اللاهوت الدستوري

القانون السابع عشر



القانون السابع عشر

القانون
السابع عشر

نص القانون السابع عشر

بما ان كثيرين ممن انتظموا في السلك الاكليريكي (و في المنار: من
المعدودين قانونيين، وفي البيذاليون: من الذين يشملهم القانون) قد تناسوا، عن طمع
وشهوة للربح، ما جاء في الكتاب الالهي “فِضَّتُهُ لاَ يُعْطِيهَا بِالرِّبَا”
(مز 15: 5). فاذا اقرضوا احداً اشترطوا عليه دفع ربح معلوم بالمئة. فالمجمع الكبير
المقدس يرى ان العدل يأمر بان اي اكليريكي، بعد صدور هذا القانون، يقبل ربا على
مال في معاملة مالية سرّاً او علناً كأن يطلب المبلغ كاملاً مع زيادة عليه مقدار
نصفه, او باسلوب آخر للحصول على ربح قبيح، فليسقط من السلك الاكليريكي وليمح اسمه
من اللائحة (و في المنار والبيذاليون: وليكن اجنبياً في القانون).


قوانين قديمة مشابهة:

(الرسل
44، السادس 10، اللاذقية 4، قرطاجة 5 و20، باسيليوس 4)

 

خلاصة قديمة للقانون

ان كل من يقبل ربا او يستوفي مئة وخمسين بالمئة يخلع حسب شريعة
الكنيسة.


شروحات للقانون

1- فان اسبن

على
الرغم من ان القانون لا يذكر الا هذين النوعين من الربى فاذا تذكرنا الاسباب التي
حرّم الربا لاجلها يظهر لنا بكل جلاء ان كل انواع الربا محرّمة على الاكليريكيين
مهما كانت الظروف. ولذلك فترجمة هذا القانون التي ارسلها الشريقيون الى مجمع
قرطاجة السادس لا تختلف في اي وجه عن المقصد الاساسي لوضع هذا القانون. لانه لم
يذكر في الترجمة نوعاً معيناً من انواع الربا، ولكن العقوبة قد فرضت اجمالاً على
اي اكليريكي اذا تعاطى الربا بعد صدور هذا القانون، او اذا لجأ الى حيلة من الحيل
للحصول على الربح القبيح.

 

2-
شريعة العهد القديم

” لا تُقْرِضْ
أَخَاكَ بِرِباً رِبَا فِضَّةٍ أَوْ رِبَا طَعَامٍ أَوْ رِبَا شَيْءٍ مَا مِمَّا
يُقْرَضُ بِرِباً لِلأَجْنَبِيِّ تُقْرِضُ بِرِباً ” (تث 23: 19 و20).

 

الربى

برسيفال

ان
القانوني المشهور فان اسبن يقول
26: ” ان الربى ممنوع في الشريعة
الطبيعية وفي الشريعة
الالهية وفي الشريعة البشرية. والدليل على المنع
في الشريعة الطبيعية، حسب مبادئها الاولية، نجده في الوصايا العشر. فان الربى
ممنوع فيها كما ان السرقة ممنوعة حسب رأي اشهر الثقات في ان السرقة هي كل ما يؤخذ
من مال الغير بصورة غير جائزة. والبرهان على ان الربى هو ضد شريعة الالهية نجده في
الآيات الكتابية (خر 22: 25 وتث 23: 19 ولوقا 6: 34). اما ان الربى مخالف للشريعة
الانسانية فقد جاء البرهان عليه في قانون المجمع النيقاوي الاول 17 اذ صدر الحكم
فيه بخلع اي اكليريكي يأخذ ربى. وعدة مجامع اخرى اصدرت قوانين بهذا المعنى. بل ان
الوثنيين انفسهم كانوا يحرمون الربى في شرائعهم “. ثم يورد الكاتب امثلة
عديدة على ذلك من التاريخ.

 

و
لا ريب في ان فان اسبن في ما تقدم اعرب بدقة وبدون مبالغة عن الرأى الشائع عند
معلمي الآداب واللاهوتيين والبابوات ومجامع الكنيسة المسيحية من القرن الاول الى
القرن الخامس عشر. فكل فائدة كانت تستوفى على القروض المالية كانت ربى يحسب نوعاً
من انواع السرقة والاحتيال. والذين يودون الاطلاع على تاريخ هذه المسألة بكل
تفاصيلها نحيلهم الى ما كتبه بوسويه في هذا الموضوع
27. ففيه يجدون دفاعاً قويماً عن تعليم
الكنيسة المسيحية وتقليدها في عصورها الاولى بقلم مطلع على كل ما قيل من الوجهة
الثانية.

 

اما
شرف اختراع الشريعة الادبية الجديدة في هذه المسألة التي حولت الخطيئة الى براءة
اذا لم نقل فضيلة فيعود الى يوحنا كلفن. فهو الذي قال بالتمييز بين الفائض الشرعي
والربى المحرّم. وكان اول من كتب دفاعاً عن هذا المبدأ الجديد من ارباب السفسطة
الاخلاقية. وقد قاومه بشدة وعنف مارتن لوثر ودافع ميلا نكتون عن التعليم القديم
ولكن ليس بمثل شدة لوثر واصراره. اما في هذا العصر فالغرب المسيحي اجمالاً من
كاثوليك وبروتستانت على السواء لا يخشون على خلاصهم في مجاراتهم كلفن بالرأي
مميزين بين الفائدة الشرعية والربى المحرّم. وقد بدأ الدفاع عن هذا التعليم الجديد
في الكنيسة البابوية حول بداية القرن الثامن عشر. ويؤكد الاخوان بالريني ان البابا
بنديكتس الرابع عشر سمح بان تقدم له بعض الكتب التي وضعت للدفاع عن هذا المبدأ
الادبي الجديد. وفي سنة 1830 رأى مجمع الايمان المقدس بموافقة البابا بيوس الثامن
ان الذين يعتقدون بان تقاضي الفائدة حسب تحديد الشريعة المدنية هو عمل جائز وشرعي فلهم
ملء الحرية في ذلك. على ان محاولة التوفيق بين التعليمين القديم والجديد هي محاولة
خادعة, فأنّ الآباء القدماء نفوا بكل صراحة ان يكون للحكومة السلطة على جعل قبول
الفائدة (الربى) او تعيين سعرها امراً عادلاً بحسب الشرع. وليس للقائلين بهذا
التعليم الجديد الا سبيل واحد يتخذونه في الدفاع عنه وهو ان القدماء، وان كانوا
على صواب في المبدأ الاخلاقي وهو انه لا يجوز لاحد ان يختلس من جاره او يغشه او
يغتنم الفرصة في وقت حاجة الغير اليه للربح والاستفادة، فقد كانوا في الواقع على
جانب من الخطأ لافتراضهم ان المال غير مثمر بحد ذاته.

 

و
في ما يلي فقرات من مقال ممتاز نشر في قاموس المسيحية القديمة
28
يقف القارىء فيه على آراء آباء الكنيسة في هذا الموضوع:

 

” على الرغم من ان
احوال الفئات التجارية تختلف مادياً في الشرق والغرب، في بعض الوجوه، فقد اتفق آباء
الكنيستين شرقاً وغرباً في صراحتهم واصرارهم على اعتبار تقاضي الربى عملاً غير
جائز. فمن آباء الكنيسة الشرقية نذكر اثناسيوس الكبير وباسيليوس الكبير وغريغوريوس
النيسسي وكيرلس الاورشليمي وابيفانيوس ويوحنا الذهبي الفم وثيودوريطس. ونذكر من
آباء الكنيسة اللاتينية ايلاري (هيلاري) اسقف بواتييه وامبروسيوس وايرونيموس
واوغسطينوس ولاون الكبير وكاسيودورس “.

 

اما
قوانين المجامع المتأخرة فتختلف اختلافاً كلياً في هذا الموضوع وتدل على ميل ظاهر
الى تخفيف صرامة القانون النيقاوي. فمجمع قرطاجة (348) يامر بمنع الربى كالسابق ولكنه
لا يفرض عقوبة، واذا قوبلت طبيعة قانون هذا المجمع بصيغة قانون مجمع قرطاجة (419)
ادّى ذلك الى الظن بانه في المدة التي انقضت بين انعقاد المجمعين مان الامليريكيون
الصغار، اي الذين هم في الرتب الدنيا، يتعاطون احياناً الربى المحرّم. ويؤيد هذا
صيغة قانون مجمع اورلينز (538) التي قد يفهم منها ان الشمامسة لم يكن محرمّاً
عليهم اقراض المال لفائدة. وفي مجمع ترولو الثاني (692) نرى ان قد سمح بمثل هذه
الحرية للاكليريكيين في الدرجات الدنيا. وبينما نرى ان القانون النيقاوي يأمر بخلع
الاكليريكي الا اذا كان قد وبخ اولاً ولم يرتدع.

 

و
اذا بحثنا الموضوع من وجهة عامة يقودنا البحث الى الاستنتاج ان الكنيسة لم تفرض
قصاصاً على العوام المرابين، والقديس باسيليوس يقول ان من كان يتعاطى الربى يجوز
قبوله في الكهنوت على شرط ان يوزع الثروة التي حصل عليها على الفقراء وان يمتنع في
المستقبل عن المراباة. والقديس غريغوريوس النيسسي يقول: ” ان الربى لا يعد
كالسرقة وتدنيس القبور والتجديف ولذلك يجوز الصفح عن مرتكبه بدون قصاص على الرغم
من ورود الوصية بمنعه في الكتب المقدسة “. ولم يكن المرشح للكهنوت يسأل فيما
اذا كان قد ارتكب خطيئة المراباة. وفي رسالة كتبها سيدونيوس ابوليناريوس (24) يروى
حادثة جرت مع صديقه مكسيموس يلوح منها انه لا بأس في قرض المال وتقاضي فائدة شرعية
وان الاسقف نفسه، يجوز له ان يقرض مالاً على هذا الوجه، ونرى ايضاً ان
ديسيديراتوس، اسقف فردون، عندما طلب قرضاً من الملك ثيودوبرت لاسعاف ابرشيته
المحتاجة وعد بدفع الاصل مع الفائدة القانونية مما يدل على ان الكنيسة الغاليّة
كانت تعد الربى بشروط معتدلة معينة مما يجوز شرعاً. وهناك رسالة لغريغوريوس الكبير
يستدل منها انه لم يكن يحسب دفع وقبول الفائدة على المال المستقرض من رجل عامي الى
آخر عملاً مخالفاً للشرع. على اننا، نجد من جهة اخرى، في كتاب العقوبات الذي يعزى
الى رئيس الاساقفة ثيودورس في نحو سنة 690، ما يدل على ان الشريعة فرضت عقاباً على
ان الشريعة فرضت عقاباً على كل المرابين. ونجد كذلك ان القاصدين البابويين جورج
وثيوفيلاكتوس، في البيان الذي قدماه للبابا ادريان الاول في سنة 787 عن المهمة
التي انفذا لاجلها الى انكلترة، قد اعلنا انهما حرما المراباة مستندين على اقوال
النبي داود والقديس اوغسطينوس
29. ثم ان المجامع التي عقدت في ماينس وريمس وتشالون (813) واكس
(816) قد وضعت قانون المنع ذاته شاملاً الاكليريكيين والعوام على السواء
30.



26 Van Espen, Dissertatio de Usura, Art. I.

27 Bossuet, œuvres Comp. xxxj.

28 Wharton B. Marriott in Smith and Cheetham’s Dict.
Of Christ. Antiq. (Usury).

29 Haddan and Stubbs, Conc. Iii. 457.

30 ان الفصل اعلاه كتب في آخر القرن التاسع عشر ونحن الآن في العقد
السادس من القرن العشرين.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى