اللاهوت المقارن

الفصل الحادي عشر



الفصل الحادي عشر

الفصل الحادي عشر

خلافات طقسية

85 الاتجاه إلى الشرق

86 إكرام الصليب

87 الأنوار والشموع

88 البخور

89 الهيكل والمذبح

90 الصور والأيقونات

 

85- الاتجاه إلى الشرق

إننا نبني كنائسنا إلي الشرق. ونصلي ونحن متجهون
إلي الشرق، لأن الشرق يوجه قلوبنا إلي تأملات نعتز بها، حتي أصبح بالنسبة إلينا
رمزا. وأيضا من أجل أهمية الشرق في فكر الله كذلك، فإن كان الله قد اهتم به،
فلنهتم به بحن أيضا..

 

1)* قبل أن يخلق الإنسان، اعد الله الشرق كمصدر
للنور. ورأي الله النور أنه حسن وفي لغتنا نقول عن ظهور الشمس أنه شروقها. واصبحت
عبارة تشرق الشمس أي تظهر من الشرق، أي تنير. والشمس خلقت في اليوم الرابع قبل خلص
الإنسان في اليوم السادس (تك1).

 

وشروق الشمس رمز للسيد المسيح ونوره. وقد سمي
الرب (شمس البر) وقيل (تشرق شمس البر، والشفاء في أجنحتها) (ملاخي2: 4).

 

2)* وقبل خلق الإنسان أيضا، غرس له الله جنة عدن
شرقا (تك8: 2). ووضعه فيها، وهناك أياً كانت شجرة الحياة، وكانت الحياة الأولي
للإنسان قبل الخطية، وجنة عدن ترمز إلي الفردوس الذي نتطلع إليه.

 

وصار اتجاه الإنسان إلي الشرق، يرمز لتطلعه إلي
الفردوس الذي حرمته منه الخطية، ويرمز لتطلعه إلي شجرة الحياة.

 

3)* ونلاحظ أيضا أن السيد المسيح ولد في بلاد
الشرق، والمجوس رأوا نجمه في المشرق (مت2: 2).

 

وكان هذا النجم يرمز إلي الإرشاد الإلهي. ولما
تبعه المجوس قادهم إلي الري. ما أجمل هذا التأمل!

 

4)* والمسيح الذي ولد في الشرق، ونجمه في المشرق،
شبهت أمه العذراء بباب في المشرق (حزقيال 44: 1،2).

 

5)* وهكذا نري أن الخلاص قد أتي إلي العالم من
المشرق. فالمسيح صلب أيضا في بلاد المشرق، وهناك بذل دمه عن غفران خطايا العالم
كله.

 

6)* وفي المشرق بدأت الديانة والكنيسة. في الشرق
أورشليم، مدينة الملك العظيم، وفيه تأسست أول كنيسة في العالم. ومن الشرق امتدت
رسالة الإنجيل، إلي العالم كله. وفيه سالت دماء أول شهيد في المسيحية.

 

7)* كذلك الكتاب المقدس تحدث كثيرا عن أن مجد
الله في المشرق.

ففي (أش15: 24) (في المشارق مجدوا الرب) وفي سفر
حزقيال نبوءة عن مجيء المسيح في مجده من المشرق. يقول (وإذا مجد إله إسرائيل جاء
عن طريق المشرق، وصوته كصوت مياه كثير، والأرض أضاءت من مجده) (حز43: 1،2).

 

8)* لذلك فإن غالبية اللاهوتيين يقولون:

(إن المجيء الثاني سيكون من المشرق وكما صد هكذا
يأتي) (أع11: 1). ففي نبوءة زكريا (14: 3،4). أن (الرب تقف قدماه في ذلك اليوم علي
جبل الزيتون الذي قدام أورشليم من المشرق).

 

9)* الكلام عن المشرق جميل وذكرياته حلوة:

في حزقيال (47: 1-19) يتكلم عن (أنهار حياة في
المشرق) وفي (2مل13: 17) يتكلم في الشرق عن (سهم خلاص الرب) وفي (أش15: 24) (في
المشارق مجدوا الله).

 

10)* إن الذكريات لها في القلب تأثير:

ولها مفعولها الروحي في النفس. ويعجبني أن
دانيال النبي حينما تحدي العبادات الوثنية، وصعد إلي عليته ليصلي، فتح الطاقة التي
تطل علي أورشليم، وركع وصلي.. حقاً إن الله موجود في كل مكان، ولكن الاتجاه إلي
أورشليم في الشرق كان له معني وتأثير عميق في القلب، والذكريات تعطي القلب أهمية
لأمكنة معينة، تثير ذكراها عواطف مقدسة.

 

11)* إننا لسنا عقلاً صرفا في عبادتنا: فالحواس
تعمل، وتتأثر، وتؤثر في مشاعر الروح. ومثال ذلك. أننا نصلي ونرفع نظرنا إلي فوق،
بينما الله موجود في كل مكان.. ولكن النظر إلي فوق، يحرك في قلوبنا مشاعر روحية
لصلاتنا عمقاً خاصا. كذلك الاتجاه إلي الشرق..

 

والمسيح نفسه، في أكثر من منسابة، نظر إلي فوق،
مع أن الآب فيه وهو في الآب. ولكن النظر إلي فوق له دلاله خاصة..

 

12)* ونحن حينما ننظر إلي الشرق، إنما نتجه إلي
المذبح الموجود في الشرق، لأن الذبيحة لها في قلوبنا الروحية، والمسيح فصحنا، كان
ذبيحة في الشرق.

 

13)* وفي المعمودية، بطريقة رمزية أيضا، يتجه
المعمد وأشبينه نحو الغرب لجحد الشيطان، ثم يتجهان إلي الشرق لتلاوة قانون الإيمان،
وبهذا يشعر أنه في المعمودية ينتقل من الغرب إلي الشرق، أي من الظلمة إلي النور.

 

14)* ونحن نسأل: لماذا يحارب البروتستانت الشرق
بكل ما يحمل من رموز ومن معان روحية وتأملات وذكريات مقدسة، تسندها نصوص من الكتاب
المقدس. ولا يوجد في ذلك أي خطأ عقيدي يثير الغيرة المقدسة؟!

 

86- إكرام الصليب

من الخلافات التي بيننا وبين البروتستانت
اكرامنا العجيب للصليب. ومن ذلك رشم الصليب. فهم لا يرشمون ذاتهم بعلامة الصليب
قبل الصلاة ولا بعدها قائلين باسم الآب والابن والروح القدس. ولا يرشمون الطعام
بعلامة الصليب قبل الأكل ولا يستخدمون الصليب للبركة. ولا في رشم الناس، ولا في
رشم الملابس.

 

ويكتفي البروتستانت بإيمان قلوبهم بالصليب دون
استخدامه. وكانوا إلي عهد قريب لا يعلقونه علي الكنائس. وكثير منهم لا يعلقونه علي
صدورهم. وكلهم لا يمسكون صليباً في أيديهم. وهم أيضا لا يحتفلون بأعياد الصليب،
ولا بموكب له، ولا يطوفون به بالأناشيد والألحان.

 

وهم أيضا لا يقبلون الصليب، ولا يأخذون بركته.

 

وسنحاول الآن أن نشرح لماذا اهتمامنا هذا كله
بالصليب. ونري كيف أن رشم الصليب نافع ومفيد موافق لتعليم الكتاب المقدس.

 

1)* تركيز السيد المسيح علي الصليب:

وذلك منذ بدء خدمته، وفي أثناء تعليمه، قبل أن
يصلب.

فقد قال (من لا يأخذ صليبه ويتبعني، فلا يستحقني
(مت38: 10). وقال (إن أراد أحد أن يأتي ورائي، فلنكر نفسه، ويحمل صليب ويتبعني)
(مت24: 16)، (مر34: 8). وفي حديثه مع الشاب الغني قال له (اذهب بع كل مالك واعطه
للفقراء.. وتعال اتبعني حاملا الصليب). وقال أيضا (من لا يحمل صليبه ويأتي ورائي،
لا يقد أن يكون لي تلميذاً) (لو27: 14).

 

2)* وقد كان الصليب موضوع كرامة الملاك والرسل:

من الأشياء الجميلة أن الملاك المبشر بالقيامة
قال للمريمتين (أنكما تطلبان يسوع المصلوب. ليس هو ههنا، لكنه قد قام كما قال)
(مت5: 28). وهكذا سماه (يسوع المصلوب)مع أنه كان قد قام. وظل لقب المصلوب لاصقاً
به وقد استخدمه آباؤنا الرسل. وركزوا علي صلبه في كرازتهم.

ففي كرازة القديس بطرس، قال لليهود (يسوع لذي
صلبتموه أنت) (أع36: 2) والقديس بولس الرسول يركز علي هذه النقطة فيقول (لكننا نحن
نكرز بالمسيح مصلوبا) (1كو23: 1)، علي الرغم من أن صلبه هذا كان يعتبر (لليهود
عثرة ولليونانيين جهالة).

ويعتبر الرسول أن الصليب جوهر المسيحية فيركز
عليه قائلا (لأنني لم أعزم أن أعرف شيئا بينكم، إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً)
(1كو2: 2). أي أن هذا الصليب هو الأمر الوحيد الذي أريد أن أعرفه.

 

3)* وهكذا كان الصليب موضوع فخر الرسل:

فيقول القديس بولس الرسول (وأما من جهتي، فحاشا
لي أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح) (غل14: 6). وإن سألناه عن السر في هذا
يكمل قائلا (هذا الذي به قد صلب العالم لي، وأنا للعالم) (غل14: 6).

 

4)* ونحن حينما نرشم الصليب، نتذكر كثيرا من
المعاني اللاهوتية والروحية المتعلقة به:

نتذكر محبة الله لنا، الذي من أجل خلاصنا، قبل
الموت عنا (كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد إلي طريقة. والرب وضع عليه إثم جميعا)
(أش6: 53). حينما نرشم الصليب نتذكر (حمل الله الذي حمل خطايا العالم) (يو1: 29)
(1يو2: 2).

 

5)* وفي رشمنا للصليب نعلن تبعيتنا لهذا المصلوب:

إن الذين يأخذون الصليب بمجرد معناه الروحي داخل
القلب، دون أية علاقة ظاهرة، لا يظهرون هذه التبعية علناً، التي نعلنها برشم
الصليب، وبحمل الصليب علي صدورنا. وبتقبيل الصليب أمام الكل، وبرشمه علي أيدينا،
وبرفعه علي اماكن عبادتنا.

إننا بهذا كله، إنما نعن إيماننا جهارا، ولا
نستحي بصليب المسيح أمام الناس، بل نفتخر به، ونتسمى به. ونعيد له أعيادا.. ونتمسك
به.. حتي دون أن نتكلم مجرد مظهرنا يعلن إيماننا.

 

6)* إن الإنسان ليس مجرد روح، أو مجرد عقل، بل
له ايضا حواس جسدية يجب أن تحس الصليب بالطرق السابقة:

كما أنه ليس جميع الناس في مستوي روحي واحد، لا
يحتاجون فيه إلي الحواس. إن الحواس تتغذى بكل ما سبق، ولا تقتصر علي ذاتها، بل
تنقل تأثراتها إلي العقل وإلي الروح.. وربما العقل لا يتذكر الصليب من تلقاء ذاته،
أو يتذكره كثيرا ولكنه عن طريق الحواس، حينما يري الصليب مرسوما أمامه، يتذكر ما
يختص بالصليب وبالمصلوب من مشاعر ومن معان روحية ولاهوتية..

وهكذا نعبد الله روحا وعقلا وجسدا. وكل هذا يقوي
بعضه بعضا.

 

7)* ونحن لا نرشم الصليب علي أنفسنا في صمت، إنما
نقول معه باسم الآب والابن والروح القدوس:

وبهذا نعلن في كل مرة عقيدتنا بالثالوث القدوس
الذي هو إله واحد، إلي الأبد آمين. وهكذا يكون الثالوث في ذهننا باستمرار، الأمر
الذي لا يتاح للذين لا يرشمون الصليب مثلنا.

 

8)* وفي الصليب ايضا نعلن عقيدتي التجسد والفداء:

فنحن إذ نرشم الصليب من فوق إلي تحت ن ومن
الشمال إلي اليمين، إنما نتذكر ان الله نزل من السماء إلي تحت إلي أرضنا، فنقل
الناس من الشمال إلي اليمين، من الظلمة إلي النور، ومن الموت إلي الحياة، وما أكثر
التأملات التي تدور بقلوبنا وأفكارنا من رشم علامة الصليب.

 

9)* وفي رشمنا للصليب تعليم ديني لأولادنا
ولغيرهم:

كل من يرشم الصليب، حينما يصلي، وحينما يدخل إلي
الكنيسة، وحينما يأكل، وحينما ينام، وفي كل وقت، إنما يتذكر الصليب، وهذا التذكر
مفيد روحيا ومطلوب كتابيا. وفيه تعليم الناس، إن المسيح قد صلب وتعليم بالذات
لأولادنا الصغار الذين يشبون من صغرهم متعودين علي الصليب.

 

10)* وبرشمنا الصليب إنما نبشر بموت الرب عنا
حسب وصيته:

وهذه وصية الرب لنا أن نبشر بموته (الذي لجل
فدائنا) إلي أن يجئ (1كو26: 10). ونحن برشم الصليب نتذكر موته كل حين، نظل نتذكره
إلي أن يجئ.

ونحن نتذكره كذلك في سر الأفخارستيا. ولكن هذا
السر لا يقام في كل وقت بينما الصليب يمكن أن نرشمه في كل وقت، متذكرين موت المسيح
عنا..

 

11)* وفي رشمنا للصليب، نتذكر أن عقوبة الخطية
موت:

لأنه لولا ذلك ما مات المسيح. كنا نحن (أمواتا
بالخطايا) (أف5: 2). ولكن المسيح مات عنا علي الصليب واعطانا الحياة. وعلي الصليب
إذ دفع الثمن قال للآب (يا أبتاه أغفر لهم).

 

12)* وفي رشمنا الصليب نتذكر محبة الله لنا:

نتذكر أن الصليب ذبيحة حب. لأنه (هكذا أحب الله
العالم حتي بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية)
(يو16: 3).

 

13)* ونحن نرشم الصليب لأنه يمنحنا القوة:

القديس بولس الرسول يشعر بقوة الصليب هذه فيقول
(به صلب العالم لي، وأنا للعالم) (غل 14: 6). ويقول أيضاً (أن كلمة الصليب عند
الهالكين جهالة. وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله) (1كو18: 1).

لاحظوا هنا أنه لم يقل أن عملية الصليب هي قوة
الله، إنما قال إن مجرد (كلمة الصليب) هي قوة الله.

لذلك نحن حينما نرشم علامة الصليب، وحينما نذكر
الصليب، ونمتلئ قوة. لأننا نتذكر أن الرب بالصليب داس الموت، ومنح الحياة لكل
الناس. وقهر الشيطان وغلبه، ولذلك..

 

14)* فنحن نرشم الصليب لأن الشيطان يخافه:

كل تعب الشيطان منذ آدم إلي أخر الدهور، ضاع على
الصليب، إ ذ دفع الرب الثمن، ومحا جميع خطايا الناس بدمه، ممن يؤمنون ويطيعون لذلك
فإن الشيطان لذلك فإن الشيطان كلما يرى الصليب يرتعب متذكراً هزيمته الكبرى وضياع
تعبه، فيخزي ويهرب.

وهكذا كان أولاد الله يستخدمون باستمرار علامة
الصليب باعتبارها علامة الغلبة والانتصار، أو هى قوة الله. فمن جهتنا نمتلئ قوة من
الداخل، أما عن العدو في الخارج فهو يرتعب.

وكما كانت ترفع الحية النحاسية في القديم شفاء
للناس وخلاصاً من الموت، هكذا رفع رب المجد على الصليب (يو 14: 3)، وهكذا علامة
الصليب في مفعولها.

 

15)* ونحن نرشم علامة الصليب فنأخذ بركته:

كان العالم كله يقع تحت حكم اللعنة بالموت بسبب
الخطية. ولكن على الصليب حمل الرب كل لعناتنا لكي يمنحنا بركة المصالحة مع الله
(رو10: 5). وبركة الحياة الجديدة النقية، وبركة العطية في جسده، وكل نعم العهد
الجديد مستمدة من الصليب.

لذلك استخدم رجال الإكليروس هذا الصليب في منح
البركة، اشارة إلي أن البركة لا تصدر منهم شخصياً، إنما من صليب الرب الذي ائتمنهم
على استخدامه في منح البركة. ولأنهم يستمدون كهنوتهم من كهنوت هذا المصلوب.

وكل بركات العهد الجديد نابعة من صليب الرب
وفاعليته.

 

16)* لذلك فكل الأسرار المقدسة في المسيحية
تستخدم فيها الصليب:

لأنها كلها نابعة من استحقاقات دم المسيح علي
الصليب.

فلولا الصليب، ما كنا نستحق أن نقترب إلي الله
كأبناء في المعمودية وما كنا نستحق التناول من جسده ودمه في سر الأفخارستيا (1كو26:
11). وما كنا نستطيع التمتع ببركات أس سر من أسرار الكنيسة.

 

17)* ونحن نهتم بالصليب، لنتذكر الشركة التي لنا
فيه:

نتذكر قول القديس بولس الرسول (مع المسيح صلبت.
فأحياء لا أنا بل المسيح يحيا في) (غل20: 2). وقوله أيضا (لأعرفه وقوة قيامته
وشركة آلامه متشبها بموته) (في10: 3). وهنا نسأل أنفسنا متي ندخل في شركة آلام
الرب ونصلي معه. وهنا نتذكر اللص الذي صلب معه، فاستحق أن يكون في الفردوس معه.

ولعله صار في الفردوس يغني بالأغنية التي قالها
القديس بولس فيما بعد (مع المسيح صلبت)…

كل أمنياتنا أن نصعد علي الصليب مع المسيح.
ونفتخر بهذا الصليب الذي نذكره الآن كلما تلامس مع حواسنا.

 

18)* ونحن نكر الصليب، لأنه موضع سرور الآب:

الآب الذي تقبل المسيح علي الصليب بكل سرور
كذبيحة خطية، وكمحرقة أيضا (رائحة سرور للرب) (لا1: 9،13،17). وقال اشعياء النبي
في ذلك (أما الرب فسر أن يسحقه بالحزن) (اش10: 35).

إن السيد المسيح أرضي الآب بكمال حياته علي
الأرض، ولكنه دخل في ملء هذا الارضاء علي الصليب، حيث أطاع حتي الموت، موت الصليب)
(في8: 2).

ففي كل مرة ننظر إلي الصليب نتذكر كمال الطاعة،
وكمال الخضوع لكي نتمثل بالسيد المسيح في طاعته، حتي الموت.

وكما كان الصليب موضع سرور للآب، كان هكذا أيضا
بالنسبة إلي الابن المصلوب الذي قيل عنه (من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل
الصليب مستهينا بالخزي) (عب2: 12).

وهكذا كان ملء سرور المسيح في صلبه. ليتنا نكون هكذا.

 

19)* وفي الصليب، نخرج إليه خارج المحلة، حاملين
عاره (عب12: 13).

بنفس شعورنا في اسبوع الآلام.. ونذكر في ذلك ما
قيل عن موسى النبي (حاسبا عار المسيح غني اعظم من خزائن مصر) (عب26: 11). وعار
المسيح هو صلبه وآلامه.

 

20)* نحمل صليب المسيح الذي يذكرنا بمجيئه
الثاني:

كما ورد في الإنجيل عن نهاية العالم ومجيء الرب
(وحينئذ تظهر علامه ابن الإنسان في السماء (أي الصليب). ويبصرون ابن الإنسان آتيا
علي سحاب السماء..) (مت30: 24). فلنكرم علامة ابن الإنسان علي الأرض، مادمنا نتوقع
علامته هذه في السماء في مجيئه العظيم.

 

87- الأنوار والشموع

الكنيسة الأرثوذكسية تتميز بأنوارها. وتستخدم
الشموع في صلواتها، وعند قراءة الإنجيل، وأمام أيقونات القديسين، وعلي المذبح،
وأمامه في شرقيته، وفي الهيكل عموماً وتبقي الكنيسة مضيئة باستمرار. ولها برج عال
يسمي المنارة.. والبروتستانتية لا تستخدم شيئا من هذا كله، بكل ما يحوي من رموز.

 

لذلك سنتعرض في هذا المقال المختصر عن الأنوار
في الكنيسة والحكمة فيها، وما تحويه من معان روحية.

 

1)* الكنيسة نفسها لقبت في الكتاب المقدس بلقب
منارة. وهذا واضح في سفر الرؤيا. إذ رأي يوحنا الإتجيلى الرب يسوع وسط منائر من
ذهب. وكانت (المناير السبع هي السبع الكنائس ؤ(رؤ20: 1).

 

2)* الكنيسة نشبهها بالسماء، علي اعتبار أنها
بيت الله أو مسكنه كالسماء. وقد كان هذا هو تقريبا التعبير

 

 الذي
أطلق علي أول بيت لله، إذ قال أبونا يعقوب أب الآباء (ما أرهب هذا المكان. ما هذا
إلا بيت الله، وهذا باب السماء) (تك17: 28).

 

وفي تشبيه الكنيسة بالسماء، ينبغي أن تضئ فيها
الأنوار كالكواكب في السماء.

 

3)* أو قد تمتد الأنوار في الكنيسة إلي ملائكة
السماء، أو الملائكة التي كانت تصعد وتنزل علي السلم الذي رآه أبونا يعقوب في بيت
إيل (بيت الله) (تك12: 28). والملائكة يمكن أن يرمز إليهم النور، إذ يسمون أيضا
بملائكة النور (2كو14: 11).

 

4)* أو قد ترمز أنوار الكنيسة إلي القديسين،
الذين يقول لفم الرب (فليضئ نوركم هكذا قدام الناس) (مت16: 5). وشبههم في تلك
المناسبة بالسراج الذي يوضع علي المنارة (مت15: 5). وذكر الإنجيل أيضا أن (الأبرار
يضيئون كالشمس في ملكوت أبيهم ؤ(مت43: 13). والقديس يوحنا المعمدان – كمثال – قال
عنه السيد المسيح لليهود (كان هو السراج الموقد المنير. وأنتم أردتم أن تبتهجوا
بنوره ساعة) (يو35: 5).

 

ولما كانت الكنيسة مملوءة بالملائكة. وبالقديسين،
إذن ينبغي أن يكون مملوءة بالأنوار.

 

5)* بل ينبغي أن تكون الكنيسة مملوءة بالأنوار،
أولا وقبل كل شئ لحلول الله فيها، والله نور (1يو5: 1). وقد قال السيد المسيح عن
نفسه (أنا نور العالم) (يو12: 8).

 

6)* والكنيسة تضاء بالأنوار، علي مثال خيمة
الاجتماع والهيكل وكلاهما كانت مملؤتين بالأنوار. لا تنطفئ سرجهما أبدأ. وأمر الرب
بإضاءة السرج بزيت الزيتون النقي، ويشرف علي هذا الأمر هارون وبنوه كفريضة أبدية.
وقال في ذلك (وأنت تأمر بين إسرائيل أن يقدموا إليك زيت زيتون نقي مرضوض نقياً
للضوء لاصعاد السرج دائماً. في خيمة الاجتماع خارج الحجاب الذي أمام الشهادة،
يرتبها هارون وبنوه من المساء إلي الصباح أمام الرب، فريضة دهرية في أجيالهم)
(خر27: 20،21).

 

هذا أمر إلهي، أصدرها لله الذي قال (ليكن نور،
فكان نور) في اليوم الأول (ورأي الله النور أنه حسن) (تك1: 3،4).

 

7)* والسرج التي تضاء بالزيت، لها معني روحي،
لأن الزيت يرمز للروح القدس. وكان يستخدم في المسحة فيحل روح الرب. كما مسح صموئيل
داود فحل عليه روح الرب (1صم13: 16). وكما يذكر الإنجيل عن المسحة المقدسة (1يو2: 20،27).
وحتى الشموع التي نوقدها في الكنيسة هي أيضا من زيت. والسرج في الكنيسة كانت فتائل
تضئ بالزيت لنفس الرمز.

 

8)* نلاحظ أن الله أمر بعمل منارة في بيته، سواء
خيمة الاجتماع أو الهيكل وكانت السرج، والمنارة من الذهب النقي (خر31: 25) (خر17: 37)
(2أي20: 4). وكل هذا يدل علي اهتمام الله بالأنوار في بيته.

 

9)* كانت السرج تضاء باستمرار حسب أمر الرب.
وكان إطفاء السرج وعدم الاهتمام بإضاءتها يعتبر خيانة للرب تستحق العقوبة الشديدة.
وفي هذا يقول الكتاب (لأن آباءنا خانوا وعملوا الشر في عيني الرب إلهنا، وتركوه..
وأطفأوا السرج، ولم يوقدوا بخوراً… فكان غضب الرب علي يهوذا وأورشليم، وأسلمهم
للقلق والدهش) (2أي29: 6،7)، كل هذا يرينا مدي اهتمام الرب بإضاءة الأنوار في بيته.

 

10)* ولإضاءة السرج معني روحي عميق خاص، يرمز
إلي الاستعداد الدائم والسهر المستمر والاحتفاظ بعمل الروح القدس في القلب. ويقول
لنا الرب عن هذا الاستعداد (لتكن أحقاؤكم ممنطقة وسرجكم موقدة وانت تشبهون أناساً
ينتظرون سيدهم متي يرجع العرس.. طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم
ساهرين) (لو12: 35- 37).

 

وضرب الرب لنا مثلا بالعذارى اللائى كانت
مصابيحهن موقدة، بينما الجاهلات انطفأت مصابيحهن (مت25: 1-12).

 

إن الزيت في المصابيح يرمز إلي عمل الروح القدس
في القلب واستمراره موقداً يرمز إلي السهر الدائم في حفظ القلب مرتبطا بعمل الروح
فيه.

 

11)* وما يقال عن الأفراد يقال عن الكنيسة كلها.
ورؤية الناس للنور في الكنيسة يوحي إليهم بواجبهم في أحتفاظهم داخلهم، وأن تكون
مصابيحهم دائما موقدة. ويتذكرون أن الكنيسة من العذارى الحكيمات اللائى احتفظن
بمصابيحهن مضيئة.

 

12)* أما اضاءة الشموع وقت الإنجيل، فهذا بلا شك
أفضل من قراءته بدون اضاءة. إن ذلك يذكرنا بقول المزمور (سراج لرجلي كلامك ونور
لسبيلي) (مز119). وأيضا يقول المرتل (وصية الرب مضيئة تنير العينين عن بعد) (19).

 

13)* والكنيسة الأولي منذ عصر الرسل كانت مهمته
بهذه الأنوار وما تحمله من رموز (ويسجل لنا سفر أعمال الرسل عن العلية التي كان
يعظ فيها بولس بعد كسر الخبز أنه (كانت مصابيح كثيرة في العلية التي كانوا مجتمعين
فيها) (أع20: 8).

 

14)* والشموع التي تضعها أمام صور القديسين،
إنما تذكرنا بأنهم كانوا أنواراً في أجيالهم. وبأمنهم كانوا كالشموع، يذبون لكي
(يضئ نوركم هكذا قدام الناس).

 

88- البخور

البروتستانت لا يستخدمون البخور، ولا المباخر
(المجامر) ويعتبرون ذلك من عبادات العهد القديم التي انتهت، لأنها في اعتقادهم
كانت مجرد رمز.

ونود هنا أن نستعرض تاريخ البخور قديما وحديثاً.

ونري هل كان رمزا أم عملا روحيا قائما بذاته.

 

1) “قال الرب لموسى: وتصنع مذبحا لإيقاد
البخور” (خر1: 30).

ويقدم الرب لنا هنا ملاحظة جميلة جدا. وهي أن
البخور كان يعتبر في حد ذاته ذبيحة يقدمونها علي مذبح يسمي مذبح البخور.

 

2) وقد أهتم الرب بمذبح البخور اهتماما شديدا،
فأمر أن يكون مغشي بالذهب من كل ناحية، وله إكليل من ذهب، ويحمل علي عصوين مغشيين
بالذهب. ويوضع قدام الحجاب الذي أمام تابوت العهد (خر30: 3-6). حيث يجتمع الله بموسى.

 

3) كان يشترط في البخور أن يكون “بخوراً
عطراً”.

ويقول الرب في ذلك (ويوقد عليه هارون بخورا عطرا
كل صباح) (خر7: 30). وكذلك في العشية (بخورا دائما أمام الرب في أجيالكم) (خر8: 390).

وقد ذكرت مواد البخور العطيرة في (خر34: 30).
وقيل عن هذا البخور (يكون عندك مقدساً للرب) (خر37: 30). بل قيل اكثر من هذا أنه
(قدس أقداس) (يكون عندكم (خر36: 30). فلا يصنع أحد منه لنفسه.

وقد تكررت عبارة البخور العطر في مواضع كثيرة من
الكتاب، كما في (خر25) (خر29: 37) (لا12: 16). فكان البخور يمثل رائحة زكية عطرة
تصعد إلي الرب.

 

4) قال البعض خطأ أن البخور كان يقدم مع
المحرقات، لإزالة رائحتها.

وقد الغيت الذبائح الحيوانية، فالغي البخور.
وهذا الفهم ليس سلمياً، فالبخور كان لوناً من العبادة مستقلا بذاته، وكان له مذبح
خاص غير مذبح المحرقة، ولكن له طقس خاص في تقديمه. وكان مقصود لذاته كصلاة، وليس
رمزا لشيء، كما سنري.

 

5) نلاحظ أنه عندما ضرب الرب لشعب بالوباء أوقد
هارون رئيس الكهنه البخور بأمر موسى النبي، ليشفع في الناس أمام الله. ولما دخل في
وسطهم وبخر انقطع الوبأ وقبل الله منه هذا البخور كصلاة (عدد16: 44-48). ونلاحظ
هنا أنه لم تقدم ذبيحة عنهم، إنما قدم البخور وحده، ولم يكن من أجل رائحة محرقات،
إنما قدم للتكفير عن الشعب، كأنه ذبيحة (عد16: 46،47).

 

6) من أهمية البخور، أنه ما كان يقدمه أحد سوي
الكهنة فقط.

وهو هنا يبدو مركز اعلي من الصلاة، لأن الصلاة
يقدمها لله أي فرد من الشعب. ونلاحظ أنه لما تجرأ قورح وداثان وابيرام، وقربا
بخوراً، انقلبت الأرض وابتعلته احياء، هم وكل بيوتهم (عد16: 31،32). ولم يكن بسبب
تقديمهم ذبيحة، وإنما لتقديمهم بخوراً، مع أنهم من سبط لاوي..

 

7) ومن أهمية البخور، أنه كان يقدم في مجامر من
ذهب كما ورد (عب4: 9). وكما قيل عن الأربعة والعشرين قسيساً أنه كانت لهم (جامات
من ذهب مملوءة بخوراً) (رؤ8: 5).

 

8) وقد وردت نبوءة في سفر ملاخى النبي عن
استمرار البخور وعدم اقتصار علي العصر اليهودي.

إذ قال الرب (لأنه من مشرق الشمس إلي مغربها
اسمي عظيم بين الأمم. وفي كل مكان يقربون لاسمي بخورا وتقدمة طاهرة) (ملا11: 1).
وطبعاً يكون الرب قد جعل البخور من بنود العبادة المسيحية.

 

9) ومن اهتمام الرب بالبخور في العهد الجديد
وردود مثالين عنه في سفر الرؤيا وهما:

 

 أ) *
قيل عن الأربعة والعشرون قسيساً (كاهنا)، إن لهم جامات من ذهب مملوءة بخورا هي
صلوات القديسين (رؤ8: 5).

 

ب)* يقول القديس يوحنا الرائي (وجاء ملاك آخر
ووقف عند المذبح، ومعه مجمرة من ذهب. واعطي بخورا كثيرا، لكي يقدمة مع صلوات
القديسين جميعهم علي مذبح الذهب الذي أمام العرش. فصعد دخان البخور مع صلوات
القديسين من يد الملاك أمام الله) (رؤ8: 3،4).

 

10) تعليقا علي عبارة (صعد دخان البخور مع صلوات
القديسين) نقول إن حياة الكنيسة كلها بخور.

بل أن الكنيسة شبهت في سفر النشيد بالبخور.

وذلك حينما قال عنها الوحي الإلهي (من هذه
الطالعة من البرية، كأعمدة من دخان، معطرة بالمر واللبان وكل أذرة التاجر) (نش6: 3).

 

11) ومن المواقف الجميلة أيضا في قصة تاريخ
البخور في حياة القديسين:

 

أن زكريا الكاهن ظهر له ملاك الرب وقفا علي يمين
مذبح البخور فيما هو يبخر في دورته (لو1: 8-11). مما يدل علي قدسية هذا الموضع،
وقدسية عملية التبخير. واستحقاق هذه المناسبة المقدسة لأن تصحب بالإعلانات الإلهية.

 

وواضح من قصة نوبة زكريا الكاهن في التبخير، أن
رفع البخور كان عملا قائما بذاته، غير مرتبط بتقديم ذبيحة أو محرقة.

 

12) من أهمية البخور في المسيحية.

أن اللبان (مادة البخور) كان من الهدايا التي
قدمها المجوس للسيد المسيح وكانت رمزا لكهنوته أو اعترافاً من المجوس بكهنوتة، كما
كان الذهب رمزا لملكة والمر رمزا لآلامه.

 

13) للبخور معان كثيرة تشبع الحواس وتغذي النفس.

وليس جميع الذين يخضرون إلي الكنيسة من المستوي
الذي يشترط فيه عمق الروح وعمق التفكير.. فالأطفال

 

 مثلاً،
الذي لا يدكون كثيرا ما يقال. في العظات، وما يسمعونه من القراءات، حتي ما يسمعونه
من الصلوات هؤلاء يتأثر روحياً بحواسهم من جهة البخور والشموع والأيقونات وتكون
كدروس روحية لهم تنقلهم إلي جو روحي. وهكذا الكثير من العلوم، والمؤمنين العاديين
غير المتجرين في العلم والمعرفة وغير الدارسين لكتب اللاهوت.

فماذا في البخور من معان روحية، ومن تأملات؟

 

14) اول درس يتلقونه من البخور، هو قول الرب (من
أضاع حياته من أجلي يجدها) (مت39: 10).

ومثال ذلك حبة البخور التي تحترق وتحترق، حتي
تتحول إلي أعمدة معطرة دخان. وتبحث عنها في المجمرة كحبة بخور، فلا تجدها، إذ تكون
قد قدمت ذاتها محرقة لله. فالمحرقات ليست فقط من الذبائح، وإنما من البخور أيضا،
الذي اعتبره الكتاب ذبيحة تقدم علي مذبح البخور، وتعطينا درسا وأي درس.

 

فما أجمل أن يقدم الإنسان ذاته محرقة للرب. كل
تقدمة أخري هي خارج الذات. أما تقدمت الذات فإنها أعظم التقدمات.

 

وتقدمه الذات يمثلها وضع حبة البخور في النار.
وقد قيل عن إلهنا أنه نار آكلة (تث24: 4). وقد كان القديسون حبات من البخور وضعت
في المجمرة الإلهية فاحترقت بمحبة الله.

 

15) والدرس الثاني في البخور هو الصعود إلي فوق
باستمرار.

 

 لا يقبل
البخور علي نفسه إطلاقا أن يقبع في أسفل، بل هو يرتفع في السماء، ويمتد وينتشر،
ولا يتوقف مطلقا في صعوده، وفي انتشاره. وأنت إذا نظرت إلي البخور وتابعته، لابد
أن ترفع عينيك إلي فوق إلي السماء، أردت أو لم ترد. هكذا كان البخور باستمرار يجذب
حواس الناس إلي فوق. وكأنه سهم يشير إلي السماء باستمرار.

 

16) درس آخر للبخور: أنه يمثل الرائحة الزكية:

ولهذا كان الكتاب يشترط فيه أن يكون بخورا عطرا.
كل من يشم هذا البخور يتذكر أن حياة الإنسان ينبغي أن تكون عطرة الرائحة أمام الله.

وكما قال الكتاب (لأننا رائحة المسيح الزكية لله..)
(يظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان) (2كو2: 15، 14).

 

17) ومن أجمل ما في البخور من تأملات أنه يذكرنا
بالضباب ا, السحاب الذي كان الله يظهر فيه.

وكما قال الرب (لأني في السحاب أتراءى علي
الغطاء) (غطاء تابوت العهد) (لا2: 16). وهكذا وردت في سفر اللاويين عبارة (سحابة
بخور) (لا13: 16). وقيل عن هارون رئيس الكهنة (يأخذ ملء المجمرة نار عن المذبح من
أمام الرب، وملء راحتيه بخوراً عطراً، ويدخل بهما إلي داخل الحجاب. ويجعل البخور
علي النار أمام الرب، فتغشي سحابة البخور الغطاء الذي علي الشهادة فلا يموت (لا16:
12،13).

وكان الله في إرشاد شعبه في العهد القديم، سواء
في خيمة الاجتماع، أو في الهيكل، أو في برية سيناء، يظهر للناس في السحاب، أو في
الضباب، وكان إرشاده للشعب ففي برية سيناء، علي هيئة سحابة تظللهم في النهار، تمثل
الله وهو يظلل عليهم، فإذا تحركت السحابة يعرفون أن الله يحركهم فيتحركون، وإن
وقفت السحابة يقفون) (عدد17: 9). وهكذا قيل (وكانت سحابة الرب عليهم نهاراً في
ارتحالهم) (عدد34: 10).

 

18) وفي مجيء المسيح إلي مصر، قيل إنه علي
سحابة؟ (أش1: 19). وكانت السحابة ترمز إلي العذراء، وكانت العذراء رائحة بخور صعدت
إلي فوق. وفي مجيء المسيح الثاني سيأتي أيضا علي السحاب (مت30: 24). فالسحاب كان
يمثل حضور الله في العهدين القديم والجديد.

 

19) وفي قصة التجلي نجد مثلاً لحضور الرب في
السحاب:

لقد قيل إنه بينما كان السيد المسيح يكلم
تلاميذه الثلاثة (كانت سحابة تظللهم. فخافوا عندما دخلوا في السحابة. وصار صوت من
السحابة قائلاً: هذا هو أبني الحبيب. له اسمعوا) (لو9: 34،35).

 

20) وهكذا كان الرب يكلم موسى من السحاب. حينما
كلم الرب موسى يقول الكتاب (فصعد موسى إلي الجبل. فغطي السحاب الجبل. وحل مجد الرب
علي جبل سيناء، وغطاء السحاب ستة أيام. وفي اليوم السابع دعي موسى من وسط السحاب)
(خر24: 15،16).

وبالمثل حينما كان يكلمهم من خيمة الإجتماع،
وكان يغطيها السحاب أو الضباب.

 

21) نفس الأمر نجده في تدشين هيكل سليمان. يقول
الكتاب (وكان لما خرج الكهنة من القديس، أن السحاب ملأ بين الرب لم يستطع الكهنة
أن يقفوا للخدمة بسبب السحاب. لأن مجد الرب ملأ البيت. (حينئذ تكلم سليمان: قال
الرب أنه يسكن في الضباب (1مل12: 8).

 

22) فالبخور يمثل سحابا أو ضبابا يذكر بحلول
الله أو مجد الله.

(مز2: 97) من مزامير الساعة التاسعة يقول
(السحاب والضباب حوله. ركب علي السحاب وطار. وطار علي أجنحة الرياح).

البخور إذن فيه الكثير من المعاني الروحية لمن
يحب أن يستفيد منه وهو لون من العبادة، قائم بذاته، لم يكن مرتبط بالذبائح بحيث
يزول بزوالها.

 

23) وأخيرا نقول انه لا يوجد نص واحد في العهد
الجديد يأمر بالغاء البخور.

(من له اذنان للسمع فليسمع، ما يقوله الروح
للكنائس (رؤ3: 2).

 

89- الهيكل والمذبح

لا يوجد هيكل ولا مذبح في كنائس البروتستانت،
لسبب اكثر خطورة هو أنه لا توجد ذبيحة. فمن الذبيحة سنتحدث عنها حينما نطرق موضوع
سر الأفخارستيا، وموضوع سر الكهنوت، أما الآن فيقتصر حديثنا علي المذبح:

 

1)* الحديث عن المذبح موجود بكثرة في العهد
القديم. ولكن البروتستانت يرونه مجرد رمز لذبيحة المسيح علي الصليب. وقد انتهي
أمره، لذلك علينا في الحوار معهم أن نأتي بنصوص من الكتاب عن المذبح في العهد
الجديد.

 

2)* يقول القديس بولس الرسول (لنا مذبح لا سلطان
للذين يخدمون المسكن أن يأكلوا منه) (عب10: 13). والمقصود بالمسكن هو خيمة
الاجتماع أو الهيكل القديم.

 

ويعلق القديس ذهبي الفم علي ذلك فيقول إن بولس
الرسول انتقل من الرمز إلي الأصل.. وأنه أصبح لنا سلطان

 

 أن
نتناول من الدم الذي كان سلطان الكاهن وحده.

 

3)* توجد نبوءة في سفر اشعياء النبي عن المذبح
في سوط أرض مصر بالذات، إذ يقول (في تلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر،
وعمود للرب عند تخمها. فيكون علامة وشهادة لرب الجنود في أرض مصر فيعرف الرب في
مصر. ويعرف المصريون الرب في ذلك اليوم، ويقدمون ذبيحة وتقدمة) (أش18: 19-21).

 

وطبعا المقصود بهذا المذبح، هو مذبح العهد
الجديد، في العصر المسيحي، لأن اليهود ما كانوا يقدمون أية ذبيحة في أرض أممية.
كما أن مصر ما كانت تسمح لهم. لذلك كان هذا النداء الموجه إلي فرعون أيام موسى
وهارون (اطلق شعبي ليعبدني) (خر20: 8). فأبي أن (يطلق الشعب ليذبح للرب) (خر29: 8).
وفرعون لما قدم وعده الأول بعد ضربة بالذباب قال

 

(أنا أطلقكم لتذبحوا للرب في البرية) (خر28: 8).
من كل هذا يفهم أنهم ما كانوا يقدرون أن يقدموا ذبيحة في مصر. فمتي عرف فرعون
المصريين الرب، ومتي صار لهم مذبح، وقدموا ذبائح للرب؟ إنه العصر المسيحي بلا شك.

 

وهذا دليل واضح علي وجود مذبح في المسيحية تقدم
عليه الذبائح.

 

4)* ولأن الرب أراد أن تكون كلمة المذبح راسخة
في افكار وقلوب الناس، ذكر هذه الكلمة أكثر من مرة في سفر الرؤيا الذي كتب في
أواخر القرن الأول للميلاد، بعد استشهاد جميع رسل وتلاميذ المسيح.

 

قال القديس يوحنا الإنجيلي (وجاء ملاك، ووقف عند
المذبح، ومعه مبخرة من ذهب، وأعطي بخورا كثيرا) (رؤ3: 8). وقال أيضا (رأيت تحت
المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم) (رؤ9:
6).

 

5)* إن المذبح سيظل قائما، طالما كانت أمامنا
عبارات الوحي الإلهي التي تقول (جسد الرب ودمه) (1كو11: 27). مادام هناك دم، إذن
فبالضرورة يكون هناك مذبح. وبالضرورة يوجد هيكل يحوي المذبح داخله.

 

وسنناقش هذا الموضوع بالتفصيل بمشيئة الرب حينما
نعرض لموضوع الذبيحة المقدسة والكاهن خادم المذبح.

 

90- الصور والأيقونات

ينكر البروتستانت ما في الكنيسة من صور وأيقونات
(وما عند الكاثوليك من تماثيل). ويعتبرون كل ذلك ضد الوصية الثانية التي تقول فيها
الرب (لا تصنع تمثالا منحوتا ولا صورة ما مما في السماء من فوق، وما في الأرض من
تحت، وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن) (خر20: 4،5) (تث5، 8،9).

 

وقد قامت حرب ضد الأيقونات في القرن الثامن
الميلادي من سنة 726م أيا الإمبراطور ليو الثالث، واستمرت بضعة قرون وهدأت، ثم
عادت مرة أخري في البروتستانت منذ القرنين الخامس العشر والسادس عشر واستمرت في
معتقداتهم حتي الآن.

 

والمتطرفون من البروتستانت يعتبرون الأيقونات من
بقايا الوثنية!

ويلوموننا علي إكرام الأيقونات وتقبيلها وإيقاد
الشموع أمامها والسجود أمامها.

وسنحاول أن نرد علي كل هذا، ونبين حكمة الكنيسة
في وجود الأيقونات فيها وفائدة ذلك روحيا.

 

1)* في الرد علي موضوع الأيقونات ينبغي أن نضع
أمامنا الآتي:

 

أ) الحكمة في الآية التي يستخدمونها. لماذا قيلت
وما هدفها؟ وذلك لأن (الحرف يقتل) كما قال الرسول (2كو6: 3).

 

ب) ما هي الآيات الأخري التي أن وضعناها إلي
جوار هذه الآية يتكامل المعني وندرك في وصية الله الروح وليس الحرف. وقد شرحنا
كثيرا من قبل خطورة استخدام الآية الواحدة.

 

2)* ماذا كان هدف الرب من منع الصور والتماثيل؟

 

الهدف واضح وهو قول الرب (لا تسجد لهن ولا
تبعدهن). فإن كان الغرض بعيدا تماما عن العبادة، لا تكون الوصية قد كسرت.

 

ولا شك أن هذا المنع في الوصايا العشر، كان في
عصر انتشرت فيه الوثنية، وكان هناك خوف علي المؤمنين منها، حتي أنه كان من الممنوع
تحت أي حج حتي في البناء العادي، وحتى في تشييد المذابح.

 

بل إن ربنا يسوع المسيح يعلمنا أن هذا العمل كان
رمزا أو تمثال، هو نفسه الذي يأمر موسى (عند ضربة الحياة المحرقة) قائلا له اصنع
لك حية محرقة، وضعها علي رأية فكل من لذع ونظر إليها يحيا) (عدد8: 21). فصنع موسى
هكذا، ولم تكن في ذلك مخالفة للوصية الثانية.

 

بل إن ربنا يسوع المسيح يعلمنا أن هذا العمل كان
رمزا لصليب المقدس، فيقول (وكما رفع موسى الحية في البرية، هكذا ينبغي أن يرفع ابن
الإنسان. لكي لا يهلك كل من يؤمن بع بل تكون له الحياة الأبدية) (يو14: 3).

 

4)* وعندما أمر الرب موسى بصنع تابوت العهد،
أمره بصنع كاروبين من ذهب فوقه قائلا: (وتصنع كاروبين من ذهب، صنعه خراط تصنعها
علي طرفي الغطاء فاصنع كاروبا واحدا علي الطرف من هنا، وكاروبا آخر علي الطرف من
هناك ويكون الكاروبان باسطين أجنحتهما إلي فوق، مظللين بأجنحتهما علي الغطاء،
ووجهاهما كل واحد علي الطرف من هنا، وكاروبا آخر علي الطرف من هناك ويكون
الكاروبان باسطين أجنحتهما إلي فوق، مظللين باجنحتهما علي الغطاء، ووجهاهما كل
واحد لي الآخر. وأنا اجتمع بك هناك، وأتكلم معك من علي الغطاء من بين الكاروبين
اللذين علي تابوت الشهادة) (خر25: 17-22). وكان كذلك. ولم يكن في تحت هذين
الكاروبين مخالفة للوصية التي تأمر بعدم نحت تمثال منحوت مما في السماء من فوق.
لأن الغرض لم يكن هو عبارة الملائكة ممثلين في هذين الكاروبين..

 

بل علي العكس تم نحت هذين التمثالين بأمر إلهي،
كما تم نحت الحية النحاسية بأمر إلهي أيضا…

 

5)* وبنفس الأسلوب صنع سليمان في بناء الهيكل
وتزيينه. عمل كاروبين من خشب الزيتون علو الواحد عشر أذرع وخمس أذرع جناح الكاروب
الواحد، وخمس أذرع جناح الكاروب الآخر.. قياس واحد، وشكل واحد، للكاروبين. وجعل
الكاروبين في وسط البيت الداخلي، وبسطوا اجنحة الكاروبين.. وغشي الكاروبين بالذهب)
(1مل6: 23-28).

 

6)* ولم يقتصر الأمر علي هذين الكاروبين، بل
يقول الكتاب (وجميع حيطان البيت (بيت الرب) في مستديرها رسمها نقشا بنقر كاروبين
ونخيل وبراعم زهور من داخل وخارج) (1مل29: 6). وعمل للباب مصراعين (ورسم عليهما
نقش كاروبيم ونخيل وبراعم زهور وغشاهما بذهب) (1مل32: 6). انظر أيضا (1مل35: 6).
وهكذا كان بيت الرب مزيناً بالصور والرسوم والتماثيل. وظل الناس يعبدون الرب. ولم يعبدوا
هذه الصور والتماثيل، ولم يخالفوا الوصية الثانية..

 

7)* كذلك لم يكن تابوت العهد في كل احترام
الكهنه والشعب والملوك له، يمثل شيئا علي الاطلاق من العبادة الوثنية. إن الكتاب
يسجل لنا أنه بعد انهزام الشعب في عاي، أن يشوع بن نون خليفة موسى النبي يسجد أمام
تابوت العهد غلي المساء هو وشيوخ إسرائيل، وصلي للرب (يش6: 7). ولم يحدث أن الرب
قال له (قد كسرت الوصية الثانية). بل علي العكس كلمه الرب. وصنع معجزة في كشف عخان
بن كرمي، ودفع الرب عاي إلي يد يشوع ورفع وجهه.

 

ولم يخطئ يشوع في السجود أمام تابوت الرب لأنه
لم يكن يعبد التابوت بل الرب الذي يحل عليه ويكلمه من بين الكاروبين. وهكذا لم
يخطئ داود النبي حينما احتفل برجوع التابوت بكل إكرام ورقص قدامه (2صم6: 12-15).

 

 8)*
وبالمثل، نقول إننا لا نعبد الصور ولا الأيقونات وإنما نكرمها. وفي ذلك نكرم
أصحابها، حسب قول الرب لتلاميذه (إن كان أحد يخدمني يكرمه الآب) (يو26: 12). فإن
كان الآب يكرم قديسيه، آلا نكرمهم نحن؟!

 

9)* ونفس الكلام نقوله عن الصليب، الذي قال عنه
القديس بولس الرسول لأهل غلاطية (أنت الذين أمام عيونكم قد رسم يسوع المسيح بينكم
مصلوبا) (غلا1: 3).

 

10)* ونحن نشكر الله أن أخوتنا البروتستانت
يرفعون الصليب حاليا فوق كنائسهم دون أن يعتبروه تمثالا منحوتا.

 

11)* ونحن نشكر الله أن أخوتنا البروتستانت
يوزعون صوراً في مدارس الأحد عن السيد المسيح، والملائكة والأنبياء، وفلك نوح بكل
ما يحوي من حيوانات وكذلك صورة الراعي الصالح وغنمه، وصورة داود وهو يرعي، وصورة
إيليا والغربان تعوله، ولعازر المسكين والكلاب تلحس قروحه.. وصورة بلعام وصورة
الشيطان وهو يجرب المسيح علي الجبل.

 

ولا يتعبهم في كل ذلك شك من جهة كسر الوصية
الثانية برسوم وصور مما فوق السماء، وما تحت الأرض..

 

12)* إننا لا ننسي تأثير الصور كدروس تشرح أحداث
الكتاب، وأبطال الإيمان فيه وفي التاريخ. وربما تترك الايقونة تأثيرا عميقا في
النفس أكثر مما تركه العظة أو القراءة أو مجرد الاستماع..

 

وفي كل هذا تربط بين المؤمنين ههنا وملائكة
السماء والأبرار الذين يعيشون في الفردوس. وتعطينا دفعا داخليا قويا ننفذ قول
الرسول (اذكروا مرشديكم.. تمثلوا بأيمانهم) (عب7: 13).

 

13)* ونحن في إكرام الصور، إنما نكرم أصحابها..
حينما نقبل الإنجيل إنما نظهر حبنا لكلمة الله، ولله الذي أعطانا وصاياه لارشادنا.
وحينما نسجد للصليب فإنما – كما قال أحد الآباء – نسجد للمصلوب عليه. وفي كل ذلك
لا تنطبق علينا مطلقا عبارة (لا تسجد لهم ولا تعبدهن).

 

14)* والمعروف أن الأيقونات ترجع إلي العصر
الرسولي نفسه. ويقال إن القديس لوقا الإنجيلي كان رساماً وقد رسم صورة أو أكثر
للسيدة العذراء مريم.

 

ويروي التقليد أيضا قصة عن انطباع صورة للسيد
المسيح فوق منديل والذي يتتبع التاريخ يجد أن أقوي عصور الإيمان كانت حافلة
بأيقونات يوقرها الناس، دون أن تضعف إيمانهم بل علي العكس كانت تقويه.

 

15)* لماذا نحرم الفن ورجاله من المساهمة في
تنشيط الحياة الروحية، بما تتركه الصور في نفوسهم من مشاعر روحية، وما تقدمه لم من
حياة القديسين وتأثيرها.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى