علم المسيح

19- إخراج شيطان من إنسان كورة الجدريين



19- إخراج شيطان من إنسان كورة الجدريين

19- إخراج شيطان من إنسان كورة الجدريين

عندما
انطلقت السفينة قاصدة الشاطئ الشرقي عرَّجت قرب مدينة تُدعى جدره بناء على رغبة
المسيح، ويبدو أنه كان يعلم أن له هناك عملاً رحيماً. فبمجرَّد أن رست السفينة على
الشاطئ انطلق نحوه إنسان به روح نجس قيل عنه إن مسكنه كان في القبور ولم يقدر أحد
أن يربطه ولا بسلاسل، لأنه رُبط كثيراً بقيود وسلاسل فقطع السلاسل وكسر القيود،
فلم يقدر أحدٌ أن يذلِّله. وقد أثبت العلم الحديث المعروف بالأبحاث
الباراسيكولوجية أن القوة الروحية (الشريرة) قادرة فعلاً على تقطيع السلاسل وكسر
أشد قيود الفولاذ بسهولة، لأن المادة الصلبة عند الأرواح كأنها الهواء. فالروح
قادر أن ينفُذ من جدار الصُّلْب ويخترق الزجاج دون أن يخدشه، وهكذا فإن الإنسان
إذا سكنه روح شرير يقدر أن يصنع به هذا كله. وكان ذلك الإنسان دائماً في الجبال
والقبور يصيح ويجرح نفسه بالحجارة. أمَّا سكنى الشيطان أو الأرواح (النجسة) فهي في
القبور وفي الجبال، فكما قال الرب إنها تذهب في البراري والقفار حيث لا ماء
لترتاح. والقبور بالذات مكان تجمُّع الأرواح المعذَّبة التي بعد أن فارقت أجساد
أصحابها تظل بجوارها. ومن هنا طقس الكنيسة بالصلاة في المقابر في اليوم الثالث
لصرف الروح من عالمنا بهدوء وبسلطان الله لتذهب إلى المقر المعد لها. أمَّا كون
ذلك الإنسان يصيح ويجرح نفسه فهي لذة الشيطان في تعذيب الإنسان الذي يستحوذ عليه.
لذلك كان من أهم أعمال المسيح للخلاص قبل الصليب هي إخراج الشياطين سواء التي
استحوذت
possession على
الناس الذين سكنت فيهم أو مسَّتهم مسًّا للإيذاء سواء بمرض أو عاهة أو اضطراب عصبي أو نفساني. والمس هو
obsession وهو يشبه الصرع أو هو نوع من التسلُّط: إما تسلط روح أو فكرة أو خيال، أما هذه إذا كانت مرضية وليست من عمل الأرواح
فعلاجها الطبي
معروف.

فلما
تقابل الإنسان المريض بالمسيح، صرخ الشيطان الذي فيه بصوت عظيم: “مالي ولك يا
يسوع ابن الله العلي. أستحلفك بالله أن لا تعذبني. لأنه قال له: اخرج من الإنسان
يا أيها الروح النجس” (مر 5: 68). هكذا استُعلن المسيح في الحال،
خاصة أن المعروف عند الشيطان أن ابن الله نزل ليربط
الشيطان تمهيداً لإلقائه في مصيره الأخير. وكلمة “قبل الأوان” أي قبل

النهاية.

ولمَّا
سأله المسيح ما اسمك؟ وهنا يخاطب المسيح الشيطان وليس الإنسان، لأن الشيطان يسلب
من الإنسان شخصيته وإرادته وتفكيره، فأجاب اسمي لجئون أي أرواح كثيرة مجتمعة فيه. وهنا
توسَّل الشيطان لدى المسيح أن لا يرسلهم بعيداً؛ بل أن يسمح لهم أن يدخلوا
الخنازير التي كانت ترعي في ذلك المكان، فأَذِنَ لهم المسيح. فرأى المسيح أن تموت
الخنازير ولا يموت الإنسان. وبالفعل دخلت الشياطين في قطيع الخنازير، فاندفع
القطيع من على الجرف إلى البحر واختنق. وهكذا كان الإنسان عند المسيح أفضل من
خنازير كثيرة.

فلمَّا
جاء أصحاب الخنازير ورأوا الإنسان الذي كان معذَّباً بالشياطين جالساً لابساً
عاقلاً تحت رجلي المسيح، خافوا. ويبدو أنهم كانوا وثنيين، لأن اليهود لا يقتنون
الخنازير. فطلبوا من المسيح أن يذهب من كورتهم. ولمَّا طلب الإنسان الذي كان
معذَّباً أن يبقى مع المسيح ويتبعه لم يدعه المسيح بل قال له: اذهب إلى بيتك وإلى
أهلك وأخبرهم كم صنع بك الرب ورحمك.

+
“وكان يشفي جميع المتسلِّط عليهم إبليس.” (أع 38: 10)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى