اللاهوت الدفاعي

هوت_دفاعى_عظمة_الكتاب_المقدس_وحفظ_الله_له_01[1].html



الرد الأول

هل باع
اليهود التوراة قراطيساً؟

 

قال فضيلة
الدكتور أن اليهود في أيام موسى النبي: ” عاودوا الكفر بتحريف التوراة وبيعها
قراطيس للناس
‏،‏ وتركز الكفر من قلوبهم في أزمنة أنبيائهم العديدين‏،‏
فقاتلوهم وقتلوهم عدوا بغير علم‏.‏ وحرفوا كتبهم “!!

 والسؤال هنا أين ورد أنهم حرفوا التوراة أيام
موسى وأيام أنبيائهم؟! هل في أيام موسى أم بعد موسى؟ وما معنى في أيام الأنبياء؟
فقد أمتد عمل الأنبياء من موسى النبي وبعده صموئيل النبي إلى ملاخي، بل وإلى يوحنا
المعمدان ” لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبأوا
(مت11: 13)؟ ولماذا لم يذكر هؤلاء الأنبياء هذا التحريف المزعوم في سفر من أسفار
العهد القديم؟ بل ولماذا لم يشر إليه ويذكره الرب يسوع المسيح الذي فسر لتلاميذه
جميع ما هو مكتوب عنه في جميع الأنبياء ” ثم ابتدأ من موسى ومن جميع
الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب
” (لو24: 27)، بل
ولماذا لم يشر القرآن لهذا التحريف المزعوم في أيام موسى والأنبياء؟! ولماذا لم
يقل أنهم حرفوا الكتاب أيام موسى والأنبياء؟ بل العكس من ذلك تماماً فقد أكد أن
التوراة كانت بين يدي المسيح، وأنه جاء مصدقا بها: ” وَقَفَّيْنَا عَلَى
آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ
التوراة وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ
وَمُصَدِّقاً لِّمَا
بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التوراة وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ

” (المائدة: 46)، ” وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ
التوراة
وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم
بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ ” (آل عمران: 50).
وهنا نسأل فضيلة الدكتور: هل يقول القرآن أن المسيح جاء ليصدق على توارة تقول
سيادتكم أنها حُرفت قبل مجيئه مرات كثيرة؟؟!!

 كما نسأله عن قوله: ” وبيعها قراطيس
للناس
“!! أين قال القرآن ذلك؟! وكيف صنعوا منها قراطيس؟ وما معنى
كلمة قراطيس هنا وماذا فعلوا بهذه القراطيس؟! وحتى لا يسيء البعض فهم كلمة قراطيس
التي تركها سيادة الدكتور دون تعليق حتى يجعل القاريء والمستمع يتخيلان أن معناها
هو كما نعرفه اليوم!! نوضح معناها بحسب ما جاء في

تفسير
البحر المحيط قوله: ” القرطاس اسم لما يكتب عليه من رق وورق وغير ذلك…
ولا يسمى قرطاساً إلا إذا كان مكتوباً وإن لم يكن مكتوباً فهو طرس وكاغد وورق،
وكسر القاف أكثر استعمالاً وأشهر من ضمها وهو أعجمي وجمعه قراطيس “(2). وهو
هنا يشرح ما جاء في سورة الأنعام: ” وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ
الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ
تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً
وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ
أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ
” (الأنعام: 91). والتي يشير إلي ما جاء بها الدكتور زغلول النجار. ونؤكد من
خلال تفسير كبار المفسرين أن ما جاء في هذه الآية القرآنية هو عكس ما يدعيه ويزعمه
فضيلة الدكتور على الإطلاق:

 فقد جاء في تفسير ابن كثير: ” وقوله: {
تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا } (3) أي: يجعلها
حَمَلَتُهَا (4) قراطيس، أي: قِطَعًا يكتبونها من الكتاب الأصلي الذي
بأيديهم ويحرفون فيها ما
يحرفون ويبدلون ويتأولون، ويقولون: { هَذَا مِنْ
عِنْدِ اللَّهِ ” (البقرة: 79)
(3).

 وجاء في تفسير البغوي: ” { تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا } أي: تكتبون
عنه
دفاتر وكتبا مقطعة تبدونها، أي: تبدون ما تحبون وتخفون كثيرا
من نعت
محمد (صلعم) وآية الرجم “
(4).

 وجاء في تفسير الألوسي: ” { تَجْعَلُونَهُ قراطيس
تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً } [ الأنعام: 91 ] وإخفاؤها ليس بإخفاء
النصوص بل بتأويلها
(5).

 وجاء في تفسير زاد المسير: ” قوله تعالى: {
يجعلونه قراطيس } معناه: يكتبونه في قراطيس. وقيل: إنما قال: قراطيس، لأنهم
كانوا يكتبونه في قراطيس مقطَّعة، حتى لا تكون مجموعة، ليخفوا منها ما شاؤوا

(6).

 وجاء في
تفسير النسفي: ” أي بعضوه وجعلوه قراطيس مقطعة وورقات مفرقة ليتمكنوا مما
راموا من الإبداء والإخفاء “
(7).

 وجاء في
الوسيط لسيد طنطاوي ” القراطيس: جمع قرطاس وهو ما يكتب فيه من ورق ونحوه. أي:
تجعلون هذا الكتاب الذي أنزله الله نورا وهداية للناس أوراقا مكتوبة مفرقة
لتتمكنوا من إظهار ما تريدون إظهاره منها، ومن إخفاء الكثير منها على حسب ما تمليه
عليكم نفوسكم السقيمة وشهواتكم الأثيمة “
(8).

 ونختم كلامنا هنا بما جاء في تفسير الرازي:
المراد أنهم لما جعلوه قراطيس، وفرقوه وبعضوه، لا جرم قدروا على إبداء البعض، وإخفاء البعض، وهو الذي فيه صفة محمد (صلعم). فإن قيل: كيف يقدرون على ذلك
مع أن التوراة كتاب وصل إلى أهل المشرق والمغرب، وعرفه أكثر أهل العلم وحفظوه،
ومثل هذا الكتاب لا يمكن إدخال الزيادة والنقصان فيه، والدليل عليه أن الرجل في
هذا الزمان لو أراد إدخال الزيادة والنقصان في القرآن لم يقدر عليه، فكذا القول في
التوراة.

 قلنا: قد ذكرنا في سورة البقرة أن المراد
من التحريف تفسير آيات التوراة بالوجوه الباطلة الفاسدة كما يفعله المبطلون في
زماننا هذا بآيات القرآن
(9).

 هذه خلاصة أراء كبار المفسرين والتي تضاد بشكل
مباشر ما أراد أن يوحي إليه الدكتور النجار!!!

 

(1)
حاصل على درجة ” الدكتوراه في الفلسفة ” في الجيولوجيا من جامعة ويلز
ببريطانيا عام 1963م.

(2)
البحر
المحيط ج5 ص51.

(3)
ابن كثير ج3 ص300.

(4)
البغوي 3 ص167.

(5)
الألوسي ج5 ص 271.

(6)
زاد المسير ج2 ص374.

(7)
النسفي 1: 338.

(8)
الوسيط 1: 1498.

(9)
تفسير الرازي ج6 ص 373.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى