اللاهوت الطقسي

هوت_طقسى_1_طقوس_العهد_القديم_الأعياد_05[1].html



الفصل الخامس

عيد الخمسين Day of Pentecost

كان يقع بعد خمسين
يوماً من عيد باكورة الحصاد، يوم تقديم حزمة الترديد أمام الرب. كانت تُطلق
عليه عدة أسماء:
فقد سُمى بالعبرانية

“هَجْشبعوت
“، حيث “حاج ” بمعنى عيد، و”شبعوت ” = السبوعات
أى الأسابيع. أى “عيد الأسابيع ” (خروج 34: 22، لاويين 23: 15، تثنية
16: 10، أخبارالأيام الثانى 8: 13).

أما تعبير العهد الجديد
يوم الخمسين ” (أعمال الرسل 2: 1و20: 16) فيشير إلى
التحديد الحسابى لموعد العيد، فالعيد يقع يوم “البنتقسطى”
([1]) أى فى
اليوم الخمسين بعد حصاد الشعير فى يوم الفصح. وهناك مجموعة أخرى من الأسماء تشير
إلى الإحتفال بنفس العيد على أسس زراعية: فهناك اسم “عيد الحصاد “
(خروج23: 16)، و”يوم الباكورة ” (عدد 28: 26). ويسميه
العلماء وبالأخص علماء التلمود([2])
“عَسَريت” التى جاءت منها كلمة العنصرة. والكلمة “عسار ”
معناها “اجتمع” أو “جمع ” حيث كانوا يجتمعون ويعيِّدون فى هذا
العيد. وهى تأتى أيضاً بمعنى”منع ” أو “امتنع ” لأنه يُمتنع
فيه عن العمل لأنه يوم مقدس.

كان “عيد الأسابيع
” أول العيدين الزراعيين لإسرائيل إحتفالاً بإتمام حصاد الشعير الذى كان يبدأ
حصاده عند تقديم حزمة الترديد (تثنية 16: 9و10) فكان يقع فى اليوم الخمسين
بعد بدء حصاد الشعير، وفى نفس الوقت كان يبدأ حصاد القمح: “وتصنع لنفسك عيد
الأسابيع أبكار حصاد الحنطة ” (خروج 34: 22).

كان يُعد الثانى فى
الترتيب بالنسبة لأعياد الحِّج اليهودى. فاليهودى المخلص لإيمانه كان يحرص على أن
يحضر احتفال هذا العيد فى أورشليم داخل الهيكل إذ كان أحد الأعياد الثلاثة التى
كان يتحتم على كل ذكر فى إسرائيل فوق الثانية عشرة من عمره أن يحضره فى أورشليم (تثنية
16: 16).

كانت الصورة العامة
للعيد هى إحتفال عائلى بالحصاد، وكان العيد يُعتبر “يوم سبت ” أى
يوم راحة، تُوقف فيه جميع الأعمال ويظهر الشعب أمام الرب ليعبروا عن امتنانهم له: “وتنادون
فى ذلك اليوم عينه محفلاً مقدساً يكون لكم. عملاً من الشغل لا تعملوا ” (لاويين
23: 21).
وكان عند اليهود عيد فرح وبهجة. كان يقع فى ألطف فصول السنة ولذا كان
يجذب أعداد ضخمة من اليهود الزائرين من البلاد والأقاليم الأخرى إلى أورشليم. ويصف
يوسيفوس([3])
المؤرخ اليهودى هذا العيد ويتكلم عن عشرات الآلاف الذين كانوا يجتمعون حول الهيكل
فى هذه المناسبة.. وكان عدد كبير من اليهود الوافدين من بلاد بعيدة إلى أورشليم
لحضور عيد الفصح، يبقون فيها حتى يحضروا هذا العيد أيضاً.

كان عيد الخمسين طبقاً
لتقليد الربيين فى التلمود هو عيد الإحتفال السنوى بتذكار تسلم الشريعة فى
سيناء
. فقد قيل أن موسى استلم الشريعة فوق جبل سيناء فى اليوم الخمسين لخروج
بنى إسرائيل من مصر. ومن هنا جاءت تسميته بالعبرية “عيد البهجة بالناموس
“.

وفى ذلك يقول القديس
جيروم
فى رسالته إلى فابيولا:

[فى اليوم الخمسين بعد
الفصح نحتفل باستعلانين للناموس الإلهى: الأول على جبل سيناء، والثانى على جبل
صهيون. هناك ارتجف الجبل، وهنا هيكل الرب. هناك وسط لهيب نار وبروق وهبوب ريح وقصف
رعد، وهنا أيضاً ظهرت ألسنة نارية مع ريح عاصف. هناك صوت بوق كان يُدوِّى معطياً
كلام الناموس، وهنا دوَّى بوق الإنجيل بواسطة أفواه الرسل] ([4])

وكانت هناك عادة يهودية
قديمة حرص عليها اليهود، إذ كانوا يقضون الليلة السابقة لعيد الخمسين فى تقديم
الشكر لله من أجل عطية الناموس. وما زال اليهود حتى الآن يحرصون على هذه العادة
فيزينون بيوتهم ويتزينون هم أيضاً تعبيراً عن إبتهاجهم بإعطائهم الشريعة.

ومن الواضح أن هذا
العيد قد بدأ الإحتفال به بعد دخول بنى إسرائيل أرض الموعد، لأنهم كشعب كثير
الترحال لم يكن لهم احتياج لعيد زراعى ذلك الذى يميز الشعوب المستقرة فى المدن،
إلا بعد استقرارهم فى أرض كنعان.

وفى زمن ما بين العهدين بدأ العيد يأخذ معنى
إضافياً. فكتاب اليوبيل (أحد الكتب التقليدية لليهود ولكنها ليست من الأسفار
القانونية عندهم) يشير إلى العيد كوقت لتجديد العهد الذى قام بين الله ونوح: [أعطى
الله نوحاً وبنيه علامة أنه لن يحدث طوفان ثانية على الأرض. فقد جعل قوسه فى
السحاب كعلامة للعهد الأبدى أنه لن يحدث مرة أخرى طوفان على الأرض ليخربها فى كل
أيام الأرض. ولهذا السبب فإنه مكتوب ومُسجَّل فى الألواح السمائية بأنهم يجب أن
يحتفلوا بعيد الأسابيع (الذى هو عيد العهود والمواثيق) فى هذا الشهر مرة فى السنة
لتجديد العهد كل عام.. إبراهيم حفظه، وإسحق ويعقوب وبنوه حفظوه إلى أيامكم. وفى
أيامكم نساه بنو إسرائيل إلى أن احتفلتم أنتم به جديداً على هذا الجبل وأوصوا بنى
إسرائيل أن يحفظوا هذا الإحتفال فى كل أجيالهم كوصية عليهم. يوم واحد فى هذا الشهر
يجب أن يُعيِّدوا العيد] ([5])

أما بالنسبة لطقس
العيد
وتقدماته فأهم ما يتسم به هذا العيد هو صنع رغيفين من
عجين مختمر ومملحين أمام الرب (لاويين 23: 17). هذه الأرغفة
كانت تمثل الطعام العادى للشعب وترمز إلى سيادة الله وهيمنته على احتياجات الإنسان
اليومية مدى الحياة.

كانوا يصنعون الرغيفين على هذا المنوال: يأتون
فيه “بإيفة ” من قمح الحصاد الجديد إلى الهيكل ويطحنوها ثم يغربلوها فى
اثنى عشر غربالاً، ثقوب كل غربال أضيق من سابقه ويأخذون من الدقيق الناعم الناتج
من الغربلة (2 / 10 عُشرين إيفة) ويعجنونه بخميرة خارج الهيكل ويجعلونه رغيفين
مستقلين ثم يخبزون الرغيفين فى الأقداس([6])،
وذلك قبل العيد بيوم، فإن كان اليوم سبتاً يعملان فى اليوم الذى قبله. وقد حددت
بعض الكتابات اليهودية المتأخرة أبعاد الرغيف، فكان طوله طبقاً للميشنا([7])
سبعة عروض من عرض الكف([8])
وعرضه أربعة عروض وسمكه نحو أربعة أصابع([9]).

كان الرغيفان يقدمان
باكورة ويردد الكاهن الرغيفين مع صدر وساق كل من خروفى ذبيحة السلامة وبعد أن يحرق
الشحم يأكل اللحم هو ومساعدوه من الكهنة ثم يأخذ رئيس الكهنة أحد الرغيفين ويقسم
الآخر على سائر الكهنة المشتركين فى الخدمة. وكان لا يوقدان على المذبح لأن بهما
خمير (لاويين 2: 11).

ويرى البعض أن
“الرغيفين ” يمثلان اليهود والأمم اللذين تكونت فيهما كنيسة العهد
الجديد “لأنه (المسيح).. لكى يخلق الاثنين فى نفسه إنساناً واحداً
جديداً. صانعاً سلاماً. ويصالح الاثنين فى جسد واحد مع الله بالصليب،
قاتلاً العداوة به. “ (أفسس 2: 14 – 16).

لقد صار هذان الرغيفان
اللذان للعهد القديم خبزاً واحداً فى العهد الجديد “فإننا نحن الكثيرين خبز
واحد. جسد واحد. لأننا جميعنا نشترك فى الخبز الواحد “ (كورنثوس
الأولى 10: 17)
.

لكن لماذا الرغيفين
فيهما خمير؟.. إن الفطير يشير إلى الرب يسوع الخالى من الشر. أما الرغيفان فيرمزان
إلى المؤمنين الذين مازالت الخطية ساكنة فيهم.. وهكذا نرى أن الرغيفين يقدم معهما
ذبيحة خطية لأن الإنسان لا يمكن أن يكون مقبولاً أمام الله إلا على أساس القيمة
الدائمة لذبيحة المسيح عن الخطية.

بجانب هذا الطقس تقدم
الذبائح والتقدمات الآتية:

أولاً: المحرقة
الدائمة الصباحية والمحرقة الدائمة المسائية وتقدماتهما وسكيبهما.

ثانياً: ذبيحة محرقة
من ثور وكبشين وسبعة خراف حولية مع تقدماتها وسكيبها.

ثالثاً: ذبيحة خطية
هى تيس من الماعز.

رابعاً: ذبيحة سلامة
من خروفين حوليين.

خامساً: تقدمات
العيد الإضافية (عدد 28: 26-31)، عبارة عن محرقة من ثورين وكبش وسبعة خراف
حولية مع تقدمتها وسكيبها، وذبيحة خطية تيس من الماعز أو تيسين.

سادساً: تقدمات
طوعية يقدمها الشعب حسب ما تسمح به أيديهم، يأكل منها اللاويون والغرباء والفقراء (تثنية
16: 9-12)

فى وسط هذا الفرح العام
يحثهم ليس فقط على تقديم تقدمات يتمتع بها الغرباء والفقراء.. وإنما يؤكد ألا
ينسوهم فى طريقة الحصاد عينها، إذ يوصيهم: “وعندما تحصدون حصيد أرضكم لا تكمل
زوايا حقلك فى حصادك، ولقاط حصيدك لا تلتقط، للمسكين والغريب تتركه، أنا الرب
إلهكم ” (لاويين 23: 22).

كان عيد الخمسين الذى
احتفل به اليهود بعد قيامة المسيح يُعتبر من وجهة نظر المسيحية آخر عيد خمسينى
لليهود وهو فى نفس الوقت أول عيد خمسينى (عنصرة) مسيحى.

لقد أصبح يوم الخمسين
بعد قيامة الرب تذكاراً لحلول الروح القدس على التلاميذ فى العلية فى نفس يوم
الخمسين اليهودى القديم، حيث يذكر سفر أعمال الرسل أنه فى هذا اليوم تم هذا الحدث
الجليل فى تاريخ البشرية: “ولما حضر يوم الخمسين.. ” (أعمال الرسل 2:
1).

وقد أوصى الرسل الكنيسة
فى قوانينهم بالإحتفال بهذا العيد محددين بأن يكون عيداً عظيماً ويذكرون السبب: [لأن
فيه أرسل الرب عطية الروح] – (قوانين الرسل 5: 20: 8.)

ويذكر القديس
غريغوريوس النزينزى
مقارنة بين احتفال اليهود بعيد الخمسين واحتفال المسيحيين
بعيد الخمسين: [كان العبرانيون يكرِّمون يوم الخمسين (بعد الفصح)، أما نحن فنحتفل
ونكرِّم يوم الخمسين، يوم حلول الروح ويوم الوعد والرجاء السابق التنبؤ به أن يملأ
البشر] – (مقالة41: 4-5).

يرى آباء الكنيسة أن
رقم 50 يرمز للغفران، حيث إنه يتكون من رقم 7 متضاعفاً سبع مرات مع إضافة يوم واحد.
فرقم 7 هو رقم الكمال، واليوم الُمضاف هو أيضاً رقم الكمال. ولكنهم يرون أن هذا
اليوم الُمضاف هو اليوم الثامن
octave الذى قام فيه المسيح، والذى يرمز أيضاً إلى القيامة فى الحياة
العتيدة. إذن، فعيد البنتقسطى هو أيضاً رمز للقيامة، وحيث إنه يكون يوم أحد، لذلك
يسميه القديس أثناسيوس
“الأحد
العظيم ” فى قوله: [إذ يُعتبر هذا اليوم رمزاً للعالم العتيد، فنحن سنحتفل
بالأحد العظيم، إذ نأخذ فيه هنا الآن عربون الحياة الآتية. إننا بالتأكيد عندما
نرحل من هنا سنحتفل بملء هذا العيد مع الرب. ]([10])
كما يقول فى رسالة أخرى: [سنحتفل بمهابة البنتقسطى المقدس الذى تعتبر دورة أيامه
المحدَّدة رمزاً للعالم العتيد الذى فيه – إذ نحيا على الدوام مع المسيح – سنسبِّح
إله الكون. ]([11])

أما عن المعانى
الرمزية وتحقيقها لهذا العيد:

1– فإن القديس
إبيفانيوس
أسقف قبرص يقارن بين تقديم اليهود قديماً لباكورات ثمار حصاد حقولهم
وبين تقديم المسيح جسده إلى الآب بدخوله إلى داخل السماء كباكورة
ثمار للطبيعة البشرية المفتداه بالصليب.
(Haer. 51. 31) ونفس هذه المقارنة يعقدها القديس كيرلس الإسكندرى فى عظته
على عيد الفصح – (الفصل الأول)

2– ويقارن القديس
يوحنا ذهبى الفم
بين ما يتم فى هذا اليوم حيث يبدأ فيه المنجل عمله فى الحصاد وبين
بدء خروج
التلاميذ للكرازة والخدمة بعد حلول الروح القدس عليهم –
(العظة الرابعة على سفر أعمال الرسل).

3والقديس
باسيليوس رئيس أساقفة الكبادوك
يربط بين يوم البنتقسطى وبين يوم الدهر الآتى
الذى لا ينتهى. فيقول إن كل يوم بنتقسطى نحتفل به هو تذكير لنا بالقيامة
المنتظرة فى الدهر
الآتى. فعدد “سبعة ” مضروباً فى عدد
“سبعة ” أيام، وهو عدد أيام الخماسين بعد قيامة المسيح وحتى حلول الروح
القدس، يمثل دورة من الزمن لا تنتهى، حيث رقم 7 هو رقم الكمال، فيوم الخمسين الذى
هو كمال سبعة الأسابيع هو مثال الأبدية اليوم الذى لا ينتهى. (كتاب الروح القدس –
فصل 66).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى