اللاهوت المقارن

ملحق 2



ملحق 2

ملحق
2

السجالات
الكريستولوجية فى القرنين الرابع والخامس

بقلم الأنبا بيشوى

 

1- هرطقة أبوليناريوس Apollinarius أسقف اللاذقية Laodicea (390م)

لقد حوّل أبوليناريوس تعليم ثلاثية تكوين
الإنسان
trichotomy من سيكولوجية أفلاطون إلى كريستولوجى. فقال: كما أن الإنسان
العادى مكوَّن من جسد ونفس وروح، هكذا يسوع المسيح هو مكوّن من جسد ونفس والكلمة
lo,goj (اللوغوس). وفى رأيه أن الكلمة قد حل محل الروح pneu/ma واتحد بالجسد والنفس لتكوين الاتحاد.[1]

 

لم يتصور أبوليناريوس إمكانية وجود نفس إنسانية
عاقلة فى المسيح فى وجود الله الكلمة الذى هو روح والذى هو العقل الإلهى منطوق به.
ربما تصوّر أبوليناريوس أن النفس الإنسانية العاقلة تعنى بالضرورة شخصاً بشرياً
متمايزاً عن شخص الله الكلمة. بمعنى أنه خلط بين مفهوم الشخص الذى هو مالك
الطبيعة، ومفهوم العقل الذى هو أحد خواص الطبيعة التى يملكها الشخص، أى أنه اعتبر
أن الشخص هو العقل. وأراد بإلغاء الروح الإنسانية العاقلة أن يؤكّد أن شخص كلمة
الله هو الذى تجسد وهو هو نفسه يسوع المسيح. بمعنى أن كلمة الله لم يتخذ شخصاً من
البشر بل اتخذ جسداً ذا نفس بلا روح عاقلة. وبهذا تتحقق -فى نظره- وحدة الطبيعة فى
المسيح الكلمة المتجسد وعصمته من الخطيئة.

 

وقد تصوّر البعض أن القديس أثناسيوس الرسولى فى
القرن الرابع قد تأثر بفكر وتعليم أبوليناريوس فى تعاليمه الكريستولوجية. ولكن
القديس أثناسيوس قد شرح هذا الأمر باستقامته المعروفة فى التعليم فى رسالته إلى
أبيكتيتوس. وقال أن عبارة القديس يوحنا الانجيلى أن “الكلمة صار جسداً”
(يو1: 14) تعنى أن “الكلمة صار إنساناً” وأن السيد المسيح قد اتخذ طبيعة
بشرية كاملة من جسد وروح عاقلة. فقال القديس أثناسيوس: [لأن القول “الكلمة
صار جسداً” هو مساو أيضاً للقول “الكلمة صار إنساناً” حسب ما قيل
فى يوئيل النبى “إنى سأسكب من روحى على كل جسد” لأن الوعد لم يكن ممتداً
إلى الحيوانات غير الناطقة، بل هو للبشر الذين من أجلهم قد صار الرب إنساناً].
[2]

 

وقال أيضاً فى نفس الرسالة: [إلا أن خلاصنا، فى
واقع الأمر، لا يعتبر خيالاً، فليس الجسد وحده هو الذى حصل على الخلاص، بل
الإنسان كله من نفس وجسد حقاً، قد صار له الخلاص فى الكلمة ذاته].
[3]

 

2- إدانة هرطقة أبوليناريوس

أدانت
عدة مجامع مكانية فى روما (377م)، والإسكندرية (378م)، وأنطاكية (379م) تعاليم
أبوليناريوس. ثم أدين فى المجمع المسكونى الثانى الذى انعقد فى القسطنطينية (381
م).

 

كان
رأى آباء مجمع القسطنطينية أن السيد المسيح له نفس إنسانية عاقلة لأنه جاء لخلاص
البشر وليس لخلاص الحيوانات. وأنه كان ينبغى أن تكون للمسيح إنسانية كاملة لكى يتم
افتداء الطبيعة الإنسانية. وأن الروح البشرية مثلها مثل الجسد فى حاجة إلى الفداء
وهى مسئولة عن سقوط الإنسان. فبدون الروح البشرية العاقلة كيف يكون الإنسان مسؤولاً
مسؤولية أدبية عن خطيئته؟ فالروح البشرية أخطأت مع الجسد وتحتاج إلى الخلاص، ولهذا
يجب أن يتخذها كلمة الله مع الجسد لأن ما لم يتخذ لا يمكن أن يخلص، كما قال القديس
غريغوريوس النازيانزى عبارته المشهورة ضد أبوليناريوس فى رسالة إلى الكاهن
كليدونيوس “لأن ما لم يتخذه (الله الكلمة) فإنه لم يعالجه؛ ولكن ما تم توحيده
بلاهوته فهذا يخلص”.
[4]

 

إن
أهم ما شغل الآباء ضد الأبولينارية هو “أن النفس الإنسانية العاقلة، بقدرتها
على الاختيار، كانت هى مقر الخطيئة؛ ولو لم يوحّد الكلمة هذه النفس بنفسه، فإن
خلاص الجنس البشرى لم يكن ممكناً”.
[5] 

 

3- ردود الفعل ضد الأبولينارية

ظهرت ردود الفعل ضد الأبولينارية فى نفس منطقة
أبوليناريوس (سوريا) فى شخص ديودور أسقف طرسوس (394م)
Diodore of Tarsus وثيئودور الموبسويستى فى كيليكيا(428م) Theodore of Mopsuestia in Cilicia.

 

4- ديودور الطرسوسى

إدّعى ديودور أن اللاهوت سوف ينتقص إذا كوّن
الكلمة والجسد اتحاداً جوهرياً
substantial (أو أقنومياً) مشابهاً لذلك الذى ينتج عن اتحاد الجسد والنفس
(العاقلة) فى الإنسان.

 

فى رد فعله على ذلك (أى على فكرة تكوين الكلمة
والجسد إتحاداً جوهرياً) قادته نظريته الخاصة إلى الفصل بين اللاهوت والناسوت،
وهذا أوصله إلى التمييز
[6] بين ابن الله وابن داود. وقال[7] أن الكتب المقدسة تضع حداً فاصلاً بين أفعال الابنين… فلماذا
يحصل من يجدفون على ابن الإنسان على الغفران، بينما من يجدفون على الروح (الروح
القدس) لا يحصلون على الغفران؟
[8]

 

5- ثيئودور الموبسويستى

أراد ثيئودور الموبسويستى أن يؤكد الإنسانية
الكاملة للمسيح، واعتبر أن الإنسانية الكاملة لا تتحقق إلا إذا كان المسيح شخصاً
إنسانياً لأنه اعتقد أنه لا وجود كاملاً بلا شخصية. وبهذا لم يكتفِ بتأكيد وجود
طبيعة إنسانية كاملة للسيد المسيح، ولكنه تمادى إلى تأكيد اتخاذ الله الكلمة
لإنسان تام يستخدمه كأداة لخلاص البشرية واعتبر أن الله الكلمة قد سكن فى هذا
الإنسان بالإرادة الصالحة، وأنه قد اتحد به اتحاداً خارجياً فقط. واستخدم عبارة
اتصال
conjoining suna,feia بدلاً من كلمة اتحاد e[nwsij  union.

وبهذا فقد جعل فى المسيح شخصين أحدهما إلهى
والآخر إنسانى وقد كونا معاً شخصاً واحداً هو شخص الإتحاد (اتحاد خارجى)
مشبهاً إياه بإتحاد الرجل بالمرأة.

 

قال
المؤرخ هيفلى
[9] C.J. Hefele: [ثيئودور فى خطئه الجوهرى.. لم يحفظ فقط وجود طبيعتين فى المسيح،
إنما شخصين أيضاً، وهو نفسه قال ليس هناك كيان
subsistence يمكن أن يظن أنه كامل بدون شخصية. لكن كما أنه لم يتجاهل حقيقة أن
ضمير الكنيسة قد رفض هذا الازدواج فى شخصية المسيح، إلا أنه سعى إلى التخلص من الصعوبة
وكرر القول صريحاً: “إن الطبيعتين اللتين اتحدتا معاً كونتا شخصاً واحداً
فقط، كما أن الرجل والمرأة هما جسد واحد… فإذا أمعنا الفكر فى الطبيعتين فى
تمايزهما يجب علينا أن نعرف طبيعة الكلمة على أنه كامل وتام، وكذلك شخصه. وأيضاً
طبيعة وشخص الإنسان على أنها كاملة وتامة. وإذا -من ناحية أخرى- نظرنا إلى الاتصال
suna,feia نقول أنه شخص واحد” [10]. إن نفس صورة الوحدة بين الرجل وزوجته تبيِّن أن ثيئودور لم يفترض
اتحاداً حقيقياً لطبيعتين فى المسيح، ولكن تصوره كان لصلة خارجية بين الاثنين.
علاوة على ذلك فإن التعبير “إتصال”
conjoiningsuna,feia الذى يختاره هنا بدلاً
من كلمة “اتحاد”
union e[nwsij… مشتق من suna,ptw (الراقصين
الممسكين بأيدى بعضهم البعض
أى يصل بعضهم بالبعض
الآخر) تعبر فقط عن ارتباط خارجى، وتوطد معاً. لذلك فهو مرفوض بوضوح.. بواسطة
علماء الكنيسة.]

 

6- نسطور[11]

من مدرسة ثيئودور جاء نسطور، الذى ارتبطت
باسمه الحقبة الأولى للنزاع الكرستولوجى الكبير. ولد نسطور فى جرمانيكيا وهى مدينة
بسوريا، ثم أتى إلى أنطاكيا فى سن مبكرة… وإلتحق بدير أوبريبيوس فى أنطاكيا، ومن
هناك عيّن شماساً ثم قسيساً فى كاتدرائية أنطاكيا… ونتيجة للشهرة التى نالها بعد
موت الأسقف سيسينوس أسقف القسطنطينية فى 24 ديسمبر عام 427م فقد رُفع إلى هذا
الكرسى الشهير، وترجّى شعبه أن ينالوا فيه خلفاً لذهبى الفم أسقف القسطنطينية. منذ
وقت سيامته فى 10 أبريل عام 428م أظهر إعجاباً عظيماً بعمل الوعظ وحماساً ضد
الهراطقة. ففى عظته الأولى خاطب الإمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير بالكلمات التالية:
“أعطنى أيها الإمبراطور الأرض نقية من الهراطقة وأنا سوف أعطيك السماء،
ساعدنى لأشن حرباً ضد الهراطقة وأنا سوف أساعدك فى حربك ضد الفرس.”
[12]… وفى رسالة.. ليوحنا أسقف أنطاكية، يؤكد نسطور أنه فى وقت وصوله
إلى القسطنطينية وجد خصوماً (متضادين) موجودين فعلاً. لقّب أحد أطرافهم القديسة
العذراء بلقب “والدة الإله” وآخر بأنها مجرد “والدة إنسان”.
وحتى يتم التوسط بينهما قال أنه اقترح عبارة “والدة المسيح” معتقداً أن
كلا الطرفين سوف يرضى بها
[13]… من ناحية أخرى فإن سقراط يروى أن “الكاهن أنسطاسيوس صديق
نسطور، الذى أحضره معه إلى القسطنطينية قد حذَّر سامعيه يوماً ما، فى عظة أنه لا
يجب أن يطلق أحد على مريم لقب والدة الإله
qeoto,koj لأن مريم كانت إنسانة والله لا يمكن أن يولد من إنسان.”[14] هذا الهجوم على الاعتقاد القديم والمصطلح الكنسى المقبول حتى ذلك
الوقت، سبب هياجاً عظيماً وإضطراباً وسط الإكليريكين والعلمانين. وتقدّم نسطور
نفسه ودافع عن خطاب صديقه فى عدة عظات. وإتفق إحد الأطراف (المتضادة) معه، وعارضه الأخر…

 

وفقاً لهذا التقييم للأمر، فإن نسطور لم يجد النزاع
قائماً بالفعل فى القسطنطينية، ولكنه مع صديقه أنسطاسيوس كانا أول من أثاره. ومع
ذلك فإن العظات الموجودة لدينا، كما ذكرنا، والتى ألقاها فى هذا الموضوع لا زالت
محفوظة لنا جزئياً، وهى كافية بالتمام لدحض تأكيدات الكثيرين غير الدقيقة بأن
نسطور فى الواقع لم يعلِّم شيئاً ذا سمة هرطوقية. ففى خطبته الأولى هتف بعاطفة
[إنهم يسألون إن كان من الممكن أن تدعى مريم والدة الإله. لكن هل لله أم إذاً؟ فى
هذه الحالة يجب أن نعذر الوثنية التى تكلمت عن أمهّات للآلهة، لكن بولس لم يكن
كاذباً حينما قال عن لاهوت المسيح (عب7: 3) أنه بلا أب، بلا أم، بلا نسب. لا يا
أصدقائى لم تحمل مريم الله.. المخلوق لم يحمل الخالق إنما حملت الإنسان الذى هو
أداة اللاهوت. لم يضع الروح القدس الكلمة، لكنه أمد له من العذراء المطوبة، بهيكل
حتى يمكنه سكناه.. أنا أكرِّم هذه الحُلة التى إستفاد منها من أجل ذاك الذى إحتجب
فى داخلها ولم ينفصل عنها.. أنا أفرِّق الطبائع وأوحِّد التوقير. تبصَّر فى معنى
هذا الكلام. فإن ذاك الذى تشكّل فى رحم مريم لم يكن الله نفسه لكن الله إتخذه..
وبسبب ذاك الذى إتَّخَذَ فإن المُتَّخَذْ أيضاً يدعى الله]
[15]

 

من السهل أن نرى أن نسطور قد تبنّى وجهة نظر
معلمه ثيئودور الموبسويستى… وقد أنذره كثير من كهنته بالإنسحاب من شركته ووعظوا
ضده. وصرخ الشعب “لدينا إمبراطوراً، لكن ليس لدينا أسقف”. والبعض ومنهم
علمانيون تكلّموا ضده علناً حينما كان يعظ، وبالأخص شخصاً بإسم يوسابيوس وهو بلا
شك نفس الذى صار فيما بعد أسقف دورليم، والذى على الرغم من كونه علمانياً فى ذلك
الوقت، إلا أنه كان أول من كانت له نظرة ثاقبة وعارض الهرطقة الجديدة. لهذا السبب
استعمل نسطور لقب “الرجال البؤساء”
[16] عنه وعن بعض الرهبان الذين وجهوا إلى الإمبراطور
إتهاماً ضد نسطور وإستدعى الشرطة ضدهم، وتم جلدهم وسجنهم.
[17]

 

إن مقتطفات عظة أخرى موجهة كليةً ضد تبادل
الخواص
communicatio idiomatum (أى تبادل الألقاب الإلهية والإنسانية للسيد
المسيح فى مقابل خواصه الإنسانية والإلهية) وبالتحديد ضد عبارة “تألّم
الكلمة”، ولكن خطابه الرابعة ضد بروكلوس
*
هو الأكثر الأهمية ويحوى الكلمات التالية: [إنهم يدعون اللاهوت معطى الحياة قابلاً
للموت، ويتجاسرون على إنزال اللوغوس إلى مستوى خرافات المسرح، كما لو كان (كطفل)
ملفوفاً بخرق ثم بعد ذلك يموت.. لم يقتل بيلاطس اللاهوت – بل حُلة اللاهوت. ولم
يكن اللوغوس هو الذى لف بثوب كتّانى بواسطة يوسف الرامى… لم يمت واهب الحياة
لأنه من الذى سوف يقيمه إذاً إذا مات.. ولكى يصنع مرضاة البشر إتخذ المسيح شخص
الطبيعة الخاطئة (البشرية).. أنا أعبد هذا الإنسان (الرجل) مع اللاهوت ومثل آلات
صلاح الرب.. والثوب الأرجوانى الحى الذى للملك… ذاك الذى تشكَّل فى رحم مريم ليس
الله نفسه.. لكن لأن الله سكن فى ذاك الذى إتخذه، إذاً فإن هذا الذى إتُّخِذَ
أيضاً يدعى الله بسبب ذاك الذى إتخذه. ليس الله هو الذى تألم لكن الله إتصل بالجسد
المصلوب… لذلك سوف ندعو العذراء القديسة ثيئوذوخوس
qeodo,coV (وعاء الله) وليس ثيئوتوكوسqeoto,koV  (والدة الإله)، لأن الله الآب وحده هو الثيئوتوكوس، ولكننا سوف
نوقّر هذه الطبيعة التى هى حُلة الله مع ذاك الذى إستخدم هذه الحُلة، سوف نفّرق
الطبائع ونوحّد الكرامة
، سوف نعترف بشخص مزدوج ونعبده كواحد
.][18]

 

من كل ما تقدم نرى أن نسطور… بدلاً من أن
يوحّد الطبيعة البشرية بالشخص الإلهى، هو دائماً يفترض وحدة الشخص الإنسانى مع
اللاهوت… لم يستطع أن يسمو إلى الفكرة المجردة، أو يفكر فى الطبيعة البشرية بدون
شخصية، ولا اكتسب فكرة الوحدة التى للطبيعة البشرية مع الشخص الإلهى. لذلك فإنه
يقول حتماً أن المسيح إتخذ شخص البشرية الخاطئة، ويستطيع أن يوحِّد اللاهوت
بالناسوت فى المسيح خارجياً فقط، لأنه يعتبر الناسوت شخصاً كما هو مبيَّن
فى كل الصور والتشبيهات التى يستخدمها.

 

7- كتابات نسطور المتأخرة

نسب البعض كتاب “بازار هيراقليدس” Bazar of Heracleides إلى نسطور باعتبار أنه كتبه فى منفاه باسم مستعار. وقد حاول فى
هذا الكتاب -كما يبدو- تبرئة نفسه. ولكنه على العكس أكّد هرطقته المعروفة فى
اعتقاده بأن شخص يسوع المسيح ليس هو نفسه شخص ابن الله الكلمة. أى الاعتقاد باتحاد
شخصين اتحاداً خارجياً فقط فى الصورة. وهذا يهدم كل عقيدة الفداء لأن الله
الكلمة لا يكون هو هو نفسه الفادى المصلوب مخلّص العالم ولا يصير لكلمات يوحنا
الإنجيلى الخالدة “هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا
يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (يو3: 16) أى معنى. بل كيف يتحقق
قول الرب بفم نبيه أشعياء ” أنا أنا الرب وليس غيرى مخلّص”
(أش43: 11).

 

وفيما يلى النصوص التى نسبت إلى نسطور فى الكتاب
المذكور
Bazar of Heracleides:

1- هما شخصان Two prosopa: شخص ذاك الذى ألبَس وشخص (الآخر) الذى لَبِس.[19]

2- لذلك فإن صورة الله هى التعبير التام عن الله
للإنسان. فصورة الله المفهومة من هذا المنطلق يمكن أن نظنها الشخص الإلهى. الله
سكن فى المسيح وكشف ذاته للبشر من خلاله. مع أن الشخصان
Two prosopa هما فى الحقيقة صورة واحدة لله.[20]

3- يجب ألا ننسى أن الطبيعتين يستلزمان أقنومين
وشخصين
Two persons (prosopons) متحدين فيه بقرض بسيط (simple loan)
وتبادل.
[21]

 

8- بداية الصراع بين كيرلس ونسطور[22]

“لم يمض زمان طويل على انتشار آراء نسطور
من القسطنطينية إلى ولايات أخرى، ومنذ بداية سنة 429م أن كيرلس، رئيس أساقفة
الإسكندرية، وجد أنه من الضرورى أن يقدم تعبيراً واضحاً وبسيطاً للعقيدة
الأرثوذكسية فى عظة عيد القيامة، لكن بدون ذكر نسطور والأحداث التى حدثت فى
القسطنطينية، معلناً بأن ليس اللاهوت بذاته، ولكن اللوغوس الذى اتحد مع
الطبيعة البشرية، هو الذى وُلد من مريم.
[23]

 

وقد جرت محاولة خاصة لنشر النسطورية بين رهبان
مصر الكثيرين، وتم إرسال مبعوثين لهذا الغرض، نشطاء فى هذا المجهود… وفى خطاب
عقائدى متكامل إلى الرهبان،
[24] يظهر كيرلس الآن كيف أنه حتى أثناسيوس هذا
العظيم قد استخدم التعبير “والدة الإله” وأن الكتب المقدسة ومجمع نيقيه
قد قالت بالاتحاد التام بين الطبيعتين فى السيد المسيح
إن اللوغوس بذاته لا يمكن أن يدعى المسيح؛*
وأيضاً لا ينبغى أن ندعو السيد المسيح حامل الإله
qeofo,roj متخذاً الناسوت كأداة، ولكن ينبغى أن يُدعى “الله بالحقيقة صار
إنساناً”.

 

إن جسد السيد المسيح ليس جسد أى شخص آخر، ولكنه
جسد الكلمة؛ أى أن طبيعية المسيح البشرية لا تنتمى لأى شخص بشرى، ولكن الشخصية
التى تنتمى اليها هو اللوغوس.. وفى الختام فقد قارن أيضاً بين موت السيد المسيح
وموتنا. يقول بخصوصنا نحن، أنه الجسد فقط الذى يموت، ولكننا نقول على الرغم من ذلك
أن الإنسان مات.. وهكذا الحال مع المسيح. فاللاهوت بذاته لم يمت، ولكن اللوغوس
ينتمى إلى طبيعته البشرية فى المكانة الأولى، وهكذا يمكننا القول “أنه قاسى
الموت”. كإنسان قاسى الموت ولكن كإله فقد أبطل الموت مرة أخرى؛ ولم يكن
يستطيع أن يكمِّل خلاصنا بطبيعته الإلهية إذا لم يحتمل الموت من أجلنا فى طبيعته
البشرية.

 

بلغت
رسالة كيرلس هذه إلى القسطنطينية أيضاً، وأثارت نسطور ليستخدم عبارات عنيفة بشأن
زميله السكندرى. وقام كيرلس بتوجيه خطاب قصير إلى نسطور قال فيه: لم يكن هو
(كيرلس) ورسائله، ولكن نسطور أو صديقه هما السبب فى الفوضى الكنسية السائدة حالياً
[25]أجاب نسطور على ذلك فى سطور قليلة احتوت، فى مجملها، على
مديح فى نفسه
[26]….

 

فى
خطاب جديد إلى نسطور، حدد كيرلس العقيدة الأرثوذكسية قائلاً: الكلمة لم يصر جسداً
بطريقة تجعل طبيعة الله تتغير أو تتحول…
على النقيض من ذلك فإن
اللوغوس قد إتحد أقنومياً مع الجسد
sa.rx المتحرك المحيا بالنفس العاقلةyuch. Logikh, وهكذا صار إنساناً بطريقة يتعذر تفسيرها.. إن الطبيعتين المتميزتين
قد إتحدتا فى إتحاد حقيقى… ليس كما لو كان الاختلاف فى الطبائع قد اختفى
بالاتحاد، ولكن على العكس، بأنهما قد شكّلا الرب يسوع المسيح الواحد والابن
بالاتحاد غير المنطوق به بين اللاهوت والناسوت… اللوغوس إتحد مع الطبيعة البشرية
فى رحم مريم؛ وهكذا وُلد بعد أن أخد جسداً. وهكذا أيضاً تألم الخ.. وحيث أن
اللوغوس فى نفسه غير قابل للألم، فقد إحتمل هذا فى الجسد الذى إتخذه.]
[27]

 

أجاب نسطور… أننا لا ينبغى أن نقول أن الله
وُلد وتألم أو أن مريم كانت والدة الإله؛ لأن ذلك يعتبر وثنياً وأبولينارياً
وأريوسياً…

 

أما
كيرلس…فقد أرسل الشماس بوسيدونيوس
Possidonius إلى روما، وأعطاه مذكرة
خاصة بيَّن فيها.. الخطأ النسطورى والعقيدة الأرثوذكسية المعارضة لها.

 

مجمع روما (430م)

بناءً على ما سبق، عقد البابا كليستين مجمعاً فى
روما (430م) تقرر فيه تأكيد لقب العذراء “والدة الإله” وأعلن فيه أن
نسطور هو هرطوقى
[28]. وأرسل البابا كليستين إلى البابا كيرلس السكندرى تفويضاً فى
إصدار حكم علنى ضد نسطور إذا استمر كما هو. وجاء فى هذا الخطاب:

 

[دعه يعرف أنه لا يستطيع أن يشترك فى
شركتنا إن ظل فى هذا الطريق المنحرف بمعارضته للتعليم الرسولى. وبنا
ءً على ذلك،
حيث إن التعليم الأصيل لكرسينا هو فى اتفاق معكم، فتمم هذا القرار بحسم دقيق
مستخدماً خلافتنا. وفى خلال عشرة أيام ابتداءً من يوم هذا التذكير، ينبغى عليه إما
أن ينقض عظاته الرديئة بإعتراف مكتوب ويؤكد بقوة أنه هو نفسه يعتنق الإيمان بخصوص
ميلاد المسيح إلهنا, الذى تعتنقه كنيسة روما وكنيسة قداستكم كما يعتنقه الأتقياء
فى كل العالم, وإذا لم يفعل هذا، فقداستكم، بسبب عنايتكم بتلك الكنيسة، تعلم فى
الحال أنه يجب أن يُبعد من جسمنا بكل طريقة… وكتبنا هذا نفسه إلى إخوتنا
القديسين وزملائنا الأساقفة، يوحنا (أنطاكيا)، وروفس (تسالونيكى) ‎، ويوفينايوس
(أورشليم)، وفلافيانوس (فيلبى)، لكى يكون حكمنا بخصوصه – أو بالحرى حكم المسيح
الإلهى ظاهراً.]
[29]

 

مجمع
الإسكندرية (430م)

عقد البابا كيرلس
مجمعاً فى الإسكندرية (430م) واعتمد المجمع نص رسالة البابا كيرلس الثالثة إلى
نسطور وهى التى تتضمن الحروم الإثنى عشر ومطالبة نسطور بالإعتراف بها.

 

كذلك أرسل المجمع
رسالتين أخريين واحدة إلى إكليروس وشعب القسطنطينية والأخرى إلى رهبان
القسطنطينية.

 

وقام وفد من الأساقفة
والكهنة المصريين بتسليم الرسالة فى يوم الأحد بالكاتدرائية بالقسطنطينية إلى
نسطور ومعها الوثائق المرسلة من روما.

 

قام نسطور بعدها بتقديم
شكوى ضد البابا كيرلس إلى الإمبراطور ثيئودوسيوس كما قام بنشر إثنى عشر حرماً مضاداً
لحرومات البابا كيرلس، متهماً البابا كيرلس بالهرطقة.
[30]

فى الحرم السابع أنكر
نسطور تماماً أن المولود من العذراء مريم هو هو نفسه الإبن الوحيد الجنس المولود
من الآب قبل كل الدهور ونصه كما يلى:

 

[إذا قال أحد أن
الإنسان الذى تكوَّن من العذراء هو إبن الله الوحيد، الذى ولد من حضن الآب قبل
كوكب الصبح، ولا يعترف
بالأولى أنه حصل على
مكانة إبن الله الوحيد لارتباطه مع ذاك الذى بالطبيعة هو ابن الله الوحيد المولود
من الآب؛
بالإضافة
إلى ذلك، إذا دعاه أحد شيئاً آخر غير المسيح عمانوئيل؛ فليكن محروماً].
[31]

 

بداية وصراع ونصرة مجمع أفسس:

تم
اقتراح عقد مجمع مسكونى بعد مدة طويلة من الخلاف النسطورى لتسويته. وقد طلب ذلك
بوضوح كل من الأرثوذكس ونسطور
[32]. وقد تكلم نسطور عن ذلك فى خطابه الثالث إلى البابا كليستين وبالطريقة
نفسها اشتكى رهبان القسطنطينية فى خطاب إلى الإمبراطور من سوء معاملة نسطور لهم، وعبروا
فيه عن رغبتهم بصوت عالى لطلب هذا العلاج الكنسى.
[33] وبالفعل وصل الإمبراطور ثيئودوسيوس الثانى إلى
القسطنطينية يوم 19 نوفمبر عام 430م، قبل بضعة أيام من حرومات كيرلس، وأصدر
منشوراً به اسم زميله الغربى
فالنتينيان الثالث وموجهاً إلى جميع المطارنه دعاهم فيه لاجتماع مسكونى فى أفسس فى عيد
العنصرة (7 يونيو) من السنة التالية 431
[34]،.. وأن كل من يصل متأخراً سيكون مسئولاً مسئولية جسيمة أمام الله
والإمبراطور.

 

وكان
نسطور مع أساقفته الستة عشر بين الأوائل الذين وصلوا أفسس.
[35] وقد انتظر الآباء وصول البطريرك يوحنا الأنطاكى لمدة ستة عشر
يوماً بعد الموعد المحدد. لكنه لم يصل على افسس. ثم بدأ المجمع برئاسة البابا
كيرلس الأسكندرى فى يوم 22 يونيو فى كاتدرائية والدة الإله بأفسس. وبعد استدعاء
نسطور ثلاث مرات رفض الحضور إلى المجمع وقُرئ خطاب القديس كيرلس الثانى إلى نسطور
ورد نسطور عليه.

 

“بعد
ذلك تمت قراءة وثيقتين أخريين وهما تحديداً خطاب كليستين والمجمع الرومانى، وخطاب
كيرلس السكندرى إلى نسطور
*؛ وتم سؤال الأربعة من الإكليروس الذين أرسلهم كيرلس ليسلموا هذه
الوثيقة إلى نسطور عن نتيجة مهمتهم. وقد أجابوا بأن نسطور لم يعطهم رداً على
الإطلاق. ومع ذلك، من أجل التأكد من أنه ما زال مصمماً على خطئه، تم سؤال أسقفين:
ثيئودوتس اسقف أنقيرا
Ancyra وأكاكيوس اسقف ميليتينMelitene إذ كانت تربطهم
بنسطور صداقة شخصية، وكانوا خلال اليومين الثلاثة الماضية فى مناقشات مألوفة معه،
محاولين أن يحولوه عن خطأه.. وقد أعلنوا للأسف بأن جميع مجهوداتهم معه كانت سدى
[36]“. [37]

 

كانت
إجابة نسطور لهؤلاء الأساقفة [لن أدعو أبداً طفلاً عمره شهرين أو ثلاثة
“الله”]
[38].

 

ومع
ذلك، بناء على اقتراح قدمه فلافيان أسقف فيليبى و من أجل تقديم النقطة العقائدية
موضوع النقاش لدراسة شاملة، وفى ضوء أدلة الآباء، تمت قراءة عددٍ من كتابات آباء
الكنيسة، التى يرد فيها التعبير عن الإيمان القديم بخصوص اتحاد اللاهوت والناسوت
فى المسيح…

 

بعد
ذلك، وبعكس هذه الفقرات الآبائية قد تمت قراءة عشرين فقرة، بعضها طويل وبعضها
قصير، من كتابات نسطور، تحتوى على آرائه الأساسية، والتى قدمناها أعلاه، وتم
التعبير عنها فى قطع مختلفة وبصورة محسوسة.
[39]

 

صرخ
جميع الأساقفة معاً: “إذا لم يحرم أى شخص نسطور فليكن هو نفسه محروماً، أن
الإيمان الصحيح يحرمه والمجمع المقدس يحرمه. وإذا كان لأى شخص شركة مع نسطور فليكن
محروماً. نحن جميعاً نُحرم نسطور الهرطوقى وأتباعه وعقيدته المضادة للتقوى
impious. نحن جميعاً نحرم نسطور غير التقى impious asebh الخ..[40]

 

قرر… المجمع المقدس
أن يكون نسطور مفصولاً من كرامة الأسقفية ومن كل شركة كهنوتية… هذا الحكم وقع
عليه فى البداية 198 أسقفاً حاضرين. بعد ذلك انجاز آخرون إلى هذا الجانب حتى بلغ
مجموع الموقعين 200 (مائتين).

 

بعد انقضاء بضعة أيام،
فى يوم 26 يونيو، وصل يوحنا الأنطاكى إلى أفسس، وأرسل المجمع فوراً وفداً مفوضاً
لمقابلته، مكوناً من عدة أساقفة وإكليريكيين، تعبيراً عن الاحترام اللائق له وفى
نفس الوقت لإبلاغه بعزل نسطور… وبعد وصوله مباشرةً عقد فى منزله مجمعاً مع
أتباعه.. البالغ عددهم ثلاثة وأربعون عضواً بما فيهم شخصه. وأعلن الحكم بعزل
البابا كيرلس الأسكندرى وممنون أسقف أفسس من كافة الوظائف الكهنوتية وبالحرم من
الشركة وجميع من وافقوا على الحكم ضد نسطور حتى يعترفوا بخطئهم ويحرموا تعاليم
البابا كيرلس”.
[41]

 

“وتقدم
الطرفان إلى الإمبراطور، وكلاهما يطلب مساندته، وتأزم الأمر جداً حتى أن المجمع ظل
منعقداً حتى 11 سبتمبر من العام نفسه، وأصدر الإمبراطور قراراً بخلع كيرلس وممنون
ونسطور، ولكن بعد فترة قصيرة أعيد كيرلس وممنون إلى كرسيّهما وأرسل نسطور إلى دير
أوبريبيوس
Euprepius وفى عام 435م نُفى إلى البتراء Petra
فى البادية العربية وبعد ذلك إلى صحراء مصر، حيث مات حوالى عام 449م”.
[42]

 

إعادة
الوحدة عام 433م:

لم ينه رحيل نسطور الخلاف، فقد تحطمت أواصر
الشركة بين الطرفين وسعى الإمبراطور نفسه مستخدماً سلطانه ونفوذه ليعيد السلام،
وبالفعل حققت مساعيه النتائج المرجوة. وفى عام 433م أرسل يوحنا الأنطاكى بولس أسقف
حمص إلى الإسكندرية ومعه اعتراف بالإيمان (أى وثيقة تعلن إيمان يوحنا) وقبله كيرلس،
وأرسل إلى يوحنا رسالته المشهورة التى أعادت الوحدة، والتى تضمنت جزءًا من اعتراف
يوحنا يؤكد وحدة شخص السيد المسيح والاستمرارية غير المختلطة وغير الممتزجة للاهوت
والناسوت فيه.
[43]

 

وورد فى هذا النص ما يلى: [نعترف أن ربنا يسوع
المسيح، ابن الله، الوحيد، هو إله كامل وإنسان كامل ذو نفس عاقلة وجسم، وهو مولود
من الآب قبل الدهور بحسب لاهوته، وأنه هو نفسه فى الأيام الأخيرة، من أجلنا ومن
أجل خلاصنا وُلد من مريم العذراء بحسب ناسوته، وهو نفسه، له الجوهر نفسه مع الآب، بحسب
لاهوته، وله نفس الجوهر الذى لنا بحسب ناسوته. لأنه قد حدث اتحاد بين الطبيعتين.
لأجل هذا نعترف بمسيح واحد، ابن واحد، رب واحد. وبحسب هذا الفهم للاتحاد بدون
اختلاط نعترف بأن العذراء القديسة هى “والدة الإله”، لأن الله الكلمة قد
تجسد وتأنس، ومنذ الحمل به اتحد بالهيكل الذى أخذه منها، مع ذاته. ونحن نعرف أن
اللاهوتيين ينسبون بعض أقوال البشيرين والرسل عن الرب باعتبارها تشير بصفة عامة
إلى شخص واحد، ويقسمون أقوالاً أخرى بأنها تشير إلى طبيعتين، فتلك التى تليق بالله
ينسبوها إلى لاهوت المسيح، أما تلك الأقوال المتواضعة فينسبونها إلى ناسوته.]
[44]

 

تأزُّم الموقف [45]

لم
تنجح إعادة الوحدة عام 433م فى تحقيق الاستقرار والوحدة الكاملة بين الجانبين. فالسكندريون
(أى الجماعة المؤيّدة للقديس كيرلس) شعروا بأن كيرلس قدم تنازلات كثيرة
للأنطاكيين، أما الأنطاكيون فشعر بعضهم بالاستياء وعدم الرضى عن استبعاد نسطور
وإدانته.

 

غير
أن كيرلس كان قوياً ونافذ القول بقدر كاف لاحتواء أتباعه؛ فأرسل كثير من الرسائل
إلى أصدقائه مثل أكاكيوس أسقف ميليتين وفاليريان أسقف إيقونية شارحاً كيف أن
المصالحة مع يوحنا الأنطاكى لا تتعارض مع شرحه السابق للعقيدة فى رسائله إلى
نسطور، ولا مع عقيدة مجمع أفسس.

 

أما
الأنطاكيون، فلم يكونوا كلهم موافقين على إعادة العلاقات أو على الوحدة. وبالرغم
من وجود رجال قبلوا إعادة الوحدة وظلّوا مخلصين لبنود الاتفاق الذى تم التوصل إليه
سنة 433م، مثل يوحنا الأنطاكى وأكاكيوس أسقف حلب، إلا أنه كان هناك آخرون فى
الجانب الأنطاكى غير راغبين فى الإذعان والخضوع للبطريرك الأنطاكى. وهؤلاء كانوا
يمثلون إتجاهين:

 

من
ناحية: كان هناك السيلسيانيون المعارضين لكيرلس ولإعادة الوحدة.

ومن
الناحية الأخرى: كان هناك رجال مثل ثيئودوريت أسقف كورش
Theodorete of Cyrus الذى لم يقبل إدانة نسطور.

 

وتدخّل
الإمبراطور وخضع الكثير من هؤلاء الأساقفة، إلا أن خمس عشر منهم عاندوا فكان
مصيرهم الخلع، وفى عام 435م قبِل ثيئودوريت إعادة الوحدة ولكن بدون إدانة نسطور،
وهكذا لعب ثيئودوريت أسقف قورش المجادل المقتدر، دوراً مؤثراً فى الجدال الذى تلا
إعادة الوحدة.

 

إعادة الوحدة تُفسَّر
بطرق مختلفة
[46]

تفاقم
التوتر بين الجانبين لأن إعادة الوحدة لم تُفهم بالمعنى نفسه من قبلهما.
فالسكندريون من جهتهم، نظروا إليها كأمر جعل الأنطاكيين يقبلون مجمع سنة 431م بدون
أى شروط أو تحفظات، وكيرلس نفسه فهم الأمر بهذا المعنى وأوضح لمؤيديه عندما سألوه.
وهذه النظرة الكيرلسية
كما سنرى فيما بعد- أكد
عليها ساويروس الأنطاكى باقتدار فى القرن السادس
[47]، وكان للسكندريين تبريرهم الكافى لهذا الموقف. ألم يوافق
الأنطاكيون، على سبيل المثال، على أن يسحبوا اعتراضاتهم الثلاثة على مجمع أفسس؟
ألم يعيدوا العلاقات مع كيرلس السكندرى من دون أن يجعلوه يتراجع عن حروماته
(الإثنى عشر) أولاً؟

 

وبالرغم
من أن شرعية هذا الدفاع السكندرى لا يمكن أن تُدحض، إلا أن ثيئودوريت أسقف كورش ومؤيديه
كانوا غير راغبين فى التسليم والإقرار به. ومضى ثيئودوريت، من جهته، قدماً فى
الاعتقاد بأن إعادة الوحدة سنة 433م ألغت كل قرارات المجمع سنة 431م، التى لم يقرّوها
إقراراً تاماً (إيجابياً)، وتاياً بذلوا قصارى جهدهم ليؤسسوا ويقيموا لاهوتاً
أنطاكياً قوياً (أى متطرفاً) على أساس صيغة إعادة الوحدة (بحسب مفهومهم الخاص)،
وسعوا كذلك لوضع رجالهم المؤيدين لهم فى الأماكن والمناصب الرئيسية والأساسية
لينشروا هذا اللاهوت، وظنوا أنهم يستطيعون تحقيق ذلك عن طريق الاعتراف برسالة
كيرلس الثانية إلى نسطور كوثيقة إيمان، بالإضافة إلى صيغة إعادة الوحدة نفسها.
ولعل الأنطاكيين فى اعترافهم بالرسالة الثانية قد فسّروا عبارة “اتحاد
أقنومى”
hypostatic union الموجودة فى الرسالة كمرادف لعبارة “اتحاد بروسوبونى”
أى “إتحاد أشخاص”
prosopic
union
، بالرغم من أن كيرلس رفض
هذه العبارة فى رسالته. وفى سعيهم لتطوير لاهوتهم كان من المستشعر أنهم لابد وأن
يعترفوا ويعلنوا أن ديودور أسقف طرسوس
Tarsus، وثيئودور أسقف
موبسويستيا
Mopsuestia هم أساتذتهم اللاهوتيين. ونُشرت أعمالهما، بل وكتَبَ ثيئودوريت
نفسه دفاعاً عنهما، وما أن تم هذا حتى فنّده البابا كيرلس ودحضه. وقد أجلس
الأنطاكيون (المتطرفون) أيضاً رجالاً من مؤيديهم فى كراسى أسقفيات هامة، وكان
هيباس واحد من هؤلاء وقد أجلس على كرسى الرها فى سنة 435م. وقدم الجانب الأنطاكى
أيضاً تبريرات لأعماله هذه، فقد قالوا على سبيل المثال، إنهم لم يستطيعوا فهم
الجمل السكندرية التالية: اتحاد أقنومى، أقنوم واحد، طبيعة واحدة متجسدة لله
الكلمة.
بل رأوا فيها معنى أبولينارياً، وقالوا إنهم لم يقبلوا حرومات كيرلس.
[48]

 

معنى
الاتحاد الأقنومى
Hypostatic union e[nwsij kaqV u`po,stasin

 

كلمة
أقنوم
u`po,stasij عند القديس كيرلس تعنى الشخص pro,swpon مع الطبيعة fu,sij
التى يحملها. وعبارة الاتحاد الأقنومى
e[nwsij kaqV u`po,stasin عنده لا تعنى إطلاقاً اتحاد أشخاص بل اتحاد طبائع فى شخص واحد
بسيط، اتحاداً طبيعياً أو بحسب الطبيعة
e[nwsij kata, fu,sin. أى أن عبارة الاتحاد الأقنومى بمنتهى الوضوح تعنى عند القديس
كيرلس اتحاد طبيعتين اتحاداً طبيعياً فى شخص واحد بسيط.

 

موقف القديس كيرلس:

فى
هذه الفترة شعر القديس البابا كيرلس بمحاولة الأساقفة المعجبين أو المتمسكين
بنسطور وتعاليمه إعادة النسطورية إلى الشرق فى المناطق المحيطة بالكرسى الأنطاكى،
فكتب إلى يوحنا الأنطاكى والمجمع الأنطاكى وإلى أكاكيوس أسقف ميليتين وإلى
الإكليروس ولمبونوس الكاهن وإلى الإمبراطور ثيئودوسيوس محذراً من التيار النسطورى
الذى يحاول أن يتخفى خلف تعاليم ثيئودور الموبسويستى وديودور الطرسوسى معلمى
نسطور. ثم كتب إلى بروكلس أسقف القسطنطينية حول تداعيات هذا الموضوع، وإلى رابولا
أسقف الرُها رداً على الرسالة التى بعث بها إليه، مادحاً إياه على وقوفه ضد تعاليم
ثيئودور الموبسويستى والتيار النسطورى فى الشرق.

 

ونقتبس
من رسالة القديس كيرلس إلى الإمبراطور ثيئودوسيوس ما يلى: [كان هناك شخص ما اسمه
ثيئودور وقبله ديودور، الأخير أسقف طرسوس والأول أسقف موبسويستيا، هذان كانا أبوى
تجديف نسطوريوس. ففى الكتب التى ألّفاها، تكلما بجنون شديد ضد المسيح مخلصنا
جميعاً، لأنهما لم يفهما سره، وأراد نسطور أن يُدخل تعاليمهما فى وسطنا ولذلك عزله
الله.

 

ومع
ذلك فبينما حرم بعض أساقفة الشرق تعاليمه، فإنهم بطريقة أخرى يدخلون الآن هذه
التعاليم نفسها أيضاً حينما يبدون إعجابهم بتعاليم ثيئودور ويقولون أنه كان يفكر
تفكيراً صحيحاً يتفق مع آبائنا، أعنى أثناسيوس وغريغوريوس وباسيليوس. ولكنهم
يكذبون ضد الرجال القديسين. فكل ما كتبه هؤلاء (القديسون) هو على عكس آراء ثيئودور
ونسطور الشرير.]
[49]

 

تغيُّر
القيادة:

عندما كان البابا كيرلس السكندرى والبطريرك
يوحنا الأنطاكى على قيد الحياة كان هناك سلام بين الطرفين. ولكن البطريرك يوحنا
تنيح عام 442م وأعقبه البابا كيرلس فى عام 444م.

 

وبدأ
ثيئودوريت أسقف قورش يحاول نشر الفكر النسطورى فى الشرق وكتب عام 447م كتابه
المعنون
Eranistes الذى قصد به تشويه تعليم آباء الإسكندرية، خاصة القديس كيرلس
الكبير والسخرية منه. فأثار هذا الكثير من المعارضة حتى صدر مرسوم إمبراطورى فى 18
أبريل عام 448م يحرم نسطور وكتاباته وأتباعه، وأمر ثيئودوريت بالبقاء فى كرسيه فى
قورش، وكذلك أثار هيباس أسقف الرها، رد فعل عظيم بسبب رسالته إلى ماريس الفارسى ضد
تعاليم القديس كيرلس الكبير.

 

هرطقة
أوطيخا:

كرد
فعل على النشاط النسطورى فى الشرق، ظهر تعليم متطرف فى الدفاع عن عقيدة الطبيعة
الواحدة المتجسدة لكلمة الله التى علّم بها القديس كيرلس الكبير وذلك فى شخص
أوطيخا رئيس دير أيوب بالقسطنطينية.

 

إدّعى
أوطيخا، الذى كان صديقاً للبابا كيرلس، أنه تلقى من اللاهوتى السكندرى العظيم نسخة
من قرارات مجمع أفسس 431م، واحتفظ بها منذ ذلك الحين، وكان مؤيّداً قوياً لا يكل
للجانب السكندرى فى العاصمة، ولأنه كان رئيس دير أيوب فى الربع (الحى) السابع من
المدينة، لذا فقد كان يقود 300 راهب لمدة تزيد عن الثلاثين عاماً، ومن خلال ابنه
بالمعمودية (الذى هو ابن أخيه) كريسافيوس
Chrysaphius
كبير موظفى البلاط الملكى استطاع أوطيخا الوصول إلى البلاط. وبينما كان المناخ
الكنسى ملبداً بغيوم الخلاف بين الجانب السكندرى ونظيره الأنطاكى، واجه أوطيخا
مقاومة ومعارضه من الأنطاكيين لأنه كان متعصباً جداً للسكندريين، وهذا زاد من حدة
التوتر.
[50]

 

بدأ
أوطيخا يدافع عن عقيدة الطبيعة الواحدة، فسقط فى الهرطقة المعروفة باسمه. والتى
تعنى أن الناسوت قد ذاب فى اللاهوت مثلما تذوب نقطة الخل فى المحيط. أى أن
الطبيعتين قد امتزجتا معاً فى طبيعة واحدة. ومن هنا جاءت تسميته مونوفيزيتس
monofusi,thj لأن عبارة “مونى فيزيس” monh, fu,sij تعنى “طبيعة وحيدة” وليس “طبيعة واحدة” أى
“ميا فيزيس”
mi,a fu,sij

 

وقد
زار أوسابيوس اسقف دوريليم أوطيخا[51]
فى ديره بالقسطنطينية مرات عدة واكتشف أن عقيدته غير أرثوذكسية، إذ يعتقد
بالامتزاج.

 

مجمع
القسطنطينية المكانى 448م:

فى هذا المجمع (8-22
نوفمبر 448م) الذى رأسه فلافيان بطريرك القسطنطينية وحضره 32 أسقف، أدين وعزل وحرم
أوطيخا بناءً على شكوى من يوسابيوس أسقف دوريليم
، وبناء على شهادة
يوحنا الكاهن والشماس أندراوس الذين أرسلهما المجمع لمقابلته، لأنه أصر على أن
الجسد الذى أخذه ربنا يسوع من مريم العذراء لم يكن من طبيعتنا وجوهرنا نفسهما.
وبناء على تردده فى إيضاح عقيدته حينما حضر أمام المجمع وقدم إقراراً بالإيمان رفض
أن يقوم بقراءته.
[52] ووقّع على الحرم 30 أسقف و23 أرشيمندريتاً. ولأول مرة تم
إقرار صيغة “طبيعتين من بعد الاتحاد” للسيد المسيح. وحدثت قلاقل كثيرة
فى القسطنطينية، وقدّم أوطيخا شكوى ضد المجمع المكانى إلى الإمبراطور، الذى دعا
البابا ديسقوروس ليرأس مجمعاً مسكونياً فى أول أغسطس 449م فى أفسس، وطلب من
جوفينال أسقف أورشليم، وتالاسيوس أسقف قيصرية كبادوكيا أن يكونا رئيسين مساعدين معه،
وأرسل مرسوماً إمبراطورياً إلى ديسقوروس يطلب منه السماح لبارصوماس (وهو أرشمندريت
سورى مؤيد للجانب السكندرى) بالمشاركة فى المجمع.

 

موقف
كنيسة الأسكندرية:

شعر البابا ديسقوروس
بخطورة إنتشار أفكار ثيئودوريت أسقف قورش، وإيباس أسقف الرُها فى الشرق، تلك التى تهاجم
عقيدة البابا كيرلس السكندرى. وكذلك إنتشار تعاليم ثيئودور الموبسويستى ونسطور فى
كثير من المناطق فى المشرق. وعلم بشكوى أوطيخا من أن إقراره الخطى بالإيمان لم
يقبله مجمع القسطنطينية المكانى 448م
[53]. وخشى أن يكون أوطيخا قد أدين لتمسكه بتعليم القديس كيرلس الكبير حول
الطبيعة الواحدة المتجسدة لله الكلمة. وكان مجمع القسطنطينية المكانى 448م قد طلب
من أوطيخا أن يحرم كل من لا ينادى بطبيعتين من بعد الاتحاد، فرفض وقال أنا لو فعلت
ذلك أكون قد حرمت آبائى القديسين (أمثال القديس كيرلس الكبير)
[54]. وأمام اعتراف أوطيخا الخطى المخادع بأنه “يرفض هؤلاء الدين
يقولون أن جسد ربنا يسوع المسيح قد نزل من السماء لأن ذاك الذى هو كلمة الله نزل
من السماء بدون جسد وتجسد من جسد العذراء نفسه بدون تغيير ولا تحويل وبطريقة عرفها
هو نفسه وأرادها، وذاك الذى هو دوماً إله كامل قبل الدهور، صار ايضاً إنساناً
كاملاً فى آخر الأيام من أجلنا ومن أجل خلاصنا”.
[55]

 

شعر البابا ديسقوروس أن
فلافيان بطريرك القسطنطينية، ويوسابيوس أسقف دوريليم قد انضما إلى التيار النسطورى
الموجود فى الشرق حينما طُلب من أوطيخا فى مجمع القسطنطينية المكانى 448م حرم كل
من لا ينادى بطبيعتين من بعد الاتحاد. ولكن الحقيقة كانت أن البابا ديسقوروس سعى إلى
محاربة النسطورية برفض تعبير “الطبيعتين بعد الاتحاد” وكان الأسقف
يوسابيوس يدفع البطريرك فلافيان لمحاربة الأوطاخية بتأكيد تعبير “طبيعتين من
بعد الاتحاد”، ومن هنا نشأ بين الطرفين سوء الفهم الذى تطور إلى الشقاق
الخلقيدونى فيما بعد. ولكن البحث الدقيق يبرهن أن البابا ديسقوروس لم يكن أوطاخياً،
ولهذا لم يحكم عليه مجمع خلقيدونية لأسباب عقائدية، كما ذكر أناتوليوس بطريرك
القسطنطينية رئيس المجمع فى جلسة 22 أكتوبر عام 451م
[56]. كما أن البطريرك فلافيان والأسقف يوسابيوس لم يكونا نسطوريين.

 

مجمع أفسس
الثانى:

عقد المجمع الجلسة الأولى فى 8 أغسطس عام 449م،
وحضره 150 أسقف برئاسة البابا ديسقوروس وبحضور الأسقف يوليوس ممثل بابا روما،
وجيوفينال أسقف أورشليم، ودمنوس الأنطاكى وفلافيان بطريرك القسطنطينية.

 

وبعد استعراض وقائع مجمع أفسس الأول 431م، ومجمع
القسطنطينية المكانى 448م، وقراءة إعتراف خطى لأوطيخا بالإيمان الأرثوذكسى قدّمه أوطيخا
إلى المجمع مخادعاً، وبعد الاستماع إلى آراء الحاضرين؛ حكم المجمع بإدانة وعزل
فلافيان بطريرك القسطنطينية ويوسابيوس أسقف دوريليم وبتبرئة أوطيخا وإعادته إلى
رتبته الكهنوتية. كما حكم المجمع بحرم وعزل كل من هيباس أسقف الرها وثيئودوريت
أسقف قورش وآخرين.
[57] وحدد المجمع أن ديودور الطرسوسى نسطورى.[58] ولم تقرأ رسالة البابا لاون الأول إلى المجمع وهى المعروفة بطومس
لاون.

 

مجمع
خلقيدونية:

لم يقبل البابا لاون الأول نتائج مجمع أفسس
الثانى 449م ومنح الحل الكنسى لثيئودوريت أسقف قورش
[59] وحدث أن الإمبراطور ثيئودوسيوس قد سقط من على ظهر جواده، مما أدى
إلى وفاته فى 28 يوليو عام 450م وتولت أخته بولكاريا السلطة وتزوجت من القائد
مركيان، وأعلنته إمبراطوراً فى 28 أغسطس من نفس العام. وفى 15مايو عام 451م صدرت
الأوامر الإمبراطورية بعقد مجمع عام فى نيقية. وبحلول أول سبتمبر وصل الأساقفة إلى
نيقية ولكنهم أمروا أن يتجهوا إلى خلقيدونية القريبة من القسطنطينية. فاجتمع حوالى
500 أسقف فى كنيسة القديسة أوفيمية، وعقدت الجلسة الأولى للمجمع فى 8 أكتوبر عام
451م.

 

فى تلك الجلسة نوقش البابا ديسقوروس بشأن عقيدة
أوطيخا الذى برّأه مجمع أفسس الثانى 449م؛ فقال “إذا كان أوطيخا يتمسك
بمفاهيم ترفضها عقائد الكنيسة، فهو يستحق ليس العقاب فقط بل النار أيضاً (أى
جهنم). ولكن اهتمامى إنما هو بالإيمان الجامع الرسولى وليس بأى إنسان أياً
كان”
[60].

 

وقال أيضاً فى نفس الجلسة من المجمع الخلقيدونى:
“أنا أقبل عبارة “من طبيعتين بعد الاتحاد”
[61] وهو فى تأكيده على الطبيعة الواحدة المتجسدة لله الكلمة أراد أن
يثبت عدم التقسيم بين الطبيعتين من بعد الاتحاد، وفى قبوله لعبارة “من طبيعتين
بعد الاتحاد” أراد أن يؤكّد ما أكّده القديس كيرلس الكبير عن استمرار وجود
الطبيعتين فى الاتحاد وعدم إمتزاجهما.

 

أقر المجمع الخلقيدونى رسائل القديس كيرلس
الإسكندرى المجمعية وطومس لاون بعد مراجعته على حروم القديس كيرلس الإثنى عشر
[62]. وقد حكم بحرم وإدانة وعزل أوطيخا وبإلغاء أغلب قرارات مجمع أفسس
الثانى 449م. وبعزل البابا ديسقوروس الإسكندرى لأسباب إدارية وقانونية، وبإعادة
ثيئودوريت أسقف قورش وإيباس أسقف الرها إلى رتبة الأسقفية بعد أن وافقا على حرم
نسطور وتعاليمه. ولكن المجمع لم يحكم على كتابات ثيئودوريت وإيباس ضد تعليم القديس
كيرلس الكبير، كما لم يحكم على ثيئودور الموبسويستى معلم نسطور ولا على تعاليمه.

 

وبالرغم من أن رسالة إيباس أسقف الرها إلى ماريس
الفارسى والتى هاجم فيها مجمع أفسس المسكونى 431م، وتعاليم القديس كيرلس الكبير
وحرومه الإثنى عشر، قد قرئت فى المجمع إلا أن المجمع لم يحكم بإدانتها
[63] مما جعل الفريق الذى رفض قرارات مجمع خلقيدونية يشعر بأن هناك
تعاطفاً فى المجمع مع الجانب النسطورى. إلا أن المجمع كان قد أكد قداسة البابا
كيرلس، ولم يقبل ثيئودوريت وهيباس إلا بعد توقيعهما الحرم على نسطور.

 

وقد أوضح الجانب الخلقيدونى فيما بعد موقفه مظهراً
رفضه للنسطورية بصورة أكيدة فى المجمع التالى للخلقيدونيين الملقب بالمجمع الخامس
والمنعقد فى القسطنطينية عام 553م؛ حيث حكم هذا المجمع بحرم شخص وكتابات ثيئودور
الموبسويستى، معلّم نسطور، وبحرم كتابات ثيئودوريت أسقف كورش وكذلك إيباس أسقف
أديسا ضد تعاليم القديس كيرلس الكبير.

 

وضع مجمع خلقيدونية تعريفاً للإيمان وكان أعضاء
المجمع فى البداية يرفضون هذا الأمر، ولكنهم تحت إلحاح مندوبى الإمبراطور قد رضخوا
فى النهاية. وكانت المسودة الأولى تنص على أن المسيح “من طبيعتين”. ولكن
مندوبى الإمبراطور ألحوا أن يتضمن النص “فى طبيعتين”. وبعد مقاومة كبيرة
على أساس أن هذه العبارة متضمنة فى “طومس لاون” الذى قبله المجمع ولا
داعى لوضعها فى تعريف الإيمان، قبلها المجمع تحت إلحاح من مندوبى بابا روما وممثلى
الإمبراطور.

 

لم يكن التعريف الذى قبله المجمع نسطورياً بل إن
المجمع فى قراراته قد أكّد على حرم كل من النسطورية والأوطاخية. ولكن التعريف لم
يتضمن على عبارة “الاتحاد الأقنومى” ولا على عبارة أنه “لا يمكن
التمييز بين الطبيعتين إلا فى الفكر فقط” وهى العبارات الهامة فى تعليم
القديس كيرلس الكبير. كما أنه وردت عبارة تحرم “كل من يعتقد بطبيعتين قبل
الاتحاد وبطبيعة واحدة من بعد الاتحاد”، والمقصود بهذه العبارة هو أوطيخا
وعقيدة الامتزاج بين الطبيعتين. ومن المعلوم أن الجانب اللاخلقيدونى يحرم من يقول
“بطبيعتين قبل الاتحاد” لأن هذا التعبير يفترض وجود الناسوت قبل إتحاده
باللاهوت، لكن هذا الفريق يقبل “من طبيعتين فى الاتحاد” و “من
طبيعتين بعد الاتحاد”. أما حرم من يقول “بطبيعة واحدة بعد الاتحاد”
فكان يحتاج إلى توضيح، لأن هذا الحرم من الممكن أن يفسّر أنه ضد تعليم القديس
كيرلس الكبير “طبيعة واحدة متجسدة لكلمة الله” الذى تمسك ويتمسك به
الجانب اللاخلقيدونى حتى الآن، مع رفضهم التام لفكرة الامتزاج وتأكيدهم على
استمرار وجود الطبيعتين فى الاتحاد.

 

هذه الأمور العقائدية التى أدت إلى رفض البابا
ديسقوروس مجمع خلقيدونية، ورفض مجموعات عديدة فى الشرق -بما فى ذلك الشعب المصرى-
لهذا المجمع، وقد حاول مجمع القسطنطينية عام 553م أن يعالجها بإستخدام عبارات
القديس كيرلس الكبير “الاتحاد الأقنومى” و”لا يمكن تمييز الطبيعتين
إلا بالفكر فقط” وبشرح معنى رفض من يعتقدون بطبيعة واحدة على أساس الامتزاج.
ولكن ظل الخلاف بين الخلقيدونيين واللاخلقيدونيين حول عبارة “فى طبيعتين”
و “من طبيعتين”.

 

فى مجمع خلقيدونية وافق الأساقفة المصريون
الأربعة عشر الحاضرون على حرم أوطيخا ولكنهم لم يقبلوا التوقيع على قرارات المجمع
ولا على طومس لاون. وحدثت اضطرابات كبيرة فى الشرق بسبب قرارات مجمع خلقيدونية ومع
تغيير الأباطرة كانت الظروف تتغير.

 

وانتخب فى 16 مارس 457م فى الإسكندرية البابا
تيموثاوس الثانى (الشهير بأوريلُّوس) خليفة للبابا ديسقوروس بعد وفاته، وتمكن فى
عهد الإمبراطور “باسيليسكوس” من عقد مجمع عام آخر فى أفسس سنة 475م
(يلقبه البعض مجمع أفسس الثالث) حضره 500 أسقف. هذا المجمع حرم تعاليم أوطيخا
وتعاليم نسطور ورفض مجمع خلقيدونية. وقد وقّع على قرار هذا المجمع 700 أسقف شرقى
[64]. وقد أوضح موقف البابا تيموثاوس من خلال المجمع أن الجانب الرافض
لمجمع خلقيدونية لم يكن بالضرورة أوطاخى المعتقد كما اتهمه، فى أغلب الأحيان،
الجانب الخلقيدونى.

 

وفى عهد الإمبراطور زينو حدثت محاولة للوحدة على
أساس مرسوم الاتحاد الهينوتكون
Henotikon الذى صدر فى 28 يوليو عام 482م، والذى وقّع عليه على التوالى
أكاكيوس بطريرك القسطنطينية، وبطرس منجوس بطريرك الإسكندرية، وبطرس القصار بطريرك
أنطاكيا فى عام 484 ومارتيريوس بطريرك أورشليم. ولم تشترك روما فى هذه الوحدة بل
عقد بابا روما فيلكس الثالث مجمعاً وقطع (من الشركة) أكاكيوس بطريرك القسطنطينية.
وفى مصر حدثت مقاومة شديدة وتكونت جماعة “الذين بلا رئيس”
Acephlists ولم يتمكن مرسوم الإتحاد Henotikon من الحفاظ على الوحدة
التى بدأت بتوقيع بطاركة الكراسى الشرقية الأربعة عليه
[65].

 

الرؤية المعاصرة للموقف:

كان الجانب اللاخلقيدونى يرغب فى نبذ النسطورية
بتأكيد عقيدة الطبيعة الواحدة المتجسدة لله الكلمة طبيعة واحدة من طبيعتين بغير
امتزاج ولا اختلاط ولا تغيير، لأن تعبير الطبيعة الواحدة هو أصدق تعبير عن
“الاتحاد الطبيعى” الذى علّمه القديس كيرلس فى رسالته الثالثة إلى نسطور
والتى قبلها كلٌ من مجمع أفسس ومجمع خلقيدونية.

 

وكان الجانب الخلقيدونى يرغب فى نبذ الأوطاخية
بتأكيد عقيدة وتعبير الطبيعتين غير المنفصلتين أو المتجزئتين لتأكيد استمرار وجود
الطبيعتين وعدم تلاشيهما فى الاتحاد، ولتأكيد عدم تلاشى الفرق فى خصائص الطبيعتين
بسبب الاتحاد بينهما.

 

ربما كان كل جانب مكمّلاً للجانب الآخر فى
تعبيره عن الحقيقة الواحدة؛ فالذين قالوا بالطبيعة الواحدة المتجسدة من طبيعتين
أضافوا “بغير امتزاج ولا تغيير” لنفى الأوطاخية والذين قالوا بالطبيعتين
أضافوا “بغير انفصال ولا تقسيم” لنفى النسطورية. وقد تكلم الجانبان عن
حقيقة واحدة هى أن السيد المسيح كائن واحد إلهى-إنسانى، أى تكلموا عن كينونة واحدة
من جوهرين قد إتحدا فى المسيح والواحد.

 

فالذين عبّروا بالطبيعة الواحدة المتجسدة قصدوا
التعبير عن حالة الكينونة بأنها واحدة. والذين عبّروا بالطبيعتين قصدوا التعبير عن
حقيقة استمرار الكينونة للطبيعتين.

 

بتعبير آخر، البعض تكلم عن حالة الوجود والبعض
الآخر تكلم عن حقيقة استمرار الوجود، ولأنهم استخدموا التعبير نفسه، وهو
“الطبيعة”، فقد اختلفوا معاً.

فى المفهوم اللاخلقيدونى = الطبيعة تعبير عن
حالة الوجود

فى المفهوم الخلقيدونى = الطبيعة تعبير عن حقيقة
استمرار الوجود

 

فالذين قصدوا “حالة الوجود” قالوا
“طبيعة واحدة” والذين قصدوا “حقيقة الوجود” قالوا
“طبيعتين” والدليل على ذلك أن الطرفين قد قبلا معاً أن الطبيعتين لا
يمكن التمييز بينهما إلا فى الفكر فقط. وهذا معناه أنه لا يمكن التمييز بينهما فى
الواقع بل فى الخيال والتأمُّل. ولا يعنى ذلك إلغاء حقيقة وجودهما، بل إلغاء حالة
وجودهما فى غير إتحاد.. والوحدة هى أصدق تعبير عن “الاتحاد الطبيعى”
e[nwsij fusikh,. لذلك فإن تعبير الطبيعتين بدون تعبير الطبيعة الواحدة المتجسدة
لا تعبر عن حقيقة الاتحاد.

 

على
هذا الأساس تم الاتفاق بين الجانب الخلقيدونى والجانب اللاخلقيدونى فى الحوار
الأرثوذكسى فى دير الأنبا بيشوى بمصر (يونية 1989) وفى شامبيزى بسويسرا (سبتمبر
1990). فقد قبل كل من الجانبين التعبير اللاهوتى للآخر، معترفاً بأرثوذكسيته. وإتفق
الجانبان أن كلمة الله هو هو نفسه قد صار إنساناً كاملاً بالتجسد مساوياً للآب فى
الجوهر من حيث لاهوته، ومساوياً لنا فى الجوهر من حيث ناسوته-بلا خطية. وأن
الاتحاد بين الطبائع فىالمسيح هو إتحاد طبيعى أقنومى حقيقى تام بغير إختلاط ولا
إمتزاج ولا تغيير ولا إنفصال. وأنه لا يمكن التمييز بين الطبائع إلا فى الفكر فقط.
وأن العذراء هى “والدة الاله”
qeoto,koj مع حرم كلاً من تعاليم كل من نسطور وأوطاخى وكذلك النسطورية
الخفية التى لثيئودوريت أسقف قورش. لعل هذا الاتفاق يكون هو أساس للوحدة بين
الفريقين..



[1]
C.J. Hefele, A History of the Councils of the
Church
, Vol III, AMS Press 1972, p.2  reprinted from the edition of 1883
Edinburgh.

[2]
St. Athanasius,
Letter to Epictetus, par.8, N.&P.N.
Fathers
, Oct. 1987, Eerdmans, second series, vol. IV, P.573.

[3]
Ibid, par.7, P.572,573

[4]
St. Gregory of Nazianza, Ep. to Cledonius the
Priest Against Apollinarius, N. & P.N. Fathers , Vol. VII,
series 2, Epistle 101, p. 440, Eerdmans Michigan, Sept. 1978

[5]
J.N.D Kelly, Early Christian Doctrines,
Chapter XI -Fourth Century Christology – Fifth Edition-  A. and C. Black-
London 1977,p.296.

[6]
Collected by R. Abramowski, Z.N.T.W. 42 (1949),
E.g. frg. 42

[7]
Collected by R. Abramowski, Z.N.T.W. 42 (1949),
E.g. frg. 19: cf. frg. 42

[8]
J.N.D. Kelly, Early Christian Doctrines,
Chapter XI -Fourth Century Christology – Fifth Edition-  A and C Black- London
1977 , p.303

[9]
C.J. Hefele, A History of the Councils of the
Church
, Vol III, AMS Press 1972, reprinted from the edition of 1883
Edinburgh p.6,7.

[10]
Hardouin and Mansi, ll. cc. § 29;
Dorner, l.c. p.52

[11]
C.J. Hefele, A History of the Councils of the
Church
, Vol III, p.9-17 ,  AMS Press 1972, reprinted from the edition of
1883
Edinburgh.

[12]
Socrates, History of the Church from A.D.
305-439
, Nicene and Post Nicene Fathers, edited by Schaff, P. & Wace,
H., WM. B. Eerdamns Publishing Company, Grand Rapids Michigan 1979,  series 2,
Vol. II, Book 7, Chapter 29, p. 169.

[13]
Mansi, t. v. p. 573; Hardouin, t.i.p. 1331.

[14]
According to Cyril of Alexandria (Ep. vi. p. 30, Ep.
ix. P.37, Opp.t.v.ed. Aubert; and in Mansi, t. iv. p. 1014).

[15]
Marius Mercat. ed. Garnier-Migne, p. 757 sqq.

[16]
Marius Merc. l.c. p.770 ;  Cyrill. Opp. t. iv. P.20; Tillemont, t. xiv. p. 318.

[17]
In Hardouin. t. i. p. 1336; Mansi, t. iv. p.1102.

* أسقف سيزيكوس

[18]
In Marius Merc. l.c. pp. 789-801

[19]
Bazar of Heraclides (LH 193), quoted by Bernard Dupuy,
OP, ‘The Christology of Nestorius’ published in Syriac Dialogue First
non-official Consultation, by Pro Oriente Hofburg Marschallstiege II A-1010 Vienna,
1994, p.113.

[20]
Rowan Greer: ‘The Image of God and the Prosopic
Union in Nestorius’ Bazar of Heraclides
in Lux in Lumine, Essays to Honor
W. Norman Pittenger, edited by R. A. Morris jr., New York 1996, p. 50; quoted
by Metropolitan Mar Aprem G. Mooken entitled “Was Nestorius a Nestorian
published in Syriac Dialogue First non-official Consultation, by Pro Oriente
Hofburg Marschallstiege II A-1010 Vienna, 1994 p. 223.

[21]
R. Nau, Paris 1910, ed. Letouzey et Ane, Le Livre
d’Heraclide de Damas
(=L.H.); p. 28.

[22]
C.J. Hefele, A History of the Councils of the
Church
, Vol III, p.17-25 ,  AMS Press 1972, reprinted from the edition of
1883
Edinburgh

[23]
Cyrill. Alex. Opp. t.v. p. ii. p. 222

[24]
Opp. l.c. Epist. I. pp. 1-19; in Mansi, t. iv.
pp. 587-618.

*  كتب القديس كيرلس “إن هذا الاسم
(اللوغوس) كان يناسبه حينما صار إنساناً”

[25]
In Mansi, t. iv. P. 883 sq.  Works of Cyril,
l.c. Epist. ii. p.19 sq.

[26]
Cyrill. Opp. L.c. iii. p. 21; Mansi, l.c. p. 886

[27]
Cyrill. Opp. L.c. Epist. iv. p. 22; Mansi, l.c.
p.887 sqq.,  t. iv. P. 659;  Hardouin, t. i. p.1273, and t. ii. p. 115; in
German by Fuchs, l. c. S. 479 ff.

[28]
C.J. Hefele, A History of the Councils of the
Church
, Vol III, p. 25 ,  AMS Press 1972, reprinted from the edition of
1883
Edinburgh

[29]
The Fathers of the Church, St. Cyril of Alexandria, Letters (1987)
translated by John I. McEnerney, The Catholic University of America
Press (CUA), Washington, D.C.,

Pope St. Clestine Letter to St. Cyril of
Alex., vol. 76, p. 69, 70.

[30]
C.J. Hefele, A History of the Councils of the
Church
, Vol III, p.28-34 ,  AMS Press 1972, reprinted from the edition of
1883
Edinburgh.

[31]
Ibid , p. 36

[32]
Evagrius, Hist. Eccl, i.7

[33]
In Mansi, t. iv. p. 1102, Hardouin, t. i. p.
1335. 
German in Fuchs, Bibl. Der
Kirchenvers Bd  iii S. 592

[34]
Hardouin, t.i. p. 1435 ; Mansi t. iv. p. 1230.

[35]
C.J. Hefele, A History of the Councils of the
Church
, Vol III, p.40-44 ,  AMS Press 1972, reprinted from the edition of
1883
Edinburgh

* مقصود الرسالة الثالثة إلى نسطور التى
اعتمدها المجمع السكندرى وفيها الحروم الإثنى عشر
.

[36]
Cf. Mansi,, t.iv. p. 1182; Hardouin, t.i. p.1398;
Fuchs, l.c. S.59

[37]
C.J. Hefele, A History of the Councils of  the
Church
, Vol. III, p.48,  AMS Press 1972, reprinted from the edition of 1883
Edinburgh

[38]
Socrates, l.c; Schrockh in his Kirchengesh (Bd.
18, S. 235).

[39]
In Mansi, t. iv. pp. 1198-1207; Hardouin, t.i.pp.
1410-1419. German in Fuchs, l.c. S. 69 ff.

[40]
Cf. Mansi, t.iv. p. 1170-1178; Hardouin, t.i. pp.
1387-1395

[41]
C.J. Hefele, A History of the Councils of the
Church
, Vol III, p.47-58,  AMS Press 1972, reprinted from the edition of
1883
Edinburgh.

[42]
V.C. Samuel, The Council of Chalcedon
Re-Examined,
Senate of  Serampore College, Madras, India, 1977, p.
8.

[43]
Ibid.

[44]
The Fathers of the Church, St. Cyril of Alexandria, Letters (1987)
translated by John I. McEnerney, The Catholic University of America
Press (CUA), Washington, D.C.,
Letter to
John of Antioch, Vol. 76, par. 3, p.148-149.

[45]
V.C. Samuel,The Council of Chalcedon
Re-Examined,
Senate of Serampore College, Madras, India, 1977, p.
11.

[46]
Ibid. p. 12

[47]
Ibid. p.194

[48]
Ibid., P.11-13

[49]
The Fathers of the Church, St. Cyril of Alexandria, Letters (1987)
translated by John I. McEnerney, The Catholic University of America
Press (CUA), Washington, D.C.,

 Letter to Emperor Theodosius,  Vol. 77,
p.70-71

[50]
V.C. Samuel, The Council of  Chalcedon
Re-Examined
, Senate of Serampore College, Madras, India, 1977,
P.14-15.

[51]
Ibid p. 15.

[52]
Ibid p. 17-18

[53]
Ibid. p.19,20,24

[54]
Ibid. p.22

[55]
Ibid p.
30-31

[56]
Ibid. p.69

[57]
V.C. Samuel, The Council of  Chalcedon
Re-Examined
, Senate of Serampore College, Madras, India, 1977,
P.29-35.

[58]
J.N.D. Kelly, Early Christian Doctrines
Chapter xi – Fourth Century Christology,  A & C Black- London 1977 , 5th
Revised Edition p.302.

[59]
V.C. Samuel, The Council of  Chalcedon
Re-Examined
, Senate of Serampore College, Madras, India, 1977,
P.69

[60]
Ibid, p.51

[61]
Ibid., p.55

[62]
C.J. Hefele, A History of the Councils of the
Church
, Vol III, p.345 AMS Press 1972, reprinted from the edition of 1883
Edinburgh

[63]
V.C. Samuel, The Council of  Chalcedon
Re-Examined
, Senate of Serampore College, Madras, India, 1977,
P.84

[64]
Ibid.101-105

[65]
Ibid.108-114

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى