علم

الفصل الرابع: الابن أزلي وغير مخلوق



الفصل الرابع: الابن أزلي وغير مخلوق

الفصل
الرابع: الابن أزلي وغير مخلوق

 

11-
قد قلتم وأعتقدتم حسب اقتراح (الشيطان) عليكم، بأنه “كان وقت لم يكن فيه
الابن موجوداً”. لأن ثوب أفكار بدعتكم هذا، هو الذى يجب أن ينزع أولاً.

 

قولوا
أيها المهاترون عديمى التقوى، ما المقصود بالوقت الذى لم يكن فيه الابن موجوداً؟
فإن كنتم تشيرون بهذا إلى الآب. فإن تجديفكم يكون أعظم. لأنه من غير اللائق أن
يقال عنه “كان فى وقت ما” أو أن يشار إليه بكلمة “وقت”. لأنه
كائن دائماً وهو موجود الآن. وحيث أن الابن أيضاً موجود فهو (الآب) أيضاً موجود،
وهو نفسه الكائن. وأبو الابن.

 

فإن
كنتم تقولون أن الابن كان موجوداً مرة، حينما لم يكن موجوداً، فالجواب هو أن هذا
كلام صبيانى أحمق. إذ كيف يكون هو نفسه موجوداً وغير موجود؟ وإذ تجدون أنفسكم فى
حيرة أمام هذا التضارب فى الأقوال، فإنكم يمكن أن تقولوا، أنه كان هناك
“وقتاً ما “حينما لم يكن الكلمة موجوداً، لأنه هذا هو المعنى الطبيعى
لظرف الزمان “وقتاً ما” الذى تستخدمونه. والقول الذى سجلتموه بعد ذلك هو
“الابن لم يكن موجوداًُ قبل أن يولد”. هو مساو تماماً لقولكم “كان
هناك وقت ما لم يكن موجوداً” فسواء هذا القول أو القول الآخر، فكلاهما يعنى
أنه كان هناك زمن سابق على الكلمة. إذن من أين أتيتم بهذه الأقوال؟ لماذا تزمجرون
كالأمم وتقولون كلمات فارغة زائفة ضد الرب وضد مسيحه(9)؟. لأنه لم يسبق لأى كتاب
من الكتب المقدسة أن استخدم تعبيراً مثل هذه التعبيرات عن المخلص، بل بالأحرى تقول
عنه “الدائم”، “الأزلى” والمشارك دائماً مع الآب فى الوجود،
فى البدء كان الكلمة، وكان الكلمة عند الله. وكان الكلمة الله”(10) ويقول عنه
فى الرؤيا ما يلى “الكائن والذى كان والآتى”(11) فمن يستطيع إذن أن
ينتزع الأزلية من ذلك “الكائن”. “والذى كان” ولأجل هذا الأمر
عينه كتب بولس وهو يتكلم عن اليهود فى الرسالة الى أهل رومية قائلاً “ومنهم
المسيح حسب الجسد الكائن فوق الكل الهاً مباركاً الى الأبد”. وحين كان يتكلم
مع الأمميين قال “لأن أموره غير المنظورة ترى بوضوح منذ خلق العالم مدركة
بواسطة المصنوعات قدرته السرمدية وألوهيته”(12) وما هى قدرة الله؟. هو نفسه
يعلم فى مرة أخرى قائلاً “المسيح هو قوة الله وحكمة الله”(13) أنه
بالتأكيد لم يكن يقصد الآب بهذه الكلمات، كما كنتم تتهامسون كثيراً فيما بينكم
قائلين أن “الآب إنما هو قوته الأزلية” ولكن الأمر ليس هكذا. لأنه لم
يقل أن الله ذاته هو القوة” بل أن “القوة هى قوته”. فمن الواضح
الجلى للجميع أنه استخدم الهاء فى قوته (ضمير الاضافة فى الغائب المفرد) ولم
يستخدم “هو” (ضمير الغائب المفرد فى حالة الفاعل) ولكنه ليس غريبا (عن
الاب) بل هو (الابن) خاص به ذاته(14). أقرأوا أيضاً سياق الكلام “وأرجعوا إلى
الرب”. “وأما الرب فهو الروح”(15)، وسترون أن هذا النص يشير إلى
الابن.

 

12-
لأنه (بولس) وه يتحدث عن الخليقة، فإنه يستمر أيضاً فى الكتابة عن قوة الخالق فى
خليقته، تلك القوة التى هى “كلمة الله”،. والذى من خلاله (بواسطته) قد
خلق كل شئ. فلو أن الخليقة فى طاقتها بذاتها وحدها أن تعرف الله بدون الابن،
فالتفتوا لئلا تسقطوا فى الغواية. فتظنوا، أنه بدون الابن أيضاً قد خلقت الخليقة.
ولكن إن كانت الخليقة قد خلقت عن طريق الابن، وأنه “فيه تثبت (تقوم) كل
الأشياء فى الوجود”(16). فأن الذى يتأمل الخليقة بطريقة مستقيمة، فلابد أن
يرى أيضاً بالضرورة الكلمة الذى خلقها. ومن خلال الكلمة يبدأ أن يدرك الآب. وان
كان حسب قول المخلص “لا أحد يعرف الآب إلا الابن ولمن سيعلن له الابن
عنه”(17) وحينما سأل فيلبس “أرنا الآب” لم يقل له، انظر الخليبقة،
بل قال له “من رآنى فقد رآى الآب”. فإن بولس بصواب وأدراك. يتهم اليونانيين
بأنهم، بينما يرون تناسق الخليقة ونظامها فإنهم لا يدركون الكلمة خالقها. (لأن
المخلوقات تعلن عن خالقها). لكى يدركوا الإله الحقيقى من خلال المخلوقات. ويكفوا
عن عبادة المخلوقات. – ولذلك قا لبولس “قدرته السرمدية ولاهوته” لكى
يشير بذلك إلى الابن. وحينما يقول القديسون “الكائن قبل الدهور”،
“والذى به صنع الدهور” فإنهم بذلك يبشرون بخلود الابن وأزليته. وهم
حينما يقولون الابن فهم يقصدون الله نفسه.

 

ولذلك
يقول أشعياء “الله الأبدى، خالق أطراف الأرض”(18) وقالت سوسنه
“أيها الاله الأزلى”(19). أما باروخ فكتب “قد صرخت إلى الأبدى مدى
أيامى”(20) وبعد قليل يقول “لأنى أنا أعتمدت فى رجائى على الأبدى، لأجل
خلاصكم، وغمرنى فرح من لدن القدوس”(21). لذلك يقول الرسول أيضاً وهو يكتب
للعبرانيين. “الذى (الابن) وهو بهاء مجده وصورة جوهره”(22) وداود ينشد
فى المزمور التاسع والثمانين قائلاً “فليكن بهاء الرب الهنا علينا”(23).
وأيضاً “بنورك سنرى النور(24) فمن يكن حمقا لدرجة أنه يشك فى أن الابن كائن
على الدوام؟. لأنه من رأى نوراً قط بدون بريق وميضه. حتى يقول عن الابن أنه
“كان هناك وقت ما لم يكن فيه موجوداً”، أو “أن الابن لم يكن
موجوداً قبل أن يولد”؟ وما قيل فى المزمور الرابع والأربعين بعد المائة.
موجهاً قوله للابن “مملكتك مملكة كل الدهور”(25) فلا يجوز لأى شخص. أن
يتخيل أى فترة – مهما كانت وجيزة – لم يكن فيها الكلمة موجوداً. لأنه ان كانت كل
فترة زمنية تقاس من خلال الدهور، والكلمة هو ملك وصانع كل الدهور. لذلك فبالضرورة.
حيث أنه لا توجد قبله أية فترة زمنية من أى نوع. فإن يعتبر ضرباً من الجنون أن
يقال “كان هناك وقت عندما لم يكن الأزلى موجوداً. وأن “الابن هو من
عدم” حيث أن الرب نفسه يقول “أنا هو الحق”(26) ولم يقل “صرت
الحق”. بل هو يكرر دائماً “أنا هو” – فيقول – “أنا هو
الراعى”(27) – و “أنا هو النور”(28) ومرة أخرى يقول “ألستم
أنتم تقولون أنى أنا الرب والمعلم وحسنا تقولون، لأنى أنا هو”(29). ومن عندما
يسمع مثل هذا القول. من الله. والحكمة وكلمة الآب، متحدثاً عن ذاته، يظل حائراً
بخصوص الحقيقة، ولا يؤمن فى الحال، بأن عبارة “أنا هو” تعنى أن الابن
أبدى، وأزلى قبل كل الدهور.

 

13-
مما سبق ذكره يتضح أن ما تقوله الكتب المقدسة عن الابن يبرهن أنه أزلى. أما ما
يتفوه به الأريوسيون متشدقين بالألفاظ: “لم يكن”. “من قبل”،
“متى؟” فإن الكتب المقدسة تشير بهذه الألفاظ الى المخلوقات. وهذا سيتضح
مرة أخرى مما سنذكره فيما يلى: فمثلاً، عندما تحدث موسى عن الأمور المختصة بتكوين
الخليقة، قال “كل خضرة الحقل لم تكن بعد فى الأرض وكل عشب الحقل لم يكن قد
نبت بعد لأن الله لم يكن قد أمطر على الأرض، ولا كان إنسان ليعمل فى الأرض(30)
وجاء فى التثنية “حين قسم العلى، الشعوب”(31). وكان الرب يقول عن نفسه
“لو كنتم تحبوننى لكنتم تفرحون لأنى قلت أنى ماض إلى الآب، لأن أبى أعظم منى.
وقد قلت لكم الآن قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون”(32).

 

أما
عن الخليقة فيقول على فم سليمان “قبل خلق الأرض. قبل صنع الأعماق. وقبل تدفق
ينابيع المياه. وقبل أن ترسخ الجبال. وقبل جميع التلال. ولدنى”(33) وأيضاً
“قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن”(34) ويقول عن أرميا “قبل أن أصورك
فى الرحم عرفتك”(35) وداود يرنم قائلاً “يارب صرت لنا ملاذاً من جيل إلى
جيل. قبل تكوين الجبال. أو قبل خلق الأرض والمسكونة منذ الأزل وإلى الأبد أنت
هو”(36). وفى سفر دانيال “وصرخت سوسنة بصوت عظيم وقالت،: أيها الإله
الأزلى العارف بالخبايا، والعالم بكل الأشياء قبل حدوثها”(37).

 

وهكذا
إذن يظهر أن الألفاظ “لم يكن فى وقت ما”. و”قبل أن يصير”.
و”عندما” ومثل هذه التعبيرات انما تنطبق على الكلام بخصوص المنشآت
والمخلوقات التى جبلت من العدم. ولكنها غريبة تماماً بالنسبة للكلمة. فغن كانت
الكتب المقدسة تستخدم هذه التعبيرات عن المخلوقات، بينما تقول عن الابن أنه
“الدائم” إذن فيا محاربى الله، فان الابن لم يصر من العدم. ولا يحسب فى
عداد المخلوقات اطلاقاً، بل هو صورة الآب وهو الكلمة، ولم يكن قد غير موجود، بل هو
موجود على الدوام. وهو الشعاع الأزلى لنور هو أزلى. لماذا إذن تتخيلون أن هناك
أزمنة سابقة على الابن؟. أو لماذا تجدفون على الكلمة بأنه لاحق وتالى للدهور وهو
الذى به قد صارت الدهور.؟

 

لأنه
كيف يوجد زمن أو دهر إطلاقا. بينما لم يكن الكلمة قد ظهر بعد حسبما تقولون أنتم،
وهو الذى به قد “كان كل شئ، وبغيره لم يكن شئ واحد”(38).، أو أن كنتم
تقصدون زمناً ما، فلماذا لا تقولون جهاراً أنه “كان هناك زمن لم يكن فيه الكلمة
موجوداً. ولكن بينما أنتم تسكتون عن اسم “الزمن” لكى تخدعوا البسطاء
ولكنكم من ناحية أخرى لا تخفون شعوركم الخاص على وجه الاطلاق، ولكن – حتى لو
أخفيتمون. فإنكم لا تستطيعون أن تفلتوا من إنكشاف أمركم. لأنكم لا تزالون تقصدون
الأزمنة عندما تقولون “كان مرة حينما لم يكن موجوداً”، “لم يكن
موجوداً قبل أن يولد”.

(9)
مز 1: 2.

(10)
يو 1: 1.

(11)
رؤ 4: 1.

(12)
يو 20: 1.

(13)
1كو24: 1.

(14)
أى أن القوة منسوبة للآب وخاصة به. ولكنه لم يقل أن الاب نفسه هو القوة ذاتها. بل
أن الابن هو قوة الاب (المعرب).

(15)
2 كو17: 3.

(16)
كو 17: 1.

(17)
مت 27: 11.

(18)
أش 28: 40.

(19)
دانيال (سوسنة 42).

(20)
باروخ 20: 4.

(21)
باروخ 22: 4.

(22)
عب 3: 1.

(23)
مز 17: 89.

(24)
مز 10: 35 (فى ترجمة جمعية الكتاب المقدس مز 9: 36).

(25)
مز 13: 144 (أى مز 13: 145).

(26)
يوحنا 12: 8.

(27)
يو 14: 10.

(28)
يو 12: 8.

(29)
يو 13: 13.

(30)
تكوين 5: 2 (الترجمة السبعينية).

(31)
تث 8: 22.

(32)
يو 28: 14، 29.

(33)
أم 23: 8 – 25 (السبعينية).

(34)
يو 58: 8.

(35)
أرميا 5: 1.

(36)
مز 89 (90): 1 – 2.

(37)
دانيال (سوسنة42).

(38)
يو 3: 1.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى