الطقس الكنسي

يوم الاثنين من البصخة المقدسة – شجرة التين غير المثمرة وتطهير الهيكل

يوم الاثنين من البصخة المقدسة
شجرة التين غير المثمرة وتطهير الهيكل

أحداث يوم الاثنين

خرج يسوع من بيت عنيا الواقعة على سفح جبل الزيتون الشرقي، والتي اشتهرت بأنها وطن لعازر وأخته مريم ومرثا، وهي على بعد خمسة عشر غلوة أي نحو 2700 متر من أورشليم (يوحنا 11: 18) قاصداً الهيكل، لأنه كان يصرف نهار هذا الاسبوع في الهيكل، وفي المساء كان يرجع إلى بيت عنيا ليبيت هُناك (لوقا 21: 37، 38) . وبينما هو مار في صباح هذا اليوم، لعن شجرة التين غير المثمرة (متى 21: 12 – 19 ؛ مرقس 11: 12 – 19)، والسبب في لعنه إياها، أنها كانت مورقة، والعادة أن يظهر الثمر مع الورق في هذا النوع من الأشجار، فحينما تبدأ الأوراق في الظهور نجد وجود الثمر واضح، كما أن بعض الثمر ينضُج أحياناً قبل غيره بأيام كثيرة.
وقد جاء في إنجيل القديس مرقس أنه لم يكن وقت نُضج التين، ومن ثمَّ فكان يقتضي الأمر بألا يكون فيها ورق. فوجود الورق قبل أوانه في تلك التينة كان علامة على أنها مثمرة قبل أوان الثمار. ولكن لم يوجد فيها شيء من الثمر الفج، ولا من الثمر الناضج، ولا أية أمارة على أنها ستُثمر. فتلك الشجرة الكثيرة الورق الخالية من الثمر المبكر والمتأخر كانت تُمثل حالة الأمة اليهودية، والتي أدَّعت أنها الأمة المنفردة بالقداسة على الأرض، لأنه كان لها الشريعة والهيكل والرسوم والشعائر الدينية المقدسة مع الأصوام والأعياد والذبائح الصباحية والمسائية – كما نرى في موضوع دراسة الذبائح في العهد القديم – ومع كل ذلك خلت من الإيمان والمحبة والقداسة والتواضع والاستعداد لقبول المسيح الرب وإطاعة أوامره المُحيية ، فافتخرت بكونها شعب الله الخاص، ورفضت ابنه الذي أرسله حسب نبوات الأنبياء التي يحفظونها عن ظهر قلب !!!

يوم الاثنين من البصخة المقدسة - شجرة التين غير المثمرة وتطهير الهيكل ولما دخل الرب يسوع الهيكل، ابتدأ يُخرج الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل، وقلب موائد الصيارفة، وكراسي باعة الحمام، ولم يدع أحداً يجتاز الهيكل بمتاع (مرقس 11: 15، 16). وقد رتب القديس مرقس في إنجيله حوادث كل يوم من الأسبوع الأخير بحسب ترتيب وقوعها. وقد ظهر لربنا يسوع المسيح – له المجد – أن صراخ الباعة والمشترين وأصوات البهائم ورُعاتها في الهيكل تليق بمغارة لصوص، يقسمون فيها المسروقات بالخصام، ولنا أن نعرف أن هذه الأغنام والحمام يباعوا من أجل الخدمة وتقديم الذبائح، بمعنى أن شكلها مشروع وضروري للجميع، فقال لهم يسوع: [ مكتوب بيتي بيت الصلاة يُدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص ] (متى 21: 13) وهي بالطبع نبوَّة إرميا النبي (إرميا 7: 8 – 11)، فهم كانوا يحضرون الذبائح ويبيعونها للناس بسعر أغلى من الخارج بكثير لكي يتربحوا منها، وكان الكهنة يظهرون العيوب في الذبائح التي تأتي من الخارج، ويرفضونها كتقدمه، مما يضطر الناس أن تشتري ذبائح من ساحة الهيكل بسعر أغلى ويوافق عليها الكهنة على أساس أنها بلا عيب…

+ أليس هذان الموقفان يا إخوتي يُعبران عن حالنا اليوم، ألم نوجد أحياناً كثيرة من جهة الشكل خدام، نخدم الله ونتحدث عن القداسة والعبادة الحق ونواظب على طقوس الكنيسة والصلوات والأجبية، ولنا شكل وصورة التقوى كالتينة المورقة والتي لها شكل رائع يفرح كل من يراها، ولكنها بلا ثمر !!! أليس لنا شكل المُعلمين ولا نُريد أن نتعلم في واقعنا العملي المُعاش !!! الله يا إخوتي لا يقبل أحد بناءً على شكله، فماذا ينفعنا أمامه مظهرنا، فأن كنت تلبس ثوب الخدمة تحت أي مُسمى [ خادم حديث في الخدمة أو متقدم، أمين خدمة، شماس، راهب، كاهن، أسقف، تخدم داخل الكنيسة تحت أي مُسمى من المُسميات، وعمل أي عمل تحت أي مُسمى من المُسميات ] فأي منفعة لك أن لم تُثمر وتظهر فيك ثمر الروح أن كان يعمل في داخلك حقاً : [ هوذا أنت تُسمى يهودياً (ممكن نبدلها بكلمة مسيحي) وتتكل على الناموس وتفتخر بالله ، وتعرف مشيئته وتُميز الأمور المتخالفة متعلماً من الناموس. وتثق أنك قائد للعُميان ونور للذين في الظلمة. ومُهذب للأغبياء ومُعلم للأطفال ولك صورة العلم والحق في الناموس. فأنت إذاً الذي تعلم غيرك ألست تعلم نفسك الذي تكرز أن لا يُسرق أتسرق. الذي تقول أن لا يزنى أتزني الذي تستكره الأوثان أتسرق الهياكل. الذي تفتخر بالناموس ( واليوم الكلام لنا ونقول الإنجيل) أبتعدي الناموس (الإنجيل ونواميس الله) تهين الله. لأن اسم الله يجدف عليه بسببكم بين الأمم كما هو مكتوب. لأن اليهودي (المسيحي) في الظاهر (من جهة الشكل) ليس هو يهوديا ولا الختان (الذي يرمز للمعمودية بخلع جسم الخطايا ولبس الإنسان الجديد) الذي في الظاهر في اللحم ختانا. بل اليهودي في الخفاء هو اليهودي وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان الذي مدحه ليس من الناس بل من الله ] (رومية 2: 17 – 24 ؛ 28 – 29)

وأيضاً ألم نكن في أحياناً كثيرة نُهين الله داخل بيته بشكل احتفالاتنا الصاخبة والتي لا نحترم فيها الله، ألم يُتاجر بعضنا في داخل بيت الله بشكل البيع والشراء لأجل لتربح والتكسُّب بشكل مبالغ فيه أو حتى مقبول، مع إننا على يقين أن بيت الله ليس للمتاجرة ولا للعب بل للصلاة فقط، ألم نُهين هياكل الله التي هي نحن بدخولنا بأشكال لا تليق بيت الرب، وبسببنا يُجدف في النهاية على الاسم الحسن !!! أليس كل هذا يُعبَّر عن ما في داخلنا !!! ألم ندخل وفي فكرنا دنس أو فكر شرير، أو حتى رغبة لا تليق ببيت الله الذي يليق به القداسة !!!
واحذروا يا إخوتي لئلا يظن أحد ممن يقرأ هذه السطور، أن الموضوع يتلخص في تغيير الشكل الظاهر من الخارج كما يتكلم البعض عن الشكل الخارجي، بل الموضوع يخص الداخل بالأولى بل وعلى الأخص، لأن الخارج يعبر عن الداخل، ولكن تغيير الخارج لا يعبر أبداً عن تغيير الداخل، فأن لم نتغير من داخلنا ماذا ينفع من تغيير شكلنا الخارجي !!!

اليوم يا إخوتي هي دعوة لنا أن نفحص أنفسنا لئلا نستحق اللعنة التي صارت للتينة، أو يطردنا الله من مجد ملكوته لأننا صرنا نختلس ونسرق في بيت الله ولا نوقر الله في هيكله وفي داخل مكان عبادته، وذلك لأننا في الداخل لا نتقيه، فاليوم لنا أن نصنع ثماراً تليق بالتوبة، ونتقي الله ونحترمه جداً، نهابة كأب ونحترمه كسيد عظيم وملك متَوَّج بمجد عظيم كما استقبلناه يوم الأحد، أحد الشعانين، لأنه أتى ليملك على كل قلب يطلبه كملك وسيد ….

____قراءات يوم الاثنين من البصخة المقدسة _____

طبعاً مضمون قراءات يوم الاثنين من البَصخة المقدسة، فهو يدور حول حدثين رئيسيين في هذا اليوم كما رأينا وشرحنا :

+ الحدث الأول : لعن الرب لشجرة التين غير المثمرة .

+ الحدث الثاني : تطهير الهيكل الذي دُنَّس بعبادات شكلية .

فتتابع القراءات في صباح اليوم، يوضح حقيقة واحدة، هي كيف مال الإنسان إلى الخطية بإرادته وحده، وترك إلهه الحي، وقد انتظر الرب ليرى ثمراً من تعب يديه، فلم يجد. فكان لزاماً أن يلعن الرب الرياء، ويُطهر هيكله منه (ولنلاحظ أن الله لا يلعن الإنسان نفسه قط بل الخطية).

أما آخر إنجيل في الصباح، فكان رد فعل الإنسان الذي أصرّ على السلوك في النفاق والتزييف، حينما رفع اليهود الحجارة ليرجموا يسوع وكلنه خرج من الهيكل مجتازاً في وسطهم، وتوارى عنهم، كما يتوارى عنا في مثل هذه الحاله عينها، لأن كثيراً لا ندري لماذا الله يتوارى عنا ولا نستطيع أن نراه !!! …

أليس هذا عينه رد فعلنا حينما يواجهنا الله عن طريق خدامة بالروح القدس، فحينما نسمع تبكيتاً لنستفيق لنعود لنتوب ونفهم أننا نجلب غضب الله علينا، فنجدنا نهتاج بشدة على كل من يظهر عيوبنا داخل الكنيسة وكأنه هو التي فعلها ونريد أن نستقصيه ونبعده ونهينه بشدة ونتهمه بأشد الاتهامات التي نكيلها له، والسبب أننا نريد أن نحتفظ بشكلنا الحلو أمام الناس ونسينا أننا عريانين أمام الله نستحق لعنته (بسبب الرياء) وأن يتحول عنا ولا يسمع لنا قط، ونستحق أن يتركنا لشهوات قلوبنا لأننا لا نريد أن نصنع ثمراً يليق بالتوبة، ونخرج ثمراً ردياً مع أن لنا صورة التقوى ولكننا ننكر قوتها بكل طاقتنا، لأننا اهتممنا الأول هو بالمظهر والشكل، الذي فيه ندافع عن الحق مع أن الحق بريء منا تماماً !!!

يا أحبائي لنستفيق لأن الفأس وُضعت على أصل الشجرة وكل من لا يصنع ثماراً تليق بالتوبة يُقطع، فلننتبه لأن الله يصبر علينا هذه السنة أيضاً لا لكي نضيع الوقت ونحاكم على من يقول أن فينا أخطاء، وفي داخل الكنيسة عيوب الناس ظاهرة، بل لنفحص أنفسنا ونعود فنتوب، وهذا اليوم ينبهنا أن لا نهتم بما يرانا الناس به أو من خلاله، بل نهتم كيف نظهر أمام الله الحي التي عيناه كلهيب نار، فأن لم ننتبه لما نصنع، وعوض أن نرجم من ينبهنا كما فعل اليهود لأنهم لا يريدون أن يتوبوا وحزنوا جداً كيف يظهرهم المسيح الرب بشكل لا يليق، وماذا سيقول الناس عنهم !!!
فلنستفيق اليوم قبل أن تأتي ساعة ونذهب للقبر أو يأتي المسيح الرب في يوم الدينونة الأخير ويطرحنا عنه بعيداً ويقول: [ أذهبوا عني يا فاعلي الإثم إني لا أعرفكم ]، فالأفضل أن نُفضح أمام الناس ونعلن أننا خطاة نحتاج لتوبة عوض أن نُفضح أمام المسيح الرب ونُطرح في الظلمة الخارجية !!!

وأمَّا عن قراءات المساء لهذا اليوم – والتي تُسمى في الطقس ليلة الثلاثاء – فهي علاج لخطايا النفاق والرياء والزيف والتواني عند الحُكماء في أعين أنفسهم، وهي أنواع الخطايا التي عرضتها قراءات الصباح، وكان العلاج ينحصر في ضرورة السهر الروحي بعد الدخول من الباب الضيق. وبذلك فقد صارت قراءات هذا المساء تمهيداً طبيعياً لأحداث يوم الثلاثاء وقراءاته لنستقبل يوم الثلاثاء بوعي ونحيا فيه بكل قلبنا، بركة هذه الأيام المقدسة معكم يا أحباء الرب آمين

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى