علم المسيح

الفصل الأول‏



الفصل الأول‏

الفصل
الأول‏

هل تنبأ الكتاب المقدس‏ عن
نبي يأتى بعد المسيح؟

 

زعم البعض أنَّ هناك نبوّات كثيرة
تنبّأ بها الكتاب المقدّس بعهديه، القديم والجديد، عن نبي المسلمين، بلّ وحاولوا
تصوير أنَّ جوهر رسالة المسيح هي البشارة بمجيئه!! وكتبوا في ذلك عشرات بل مئات
المجلدات والكتب والمقالات عبر مئات السنين، وكلها تكرّر نفسها وتقتبس من بعضها
البعض نفس النصوص ونفس الإدعاءات. كما وضعوها على لسان أبطال المسلسلات
التلفزيونية حتى يحفظها ويردّدها العامّة من الناس. والأمر الغريب في ذلك أنهم
يستشهدون بآيات الكتاب المقدّس ويحاولون تفسير كل كلمة فيها، بلّ وفي أحيان كثيرة
يرجعون إلى لغات الكتاب المقدّس الأصلية، العبرانيّة واليونانيّة، لا ليستشهدوا
بمعناها ومغزاها اللغويّ، بل يؤوّلونها ويفسّرونها حسب ظاهرها، بما يخدم أغراضهم،
وليس بحسب جوهرها ومعناها الحقيقي!! في الوقت الذي يدّعون فيه أنَّ الكتاب المقدس،
هو كتاب محرّف ولا يجوز الاعتماد عليه، كما يقولون أيضًا أنَّه نُسخ وأُلْغي بما
جاء بعده!! بل ويرفضون بصورة مطلقة أنْ يضعوه مع كتابهم في مجلد واحد.

وعندما نسألهم لماذا تستشهدون بنصوص
كتاب لا تؤمنون به وتدّعون أنّه مُحَرّف ومنسوخ؟! تكون الإجابة هي: أنه ما يزال
يحتوي في داخله على بعض الحق برغم ما وقع به من تحريف!! قال أحدهم ” ليس ثمّة
من يقول بأن جميع ما في الأديان السابقة مُحَرّف، بلّ أن من المتفق عليه بين
المسلمين وقوع التحريف في بعضها وليس في كلها. لذلك فأن ما صدقته النصوص الشرعية
الإسلامية – قرآنا وسنة – مما في الكتب السابقة محكوم بالصحة وعدم تطرق التحريف
إليه “. فهم
يبدؤون في قراءة الكتاب المقدس
بفرضية مُسلّم بها بالنسبة لهم، وهى إذا أتفق الكتاب المقدّس مع الفكر الإسلامي في
شيء ما يكون صحيحًا في هذا الشئ فقط وإذا تعارض معه في ‏شيء آخر يكون محرفا!! أي
أنه يكون محرفا عندما لا تتفق آياته معهم!! وتكون بعض آياته على حق عندما يتصورون
أو يرون الآيات تتفق مع ما يقولون!!.‏

بل ويتعاملون بنفس الطريقة مع الآيات
القرآنية الخاصة بالتوراة والإنجيل، فعندما تكون الآية في صالح ‏التوراة والإنجيل
يقال أنهما حُرفا بعد ذلك وعند يقول القرآن ”
الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً
عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ
” (الأعراف:
157
). ببحثون فيه عمّا يتصوّرون أنَّه أيات صحيحة لم تُحرّف بعد!! ولكنا
نقول لهم إذا كان القرآن يقول ”
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ
وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ
ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ. إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا
هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ
هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ
اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء
“(المائدة:
42،43
)، وأيضًا ” وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ
بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ
هُمُ الْفَاسِقُونَ
“(المائدة46).
فهذا يؤكّد صحّة كلّ ما جاء في التوراة والإنجيل اللذين كانا موجودين أيّام نبي
المسلمين لسبب بسيط جدًا وهو أننا نملك مخطوطات للتوراة ترجع لما قبل المسيح ب 200
سنة ولما قبل نبي المسلمين بأكثر من 800 سنة، كما نملك مخطوطات لأجزاء من العهد
الجديد ونسخ كاملة من الأناجيل ترجع لما بين سنة 68م و 250م ومخطوطات كاملة لكل
العهد الجديد ترجع لسنة 325م وترجع لما قبل الإسلام بأكثر من 300 سنة!! وكلّها
مطابقة تمامًا لما ‏معنا الآن لأنَّه مترجم عنها. ومن ثمَّ عليهم أن يقبلوا كلّ ما
جاء فيهما بمنطقهما وفكرهما ومنهجهما في تطبيق ما جاء بهما من نبوّات أو يرفضونهما
بكلّ ما ‏جاء فيهما. لا مفرّ من ذلك ولا يمكن أنْ نعتبر أنَّ أجزاء منهما صحيحة
وأخرى محرّفة!!

وعلي الرغم من اعتقاد بعضهم أنَّ
الكتاب المقدّس نُسخ وأُلغي، إلا أنَّه لا مانع لديهم من الاستشهاد بآياته ما دام
في ذلك مصلحة، بمبدأ الغاية تبرّر الوسيلة، والضرورات تبيح المحظورات!!

وكذلك نري في أسلوب مناقشاتهم
وحواراتهم في هذا الموضوع أنَّهم يتجاهلون حقائق جوهريّة مثل: عقيدة التجسّد في
المسيحيّة وعقيدة المسيح في الإسلام، والمفهوم اليهودى لهذه النبوّات.

 

1- عقيدة التجسّد في المسيحيّة: بالرغم
من الإيمان بلاهوت المسيح كابن الله كلمة الله الذي من ذات الله والواحد مع الآب
في الذات الإلهية لله الواحد، فقد تجسّد، وأتخذ صورة ‏الإنسانية الكاملة ”
وَالْكَلِمَةُ
صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا
‏ “(يوحنا1/14).
‏الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اَللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً
أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ.‏لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ
عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ اَلنَّاسِ.‏ وَإِذْ وُجِدَ فِي اَلْهَيْئَةِ
كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى اَلْمَوْتَ مَوْتَ اَلصَّلِيبِ.

(
فيليبي2/6-8‏). ولأنه أتّخذ الإنسانيّة الكاملة
فقد كان كما يقول الكتاب ”
مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ
مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ
” (عبرانيين4/15).
أي أنَّ المسيح هو ابن الله وكلمته وصوره جوهره ولكنه تجسّد وصار بشرًا، ”
ابن الإنسان “، صار إنسانا وقال عن نفسه لليهود ”
وَلَكِنَّكُمُ
الآنَ تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي وَأَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ
بِالْحَقِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ
” (يوحنا8/40).
وكإنسان مُسح كاهنًا وملكًا ونبيًا بالروح القدس كقول القدّيس بطرس بالروح ”
يَسُوعُ
الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ
وَالْقُوَّةِ ‏الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْراً وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ
عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ لأَنَّ اللهَ ‏كَانَ مَعَهُ
” (أعمال
الرسل10/38
). ومارس عمل النبوة ودعي بالنبي ” فَقَالَتِ
الْجُمُوعُ: هَذَا يَسُوعُ النَّبِيُّ الَّذِي مِنْ نَاصِرَةِ الْجَلِيلِ
“‏
(
متّي21/11)، وبعد معجزة إقامة ابن أرملة نايين
قالوا ”
قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ وَاِفْتَقَدَ اَللهُ شَعْبَهُ
‏” (
لوقا7/16). وقالت له المرأة السامريّة ” يَا
سَيِّدُ أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ!‏
” (يوحنا4/19)
وبعد معجزة إشباع الجموع بخمسة أرغفة وسمكتين ”
إِنَّ
هَذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ اَلنَّبِيُّ الآتِي إِلَى اَلْعَالَمِ

“(
يوحنا6/14)، وقال عنه
المولود أعمي الذي فتح المسيح عينيه ”
إنَّه
نَبيّ
‏ ” (يوحنا9/17). بل وقال
عنه تلاميذه ” ‏
ِيَسُوعَ اَلنَّاصِرِيِّ
اَلَّذِي كَانَ إِنْسَاناً نَبِيّاً مُقْتَدِراً فِي اَلْفِعْلِ وَاَلْقَوْلِ
أَمَامَ اَللهِ وَجَمِيعِ اَلشَّعْبِ
” (لوقا24/19).

فقد كان المسيح ابن الله وكلمة الله
وصورة جوهره، بلاهوته، كما كان إنسانًا بتجسّده، وصار كاهنًا وملكًا ونبيًا بمسحه
بالروح القدس. وعندما تنبأ أنبياء العهد القديم عنه تنبئوا عنه باعتباره ابن داود
ووارث عرشه والذي سيولد كإنسان من‏ اليهود ومن بيت لحم مدينة داود، وكالملك الذي
سيدخل أورشليم راكبًا على أتان وجحش ابن أتان، والكاهن الذي جاء على رتبة ملكي
صادق، وفي نفس الوقت تنبئوا عنه كالإله القدير الأزليّ الجالس عن يمين العظمة في
الأعالي.

 

2- عقيدة
المسيح فى الإسلام:
لا يؤمن المسلمون أساسًا بلاهوت المسيح، وبالرغم
من أنَّه موصوف في القرآن
:

بكلمة الله وروح منه(1)

(1) ”
إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ
أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ”(النساء 171).‏

وأنه عِلْم ليوم الساعة(2)

(2) ” وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ
لِّلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا” (الزخرف 21).‏

 

وأنّه كان يخلق ويعلم الغيب ويشفي
المرضى ويقيم الموتى ويطهر البرص
(3)

(3) ” وَرَسُولاً إِلَى بَنِي
إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ
لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً
بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ
اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ” (آل عمران: 49).‏

وأنه أنزل على تلاميذه مائدة من
السماء
(4)

(4) ” قَالَ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ
تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ
خَيْرُ الرَّازِقِينَ” (المائده: 114). ” قَالَ اللّهُ إِنِّي
مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ
عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ” (المائده: 115).‏

وأنه كان معجزة في ميلاده وفي حياته
وأعماله
(5)

(5) ” وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي
الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ”(آل عمران: 46) ” وَجَعَلْنَا
ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ
وَمَعِينٍ” (المؤمنون: 50).‏

وفي رفعه إلى السماء(6)

(6) ” إِذْ قَالَ اللّهُ يَا
عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ
كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا
كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ” (آل عمران: 55).‏

 

هذا فضلاً عن عدم مس
الشيطان له (7)…إلخ إلا
أن الاعتقاد الإسلامي الأساسي في المسيح هو أنَّه بشر ونبيّ وعبد لله وأنَّه ‏مثل
آدم خُلق من تراب. ‏

(7) جاء فى كتاب (الدر المنثور
للتفسير المأثور) للإمام جلال الدين السيوطي ” أخرج عبد الرازق وأحمد
والبخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن أبى هريرة قال: ” قال
رسول الله ص ما من مولود يولد إلاّ والشيطان يمسه حين يولد، فيستهل صارخًا من مسّ
الشيطان إيّاه، إلاّ مريم وابنها” ثم قال أبو هريرة: ” وإقرأوا إنْ شئتم
” وإنّي أعيذها بك وبذرّيتها من الشيطان الرجيم”.

3- كما يجب
أن لا نتجاهل التفسر اليهودي
لنبوات العهد القديم فهو كتابهم‏
ولهم قواعدهم في تفسيره وفهمه، مع مراعاة التفسير الصحيح لهذه النبوّات كما شرحها
وفسّرها الرب ‏يسوع المسيح نفسه، سواء لليهود، في عصره، أو لتلاميذه، وكما فسّرها
وشرحها تلاميذه، بالروح القدس، لمستمعيهم الذين كانوا أولاً من اليهود، ثمّ من
اليهود والأمم.‏

‏وقد آمن اليهود عبر تاريخهم وعصورهم
بمجيء المسيح
(8) نسل إبراهيم واسحق ويعقوب وكوكب يعقوب والقضيب
الذي من سبط يهوذا (
تكوين49/10) وابن داود
الذي سيجلس على كرسيه ‏(
أشعيا9/6و7)، كما
تكلمت كتبهم التي كُتبت فى فترة ما بين
‏العهدين
كثيرًا عنه كالملك الذي يفوق البشر والذي سيقود إسرائيل للسيادة على العالم، ومن
ثمّ فقد كان اليهود ‏في وقت ميلاد الرب يسوع المسيح يتوقّعون مجيئه بناء على نبوة
دانيال النبي الثي حسبت زمن مجيئه من إعادة ثجديد وبناء أورشليم سنة 457 ق م حتى
ظهوره سنة 26م، وكذلك نبوة يعقوب عنه كالقضيب الذي يأتي من سبط يهوذا في أعقاب
زوال الحكم من يهوذا مباشرة. ولذلك يقول الإنجيل أنه لما دخلث العذراء ويوسف
النجار بالطفل يسوع لختانه في الهيكل في اليوم الثامن لولادته وقفت حنة النبية
تُسَبِّحُ اَلرَّبَّ وَتَكَلَّمَتْ عَنْهُ مَعَ جَمِيعِ
اَلْمُنْتَظِرِينَ فِدَاءً فِي أُورُشَلِيمَ
“(لوقا2/38).
وقال كثير من العلماء ‏اليهود والربّيين في العصور الوسطى والحالية أنَّ الزمن
الذي كان يجب أنْ يأتي فيه المسيح المنتظر هو القرن الأوّل الميلادى!!‏      

وعندما يناقش هؤلاء النبوّات الخاصّة
بالمسيح كنبي وكإنسان يتجاهلون الإيمان الإسلاميّ باعتباره نبي من البشر، والإيمان
المسيحيّ بتجسّده وصيروته إنسانا ونبيًّا، ويتكلّمون فقط عن الإيمان المسيحيّ
بلاهوته!! لكي ينسبوا ما يختصّ به من نبوات لنبي المسلمين!! كما يتجاهل هؤلاء أو
يجهلون الفكر اليهودي وتفسيره لهذه النبوات في معظم كتب تراثهم وعبر كل عصورهم!!
وكذلك تفسير الرب يسوع المسيح وتلاميذه لها!! في حين أن المنطق والعقل والدراسة
العلمية والبحث العلمي النزيه يتطلب مراعاة كل هذه الحقائق.

والسؤال الآن؛ هل ما يدّعيه ويزعمه
هؤلاء صحيح؟ وهل يصلح مثل هؤلاء الذين حكموا على الكتاب المقدس بأنَّه مُحَرّف
وقضوا بنسخه وإلغائه، لتفسير آياته ونبواته وإخراج ما يزعمون أنه الصحيح منه؟!!
وهل يتفق تفسيرهم للآيات التي استخرجوها مع قواعد التفسير الصحيح وقواعد المنطق
والعقل والبحث العلميّ النزيه؟!!

والإجابة: يقول الواقع ” لا
” لأنَّهم تعاملوا مع النصوص بمنطق الغاية تبرّر الوسيلة والضرورات تبيح
المحظورات!! وحاولوا تصوير بعض آيات الكتاب
المقدّس
ونبواته على أنَّها نبوّات عن ” نبيّ آخر ” يأتي بعد المسيح، وهذه
الغاية أو الضرورة! وكانت ‏الوسيلة هي إخراج هذه الآيات والنبوّات من سياق الكلام
وبعيدًا عن القرينة وعزلها عمّا بعدها وما قبلها وإبعادها عن مضمونها الأصلي
واقتطاعها من النصّ، أي أخذ جزء من الآية وترك بقيّة أجزائها، كما أخذوا بالتشابه
اللفظي الذي لا صلة له بالمعنى علي الإطلاق. بل واستنطقوا بعض جهلاء المسيحيّة
وبعض المرتدّين عنها بما لا يفهمون فيه!!

 

4- تطبيق المسيح وتلاميذه لهذه
النبوّات:
وهنا حقيقة هامّة وجوهريّة وهي أنَّ الربّ يسوع المسيح نفسه وتلاميذه
من بعده أكّدوا على حقيقة أنَّ جميع النبوّات التي وردت في العهد القديم (التوراة)
عن النسل الآتي بكل أوصافه كنسل إبراهيم الذي تتبارك به جميع الأمم والشعوب
والألسنة أو كمشتهى الأجيال أو كالنبيّ الذي سيكون مثل موسي أو المسيح الذي سيأتي
من نسل داود والذي سيُولَد من عذراء في بيت لحم أو الذي سيأتي بالبر الأبديّ ويكون
ختام النبوّة والذي يأتي بإعلان الله النهائيّ للبشريّة… إلخ قد تمّت جميعها
فيه.‏

وقد استشهد بها لليهود وشرحها
لتلاميذه الذين فسّروها هم أيضًا لليهود ولكل‏ البشريّة في العالم أجمع. كما كان
دائمًا يُشير إلى ما جاء فيها وكان يستخدم تعبيرات ” المكتوب ” و ”
ليتمّ الكتاب ” و ” كما هو مكتوب ” للتأكيد على أنَّ كلّ ما كان
يفعله كان مكتوبًا سابقًا عنه، وعلى سبيل المثال يقول عمّا جاء فيها عن آلامه وموته
وقيامته ”
كَيْفَ هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِ اِبْنِ
اَلإِنْسَانِ أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيراً وَيُرْذَلَ
” (مرقس9/12)‏

‏” وَأَخَذَ
اَلاِثْنَيْ عَشَرَ وَقَالَ لَهُمْ: هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ
وَسَيَتِمُّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ بِالأَنْبِيَاءِ عَنِ ‏اِبْنِ
اَلإِنْسَانِ
” (لوقا18/31)، “ لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ
فِيَّ أَيْضاً هَذَا اَلْمَكْتُوبُ
: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ. لأَنَّ مَا
هُوَ مِنْ جِهَتِي لَهُ ‏اِنْقِضَاءٌ
‏” ‏(لوقا22/37)، “ وَقَالَ لَهُمْ: هَكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ وَهَكَذَا
كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي
الْيَوْمِ الثَّالِثِ
” (لوقا24/46).‏

 

وعن خيانة يهوذا له قال لتلاميذه، في
ليلة العشاء الربّانيّ مشيرًا إلى نبوّة المزامير عنه “
لَكِنْ لِيَتِمَّ اَلْكِتَابُ: اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي
اَلْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ
” (يوحنا13/18)، وقال ليهوذا
إِنَّ اِبْنَ اَلإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا
هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ وَلَكِنْ وَيْلٌ لِذَلِكَ اَلرَّجُلِ اَلَّذِي بِهِ
يُسَلَّمُ اِبْنُ اَلإِنْسَانِ. كَانَ خَيْراً لِذَلِكَ ‏اَلرَّجُلِ لَوْ لَمْ
يُولَدْ!‏
” (مرقس14/21)، وقال مخاطبا الآب ” حِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ فِي اَلْعَالَمِ كُنْتُ أَحْفَظُهُمْ
فِي اِسْمِكَ. اَلَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي حَفِظْتُهُمْ وَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ
أَحَدٌ إِلاَّ ‏اِبْنُ اَلْهلاَكِ لِيَتِمَّ اَلْكِتَابُ
” (يوحنا17/12).‏

وبعد قيامته من الأموات وقبل صعوده
شرح وفسّر لتلاميذه كلّ ما يختصّ به من‏ في العهد القديم وقال لهم: “
وَقَالَ لَهُمْ: هَذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي
كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ
جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ
عَنِّي ‏فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ
وَالْمَزَامِيرِ، حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ
” (لوقا24/44، 45). “ فَقَالَ
بَعْضُهُمَا لِبَعْضٍ: أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِباً فِينَا إِذْ كَانَ
يُكَلِّمُنَا فِي اَلطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا اَلْكُتُبَ
‏” (لوقا24/32).

 

وبعد صعوده عوده إلى السموات وحلول
الروح القدس أدرك التلاميذ والرسل فحوى هذه النبوّات ومغزاها “
فَلَمَّا قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ تَذَكَّرَ تلاَمِيذُهُ
أَنَّهُ قَالَ هَذَا فَآمَنُوا بِالْكِتَابِ وَالْكلاَمِ الَّذِي قَالَهُ يَسُوعُ
” (يوحنا2/22). وكانوا يشيرون إلي هذه النبوّات في مناسباتها في الإنجيل،
مثل دخوله إلى أورشليم علي جحش “
وَوَجَدَ
يَسُوعُ جَحْشاً فَجَلَسَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ
” (يوحنا12/14) “ وَهَذِهِ
الأُمُورُ لَمْ يَفْهَمْهَا تلاَمِيذُهُ أَوَّلاً وَلَكِنْ لَمَّا تَمَجَّدَ
يَسُوعُ حِينَئِذٍ تَذَكَّرُوا أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ مَكْتُوبَةً ‏عَنْهُ
وَأَنَّهُمْ صَنَعُوا هَذِهِ لَهُ
” ‏(يوحنا12/16). وعن صلبه بين
لصين “
فَتَمَّ اَلْكِتَابُ
اَلْقَائِلُ
: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ ” (مرقس15/28
وأشعيا53/12
)، وعن اقتسام ثيابه وإلقاء قرعة
عليها “
اِقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ
وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً. هَذَا فَعَلَهُ اَلْعَسْكَرُ.
‏” (يوحنا19/24 مع
مزمور22/18
)، وعن حفظ ‏عظامه وعدم كسرها “
لأَنَّ هَذَا كَانَ لِيَتِمَّ اَلْكِتَابُ
اَلْقَائِلُ
: عَظْمٌ لاَ يُكْسَرُ مِنْهُ

” (
يوحنا19/36 مع خروج12/46؛ مزمور34/20)، وعن طعن جنبه بالحربة “ وَأَيْضاً يَقُولُ كِتَابٌ آخَرُ: سَيَنْظُرُونَ
إِلَى اَلَّذِي طَعَنُوهُ
” (يوحنا19/37 مع زكريا9/9).

وكانت هذه النبوات مدخلهم الدائم
لتقديم ‏البشارة بالخلاص لليهود والأمم والإعلان عن أنَّ يسوع الناصريّ هو المسيح
المنتظر الذي تنبّأ عنه جميع الأنبياء في جميع هذه الكتب أو الأسفار المقدّسة.
وفسّروا بالروح القدس ما علّمه لهم الرب من نبوّات كُتبت عنه. وكان القدّيس بولس

بِاشْتِدَادٍ يُفْحِمُ الْيَهُودَ جَهْراً
مُبَيِّناً بِالْكُتُبِ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ‏الْمَسِيحُ
” (أعمال الرسل18/28)، “
فَدَخَلَ بُولُسُ إِلَيْهِمْ حَسَبَ عَادَتِهِ
وَكَانَ يُحَاجُّهُمْ ثَلاَثَةَ سُبُوتٍ مِنَ ‏الْكُتُبِ
” (أع17/2). ويقول الكتاب عن بعض هؤلاء “ فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ فَاحِصِينَ
الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هَذِهِ الأُمُورُ ‏هَكَذَا؟
‏” (أع17/11). كما بدأ رسالته إلى رومية بحديثه عن إنجيل
المسيح “
الَّذِي سَبَقَ فَوَعَدَ بِهِ بِأَنْبِيَائِهِ فِي
اَلْكُتُبِ اَلْمُقَدَّسَةِ
” (رومية1/2). أكّد بالروح أنَّ
كل ما تمّ مع المسيح تمّ كما سبق أنْ تنبّأ عنه الأنبياء في الكتب “
فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا
قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضاً: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ
الْكُتُبِ، ‏وَأَنَّهُ دُفِنَ وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ
الْكُتُبِ
” ‏(1كورونثوس15/3،4).‏

وعندما دوّن الإنجيليّون الإنجيل
بالروح القدس كانوا غالبًا ما يذكرون ما سبق أنْ تنبّأ به عنه جميع الأنبياء
فقالوا عن صلبه بين لصين “
وَصَلَبُوا مَعَهُ
لِصَّيْنِ وَاحِداً عَنْ يَمِينِهِ وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ
” (مرقس15/27)، وعن اقتسام الجنود لثيابه “اِقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى لِبَاسِي
أَلْقَوْا قُرْعَةً. هَذَا فَعَلَهُ اَلْعَسْكَرُ
“(يوحنا19/24)، وعن موته على
الصليب “
بَعْدَ هَذَا رَأَى يَسُوعُ
أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ فَلِكَيْ يَتِمَّ اَلْكِتَابُ قَالَ: أَنَا
عَطْشَانُ
” (يوحنا19/28)، وعن حفظ عظامه سليمة بعد موته
يقول “
لأَنَّ هَذَا كَانَ لِيَتِمَّ
اَلْكِتَابُ
اَلْقَائِلُ: عَظْمٌ لاَ يُكْسَرُ مِنْهُ
“(يوحنا 19/36)‏‏. ومن أشهر العبارات التي استخدمها الإنجيل للقديس متّي عن
ما تنبأ به الأنبياء عن الرب يسوع المسيح هي عبارة “
وَهَذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ
الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ
” فعن ميلاده من
عذراء يقول “
هُوَذَا الْعَذْرَاءُ
تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ، الَّذِي
تَفْسِيرُهُ: اَللَّهُ مَعَنَا‏
” (متي1/22،23).

 

وعن عودته من مصر يقول “ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ: مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي” (متي2/15)، وعن سكناه في الناصرة يقول “ وَأَتَى وَسَكَنَ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا نَاصِرَةُ لِكَيْ
يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالأَنْبِيَاءِ
: إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيّاً
” (متي2/23)، وعن شفانه للمرضى يقول “ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ: هُوَ أَخَذَ أَسْقَامَنَا وَحَمَلَ أَمْرَاضَنَا” (متي8/17)، وعن وداعته يقول “ لِكَيْ
يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ اَلنَّبِيِّ
:
‏ هُوَذَا فَتَايَ اَلَّذِي اِخْتَرْتُهُ حَبِيبِي اَلَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي.
أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ اَلأُمَمَ بِالْحَق
ِّ” (متي12/17-18)، وعن حديثه بأمثال يقول “ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ: سَأَفْتَحُ بِأَمْثَالٍ فَمِي وَأَنْطِقُ بِمَكْتُومَاتٍ
مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ
“(متي13/35) وعن دخوله أورشليم
يقول “
فَكَانَ
هَذَا كُلُّهُ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ
: ‏ قُولُوا لاِبْنَةِ صِهْيَوْنَ: هُوَذَا مَلِكُكِ
يَأْتِيكِ وَدِيعاً رَاكِباً عَلَى أَتَانٍ وَجَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ
‏” (متي21/4-5). وعن بيع يهوذا له بثلاثين من الفضة يقول “ حِينَئِذٍ تَمَّ مَا
قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ
: وَأَخَذُوا
الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ ثَمَنَ الْمُثَمَّنِ الَّذِي ثَمَّنُوهُ مِنْ بَنِي
‏إِسْرَائِيلَ
” (متي27/9). وعن اقتسام ثيابه
يقول “
وَلَمَّا صَلَبُوهُ اِقْتَسَمُوا
ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ:
اِقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى ‏لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً
” ‏(متي27/35).‏

فقد كانت جميع نبوات العهد القديم عن
المسيح المنتظر وتمّت جميعها في شخص وعمل الرب يسوع ‏المسيح تفصيلاً وبكلّ دقّة،
ولم يتنبأ الكتاب مطلقا عن أي شخص آخر يأتي بعد المسيح. وقبل الدخول في هذه
الدراسة نسأل الأسئلة التالية: ما هي هذه النبوات التي استشهد بها هؤلاء الكتّاب
الذين قالوا أنَّها تتنبأ عن نبي آخر يأتي بعد المسيح؟ وكيف فسّروها؟ وهل تتضمن
هذه النبوات، في محتواها وجوهرها، ما يفيد ‏الحديث عن نبي آخر يأتي بعد المسيح من
خارج بني إسرائيل، سواء بلفظ ” النبي الأمي ” أي الذي لا يعرف القراءة
والكتابة، أو ” النبي الأممي ” أى الذي من خارج بني إسرائيل؟.

 

(8) ويلخّص الدكنور عبد الوهاب
المسيري في موسوعته اليهود واليهودية والصهيونية فكرة المسيح ‏عند اليهود بقوله
” ماشيَّح” كلمة عبرية تعني ” المسيح المخلص” ومنها ”
مشيحيوت ” أي ” المشيحانية ‏” وهي الاعتقاد بمجيء الماشيّح،
والكلمة مشتقة من الكلمة العبرية ” مشح ” أي ” مسح ” بالزيت
المقدس. وكان ‏اليهود، على عادة الشعوب القديمة، يمسحون رأس الملك والكاهن بالزيت قبل
تنصبيهما، علامة على المكانة الخاصة الجديدة ‏وعلامة على أنّ الروح الإلهية أصبحت
تحلّ وتسري فيهما. وكما يحدث دائمًا مع الدوال في الإطار اليهودي الحلولي، ‏نجد
أنّ المجال الدلالي لكلمة ” ماشيّح ” يتّسع تدربجيًا إلى أن يضم عددًا
كبيرًا من المدلولات تتعايش كلها جنبًا إلي جنب داخل التركيب الجيولوجي التراكميّ
اليهوديّ. فكلمة ” الماشيّح ” تشير إلى كلّ ملوك اليهود
وأنيبائهم…وهناك أيضًا المعنى المحدد الذي اكتسبته الكلمة في نهاية الأمر إذ
أصبحت تشير إلى شخص مُرسل من الإله يتمتّع ‏بقداسة خاصة، إنسان سماويّ وكائن مُعْجِز
خلقه الله قبل الدهور يبقي في السماء حتى تحين ساعة إرساله. ‏وهو يُسمّى ”
ابن الإنسان ” لأنَّه سيظهر في صورة الإنسان وإن كانت طبيعته تجمع بين الله
والإنسان، فهو ‏تجسّد الإله في التاريخ، وهو نقطة الحلول الإلهي المكثف الكامل في
إنسان فرد. وهو ملك من نسل داود، سيأتي بعد ‏ظهور النبى إيليا ليعدّل مسار التاريخ
اليهودي، بلّ البشري، فينهي عذاب اليهود ويأتيهم بالخلاص ويجمع شتات ‏المنفيّين
ويعود بهم إلى صهيون ويحطم أعداء جماعة يسرائيل، ويتخذ أورشليم (القدس) عاصمة له،
ويعيد ‏بناء الهيكل، ويحكم بالشريعتين المكتوبة والشفوية ويعيد كل مؤسسات اليهود
القديمة مثل السنهدرين، ثم يبدأ ‏الفردوس الأرضي الذي سيدوم ألف عام، ومن هنا كانت
تسمية ” الأحلام الألفية ” و” العقيدة الاسترجاعية “.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى