Site icon ✠ OrSoZoX | أرثوذكس ✠

الفصل الثالث والأربعون



الفصل الثالث والأربعون

الفصل
الثالث والأربعون

جاء في شكل بشرى وليس في شكل أسمى لأنه: (1) جاء
ليخلّص لا ليبهر الأنظار (2) لأن الإنسان وحده هو الذى أخطأ دون سائر المخلوقات.
وبما أن البشر
 لم يريدوا أن يروا أعماله في الكون فقد جاء وعمل بينهم كإنسان في
الدائرة التى حصروا أنفسهم فيها.

 

1 والآن إذا سألوا قائلين: لماذا لم يظهر عن
طريق أجزاء أخرى من الخليقة أكثر سموًا، وأن يستخدم أداة أشرف كالشمس أو القمر أو
النجوم أو الكواكب أو النار
 أو الهواء[1] بدلاً من
الإنسان وحده؟ فدعهم يعرفوا أن الرب لم يأتِ لكى يتظاهر أو يستعرض نفسه، بل جاء لكى
يُشفي ويعلّم[2]
أولئك الذين هم تحت الآلام.

2 فطريقة الذي يريد أن يتظاهر هى مجرد أن يظهر
ويبهر عيون الناظرين، أما الذي يأتي ليُشفي ويعلّم فطريقته هي ألاّ يكتفي بمجرد
حلوله بيننا بل أن يقدّم ذاته لمساعدة من هم في احتياج، وأن يَظهر لهم بالقدر الذي
يحتمله أولئك الذين هم في حاجة إليه، لئلا إذا زاد (ظهوره) عن القدر الذي يحتاجه
المتألمون[3]
فقد يسبب هذا اضطرابًا لنفس الأشخاص الذين يحتاجونه مما يجعل ظهور الله
 عديم النفع بالنسبة لهم.

3 ومن بين كل الخلائق لم يبتعد مخلوق منها عن
الله
 سوى الإنسان وحده. فلا الشمس ولا القمر ولا السماء ولا الكواكب ولا الماء ولا الهواء انحرفت عن نظامها[4]،
بل إذ عرفت خالقها وربها الكلمة فإنها باقية كما خُلقت. أما البشر
 وحدهم فإذ قد رفضوا الصلاح، فإنهم اخترعوا لأنفسهم أشكالاً من لا
شيء بدلاً من الحق
[5]، ونسبوا
الكرامة الواجبة لله ومعرفته للشياطين ومنحوتات البشر[6].

4 ولذلك، إذ لم يكن لائقًا بصلاح الله أن يهمل أمرًا خطيرًا كهذا[7]،
ولأن البشر
 كانوا لا يزالون عاجزين عن أن يعرفوه أنه هو ضابط الكل ومدّبر
الكل، لذلك اتخذ لنفسه جزءًا من الكل كأداة، أى ” الجسد
 البشري “[8]
واتحد به[9]
لكى لا يعجز البشر عن إدراكه في الجزء بعد أن عجزوا عن إدراكه في الكل. لكى بعدما
عجزوا عن أن يدركو قوته غير المنظورة[10]
يمكنهم بالحرى أن يدركوه ويتأملوا فيه عن طريق ما هو مشابه لهم.

5 ولكونهم بشرًا فإنهم يستطيعون بواسطة الجسد المماثل[11]
لهم الذي اتخذه الكلمة، وبالأعمال الإلهية التي يعملها بواسطة هذا الجسد،
أن يعرفوا أباه مباشرة وبأكثر سرعة[12]،
إذ يدركون بالمقارنة أن هذه الأعمال ليست أعمالاً بشرية بل هى أعمال الله
 التي عملها الكلمة بالجسد[13].

6 ولو كان من غير اللائق كما يقولون أن يُعرف الكلمة
بواسطة أعمال الجسد
 لكان من غير اللائق أيضًا أن يُعرف بواسطة أعمال الخليقة كلها[14].
لأنه كما أنه كائن في الخليقة ومع ذلك لا يشترك في طبيعتها بأى حال، بل بالحرى فإن
كل المخلوقات قَبِلت قوة منه، هكذا أيضًا عندما اتخذ الجسد كأداة له فإنه لم يشترك[15] في
خواص الجسد بل بالحرى فإنه قدّس الجسد.

7 لأنه حتى أفلاطون الذائع الصيت بين اليونانيين[16]
يقول إن مُنشئ الكَوْن إذ رأى الكَوْن مضطربًا وفي خطر أن ينحدر إلى حالة الاضمحلال
فإنه جلس على دفة حياة الكَوْن لينقذ الكَوْن ويصحح مساره[17].
فأى شيء إذًا لا يصدق عندما نقول إن البشرية عندما أخطأت[18]
فإن الكلمة نزل إليها وظهر كإنسان[19]
لكى يخلّصها من الإضطرابات بقيادته وصلاحه[20]
الذاتي؟



1 في مقالته
ضد الوثنيين: 27 يرد القديس أثناسيوس على الأفكار القائلة بأن النجوم ومثل هذه
الأشياء أفضل من الإنسان، الأمر الذى جعل من يؤمن بهذه الأفكار يعبد هذه الأشياء.

2 عن أن
المعلّم
 الصالح لا يتعالى على تلاميذه بل يتباسط معهم من أجل منفعتهم.
انظر فصل1/1.

3 في موضع آخر
يعطى القديس أثناسيوس مثالاً بما يفعله الطبيب لمساعدة المرضى فيقول ” لأنه
في مرات كثيرة يضع الطبيب أدوية على الجروح حسب ما يرى هو أنها نافعة ومفيدة
للمرض، رغم أن الكثيرين يظنون أنها غير مناسبة، والطبيب يهدف دائمًا إلى شفاء
مرضاه ” انظر رسالة عن ديونيسيوس
 الاسكندرى: 6. ثم نلاحظ أن الحديث عن ” الشفاء ” الذي
تممه كلمة الله
 بتجسده مستمد من نبوءة إشعياء 5:53 ” وبجراحاته شُفينا ” انظر فصل34/2 وأيضًا من
مز20:107 ” أرسل كلمته فشفاهم ” انظر فصل40/5.

1 عن خضوع كل
العناصر للخالق، انظر ضد الوثنيين37/1. وفي وقت لاحق عندما حارب القديس أثناسيوس
الفكر الآريوسى شدّد على أن خضوع كل هذه العناصر لله لا تفرض أن هناك وحدة في
الجوهر بينها وبين الله
 مثل وحدة الجوهر التي بين الآب والابن. فعلاقة الآب بالابن ليست
مثل علاقة الخليقة بخالقها. انظر المقالة الثالثة ضد الآريوسيين. فقرة 10.

2 انظر
فصل4/4.

3 فصل11/4
وأيضًا ضد الوثنيين فصل 9/2.

4 انظر فصل 6/4ـ9.

5 “الجسد البشرى” ليس هو فقط جزءًا من الكل بل فيه أيضًا نفس بشرية.
والقديس أثناسيوس يستعمل هنا تعبير “الجسد البشرى” ليعبّر به عن الطبيعة
 البشرية الكاملة (جسدًا ونفسًا).

6 انظر فصل14/8.

7 انظر فصل12.

1 انظر
فصول15،14.

2 انظر فصل12.

3 انظر فصل15.

4 هنا يكرر
القديس أثناسيوس ما سبق أن اشار إليه في الفصل السابق مع التركيز على أن الكلمة
يُعرف بواسطة أعمال الجسد
.

5 انظر
الفصول17،6.

6 انظر
فصل2/3.

7 انظر أفلاطونd,e PolitikÒj 273. في كتابه ” ضد الوثنيين ” فصل 41/3 يستخدم القديس
أثناسيوس هذا النص بتصرف فيقول عن الله
 أنه.. إذ رأى أن كل الطبيعة التي خُلقت زائلة وعُرضة للانحلال وفق نواميسها، ولكى لا تنتهى
إلى هذا المصير، ولكى لا يتحطم الكون مرة أخرى ويعود إلى العدم لهذا فإنه خلق كل
الأشياء بكلمته الأزلى وأعطى الخليقة وجودًا وكيانًا وعلاوة على ذلك لم يرد أن
يطرح به في عاصفة في اتجاه طبيعته لئلا يتلاشى من الوجود
 مرة أخرى “.

1 لم ينشغل
القديس أثناسيوس مباشرةً بقضية لماذا تجسد الله
 الكلمة في ذاك الوقت بالتحديد وليس قبل أو بعد ذلك، هنا
يشير فقط إلى أن هذا حدث عندما ” أخطأت البشرية ” وفي موضع آخر وفي سياق
الرد على الآريوسيين يشير إلى هذا الأمر بطريقة غير مباشرة فيقول ” وكما أنه
كان قادرًا منذ البدء أن يرسل كلمته في أيام آدم أو في أيام نوح
 أو في أيام موسى لكنه لم يرسله إلاّ في آخر الدهور لأنه رأى أن هذا نافع لكل
الخليقة ” انظر المقالة الأولى ضد الآريوسيين. فقرة 29.

2 في فصل 41
من مقالته ” ضد الوثنيين ” شدّد القديس أثناسيوس على أن الطبيعة
 قد خلقت بكلمة الله وهو الذي يحفظها ويدبرها كى لا تتلاشى، وهنا في فصل 43 يشدّد على
أن كلمة الله المتجسد هو الذي أنقذ الكون وصحح مساره. وما أراد القديس
أثناسيوس أن يوضحه بهذا هو أنه ليس فقط أن حضور الكلمة في الخليقة وأيضًا
في جسد بشرى هو أمر ممكن ولائق بل أن الخالق هو أيضًا المخلّص
، والجدير بالملاحظة أن هذا الفكر هو أحد المحاور الرئيسية في
مقالته هذه عن تجسد الكلمة.

3 وردت هذه
الكلمات ” قيادته، وصلاحه ” في النص المشار إليه من ضد الوثنيين:41.

Exit mobile version