرضي.

ثم يقول فيد العددين الأخيرين من
السفر (ص 12: 13، 14) “فلنسمع ختام الأمر كله. اتق الله واحفظ وصاياه لأن هذا
(واجب) الإنسان كله. لأن الله يحضر كل عمل إلى الدينونة على كل خفي إن كان خيراً
أو شراً” بمناسبة حفظ وصايا الله أقول أن حفظ الوصايا العشر لا يهب حياة
أبدية. بل أقصى وعد الناموس هو “لكي تطول أيام حياتك على الأرض” لكن
وصية الله في العهد الجديد هي “وهذه هي وصيته أن نؤمن باسم ابنه يسوع المسيح
ونحب بعضنا بعضاً كما أعطانا وصية” (1 يو 3: 23).

ومع أن كل عمل لا يأتي إلى دينونة
قبل القيامة إلا أننا عندما نفنى (أي نموت) يحدث شيء من اثنين: إما أن نقبل في
المظال الأبدية أي الفردوس (لو 16: 9) أو نذهب إلى السجن (سجن أرواح الأشرار) حيث
تواجه النفس النذر الدالة مقدماً على مصيرها الأبدي كالرجل الغني في الهاوية (لوقا
16) لأنه كما سبقت الإشارة فإن مصير الإنسان يتقرر في حياته هنا على الأرض. لأن
الذي يؤمن بالرب يسوع ينتقل من حالة الموت الروحي إلى الحياة الأبدية ولا يأتي إلى
دينونة” (يوحنا 5: 24) “الذي يؤمن به لا يدان (إطلاقاً) والذي لا يؤمن
قد دين (صدر الحكم عليه فعلاً ولكن التنفيذ مؤجل). لأنه لم يؤمن باسم ابن الله
الوحيد” (يوحنا 3: 18). الذي لا يؤمن قد دين
already – أي ليس أن ينتظر لكي يرى فيما بعد هل هو
خالص أم هالك.

إن أشياء كثيرة كانت غامضة في العهد
القديم وكانت تنتظر مجيء السيد المسيح الذي إذ جاء بدأ “يذيع ألغازاً منذ
القدم” (مز 78: 2) كما جاء في (متى 13: 35) حيث يشير إلى ما جاء في المزمور
أنه “يفتح بأمثال فمه وينطق بمكتومات منذ تأسيس العالم” بل أنه في ليلة
آلامه قال لتلاميذه “إن أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن
تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذاك، روح الحق، يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من
نفسه (أي لا يعمل بالاستقلال عن الآب والابن لأنه لا يوجد استقلال بين أقانيم
اللاهوت الثلاثة – قارن(يوحنا 5: 19) بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية”
(يوحنا 16: 12، 13).

وهكذا استطاع بولس الرسول أن يقول
للمؤمنين في تسالونيكي في أول رسالة كتبت “فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب
أننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين… والأموات في المسيح
سيقومون أولاً” (1تس 4: 15، 18). بل ستطاع أن يقول للمؤمنين في كورنثوس: “هوذا
سر أقواله لكم (سر لم يعلن قبل ذلك) لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير في لحظة في
طرفة عين…. (1كو 15: 51 – 58).

ويقول الرسول بولس عن الروح القدس
إنه هو الذي يفحص كل شيء حتى أمور الله العميقة (1كو 2: 10) وما أعظمها وما أعمقها
تلك التي أعلنها لنا “ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال
إنسان” ما أعده الله للذين يحبونه فأعلنه الله لنا نحن بروحه”. فإن كانت
الأشياء العميقة لم تعلن إلا بعد مجيء الروح القدس أي بعد تمجيد المسيح في السماء
فكيف نتوقع أن نجد أشياء مثل هذه في العهد القديم عهد الظلال.

بل أن الكنيسة نفسها لا يوجد إعلان
عنها في العهد القديم
– هذا “السر العظيم”
(أفسس 5: 32) بل أعطى بإعلان لبولس الرسول (أفسس 3: 3- 5).

وكما سبق ورأينا أن كلمة رقاد وهي
كلمة لطيفة ومعزية للمؤمن هذه الكلمة لا تقال إلا بالنسبة لأجساد المؤمنين في حالة
الوفاة أي الموت. أما النفس فإنها لا تموت ولا ترقد (مت 10: 28) والمؤمن عند رقاد
جسده يكون بروحه ونفسه مع المسيح. مستوطناً عند الرب ومتغرباً عن الجسد (2كو 5: 8)
أما غير المؤمنين فأجسادهم في القبر لكن أرواحهم ونفوسهم تكون في هاوية العذاب أي
سجن أرواح الأشرار (لوقا 16: 23؛ 1بط 3: 19). فلا يوجد رقاد للنفس أو عدم وعي بعد
الموت بل: إما عذاب للأشرار أو سعادة للأبرار. أما سبب هذه الضلالة فهو عدم
الإيمان كلمة الرب يسوع الذي قال أن الشخص الذي يؤمن به ينتقل من الموت إلى الحياة
ولا يأتي إلى دينونة (محاكمة). لأن الذين يسمعون صوت ابن الله يحيون” (يوحنا
5: 24، 25). فالشخص الذي يؤمن يفصل عن الكتلة غير المؤمنة، ويضم إلى الكنيسة التي
هي جماعة المؤمنين. كما هو مكتوب “وكان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين
يخلصون” (أعمال 2: 47) وسبق الكلام عن ذلك أن مصير الإنسان يتقرر في هذه الحياة؛
وأقوال الروح القدس في سفر الأعمال والرسائل كلها تؤكد ذلك. أي لا يوجد رقاد
للنفوس ولا ملاشاة.

أن الكلمة الحقيقية المعبّرة عن
الخلود وهي المترجمة “عدم موت” “
immortaliy” وردت في العهد الجديد 3 مرات فقط: مرتين
في (1كو 15: 53، 54) – هذا المائت (أي الجسد الذي في طريقه إلى الموت) لا بد أن
يلبس “عدم موت”. والمرة الثالثة في (1تي 6: 16) لكن بمعنى آخر حيث يقال
لنا عن الله أنه هو “وحده له عدم الموت”.. وفي (1كو 15: 53، 54) يقول عن
أجساد المؤمنين الذين سيكونون على قيد الحياة عند مجيئه لاختطاف قديسه – أنها سوف
تلبس “عدم موت” أو كما يقول في (2كو 5: 49) “يبتلع المائت من
الحياة” أي يتغيّر جسد المؤمن بدون أن يرى موتاً – هذا الكلام عن الأجساد
وليس عن النفوس.

لكن السبتيين وشهود يهوه وكل أبواق
الشيطان يعترضون قائلين أن “الله وحده له عدم الموت” مستندين إلى ما جاء
في (1تي 6: 16) ويستنتجون من هذا أن النفس لا يمكن أن لها الخلود أو عدم الموت.
وإذا سايرناهم في منطقهم فالنتيجة واضحة وهي أن الملائكة أيضاً لا يمكن أن يكون
لهم عدم الموت. فهل الموت يسود على الملائكة الخالين من الخطيئة؟ كلا بطبيعة الحال.
ولكن هذا ما تنطوي عليه حجتهم الباطلة. أنهم يعترفون أن الملائكة أرواح وبديهي أن
روح الإنسان هي الأخرى “روح”. وإذا كان الملائكة هم “أبناء
الله” (أيوب ص 1، 2، 38) فإن الناس أيضاً هم “ذرية الله” للسبب
عينه (أعمال 17: 29) فكل ما تثبته هذه الحقيقة بالنسبة للملائكة تثبته أيضاً
بالنسبة لروح الإنسان.

والمعنى الكتابي للنصّ المذكور في
(1تي 6: 16) هو أن الفارق الجوهري بين الخالق ومخلوقاته هو أنه وحده له المجد يقوم
بذاته – في حين أنه “به” من الجهة الأخرى “يقوم الكل” وهو
“حامل كل الأشياء بكلمة قدرته”. فنحن لا ننادي بمبدأ الخلود الذاتي
الجوهري للجنس الأرضي بل العكس ننادي بأن الجنس البشري كله “مائت” أي
قابل للموت “
mortal” وأن الخلود الذاتي الجوهري ليس ملك أي مخلوق ساقط أو غير
ساقط بل ملك الله وحده. نحن نؤمن

أن الله وحده صاحب الخلود وعدم
الموت وأننا به “نحيا ونتحرك ونوجد”.

 ولكن هذا لا يعني أن النفس تموت كما
أنه لا يعني أن الملائكة – تملك خلوداً مستمداً من الله معتمداً عليه، وأن خلودها
بهذا المعنى مؤكد – لأن من يستطيعون أن يقتلوا الجسد لا يستطيعون أن يقتلوا النفس.

الحياة الأبدية وما هي

الحياة الأبدية ليست مجرد وجود أبدي
أو خلود ولا هي تبدأ فقط من لحظة القيامة. إنها تبدأ في المؤمن من لحظة ولادته
الثانية بالروح القدس، الأمر الذي يعرفه كل مؤمن حقيقي من أولاد الله، وهي تظهر
نفسها وأن كل العالم لا يراها. ليست هي الخلود فإن الشرار لهم خلود في جهنم. أما
الحياة الأبدية فهي هبة مباركة من الله للمؤمنين. كما سبقت الإشارة ليست مجرد
“وجود” فإن الأشرار الذين ليست لهم حياة أبدية لهم “وجود”
أبدي. وقد ورد ذكر الحياة الأبدية 134 مرة في العهد الجديد. وهكذا يسجل الوحي
بالنسبة للمؤمنين “أن الله أعطانا حياة أبدية، وهذه الحياة هي في ابنه. لذلك
هي مضمونة ولا يمكن أن تفقد وضمانها أنها في ابنه. لذلك هي مضمونة ولا يمكن أن
تفقد وضمانها أنها في ابنه. من له الابن فله الحياة ومن ليس له ابن الله فليست له
الحياة” (1 يو 5: 11، 12).

“من له ابن الله له الحياة أي
أنها له كملك حاضر وابدي. ليست له مجرد عربون أو وعد بها، بل امتلاكه إياها هو ما
يجعله بالمعنى الروحي ابناً لله ومولوداً من الله. “الذي يؤمن بالابن له
الحياة الأبدية” (يو 3: 36، 5: 24).

أيضاً “نحن نعلم أننا قد
انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الأخوة، من لا يحب أخاه يبق في الموت. كل
من يبغض أخاه فهو قاتل نفس وأنتم تعلمون أن كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة
فيه” (1 يو 3: 14، 15).

من هنا نفهم أن الحياة الأبدية تبدأ
في المؤمن عند إيمانه. أنها ليست وجوداً ولكنها قوة خير جديدة مباركة. والحياة
الأبدية هي في مباينة مع الحياة الطبيعية التي تجد متعتها في الأمور الأرضية. أما
الحياة الأبدية فتجد شبعها في “معرفة الآب والابن” (يوحنا 17: 3) وكذلك
تجد فرحها “في الشركة مع الآب والابن” (1 يو 1: 3، 4).

 

صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً

إلهي إلهي لماذا تركتني

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى