اللاهوت الدستوري

(12) نظرة المسيحية إلى البتولية



(12) نظرة المسيحية إلى البتولية

(12) نظرة المسيحية إلى البتولية

ديانة بتولية وزهد:

1- لم نر ديانة فى الوجود تحض على البتولية،
وتدعو إلى حياة الزهد والتعفف مثلما فعلت المسيحية، حتى كان من نتائج ذلك قيام
الحركة الرهبانية الواسعة النطاق، التى كانت تشمل فى القرن الرابع الميلادى عشرات
الآلاف من الرهبان فى كل من برارى مصر وحدها.

فهل ديانة كهذه تسأل فى يوم ما: هل تعدد الزوجات
فيها مباح؟!

إنها ديانة زهد ونسك. ديانة قال فيها الرسول
علانية ” لا تحبوا العالم و لا الأشياء التى فى العالم”.

البتولية كما أسسها المسيح ودعا لها بولس
الرسول:

2- أما البتولية فى المسيحية فقد وطد دعائمها
السيد المسيح ذاته، الذى كان بتولاً، وولد من أم بتول، وعمده وبشر به مهيئا الطريق
أمامه نبى بتول هو يوحنا المعمدان، وعهد بأمه إلى رسول بتول هو يوحنا الحبيب. وهذه
البتولية شرحها وتكلم عنها بولس الرسول فى رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس الأصحاح
السابع حيث قال ” حسن للرجل أن لا يمس امرأة ” و” أريد أن يكون
جميع الناس كما أنا” “أى بتوليين”. و”أقول لغير المتزوجين
وللأرامل إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا ” و”أنت منفصل عن امرأة فلا
تطلب امرأة ” و” أقول هذا ايها الإخوة الوقت منذ الآن مقصر، لكى يكون
الذين لهم نساء كأن ليس لهم ” و” أريد أن تكونوا بلا هم، غير المتزوج
يهتم فيما للرب كيف للرب كيف يرضى الرب، وأما المتزوج فيهتم فيما للعالم كيف يرضى
امرأته ” و” من زوج فحسنا يفعل ومن لا يزوج يفعل أحسن” (انظر
الآيات 38،32،29،8،7،1- وانظر أيضا 37،26).

 

فهل يعقل أن ديانة تقول ” حسن للرجل أن لا
يمس امرأة ” ثم تسمح هذه الديانة بتعدد الزوجات؟!

 

هل يعقل أن ديانة تريد أن يتفرغ الإنسان من جميع
الاهتمامات العالمية ليهتم فى ما للرب، ثم تسمح له بتعدد الزوجات، بينما تقول له
” المتزوج يهتم فى ما للعالم كيف يرضى امرأته “؟!

 

إن كانت امرأة واحدة تجعل الإنسان يهتم فى ما
للعالم لكى يرضيها، ولا يستطيع أن ينفذ نصيحة الرسول ” أريد أن تكونوا بلا هم
فكم بالأولى إن كانت له زوجات عديدات؟!

 

وهل يعقل ديانة تريد من المتزوجين أنفسهم أن
ينزعوا أنفسهم من اهتماماتهم الكثيرة ليتفرغوا للرب، قائلة لهم ” ليكون الذين
لهم نساء كأن ليس لهم”، ثم تسمح هذه الديانة لمن له زوجة بأن يتزوج أخرى
معها؟!

 

أمثلة من تمجيد القديسين للبتولية:

3- هذه البتولية تركت أثرها الكبير فى أنفس قادة
المسيحية وقديسيها العظام، حتى يندر أن نجد قديسا فى العصور الوسطى لم يكتب عن
البتولية ولم يدع إليها. وإن حاولنا أن نورد ولو قلة ضئيلة عما قاله القديسون عن
البتولية، وتفضيلها على الزواج، والدعوة إليها، لضاق بنا المجال. لكننا سنحاول أن
نذكر بعض عبارات بسيطة كأمثلة:

 

قال القديس أمبروسيوس Saint Ambrose ” البتولية أحضرت من السماء ما يمكن تقليده على الأرض… لا
الذين يتزوجون ولا الذين يزوجون يشبهون ملائكة الله فى السماء، لذلك فلا تعجب إذا
ما قورن أولئك بالملائكة”.

 

وقال القديس يوحنا الذهبى الفم ” إذا كنتم
تريدون الطريق الأسمى والأعظم، فالأفضل ألا يكون لكم علاقة مع أية امرأة
كانت”.

 

وقال ترتليانوس ” ما أكثر الذين نذروا
البتولية من ذات لحظة عمادهم، و أيضا ما أكثر الذين فى الزواج منعوا أنفسهم –
بموافقة مشتركة – عن استعمال الزواج ” فجعلوا أنفسهم خصيانا من أجل ملكوت
السموات” (متى12: 19).

 

وقال القديس اثناسيوس الرسولى أشهر بطاركة
الأسكندرية ” هناك طريقان فى الحياة يختصان بهذه الأمور: أحدهما أكثر اعتدالا
وعادى وأعنى به الزواج. و الثانى ملائكى وليس ما يفوقه، وأعنى به البتولية. والآن
إذا ما اختار الإنسان طريق العالم، أعنى الزواج فلا يلام فى الواقع، ولكنه سوف لا
ينال أمثال تلك المواهب العظيمة كالآخر”. وشرح النقطة الأخيرة بتناول مثل
الزرع الجيد (مرقس20: 4) فشبه المتزوج بالزرع الذى يعطى ثلاثين والبتول بالذى يعطى
مائة”.

 

وقال القديس جيروم فى رسالته إلى يوستوخيوم
” البتولية هى الوضع الطبيعى، و الزواج أتى بعد السقوط”. كما قال فى نفس
الرسالة إنى أمدح الزواج، ولكن لكى ينجب لى بتوليين.

 

والقديس جيروم استعمل أيضا نفس تشبيه القديس
اثناسيوس فى مثل الزارع، و اعتبر آن المائة لإكليل البتولية، والستين للترمل بعد
التزوج، والثلاثين للزواج الواحد العفيف. و” لم يدخل الزواج بعد الترمل فى
هذه الدرجات الثلاث التى للعفة “.

 

على أن هناك سؤالا يمكن أن يسأل وهو ” إلا
يحدث أن ينتهى العالم إذا نفذت دعوة المسيحية إلى البتولية؟!”.

 

يجيب القديس جيروم عن هذا السؤال فيقول ”
اطمئن. فالبتولية شئ صعب، و لذلك فهى نادرة لأنها صعبة. أذ لو كان الجميع يستطيعون
أن يكونوا بتوليين، ما كان الرب قد قال: … من استطاع آن يقبل فليقبل”
(متى12: 19). ورد القديس اغسطينوس على نفس السؤال برد مشابه مستخدما قول السيد
المسيح عن البتولية ” ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أعطى لهم”
(متى11: 19).

 

السماح للضعفاء، وتعليق:

4- ولذلك فإن بولس الرسول فى دعوته إلى البتولية
فى الأمثلة التى أوردناها فى (1 كو 7) سمح بالزواج للذين لا يحتملون. فقال ”
ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا، لأن التزوج أصلح من التحرق” (آية 9). و
لكن الرسول بولس على الرغم من هذا السماح يقول عن الذين سمح لهم ” ولكن مثل
هؤلاء يكون لهم ضيق فى الجسد، وأما أنا فإنى اشفق عليكم” (آية 28). ”
هذا أقوله لخيركم ليس لألقى عليكم وهقا بل لأجل اللياقة…” (آية 35).

 

ويعلق العلامة ترتليانوس على هذا بقوله ”
إن كانت هذه هى فكرته عن الزواج الأول، فكم بالحرى عن الثانى؟!”.

 

خاتمة:

و بعد، إن كانت هذه هى نظرة المسيحية إلى
البتولية، ودعوتها إليها فى صراحة تامة، إلا للذين لا يحتملونها، فهؤلاء لهم عفة
الزواج خير من الوقوع فى الخطية. فهل يمكن لديانة كهذه أن تسمح بتعدد الزوجات وهى
تنصح بترك التزوج بواحدة فقط؟!

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى