اللاهوت النظري

البحث عن حقيقة الموجود



البحث عن حقيقة الموجود

البحث
عن حقيقة الموجود

1-
فكرة الوجود
:

 تعتبر
فكرة الوجود الفكرة الاولى التى نادى بها الفلاسفة، وهى المصدر الاول للمعرفة
الانسانية.

الوجود
هو الواقع الذى يفرض نفسه على الانسان ولا يستطيع ان يتخلص منه، وهو الضرورة التى
تفرض نفسها على الحياة، ولا يستطيع الانسان ان يتحرر منها. والحياة الانسانية من
الميلاد الى الموت هى رحلة فى رحاب الوجود.

مقالات ذات صلة

 ولقد
حاول الانسان ان يعرف طبيعة الوجود منذ وجودة على الارض وحتى يومنا هذا
، وهذه
الطبيعة، هى حال الوجود الذى لا يتغير ولا يتبدل. فالشمس تشرق صباحا وتغرب مسا،
والقمر ضياء الليل والجبال رواسى والانهار جارية، والارض تنبت زرعا، والانسان كائن
حى يولد ويموت.

 والوجود
يحوينا ويطوبنا، وخارج الوجود والحياة يكون العدم. الوجود هو المبدا الاول لكل شى
ْ، فاما ان يكون الشى موجود او غير موجود.ز وبدا الوجود فى نظر اليونانين الاوائل
امر طبيعيا، بل وظلت هذه الفكرة راسخة عندهم، حتى قال ارسطو مثل غيره ان العالم
قديم، اى موجود منذ الازل والى الابد. كل شىء فى نظر اليونانيين موجود بالطبيعة،
والانسان يولد ويموت بالطبيعة.

 

2-
الاصل الاول
:

 بدات
المعرفة عند اليونانين بالسوال الاول عن اصل الوجود والاشياء، وكانوا من وراء هذا
السؤال البحث عن الاصل المادى لها. كل شى فى الوجود مادة، فاذا انعدمت المادة،
انعدم الشى بالتالى.

 كانت
الاساطير اليونانية تفسر الظواهر الطبيعية تفسيرا خياليا، فكانت الهة الرياح
والبحار والسماء والارض..، والهة الحكمة والعدالة والجمال الخ

فجاء
الفكر الفلسفى ليخلص العالم من هذه الوثنية الطواهر الطبيعية لا تخضع للطبيعة
وحدها. ومعنى ذلك، انه اذا اردنا ان تفسر طبيعة العالم والاشياء فيجب ان يكون
التفسير طبيعيا بنفس القدر

 وكان
من الطبيعى، ان يبحث اليونانيون عن مبدا مادى مثل الماء (طالبين) اللامحدود
(الكسندريس) او الهواء (انكسيمنيس) او النار (هيرقليطس) او العناصر الاربعة، وهى
الماء والهواء والنار والتراب (امباذ وقليدس) او الذرات (ديموقريطس) او المادة
الاولى التى تسمى الهيولى عند ارسطو. وكانت كلها اجتهادات سابقة للعلم الطبيعى
الذى نعرفة اليوم والذى مازال يبحث عن طبيعة المادة، وهل هى ذرة وطاقة ام هى
تموجات كهرومغناطيسية.

 

3-
الوجود متغير

الانسان
لاينزل النهر مرتين..

ويعتبر
هيرقليطس اول من اكد طبيعة التغير فى الوجود وقال عبارته المشهورة: الانسان لا
ينزل النهر مرتيم، لان المياه تتجدد باستمرار.

ولكن
لماذا يتغير الموجود والاشياء؟

 تتجلى
حكمة هيرقليطس فى القول بان الوجود يحمل الاضداد، وان الاشياء تنتقل من ضد الى
الاخر.

 الانسان
يولد طفلا ثم يصير شابا ورجلا وشيخا وكهلا، ثم تتقلب الحياة الى الموت. الماء
السائل 0

يتحول
الى بخار وثلج جامد. والنهار يعقبه الليل، والشتاء يعقبه الربيع والصيف، والساخن
يصبح باردا والبارد ساخنا.. الخ. وهذه الصيرور
becomming
او هذا التغيير هو طبيعة الوجود.

 والتنازع
يقوم بين الاضداد، وهى حاله حرب وصراع وتنازع مستمر. وكان هيرقلبطس يقول: ان الحرب
polemos هى اب لجميع الاشياء.

 وهذا
النزاع هو علة الحركة الطبيعة الموجودة فى العالم ويدونه تظل الاشياء ثابته على
حالها وساكنه.

 لقد
غرس هيرقليطس التضاد فى قلب الوجود وجعل التنازع اساسا للتغير. واذا كنا اليوم
نفسر الحركة الطبيعية فى الكون بالقوانين العلمية لعلم الميكانيكا والديناميكا،
فان التفسير العقلى للتغير بواسطة التضاد هو اساس كل التفسيرات الجدلية الحديثة.
فالتاريخ المجتمع الانسانى هو فى نظر كارل ماركس صراع بين الطبقات.

 

4-
العقل يحكم الوجود

ولكن
اذا كان التغير والصيرورة، هو طبيعة الاشياء فى يمكن ان يكون هذا التغيير بغير
قانون. فاذا كان الليل يعقب النهار، فان ذلك يحدث طبقا لقانون يحكم الوجود فالشمس
لا تشرق ليلا والقمر لا يظهر فى النهار.

 التغير
يحكمة القانون،ن والعقل يحكم الوجود وهذا المبدا العقلى هو الاصل فى كل القوانين
الطبيعية التى تحكم العالم، هو الاصل فى كل القوانين الطبيعية التى تحكم العالم
، وهو وحده
الذى يحقق النظام والانسجام بين الاشياء، وهو الحكمة التى تدبر الكون انه ”
اللوغوس ”
logos اى العقل الالهى والقانون المطلق والواحد، الذى يحم الوجود.

 هكذا
يرتقى العقل الانسانى من المحسوس الى المعقول. فالمعرفة الحسبة، تقوم على معرفة التعدد
والكثرة فى الاشياء والموجودات (1)، اما المعرفة العقلية فهى التى ترقى الى معرفة
الحقيقة، نعنى حقيقة القانون

(1)
كان هيرقليطس يقول ان من يختار العرفة الحسبة ويفضلها على المعرفة العقلية، يكون
كمن يفضل التبن على الذهب. العقلى والالهى الذى يحكم الوجود.

 

5-
الواجد واحد: الوجود هو الموجود

 المعرفة
يجب ان يكون عقلية، وحقيقة الوجود والاشياء لا تدرك الا بالعقل. ولقد تساءل
برمنيدس: الى اى شىء يمكن ان يتغير الوجود؟.. هل يتغير الى وجود أخر، او الى عدم؟

 يعتثقد
برمنيدس اننا لا نعرف الا الوجود، وهو وحده موضوع الحقيقة. وهو واحد وكامل، لانه
من صفات الواحد ان يكون كاملا.

 والوجود
الواحد الكامل، لا يطرا عليه اى تغير فهو اولا، لا يمكن ان يتحول الى حالة اخرى
افضل من الوجود وثانيا فهو لا يمكن ان يصبح عدما، لانه موجود.

 والمعرفة
غده تنقسم الى نوعين: المعرفة الظنية والحقيقة. اما الظن او الراى
doxa فهو المعرفة التى تأتينا عن طريق الحواس، او عن طريق الآخرين،ن
وهى معرفة متغيره. بينما نحن نحصل على الحقيقة بواسطة العقل. والحقيقة تكون مطلقة
وثابته.ز

 ان
طريق الظن كما يقول برمنيدس، هو طريق الليل والظلام، اما طريق الحقيقة، فهو طريق النور،
والنهار.

 الوجود
اذا
، هو وحده
موضوع التفكير، وهو بدونه لن يكون التفكير العقلى ممكنا.

 هذا
الوجود الذى هو مصدر كل شى، موجود منذ الازل،ن الى الابد، وليس له ماضى او حاضر او
مستقبل لانه حاضر حشورا ازليا. وهو كامل، غير ناقص ولا يخضع للفناء.

 ونحن
نتساءل: كيف ان يتصور الفيلسوف العدم؟

 يعتقد
برمنيدس، ان كل ما هو خارج عن اطار الوجود لا يمكن ان يتصور العقل الانسانى. وكل
ما يمكن ان نقوله عن العدم او اللاوجود هو انه غير موجود.

 ان
تعريف برمنيدس للوجود هو تعريف ايجابى لا يحمل اى معنى من المعانى السلبية.

 الوجود
موجود.. فهل يستطيع العقل ان يجعله عدما وغير موجود؟

 

6-
افلاطون وعالم المثل

تعتبر
فلسفة افلاطون فى نظرنا امتداد للفسفة السقراطية، محورها هو الانسان لا العالم او
الوجود الطبيعى ولذلك، فان اهتمامه بقضايا الانسان فى عصره الاخلاقية والسياسية هو
الجانب العقلى فى فلسفته اما قوله بان هناك عالما للمثل، مفارقا للعالم المحسوس
فهو قول لم يعتمد فيه على العقل ةحده، ولكنه اعتمد فيه على ان النفس عن طريق الحب
الخالص، بالخير الاسمى، الذى الذى يشرف على عالم المثل

لقد
تراءى لافلاطون وجودا اسمى من الوجود الذى نعيش فيه، او لم يعد الوجود الذى نعرفه
هو الحقيقة وغاية المعرفة.. ولكن الخير (مثال المثل وشمس العالم المعقول) الذى
يفوق الوجود شرقا وبهاء، هو وحده الحقيقة والخير والجمال (1)

 +
لقد ارتبطت الفلسفة مع افلاطون بالحياة الاجتماعية والسياية، كما ارتبطت عند سقراط،
بالاخلاق والتربية والتعليم ولكن افلاطون قد اضاف بعدا جديدا الى معرفة والحقيقة،
عالما جديدا هو عالم الخير والمثل. لقد وضع افلاطون المنهج الذى يخلص العقل من
الاوهام ويفتح امامه طريق العلم والمعرفة.

 الفلسفة
هى الدوام محبه الحقيقة، اى حسب العلم والمعرفة وعند افلاطون، اصبحت حب الانسان
للخير والمثل. والنفس الصافية، هى وحدها القادرة على هذه الروحانية وهى المثاليه.

 لقد
وضع افلاطون امامنا عالما نورانيا، لايعرف

(1)
لقد اشرنا فى كتابنا ” الشعب والتاريخ “، الى المؤاثرات المصرية فى
الفلسفة الافلاطونية، واكدنا على ان افلاطون قد اخذ هذه الروحانية عن مصر
والديانية المصرية القديمة.

ظلمة
المادة، تتاملة النفس الانسانية، وتجد سعادتها فى هذا التامل.

 والحق
ان الفلاسفة اليونانيين كانوا جميعا يعتقدون ان المعرفة يجب ان تسبق العمل، فلا بد
من المعرفة الفضيلة ليكون الانسان فاضلا، ولا بد من معرفة الخير لعمل الخير
وتحقيقه. بل ان سقراط قد ذذهب الى القول بان: الفضيله علم والعلم فضيله اى ان
(العلم) هو مبدا العمل، اوان العمل هو نتيجة للعلم. وبعبارة اخرى، فان العلم الذى
يهب الانسان القدرة على العمل

 

7-
الوجود كما هو موجود: ارسطو

 لم
تكن مثاليه افلاطون وروحانية تمثل الفكر الاغريقى، الذى كان لا يتصور وجود عالم
اخر، غير الوجود الذى نعيش فيه. ولاشك ان هذا المنحنى الغريب لافلاطون،ن من بين
الفلاسفة اليونانيين جميعا هو الذى يدفعنا الى الاعتقاد بانه كان متاثرا فى ذلك
بالروحانية المصرية نعنى تلك الروحانية التى كانت تؤمن بالبعث والخلود، كعقيدة
راسخة لدى المصريين القدماء جميعا.

 لذلك،
فان ارسطو – المعلم الاول – هو الذى بمثل العقل الاغريقى باجلى واوضح صورة. والحق
ان الفلسفة قد انتقلت مع ارسطو الى مرحله جديدة، بحيث يمكن اعتبار جيع المراحل
السابقة مجرد تمهيد لها. ان الفلسفة مع ارسطو لم تعد مجرد محبه للحكمة كما كان
يريد فيثاغورس، ولم تعد ايضا مجرد حب للخير الاسمى كما يريد افلاطون. انه لا يتكلم
عن هذه المحبة، او،ن هذا الحب فى فلسفته. كذلك فهو لايستخدم الاسطورة كما كان يفعل
افلاطون، للتغيير الرمزى عن الحقيقة (على سبيل المثال اسطورة الكهف). وما الفرق
اذا بين ان يستخدم الفيلسوف الاسطورة، ويستخدمها العامة من الناس يعجز فيه العقل؟

+
الحق، ان ارسطو هو الفيلسوف الذى وضع العقل فى اسمى واعلى مكانه. وحين يوجد العقل،
فلا مكان للاسطورة ولقد ارتفع بالفلسفة الى مكانه العلم العقلى

العلم
العقلى يبحث فى حقيقة الوجود، اى كما، هو موجود
، او على حد
تعبيره، الوجود بما هو موجود.

 الحقيقة
لا يمكن ان تكون خيالا، ولكن يجب ان تكون علما. ولا يمكن ان يكون خيالا، ولكن يجب
ان تكون حبا، لان الحب فى الاسطورة طائر يرفرف بجناحه،ن ويطير بعيدا والى اعلى..

 ان
ارسطو يعتقد ان الحقيقة والوجود شىء واحد وهكذا تصبح الفلسفة علما، لان العلم لا
يبحث الا عن الحقيقة.

 جاء
ارسطو ليفرق بين العلم والفن، فى الوقت الذى كان فيه اليونانيون لا يفرق بين الاثنين.
وتلك هى فى نظرنا النقطه الاساسيه فى فلسفة ارسطو.. فالفن يتعلق بالتجربه بينما
” العلم ” يضع النظرية التى تخضع لها التجربة.

 ولقد
حقق ارسطو المعادلة الصعبه بين العقل والوجود وبين العلم والطبيعة. فقد كان
الطبيعيون الاوائل يبحثون فى الطبيعة، وعن الاضل المادى لها، بينما حاول افلاطون،
ان يخلصنا من البحث المادى فى الطبيعة فوجه انظارنا الى عالم المثل اما ارسطو، فقد
اعاد الينا الاهتمام بالبحث فى طبيعة، باعتبارها موضوعا للعلم. وكانه ادراك بثاقب
فكرة وعبقريته الفذه، ان العلم الطبيعى هو بداية العلم الحقيقى.

 ويقول
ارسطو فى مقاله الالف، ان باولس (تلميذ جورجياس) كان على حق، حين قرر ان التجربة
هى التى تخلق الفن. ذلك لان الفن يظهر عندما نستخلص من مجموعة معانى التجربة، حكما
كليا واحدا، يمكن تطبيقة على جميع الحالات المماثلة. فاذا ما تبين لنا ان هذا
الدواء يشفى من داء معين، فاننا نكون قد عرفنا فن الطب. والتجربة تعطينا معرفة
بالاشياء الفردية والجزئية بينما الفن هو معرفة الاشياء الكلية. ولكن الفن لانه
عجلى يقتضى منا ان نربط بين الكلى والجزئى، فاذا عرفنا الكلى، وتجاهلنا الجزئى،
فاننا سوف نخطىء لا محالة عند التطبيق والممارسة العملية. ونحن نضرب فى ذلك مثلا
بفن الطب، لاننا نريد به ان يبرا هذا الانسان او ذاك والفن الذى يقتضى المعرفة
بالمعانى الكلية، يكون ارقى من التجربة، التى تعتمد على الذكراة وحدها.

+
والحكمة فى نظرا ارسطو، ترتبط بالعلم. واذا كانت معرفتنا بالتجربه تقتصر على معرفة
ان هذا الشىء موجود فان الحكمة تقتضى منا ان نعرف، لماذا يكونالشىء موجودا؟ ولا شك
ان الذى يعرف السبب الذى من اجله توجد الاشياء، يكون احكم من الذى لا يعلم شيئا
عنه.

 وهكذا
يتضح لنا، ان العلم هو علم بالاسباب ويرى المعلم الاول ان العلم لا يمكن ان ياتينا
من الاحساسات لانها لا تفسر لنا لمذا توجد الاشياء،ن او لماذا تحدث على هذا النحو
دون ذاك. فمثلا الاحساس يخبرنا ان النار ساخنة. ولكننا لا نعرف بواسطة هذا الاحساس،
لماذا تكون ساخنه؟

 وهو
يقول: العلم الذى نطلق عليه اسم الفلسفة 0.يكون موضوعه العلل الاولى، ومبادى
الموجودات (مقاله الالف 981 ب، 30). وذلك امر بديهى وكما ان الفن يعلو على التجربة،
فان العلوم النظرية تعلو على العلوم التجربيية.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى