اللاهوت العقيدي

الفصل السادس



الفصل السادس

الفصل السادس

الكهنوت وخدمة المذبح

مقالات ذات صلة

57- الكهنوت وخدمة المذبح

إعتراض

مادام الكاهن إنساناً يخدم المذبح، لذلك فالذين
ينكرون الكهنوت ينكرون المذبح ايضاً.

ويقولون إن المذبح شئ كان في العهد القديم، ولا
وجود للمذبح في العهد الجديد. وبالتالى لا توجد ذبيحة. وهكذا لا يوجد في اعتقادهم
كهنوت يخدم المذبح ويقدم الذبيحة..

ولذلك فإن كنائس البروتستانت لا يوجد فيها مذبح.
وطبعاً لا توجد قداسات يصلونها لتقديس ذبيحة. وبالتالى لا يوجد أيضاً بخور، ولا
توجد أوانى للخدمة ولا ملابس للخدمة، ولا كل ما يتعلق بتقديم الذبيحة المقدسة..

 

الرد على الإعتراض

وعملنا في هذا البحث، أن نثبت بنصوص من الكتاب
المقدس أن المذبح موجود في العهد الجديد، وانه لم ينته بنهاية العهد القديم. فإنه
له استمرارية في المسيحية،، هو والذبيحة المقدسة التى لم تكن مجرد رمز أو مثال أو
ذكرى.

 

58- وجود المذبح

1- مما يثبت وجود المذبح في العهد الجديد، قول
القديس بولس الرسول: “لنا مذبح لا سلطان للذين يخدمون المسكن أن يأكلوا
منه” (عب 13: 10).

 

و الذين يخدمون المسكن هم اليهود.. أى أن اليهود
الباقين يهودا، لا سلطان لهم أن يتناولوا من المذبح المسيحى.

 

2- وقد وردت نبوءة في سفر اشعياء النبى عن وجود
مذبح للرب وبالذات في أرض مصر، الأمر الذي لم يتحقق إلا فى العصر المسيحى.

 

2- قدوردت نبوءة في سفر إشعياء النبى عن وجود
مذبح للرب وبالذات في أرض مصر، لأمر الذي لم يتحقق إلا في العصر المسيحى.

 

قال الوحى الإلهى: “في ذلك اليوم يكون مذبح
للرب في وسط أرض مصر، وعمود للرب في مصر، ويعرف المصريون الرب في ذلك اليوم،
ويقدمون ذبيحة وتقدمة، وينذرون للرب نذراً..” (إش 19: 19 – 21)

 

وواضح أن هذا المذبح ليس مذبحاً وثنياً أو
فرعونياً.

 

وذلك لأنه مذبح للرب، علامة وشهادة لرب الجنود،
وبه يعرف المصريون الرب ن ويكون عمود للرب عند تخم أرض مصر. وقد تكررت عبارة الرب
في هذه النبوءة عشر مرات، وانتهت بقول رب الجنود: “مبارك شعبى مصر” (إش
19: 25). وطبعاً لا يمكن أن ينطبق شئ من هذا على العصر الوثنى في مصر.

 

وواضح أيضاً أن هذا المذبح ليس مذبحاً يهودياً.

 

لأن اليهود ما كانوا يذبحون للرب في أرض غريبة.
وإنما كانوا يعلقون قيثاراتهم على أشجار الصفصاف ويبكون (مز 137: 1- 4)وقد أمر
الرب فرعون أن يطلق الشعب من مصر ليمارسوا عبادتهم (خر 8: 20، 9: 1). ووعد فرعون
قائلا: “أنا أطلقكم لتذبحوا للرب إلهكم فىالبرية ” (خر 8: 28). ثم قال موسى
بعدها: “لا يعد فرعون يخاتل حتى لا يطلق الشعب ليذبح للرب” (خر 8: 29).

 

إذن ما كان ممكناً أن يقام مذبح يهودى في مصر.

 

وقد أمر الله أنه لا يقدم ذبيحة إلا في المكان
الذي اختاره هو ليكون اسمه فيه.

 

وهكذا ورد في شريعة موسى: “وتذهب إلى
المكان الذي يختاره الرب إلهك ليحل اسمه فيه” (تث 26: 2). ” فالمكان
الذي يختاره الرب إلهكم ليحل اسمه فيه، تحملون إليه كل ما أنا أوصيتكم به: محرقاتكم
وذبائحكم وعشوركم..” (تث 12: 11). ” وأما أقداسك التي لك ونذورك،
فتحملها وتذهب إلى المكان الذي يختاره الرب. تعمل محرقاتك، اللحم والدم على مذبح
الرب إلهك” (تث 12: 26).

 

وقد اختار الرب أورشليم (زك 3: 2). وقال: “..
بل اخترت أورشليم ليكون اسمى فيها” (2أى 6: 6). ولم يكن للرب مذبح في أرض مصر
طوال العصر اليهودى.

 

إذن مذبح الرب الذي ذكر إشعياء النبى انه يكون
في مصر، هو مذبح في العصر المسيحى. وهو يثبت وجود مذابح في المسيحية بوجه عام..

 

3- وقد تنبأ ملاخى النبى عن وجود أمثال هذه
المذابح المسيحية في الأمم من مشارق الشمس إلى نغاربها تقرب عليها تقدمات للرب.
فقال في مجال سخط الرب على اليهود وذبائحهم المرفوضة:

 

” ليست لى مسرة بكم – قال رب الجنود – ولا
أقبل تقدمة من يدكم. لأنه من مشارق الشمس إلى مغاربها، اسمى عظيم بين الأمم. وفى
كل مكان يقرب لاسمى بخوروتقدمة طاهرة” (ملا 1: 10، 11).

 

ولم يحدث ذلك إلا في المسيحية. لأن متى حدث في
كل زمن اليهودية، ان كانت تقدم للرب تقدمات، ويرفع لاسمه بخور، في كل مكان، بين
الأمم؟!

 

4- وقد تحدث السيد المسيح عن المذبح والصلح بين
الناس، فقال: فإن قدمت قربانك إلى المذبح. وهناك تذكرت أن لأجيك شيئاً عليك، فاترك
هناك قربانك قدام المذبح، واذهب اصطلح من اخيك ” (مت 5: 23، 24).

 

وهىوصية لم يقصد بها ذلك العصر اليهودى فقط،
الذي كان سيزول بعد هذه العظة بحوالى ثلاث سنوات. وإنما هى تعليم عام عن ارتباط
المذبح بالصلح في المسيحية

 

5- مادام قد ثبت بهذه الأدلة الأربعة وجود مذبح
في المسيحية، وإذن لا بد أن يوجد خادم المذبح وهو الكاهن.

 

59- الذبيحة المقدسة في المسيحية

6- سر الافخارستيا – تقديم جسد الرب ودمه –
موجود في الأناجيل الأربعة كلها، وفى الرسالة إلى كورنثوس. وبالذات في الشواهد
الآتية:

متى 26: 26 – 28. مرقس 14: 22- 24.

لوقا 22: 19 – 20. يوحنا 6: 32- 58.

1كو 10: 16 – 21. 1كو 11: 23 – 30.

وسنشرح هذا كله بالتفصيل إن شاء الله، ونخرج من
كل ذلك بحقائق لاهوتية هامة وهى:

 

60- الرب هو الذي أسس هذا السر

هو الذي أخذ خبزاً وشكر وبارك وكسر، واعطى
التلاميذ قائلاً: خذوا كلموا هذا هو جسدى المسكور لأجلكم. اصنعوا هذا لذكرى (مت 26:
1كو11)

 

وهو الذي أخذ الكأس، وشكر وأعطاهم قائلا: “هذه
الكأس هى العهد الجديد بدمى ” ” هذا هو مى الذي للعهد الجديد الذي يسفك
من أجل كثيرين ” ” اصنعوا هذا كلما شربتم لذكرى” (مر 14 11، لو 22).

 

وفى انجيل معلمنا لوقا: “هذا هو جسدى الذي
يبذل عنكم ” ” دمى الذي يسفك عنكم” (لو 23: 19، 20).

 

61- الرب هو الذي أمر بممارسة سر الإفخارستيا

فلم يكتف الرب بأنه أسس السر فى يوم خميس العهد،
إنما أمر تلاميذه قائلاً لهم: “اصنعوا هذا لذكرى”.

وعبارة ” اصنعوا هذا لذكرى ” تعنى
استمرارية إقامة هذا السر.

” خذوا كلوا. هذا هو جسدى المكسور لأجلكم.
اصنعوا هذا لذكرى” (1كو 11: 24). ” هذا هو جسدى الذي يبذل عنكم. اصنعوا
هذا لذكرى” (لو 22: 19)

” هذه الكأس هى العهد الجديد بدمى. اصنعوا
هذا كلما شربتم لذكرى (1كو 11: 25).

إذن نحن نخالف وصية الرب، إن لم نمارس هذا السر.

 

9- عبارة ” اصنعوه ” تعنى معنى خاصاً.
فلو كان الأمر مجرد تقديم خبز عادى ما كان يقول: “اصنعوه”. إنما هذه
العبارة تعنى تحويل الخبز إلى جسده. وهذه تحتاج إلى الإنسان مختص، له سلطان، هو
الكاهن.

 

62- إلى متى نمارس سر الإفخارستيا؟

الجواب هو إلى يوم مجئ الرب0

أى طوال هذا الدهر الذي نعيشه.. إلى يوم القيامة.

وهذا هو تعليم كتابى، إذ يقول الرسول: “فإنكم
كلما أكلتم هذا الخبز، وشربتم هذه الكأس، تخبرون بموت الرب إلى أن يجئ” (1كو
11 ك 26). إذن فهى ليست وصية إلى عصر من العصور، أو إلى الرسل فقط، إنما إلى كل
الأجيال، إلى مجئ الرب..

هنا ونلاحظ ملاحظة هامة وهى:

 

63- الرب سلَّم سر الإفخارستيا لتلاميذه

لم يقل لكل الشعب: “اصنعوا هذا لذكرى
“، إنما قال هذا لتلاميذه. أما الشعب فإنهم يأكلون من الجسد، ويشربون من
الكأس، ويخبرون بموت الرب إلى أن يجئ

 

وصنع هذا السر بواسطة التلاميذ، يؤول بالطبع إلى
خلفائهم، لكى تبقى استمرارية إقامة السر، إلى أن يجئ الرب..

 

12- ونفهم هذا الأمر من تعليم القديس بولس
الرسول.

السيد المسيح أقام هذا السر العظيم مع رسله
القديسين في يوم الخميس الكبير. ولم يكن بولس الرسول قد آمن بعد. فلما انضم إلى
الرسل، سلمه الرب هذا السر شخصياً لأهميته. ولم يتركه يستلمه بالتقليد من الرسل.
ولذلك قال القديس بولس: “تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضاً: ان الرب يسوع في
الليلة التي اسلم فيها، أخذ خبزاً فشكر وكسر. وقال خذوا كلوا هذا هو جسدى..”
(1كو 11: 23).

 

وفى حديثه عن هذا السر في (1كو 10) قال:

 

كأس البركة التي نباركها، أليست هى شركة دم
المسيح؟ الخبز الذي نكسره، أليس هو شركة جسد المسيح؟ (1كو 10: 16).

 

فقال: “نباركها ” و” نكسره
“، لأنه أمر خاص بالرسل وخلفائهم. ولم يقل للشعب تباركونها، وتكسرونه. أما عن
التناول فقال للعشب: “لا تقدرون أن تشربوا كأس الرب وكأس الشياطين. لا تقدرون
أن تشتركوا في مائدة الرب وفى مائدة شياطين” (1كو 10: 21). وعبارة: “مائدة
الرب ” هنا، تعنى المذبح.

 

ذلك لأن صنع السر هو الكهنوت. أما التناول فلكل
الشعب.

 

هنا ونسأل عن هذا السر ما هو؟

 

هل هو مجرد خبز، وكأس خمر، يشترك فيه المؤمنون،
لمجرد الذكرى كايعتقد البروتستانت؟ أم هو جسد الرب ودمه حسب التعليم الإنجيلى؟ لننظر
ماذا يقول الكتاب في ذلك؟ وما هى الأدلة؟

 

64- سر الإفخارستيا ليس خبزاً عادياً

 إنما
يصفه الرب بصفات عالية جدا حسبما ورد في الإنجيل للقديس يوحنا (يو6: 32 –58) إنها
27 آية متتابعة، أنصح بقراءتها لتلاحظوا العبارات لآتية:

 

الخبز الحقيقى الذي من السماء (ع 32)

 

خبز الله النازل من السماء، الواهب حياة للعالم
(33) أنا هو خبز الحياة (ع35)، (ع 48) ”

 

أنا هو الخبز الذي نزل من السماء (ع 41) هذا هو
الخبز النازل من السماء، لكى يأكل منه الإنسان ولا يموت (ع 50) أنا هو الخبز الحى
الذي نزل من السماء (ع 51) إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد (ع 51).

 

وهنا نسأل: ها الخبز الذي يقدمه الأخوة
البروتستانت للذكرى، له كل هذه الصفات التي وردت في (يو 6)؟!

 

هل هو خبز الحياة؟ هل هو نازل من السماء؟ هل هو
الواهب الحياة للعالم؟ هل كل من يأكل منه لا يموت، بل يحيا إلى الأبد؟ هل هذا
الخبز هو الرب يسوع نفسه، الذي قال: “أنا هو الخبز.. “؟!!

إنما هذا الخبز، يعبر عنه الرب بأنه جسده..

 

65- هذا الخبز هو جسد الرب

ليس هذا هو تعليمنا نحن، إنما هو تعليم الرب
القائل بعد كل هذه الصفات التي وصف بها هذا الخبز: “و الخبز الذي أنا اعطى،
هو جسدى الذي أبذله من أجل حياة العالم” (يو 6: 51).

 

هل نستطيع أن نترك كلام الرب الواضح، لكى نركن
إلى مفاهيم بشرية؟! أو هل يريد البعض أن يخضع كلام الرب لمفاهيمه هو؟! إن الكلام
واح وصريح. ولما احتج اليهود قائلين: “كيف يقدر هذا أن يعطينا جسده
لنأكل؟” أجابهم بتأكيد:

 

” الحق الحق أقول لكم: إن لم تأكلوا جسد
ابن الإنسان تشربوا دمه، فليس لكم حياة فيكم” (يو 6: 53).

 

فهل الذين ينفون عبارة ” اصنعوا
لذكرى” (يتناولون ما يتناولونه مؤمنين أنه جسد الرب ودمه، أم باعتبار أنه خبز
عادى وخمر عادية؟ وما هو موقفهم من الآية السباقة، ومن قوله بعدها: ” من يأكل
جسدى ويشرب دمة، فله حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير” (يو 6: 54).

 

أى من يأكل، وهو مؤمن تماماً، أن هذا جسد الرب،
ويشرب وهو مؤمن تماماً، أن هذا هو دم الرب.

 

هذا هو الذي ينال المواعيد الإلهية التي وعدنا
بها الرب في هذا الاصحاح من يوحنا، والتى سنعود عليها بمعونة الرب بعد قليل..

 

يأكل ويشرب ليس كرمز أو مثال وإنما كحقيقة:

 

فقد قال الرب بعد كلامه السابق: “لأن جسدى
مأكل حق، ودمى مشرب حق..” (يو 6: 55).

 

هذا الجسد وهذا الدم، هما ما عناه من قبل بحديثه
عن الخبز الحى النازل من السماء. ولذلك قال بعد هذا مباشرة عن جسده: هذا هو الخبز
الذي نزل من السماء (يو 6: 58).

 

لذلك نحن نقول في صلوات القداس الإلهى عن هذا
السر، إنه جسد حقيقى، ودم حقيقى.

 

وهذا التعبير ليس من عندنا، ولا من علم
اللاهوتيين في الكنيسة، إنما هو كلام الرب نفسه، الذي نقبله، ونصدقه، ببساطة قلب،
كأشخاص روحانيين، وليس كأشخاص عقلانيين..

 

نقبله كما هو، لأن الرب قاله هكذا..

 

ونحن نؤمن بما قاله الرب. ولا نضيف عليه شيئاً
من عندياتنا، ولا من فهم بشرى يتعارض مع النص..

 

كل من يقول إنه إنجيل، ينبغى أن يتبع كلام
الإنجيل. فماذا إذن قال الإنجيل، وعلى فم المسيح نفسه؟ قال:

 

66- هذا جسدي، هذا دمي

 هكذا
قال الرب، تبارك اسمه فى كل ما قال: “خذوا كلوا. هذا هو جسدى” (مت 26: 26)

اشربوا منها كلكم. هذا هو دمى” (26: 27،
28) ” خذوا كلوا. هذا هو جسدى” (مر 14: 22) ” هذا هو دمى الذي
للعهد الجديد” (مر 14: 24)

 

” هذا هو جسدى، الذي يبذل عنكم” (لو
22: 19) ” هذه الكأس هى العهد الجديد بدمى” (لو 22: 20).

 

وعبارة ” جسدى ” في مجال لتناول، وردت
في (يو 6) 5 مرات، إحداها ” جسد ابن الإنسان ” عبارة ” دمى ”
للتناول وردت بنفس الطريقة اربع مرات (انظر يو 6: 51، 53، 54، 55، 56)

هل يمكن إنكار كل هذه النصوص الإلهية، لأن العقل
اتجه اتجاها آخر للفهم؟!

ومما يؤكد تأكيد المعنى الحرفى لهذه النصوص
الإلهية كما قيلت، ثلاث حقائق هامة، وهى:

 

67- بركات التناول

إنها بركات روحية فائقة جداً، لا يمكن أن تكون
من خبز عادى. ومنها الحياة الأبدية، الثبات في الرب، غفران الخطايا.

وفى هذا الموضع، يصرح الرب بنفسه قائلاً:

” من يأكل جسدى ويشرب دمى، فله حياة أبدية،
وأنا أقيمة في اليوم الأخير (يو 6: 54). ” من يأكل جسدى ويشرب دمى، ويثبت في
وأنا فيه” (يو 6: 56). ” من يأكلنى فهو يحيا بى” (يو 6: 57).

 

“هذا هو دمى الذي للعهد الجديد، الذي يسفك
من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا” (مت 26: 28). ” جسدى الذي يبذل عنكم..
دمى الذي يسفك عنكم” (لو 22: 19، 20).

 

أنستطيع أن تقول إن هذه البركات كلها، تنبع من
خبز عادى، ومن خمر عادية، تصنع للذكرى؟ مستحيل..

أيكون الخبز العادى سببا للحياة، والثبات في
الله، من يصدق هذا؟!

أما إن كانت هذه البركات من الجسد الذي بذل عنا،
ومن الدم الذي شفك عنا، فهذا كلام يمكن فهمه لاهوتياً. ومن له اذنان للسمع فليسمع..

هذا من جهة البركات. أ ما الحقيقة الأخرى
المقابلة فهى:

 

68- عقوبات لمن يتناول بغير استحقاق

وهذه يشرحها القديس بولس الرسول في (1كو 11)
قائلا:

” إذن أى من أكل هذا الخبز، أو شرب كأس
الرب، بدون استحقاق، يكون مجرماً في جسد الرب ودمه” (1كو 11: 27).

 

ويتابع الرسول كلامه فيقول: ” ولكن ليمتحن
الإنسان نفسه، وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس”.

 

هل الخبز العادى يحتاج إلى كل هذا الاستعداد،
وإلى أن يمتحن الإنسان نفسه اولاً؟!

 

وهل الخبز العادى نقول فيه استحقاق أو عدم
استحقاق؟!

 

وهل الذي يأكل الخبز العادى للذكرى في مناسبة
مقدسة، نقول عنه إنه يكون مجرماً إن أكله بغير أستحقاق تكون له هذه الخطورة، إن كان
الإنسان مجرماً في جسد الرب ودمه؟ هذا هو المفهوم السليم.

 

وهنا نجد أن الرسول يقول صراحة، إن هذا الخبز،
وما تحويه هذه الكأس، هما جسد الرب ودمه ولنسأل إذن ما هو لاستعداد لهذا السر؟

 

قال الرسول: “ليمتحن الإنسان نفسه، وهكذا
يأكل من الخبز ويشرب من الكأس” (1كو 11: 28). إذن يفحص الإنسان نفسه ليرى هل
هو مستحق أم لا.

 

وعلامة الاستحقاق أن يكون تائباً بعيداً عن الشر،
وعن الشركة مع الشياطين.

 

وفى هذا قال الرسول: “لا تقدرون أن تشربوا
كأس الرب وكأس الشياطين. لا تقدروا تشتركوا في مائدة الرب وفى مائدة
الشياطين” (1كو 10: 21).

 

ذلك لأنه ” لا شركة للنور مع الظلمة، ولا
للمسيح مع بليعال” (2كو6: 14، 15). وبتابع الرسول كلامه عن التناول بغير
استحقاق، فيقول: “لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق، يأكل ويشرب دينونة لنفسه،
غير مميز جسد الرب” (1كو 11: 29).

 

وبذكر بين تفاصيل هذه الدينونة عقوبات صعبة منها
قوله في التناول بغيراستحقاق: “من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى، وكثيرون
يرقدون. لأننا لو حكمنا على أنفسنا، لما حكم علينا” (1كو 11: 30، 31).

 

فهل أكل الخبز العادى، تصل عقوباته إلى المرض
والموت؟

 

وهل الخبز العادى الذي للذكرى، من يتناوله بدون
استحقاق، يأكل ويشرب دينونة لنفسه؟! اليس هذا ينطبق في حالة ما إذا كان بغير
استحقاق يتناول جسد الرب، وهو غير مميز جسد الرب كما قال الرسول..؟

 

نلاحظ أن بولس الرسول ذكر عبارة جسد الرب 3 مرات.

وذلك في نفس الاصحاح (1كو11)، حيث يذكر أن الرب
قال: “هذا هو جسدى الكسور لأجلكم” (ع 24) وفى الكلام عمن يتناول بدون
استحقاق يقول: “يكون مجرماً في جسد الرب ودمه ” و” غير جسد
الرب” (1كو 11: 27، 29).

 

ذكرنا الآن حقيقتين هما: بركات التناول، وعقوبات
من يتناول بغير استحقاق. أما الحقيقة الثالثة فهى:

 

69- خسارة مَنْ لا يتناول

فى هذا يقول الرب:

“الحق الحق اقول لكم: إن لم تأكلوا جسد ابن
الإنسان وتشربوا دمه، لا تكون حياة فيكم ” (يو 6: 53).

وطبعاً الحرمان من الحياة، لا يمكن أن يكون بسبب
عدم أكل خبز عادى لأجل الذكرى..

إنما الحرمان من الحياة، يأتى حقاً من عدم
التناول من الدم الكريم الذي شفك عنا لأجل مغفرة الخطايا (مت 26: 28).

وكذلك عدم التناول من خبز الحياة النازل من
السماء، أى جسد الرب، المن الحقيقى..

تنتقل إلى حقيقة أخرى، فنقول:

 

70- الدم المسفوك يعني ذبيحة

قال الرب لتلاميذ أثناء تقديمة هذا السر..
“هذا هو دمى الذي للعهد الجديد، الذي يسفك من أجل كثيرين ” (مر 14: 24).

وقال: “.. دمى الذي يسفك عنكم” ((لو
22: 20).

وكرر نفس العبارة في (مت 26: 28).

ولا شك أن عبارة الدم المسفوك تعنى أن هناك
ذبيحة. وكذلك عبارة ” جسدى المكسور لأجلكم”.

(1كو 11: 24) ” جسدى الذي يبذل عنكم”
(لو 22: 19).

 

ومادامت هناك ذبيحة بدم مسفوك وجسد مكسور مبذول،
إذن لابد من وجود مذبح، والمذبح يحتاج إلى خادم للمذبح، أى إلى كاهن، هو الذي يقدم
الذبيحة.

على على أن هناك نقطة هامة جداً، في هذه الذبيحة
وهذا الدم المسفوك، وهى أن ذلك لمغفرة الخطايا.

 

71- دم مسفوك لمغفرة الخطايا

“أخذ الكاس وشكر، وأعطاهم قائلا:

“اشربوا منها كلكم، لأن هذا دمى الذي للعهد
الجديد، الذي يسفك من أجل كثيرين، لمغفرة الخطايا” (مت 26: 27، 28).

ومادام هذا الدم لمغفرة الخطايا، إذن ليس هو
لمجرد الذكرى.

وإذن ليس هو مجرد خمر ادى، لأن الخمر العادية لا
علاقة لها بمغفرة لها بمغفرة الخطايا، لأنه ” بدون سفك دم لا تحصل
مغفرة” (رو 9: 22).

إذن عبارة ” مغفرة الخطايا ” دليل على
أن هذا الدم هو دم المسيح.

ونحن في القداسات الإلهية، نتذكر هذه العبارة
جيداً، فيردد الكاهن نفس قول المسيح:

“يعطى لمغفرة الخطايا”..

 

72- ارتبط سر الإفخارستيا بالحياة

وذلك لأن ” أجرة الخطية هى موت” (رو 6:
23).

وبالمغفرة التي ننالها بهذا السر، بالدم المسفوك،
نخلص من الموت الخاص بكل خطية فعلية نرتكبها، وننال الحياة. لذلك قال الرب:

“من يأكل جسدى ويشرب دمى، فله حياة
أبدية” (يو 6: 54).

” إن أكل أحد من هذا الخبز، يحيا إلى الأبد.

والخبز الذي أعطى هو جسدى الذي أبذله من أجل
حياة العالم” (يو 6: 51).

انه الخبز ” الواهب الحياة للعالم”
(يو 6: 33).

لذلك قال الرب: “من يأكلنى يحيا بى”
(يو 6: 57).

ومادام التناول يعطى حياة، لذلك من ينفصل عنه،
وعن الإيمان به، لا تكون له حياة. هكذا قال المسيح (يو 6: 53).

 

73- سر الإفخارستيا يذكرنا بكهنوت ملكي صادق

لقد قال بولس الرسول في وضوح تام، عن كهنوت
المسيح إنه: “على رتبة ملكي صادق، لا يقال على رتبة هرون” (عب 7: 11)
وإنه كان لابد ” على شبه ملكى صادق يقوم كاهن آخر” ((عب 7: 15). ويركز
الرسول على هذا الكهنوت المالكى صادقى فيقول في المقارنة بين السيد المسيح وكهنة
العهد القديم: “لأن أولئك بدون قسم قد صاروا كهنة. أما هذا فبقسم من القائل
له: أقسم الرب ولن يندم أنك أنت هو الكاهن إلى الأبد على رتبة ملكى صادق” (عب
7: 21). وقد اقتبس بولس الرسول هذا النص كله من البنؤة التى وردت في المزامير عن
المسيح (مز 110: 4). فما هو هذا الكهنوت الذي كان لملكى صادق؟

 

ملكى صادق لم يقدم ذبيحى دموية. إنما قدم خبزاً
وخمراً (تك 14: 18) أوقل قدم الذبيحة الإلهية بشكل الخبز والخمر، كما فعل السيد المسيح
في يوم

 

الخميس الكبير. وهنا كان كهنوت المسيح على مثاله،
كما أنه لم يكم كهنوتاً عن طريق الوراثة كما كان هرون، بل كان في الكهنوت بلا أب
بلا أم بلا نسب (عب 7: 2).

 

إن ذبيحة الخمر والخبز، تذكرنا بالبركات التي
نالها يعقوب: قال أبونا إسحق عن ابنة: “جعلته سيداً لاخوته.. وعضدته بحنطة
وخمر” (تك 27: 37). وفى مباركته ليعقوب قال له: “ليعطك الله من ندى
السماء ومن دسم الأرض، وكثرة حنطة وخمراً” (تك 27: 28).. كان لابد أن يأتى من
نسل يعقوب من تتبارك به جميع قبائل الأرض، ومن يستخدم الحنطة والخمر والخمر حسب
كهنوت ملكى صادق، ويقول عنها: “هذا جسدى.. هذا دمى.. لمغفرة الخطايا”.

 

ملكى صادق اعتبر كاهناً، مع أنه لم يقدم ذبيحة
حيوانية، وإنما قدم قدم ذبيحة الخبز والخمر. والسيد المسيح جاء كاهناً على طقس
ملكى صادق..

 

إذن هناك كهنوت بتقديم ذبائح حيوانية، وهو
الكهنوت الهرونى. وكهنوت بتقديم الخبز والخمر، وهو كهنوت ملكى صادق المستمر معنا
إلى اليوم..

 

عبارة ” كاهن إلى الأبد على طقس ملكى صادق
“، معناها أن تقديم ذبيحة الخبز والخمر تظل قائمة ولا تنتهى، طالما نحن على
الأرض في حاجة إلى مغفرة الخطايا.

 

سنرجع إلى هذه النقطة، حينما نتعرض إلى إعتراضات
من الطرف الاخر ونرد عليها

 

74- اصنعوا هذا لذكري: كيف يكون الشيء تذكاراً
لنفسه؟!

23- الإعتراض الأول: كيف يكون الشئ تذكاراً
لنفسه:

فالسيد المسيح يقول: “اصنعوا هذا
لذكرى”. فكيف يكون تذكار الذبيحة هو الذبيحة نفسها؟

 

نقول لا مانع مطلقا في أن يكون الشئ تذكاراً
لنفسه ومثال ذلك المن الذي كان يرمز إلى المسيح المن الحقيقى: كان بنو إسرائيل
يضعون في تابوت العهد قسط المن، يحتفظونه فيه ببعض المن، تذكاراً للمن الذي أكلوه
أربعين سنة في البرية. وذلك حسب أمر إلهى، اعلنه موسى النبى لرئيس الكهنة هرون (خر
16: 33 – 35)

وهكذا كان المن الذي في القسط، تذكاراً للمن
الذي أكلوه.

 

75- كيف يكون التناول طعاماً روحياً وهو مادة؟!

الإعتراض الثانى: كيف يكون طعاماً روحياً وهو
مادة؟

والجواب إن عبارة ” طعاماً روحياً ”
هى تعبير كتابى اطلق على المن، وهو رمز للافخارستيا، للسيد المسيح المن السماوى.

قال بولس الرسول عن بنى إسرائيل في برية سيناء
تحت قيادة موسى النبى:

“وجميعهم أكلوا طعاماً واحداً روحياً،
وجميعهم شربوا واحداً روحياً، لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم، والصخرة
كانت المسيح” (1كو 10: 3، 4).

إن الصخرة التي تفجر منها (مز 78: 20).

كانت ترمز أيضاً إلى السيد المسيح.

إن الخبز هو مادة، ولكنه إذ يتحول إلى جسد الرب،
يصبح طعاماً روحياً أى نافعاً لأرواحنا، أو غذاء لأرواحنا. والمثل الخمر المتحولة
إلى دم المسيح..

 

76- ذبيحة المسيح واحدة، لا تتكرر أم مستمرة؟

الإعتراض الثالث: يقولون إن ذبيحة المسيح واحدة
لا تتكرر.

نقول حقاً إنها واحدة، ولكنها مستمرة..

إنها ذبيحة مستمرة معنا إلى أن يجئ الرب،
والدليل على هذا ان الرب قال عن هذا السر المقدس: “اصنعوا هذا لذكرى”.
فلو كان لا يريد له الاستمرار، ما كان يقول: “اصنعوا هذا.. إلى أن أجئ “،
وما كان قد سلمه لبولس الرسول بعد سنوات من قيامته (1كو11). وهذا السر يستمر، لأن
الرب كاهن إلى الأبد يقدم ذبيحته على طقس ملكي صادق (مز 110: 4، عب 7: 21).

إن عبارة: “أنت كاهن إلى الابد على طقس
ملكى صادق ” تعنى دلالة على استمرار كهنوته بهذا الطقس (تك 14: 18).

 

كذلك لهذا السر بركات عظيمة شرحناها، ووردت في
(يو 6). واستمرارها فائدة كبيرة للمؤمنين. كما أن بالحرمان منها ” لا تكون
لهم حياة” (يو 6: 53).

 

77- أهمية سر التناول من الكتاب المقدس

لماذا إذن التركيز عل عبارة: “اصنعوه لذكرى
” وترك كل الآيات الأخرى المتعلقة بالموضوع؟‍!

لماذا تجاهل الآيات التي وردت فيها العبارات
الآتية:

هذا هو جسدى.. هذا هو دمى. جسدى المكسور عنكم..
دمى المسفوك عنكم.

يبذل عنكم.. يسفك عنكم وعن كثيرين. لمغفرة
الخطايا.

 

الخبز الحى النازل من السماء. من يأكل جسدى
ويشرب دمى.. يثبت في وأنا فيه.. يحيا بى. الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق، يأكل
ويشرب دينونة لنفسه. غير مميز جسد الرب. يكون مجرماً في جسد الرب ودمه..

 

هل ننسى كل هذه الآيات، من أجل عبارة ”
لذكرى “؟

نعم نحن نذكره فيما نتناول جسده ودمه:

نذكر الفداء العظيم الذي قدمه لنا. نذكر موت عنا.
نبشر بموته الكفارى هذا إلى أن يجئ.. نذكر حبه الذي أصعده على الصليب محرقة وذبيحة
خطية.. وهذه الذكرى كلها، لا تمنعنا مطلقاً من الإيمان بقوله: هذا جسدى.. هذا دمى.

 

وأيضاً عبارة: “كلما أكلتم ” و”
كلما شربتم ” تعنى استمرار هذا السر الذي قدمه يوم الخميس الكبير.

 

27- أما عملية استحالة الخبز والخمر، فتظهر في
قول المسيح: “هذا جسدى.. هذا دمى..”. ولم يقل: هذا مثال جسدى ومثال دمى.
ولم يقل: هذا يذكركم بجسدى وبدمى.

 

كذلك بولس الرسول لم يقل عمن يتناول بدون
استحقاق: يكون مجرماً في مثال جيد الرب، بل قال يكون مجرماً في جسد الرب.

 

أما الذي يقول مثال جسد الرب، فهذا ينطبق عليه
قول الرسول: “غير مميز جسد الرب”..

 

إن كان أحد يهتم بالحق الكتابى، فليسمع كل ما
قلناه من آيات، وكلها على فم السيد المسيح، وعلى فم رسوله بولس.

 

إن الحق الكتابى هو كل الكتاب. فكل الكتاب موحى
به من الله، ونافع للتعليم (2تى 3: 16). ولا يجوز أن نأخذ التعليم من آية واحدة
فقط!

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى