علم التاريخ

الفاطميون والكنيسة 843-1025



الفاطميون والكنيسة 843-1025

الفاطميون
والكنيسة
843-1025

الدولة
الفاطمية

الشيعة:
وكانت شيعة عليّ لا تزال تتطلب الخلافة له ولنسله وترى أنهم أحق بها. وكان الخلفاء
العباسيون يحذرونهم ويراقبونهم وينكلون بهم فلا يرجع الشيعة عن مطلبهم ولا يُغيّر
الخلفاء سياستهم. وكان العباسيون أقدر على تتبع الشيعة من الأمويين لأنهم كانوا
أعرف بالعلويين وأساليبهم فقد خالطوهم وحالفوهم للعمل ضد الأمويين. وكان كلما قام
خليفة عباسي قام داعٍ علوي يدعو إلى نفسه ثم يقاتل فيُقتَل. وقد يكشف أمره قبل
الخروج فيُحبس أو يُسمم. ولم يجدِ عطف المأمون على الشيعة ولم يدم نفعه فالمتوكل
تحامل عليهم فأعاد الاضطهاد سنة 850 وهدم قبر علي في النجف وحرث قبر الحسين في
كربلاء.

وأدى
هذا الاضطهاد المستمر إلى التكتّم فاتخذت الشيعة مبدأ التقية (1) بحيث أخفت ميولها
اتقاء للضرر. وحصرت الشيعة الخلافة في علي وابنه الحسن ثم الحسين (680) ثم علي زين
العابدين (712) فمحمد الباقر (731) فجعفر الصادق (765) فموسى الكاظم (799) فعلي
الرضا (818) فمحمد الجواد (835) فعلي الهادي (868) فالحسن العسكري (874) فمحمد
المنتظر. وهز -كما يعتقد الشيعة- في حالة غيبة مؤقتة حي لايموت. وقد تغيّب في كهف
في جامع سامرأ سنة 878. هو المهدي الذي سيظهر فيحكم العالم قاطبة ويكون ظهوره
فاتحة عصر يسبق نهاية العالم. وهو الإمام المدير “قائم الزمان”.

 

الاسماعيلية:
وكان جعفر الصادق قد عيّن ابنه اسماعيل خلفاً له ولكنه عاد فعيّن ابنه الثاني موسى
الكاظم. ووافقت أكثرية الشعية على هذا التغيير ولكن بعضهم ظلوا تابعين لاسماعيل.
فلما مات في السنة 760 أصبح عندهم الإمام المهدي المستور. ولما كان اسماعيل هو
الإمام السابق عُرِف هؤلاء بالسبعية أيضاً.

ثم
راجت النظريات الفلسفية اليونانية واشتد الاحتكاك بالمانوية والمجوسية فأخذ
الاسماعيليون عن فيثاغوروس وافلوطين وغيرهما واعتبروا العدد سبعة مقدساً وجعلوا
التجليات سبعة: الله والعقل والنفس والمادة الأصلية والفضاء والزمن وعالم الأرضيين
والبشر. وقالوا بسبعة أنبياء مشترعين “ناطقين”: آدم ونوح وإبراهيم وموسى
وعيسى ومحمد ثم محمد التام ابن اسماعيل. وقالوا أيضاً بسبعة أبناء صامتين بين كل
نبيين ناطقين. وأول هؤلاء الأساس ومنهم اسماعيل وهارون وبطرس وعليّ. وجاء بعد
هؤلاء زعماء الدعاية وأحدهم “حجة” فالمبشرون “الدعاة”. وقالوا
أيضاً بتأويل القرآن فرأوا المعنى الحقيقي مستوراً بالمعنى الظاهري. ومن تعاليهم
تناسخ الأرواح وحلول الإلهية في اسماعيل وانتظار “رجعته” مهدياً. وجعلوا
المريدين المتدرجين سبعة طبقات أيضاً ناسجين على منوال اليونان والمانويين.

وأشهر
رجالهم في القرن التاسع عبدالله ابن ميمون القداح وهو الذي أكمل نظامهم الديني
السياسي. جعل البصرة أولاً مقره ثم انتقل إلى سلمية شرق حماه. ومنها أنفذ الدعاة
إلى جميع أنحاء العالم الإسلامي ليبثوا روح الشك في العقائد الرائجة ويوجهوا
الأنظار إلى المهدي المنتظر.

 

القرامطة
والألفة: وقبل وفاة عبدالله بن ميمون في السنة 874 للميلاد لمع بين أتباعه حمدان
قرمط. وكان من غلاة الدعاة. فابتنى لنفسه مقراً “دار الهجرة” في جوار
الكوفة في السنة 890. واستغل العداوة المزمنة بين الفلاحين وأبناء البادية. وجعل
لمنظمته أرزاقاً جارية “مشتركة” مستمدة من تبرعات المريدين. وأباح حمدان
الإشتراكية “الألفة” في الأموال. وشدد على المساواة وجعل للعمال والصناع
مراسيم تقربهم من نقابات العصر الحديث. وفي الرسالة الثامنة من رسائل اخوان الصفا
وصف لهذه النقابات الإسلامية القديمة فليراجع في محله. ويرى العلامة المستشرق
الفرنسي ماسينيون صلة بين حركة حمدان قرمط وبين الماسنونية وغيرها من الجمعيات
السرية التي بدأت تظهر في الغرب بعد ذلك بقليل.

وساهم
القرامطة في ثورة الزنج في البصرة (868-883) وأسسوا دولة لهم في الإحساء (899)
وغزوا مكة وأخذوها (930) وحملوا الحجر الأسود منها إلى هجر. ولجأ بعضهم إلى سلمية
مقر إخوانهم الإسماعيليين في شمال سورية وشنوا منها الغارات على من جاورهم من أهل
البلاد. وبلغوا بفتنهم وقلاقلهم خرسان واليمن.

 

الفاطميون:
ولمع بين دعاة الاسماعيليين في أواخر القرن التاسع رجل من أهل صنعاء اليمن اسمه
أبو عبدالله الحسين. فرحل إلى شمال أفريقيا ونشر دعوته في صفوف البربر ولا سيما في
مرابض بني كتامة. وكانت آنئذ خاضعة لدولة الأغالبة. ولاقى أبو عبدالله نجاحاً
فغادر سعيد ابن حسين زعيم الاسماعيليين سلمية متخفياً في شمال أفريقيا. وقال سعيد
أنه من ذرية فاطمة من نسل الحسين واسماعيل وسجن سعيد في سجلماسة بأمر زيادة
الأغلبي (903-909) فأنقذه أبو عبدالله الحسين بثورة قضت على دولة الأغالبة. نودي
بسعيد أميراً فعرف بالإمام عبيدالله المهدي حفيد فاطمة من نسل الحسين واسماعيل.

وحكم
المهدي (909-934) من الرقادة وقتل أبا عبد الله الحسين وبسط سلطانه حتى حدود مصر.
ثم احتل الإسكندرية في السن914. وأنشأ لنفسه عاصمة جديدة على الساحل التونسي إلى
الجنوب الشرقي من القيروان وأطلق عليها اسمه فعرفت بالمهدية. ثم خلفه القائم
(934-945) فالمنصور (945-952) فالمعز (952-975). وفي عهد هذا الأخير عظم شأن
الأسطول الفاطمي فغزا سواحل اسبانيا في السنة 955. وبعد ذلك بثلاث سنوات تقدم
الجيش غرباً حتى بلغ المحيط الأطلسي. وفي السنة 969 استولى الفاطميون على مصر
وقضوا على سلطة الاخشيديين. وكان بطل هذه الحروب جوهراً الصقلي الرومي. وكان هذا
مسيحياً ولد في صقلية وجاء منها إلى القيروان رقيقاً.

ولم
يكتفِ جوهر بفتح مصر بل عمل على مد نفوذ الفاطميين إلى بلاد الشام فأنفذ قائده
جعفر ابن فلاح لمقاتلة الأخشيديين في فلسطين وسورية. فالتقى الخصمان في الرملة في
أيلول السنة 969. وكان الحسن الاخشيدي على رأس جيوش المقاومة فوقع أسيراً. وتتابعت
انتصارات الفاطميين ففتحوا طبرية. وضرب جعفر عقيل وفزارة ومرة وغيرها من قبائل
البدو بعضها ببعض وقصد دمشق فثار أهلها على الاخشيديين فانهزموا عنها وذلك بعد شهر
واحد من معركة الرملة. فاتخذ الفاطميون دمشق قاعدة لهم وانطلقوا شمالاً وغرباً
فاستولوا على الساحل حتى طرابلس ولكنهم انهزموا أمام الروم في أنطاكية. وأقيمت
الخطبة للمعز لدين الله الفاطمي في دمشق في أول جمعة من شهر محرم سنة 359 للهجرة
أي في التاسع عشر من تشرين الثاني سنة 969 وحذف اسم الخليفة العباسي المطيع.

وتولى
القرامطة، بعد خروج عبيد الله المهدي من سلمية، زعامة جميع طوائف الإسماعيلية فيها
وحواليها. فلما أصبح عبيد الله إمام الفاطميين تدخل في شؤون سلمية فأيده بعض
القرامطة فيها وقاومه غيرهم. ورأى المعسكر الثاني وفي طليعتهم أحمد ابن أبي سعيد
وإخوته أن يوجهوا السياسة توجيهاً يعود بالنفع على القرامطة أنفسهم. وتوفي صديق
الفاطميين في السنة 744 ولم يترك من الأبناء من يَصلُح للحكم والزعامة فتولى
الاستقلاليون دفة السياسة وما فتئوا حتى وصول الفاطميين إلى سورية.

وتوفي
المعز في أواخر السنة 975 وخلفه ابنه “العزيز بالله” أبو منصور نزار.
ولبث في الخلافة إحدى وعشرين سنة. ومال إلى اصطناع الموالي ولم يعتمد على المغاربة
إلا قليلاً. وانتقى مواليه من الأتراك والصقالبة فولى بنجوتكين التركي القيادة على
ولاية دمشق. وولى وفيا الصقلبي على عكة و”بشارة” الاخشيدي على طبرية
وجهاتها. ومن هنا القول “بلاد بشارة” حتى يومنا هذا. فأدى هذا الانتقاء
إلى كثير من الحسد والنزاع بين الأتراك والمغاربة.

 

العزيز
والمسيحيون: (975-996) ولم يحصر العزيز الحكم بالمسلمين دون سواهم فولّى عيس بن
نسطوريوس المسيحي الوزارة وجعل أبا الفتح منصور المسيحي طبيبه وأنزله منزلة سامية
في الدولة. وكثر عدد الذميين من المسيحيين واليهود في الدواوين ومناصب الحكم
واستأثروا بشيء كثير من السلطة والنفوذ وجاء لأبي صالح الأرمني أن الخلفاء
الفاطميين كانوا يشجعون إقامة الكنائس والأديار بل ربما تولوا إقامتها بأنفسهم.

وكانت
زوجة العزيز وأم ست الملك جارية رومية أرثوذكسية. كان لها في أيام زوجها نفوذ عظيم
في الدولة. كانت ابنتها ست الملك حازمة عاقلة بصيرة في الأمور فأحبها العزيز وأصغى
إليها واستمع إلى نصحها فكان لها أثر ظاهر في توجيه سياسته نحو المسيحيين وكان
لستّ الملك خالان رفعهما العزيز بتدخله في شؤون الكنيسة إلى الذروة فجعل أحدهما
أورسطيوس بطريركاً على أورشليم (984-1005) والآخر ارسانيوس متروبوليتاً على
القاهرة ثم بطريركاً على الإسكندرية.

——————————–

(1)
مبدأ التقية عند المذهب الشيعي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى