بدع وهرطقات

الكنيسة المحلّيّة



الكنيسة المحلّيّة

الكنيسة
المحلّيّة

لقد
تعوّدنا منهج فكر المعمدانيّين. فإذا أبدلنا أيّ موضوع يقولونه بآخر، وقفنا على
الحجّة ذاتها: ما يقوله غيرهم، يخالف العهد الجديد؛ وما يقولونه هم فقط، يوافقه!
وهذا هو حالهم في كلامهم على “الكنيسة المحلّيّة”.

 

يجب
أن نعترف، بدءاً، بأنّ المعمدانيّين منقسمون في رأيهم حول الكنيسة: بعضهم لا يمانع
الكلام في جامعيّتها، ومعظمهم يراها محلّيّة فحسب. فالمتطرّفون منهم، أي جلّهم،
يعتبرون أنّ الكنيسة “لا تشير البتّة إلى المسيحيّة المنظّمة، أو إلى مجموعة
من الكنائس”، بل تعني “جماعة محلّيّة من المؤمنين المعمّدين”،
“تقوم بعملها ديموقراطيّاً، وتدير شؤونها إدارة ذاتيّة تحت سيادة الربّ
يسوع” (هيرشل هوبس، عقيدة المعمدانيّين ورسالتهم، صفحة 118- 120؛ روبرت أ.
بايكر، سير المعمدانيّين في التاريخ، صفحة 17؛ الموقف الكتابيّ، العدد 5). وهذا،
الذي يرون أنّه يميّزهم عن غيرهم ويبرّر وجودهم (فنلي م. جراهم، اللاهوت النظاميّ،
صفحة 282- 285)، جعلهم يشنّون حرباً شعواء على من يخالفهم الرأي، ولا سيّما
الكنائس التقليديّة. فمن لا ينتهج نهجهم، أي من يعتمد “نظام الأبرشيّات أو
البطركيّات”، يخرق “مبدأ البساطة الكتابيّة القائل بالاستقلاليّة
الإداريّة والروحيّة للكنيسة المحلّيّة”، ويتحامل “على سلطان المسيح
المطلق على كنيسته”!

 

من
الضروريّ أن نقول، هكذا من دون انتظار، إنّ ما نقلناه هنا، من كتب المعمدانيّين،
لا علاقة للعهد الجديد به لا من قريب أو بعيد. اللهمّ إلاّ إذا كان بين أيديهم كتب
لم تصل إلينا! ولكن، حتّى لا يحسب كلامنا انفعاليّاً، من الواجب أن نذكّر بما هو
ثابت في التراث، وأعني أنّه لا توجد كنيسة محلّيّة من دون اجتماع إفخاريستيّ يرأسه
أسقفٌ محلّيّ (أو من ينتدبه)، أسقفٌ يصعب تحقيق القداسة إذا انفصل المؤمنون عنه،
أو ازدروا به (رسالة القدّيس إغناطيوس الأنطاكيّ إلى أهل أفسس 2: 2). فما يقوله
الرسول، في رسالته الأولى إلى كنيسة كورنثوس: “حين تجتمعون في الكنيسة”
(11: 18)، معناه الثابت أنّ الكنيسة تتحقّق، وتبنى، وتنتظم، في هذا الاجتماع (سرّ
الشكر) الذي يحتوي على كلّ أسس التنظيم الكنسيّ. ليس هذا كلاماً يخالف الأصل، كما
يدّعي المعمدانيّون جهلاً. فما نصادفه، منذ بدء وجود الكنيسة، أنّها شعب منظّم
يستبعد كلّ جمهرة فارغة لا علاقة لها بالنظام والبنيان، أي أنّها جسد المسيح
(رومية 12: 4 و5 ؛ 1كورنثوس 10: 16 و17 و12: 27 ؛ أفسس 1: 23، و2: 16، و 4: 4-7؛ كولوسي
1: 24، 3: 15). وعليه، إنّ ما يقوله المعمدانيّون عن “الكنيسة
المحلّيّة”، وتالياً التمييز الحادّ الذي يضعه معظمهم بين الكنيسة والكنائس،
هما من خارج المعنى الكتابيّ. نحن نعرف أنّ لقولهم الثاني هدفين. الأوّل هو حبّهم
للتشويه، والثاني أن يغطّوا شرذمة تميّزهم. فأنت لا يمكنك أن تستر الخطأ الذي
يتأكّلك، سوى باتّهامك غيرك أنّه على خطأ! لو كانوا يأتون من كتب العهد الجديد
فعلاً، لكانوا عرفوا أنّ كنيسة الله القائمة على المحبّة وصحّة الأسرار والعقيدة
هي، في غير موقع، كنيسة الله الواحدة (أنظر مثلاً: 1كورنثوس 4: 17 و10: 32،، 15: 9
؛ 2كورنثوس 8: 18 -24 و 11: 28؛ غلاطية 1: 13؛ أفسس: 3: 10 و21-32؛ كولوسي 1: 18
و24).

 

إذاً،
يدّعي المعمدانيّون أنّ الكنيسة لا نظام لها كتابيّاً، أي هي كلّ تجمّع يدير ذاته.
وهذا معناه الواقعيّ، وفق رأيهم، أنّه لا يوجد أسقف يرأسها. لا نريد أن نكرّر
الكلام الذي قلناه قبلاً في الأسقفيّة وغيرها. لكن، ما لا يمكننا التغاضي عن قوله
أنّ المعمدانيّين لا تكمن مشكلتهم في ما يقولونه فحسب، بل في ما يدّعون أنّ غيرهم
يقوله. ولا ضرورة لنؤكّد، بعد ما بسطناه هنا، أنّ ما تقوله الكنيسة الرسوليّة،
وتحيا وفق نظامه، ينبع من قلب العهد الجديد. إذ من الخبل أن يُعتقد أنّ الكنيسة،
في مسراها، أضافت إلى الوحي ما لا يحتمله. صحيح أنّ كتب العهد الجديد لم تستفض في
كلامها على الخدم الكهنوتيّة. لكنّ هذا لا يعني، بتاتاً، أنّ ما قالته إضافة إلى
المسلّمات الأولى. ومثالاً على ذلك، يعتقد المعمدانيّون أنّ الكنيسة، في كلامها
على رئاسة الأسقف، خالفت عهد الله بجعلها رأساً آخر (أو رؤوساً عدّة) على الجسد
الواحد. وهذا افتراء يردّه، ببساطة، أيّ قارئ واعٍ للكتب وللتراث المسيحيّ بعامّة.
فالكنيسة، التي قالت في الأسقف إنّه “أيقونة المسيح”، عنت، ممّا عنت،
أنّ الأسقفيّة موهبة من مواهب الروح القدس. وفي هذا قال الرسول لتلميذه: “لا
تهمل الموهبة التي فيك، تلك التي نلتها بنبوّة مع وضع جماعة الشيوخ عليك”
(1تيموثاوس 4: 14). نحن نعرف أنّ وضع الأيدي، وفق رأيهم، “مظهر من دون
جوهر”، و”لا يتّفق مع الوحي أو العقل، بل إنّه مجرّد تقليد” (عوض
سمعان، الكهنوت، صفحة 351 و352). والظاهر، في قول الرسول المدوّن أعلاه، أنّه من
تقليد العهد الجديد (أنظر أيضاً: 2تيموثاوس 1: 6). وهذا يبيّن، بما لا يحتمل
جدلاً، أنّ للمعمدانيّين قراءة للكتب يستوحونها من بنات أفكارهم، أو مما تركه
المبتدعون في غير جيل!

 

يبقى
أن نؤكّد أنّ تراثنا القويم كشف التوافق الكلّيّ بين الكنيسة المجاهدة والكنيسة
المنتصرة (أفسس 2: 4 -6؛ عبرانيّين 12: 22- 24؛ رؤيا يوحنّا 6: 9-11). فالكنيسة
واحدة لأنّ الله الواحد حقّق، في التاريخ، انتصاره على الزمان والمدى، وافتتح
ملكوته الأخير، ليدخله جميع الذين آمنوا بأنّ ما من شيء يفصلهم “عن محبّة
الله التي في المسيح يسوع ربّنا” (رومية 8: 39).

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى