علم المسيح

ميلاد المسيح



ميلاد المسيح

ميلاد المسيح

. لقد
كان بوسع المسافرين أن يأويا إلى البناء الفسيح الذي كان قائماً عند مدخل بيت لحم،
والذي يدعوه البشير لوقا ” نزلاً “. ولعل ذاك النزل كان قد حلّ محل
” خان كنعان “، الذي كان الجلعاديّ، ابن أحد أصدقاء داود، قد شيده
لإيواء قطعانه، عشرة قرون قبل الميلاد

 

. تلك
الخانات التي لا يزال مثلها قائماً في الشرق، لم تكن أسباب الراحة لتتوفّر فيها.
فهي فسحة مكشوفة يطوف بها سياج مربعّ، وتزدحم فيها البهائم. وأمّا الآدميون فلهم
فيها سقيفة من خشب يأوون إليها كيفما اتفق الحال. وهناك أيضاً بعض الحُجر الضيقة،
ولكنها نادرة، وتؤجر بأثمان باهظة جدا بالنسبة إلى أوضاعها الرثّة

 

! ذاك
الفندق المُشْرَع للرياح الأربع، كان بوسع الزوجين المرهقين، أن يأنسا إليه لو لم
يكن الازدحام قد سدّ فيه المسالك كلّها. لقد كان مزدحماً بالأحياء: فإلى البدو
الذين كانوا يؤمون بيت لحم، عادة، لشراء الحنطة، وبيع الأنسجة والألبان –كما هو
دأبهم، حتى اليوم – كان قد انضاف، يوم ذاك، كل الذين جاءوا للاكتتاب. ومن اليسير
أن نتمثل ذاك الحشد المزركش، وتلك العربات المتراصّة، وذاك الجلب الصاخب: فالجحاش
تنهق، والإبل تضطرب في عقالاها، وبعض النساء يتنازعن زاوية حائدة عن مضارب الرياح
وفوق جميع ذاك البشر اللاغب تحوم رائحة الشحم المحمش، تلك الرائحة التي تفوح من
الجماهير الشرقية، بلا استثناء، من اليونان حتى مصر، ومن الجزائر وحتى طهران.. فمن
البديهي إذن، والحالة هذه، أن يكون يوسف قد انتحى بمريم بعيداً عن تلك الجَلبَة

 

.
لاسيما وأن الساعة كانت قد حانت، ” وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد”.
إن الإنجيل لا يورد ذكر المغارة. بيد أن أقدم التقاليد تثبت أن يوسف قد أنزل
امرأته في أحد تلك الكهوف التي لا يزال يشُاهد كثير مثلُها في فلسطين. فإن آكام
بيت لحم مخرقة كلها بمثل تلك المغاور التي كانت تسُتخدم زرائب للمواشي. وقد شهد
للمغارة أيضاً، شهادة قاطعة، يوستينس الشهيد. وقد كتب في القرن الثاني، وكان يعَرف
تلك الأمكنة معرفة دقيقة. هناك، في تلك المغارة، كان بإمكان المرأة الشابّة أن
تصيب، أقلّه، الهدوء والسلام

 

. فيَ
إنجيل لوقا آية مقتضبة تلخّص كلّ ما نعرفه عن ذاك الحدث الذي بات عظيماً فببساطته
وروعته معاً. ” ولدت ابنها البكر، وقمطته وأضجعته في المذود ” (لوقا 2: 7).
فمن العبث أن نتعنّت في زخرفة هذه الإشارة الزهيدة. وممّا يؤخذ منها أن مريم كانت
وحدها، وأنه لم يكن بقربها امرأة أخرى تقوم بخدمتها: وقد استخلص اللاهوتيين –من
هذه الملاحظة- الشيء الكثير مما يتعلق بالظروف الإعجازية التي أحاطت بولادة يسوع..

 

وأمّا
المذود فهو شائع حتى اليوم: هو ضرب من المعالف، بشكل الزورق، يجعل فيه عليق
الدوابّ. إنه لينبعث من هذا المشهد أمثولة تواضع سحيق، تنسجم كل الانسجام وسيرة
ذاك الذي سوف يكون الرجل ” الوديع المتواضع القلب”

 

. أما
الحمار والثور -وقد جرَت التقاليد على إنزالهما في جانبي المهد، حتى أصبحا قي نظر
الكثيرين من أهل التقي، عنصرين لازمين من عناصر المشهد الميلادي – فليس لوجودهما
أي مستند كتابي، بل هما من مختلقات الأناجيل المنحولة. وربما حضر واضعي تلك
اًلأناجيل، ذكرُ هذا النص من العهد القديم: ” عرف الثور قانية والحمار معلف
صاحبه.. ” (أشعياء 1: 3). بيد أن فكرة إشراك الخليقة كلّها -تمثلُها تلك
البهائم الوديعة- في الاحتفاء بميلاد المخلّص، هي، ولا شك، فكرة مؤثرة

 

.
كنيسة ” المهد ” هي اليوم بعيدة، بعض الشيء، عن البساطة المذهلة التي
تتميّز به الرواية ” الميلاد” فيَ الإنجيل. يولج فيها كما يولج في إحدى
القلاع. فهناك جدار ضخم يستند إليه برج صفيق ليس فيه من فُرَج “سوى باب.
منخفض وبعض الكوى.، أما مدخل الكنيسة، فقد عثر فيه على بعض الصوًر الفسيفسائية
الجميلة- فهو يفضي إلى كنيسة ذات هندسة قديمة جداً. وهي واحدة من تلك الكنائس
القسطنطينية التي يرقى عهدها إلى الجيل الرابع أو الخامس” والتي تقع روعتها
قي النفس موقعاً عميقاً: لها خمسة أروقة بفصل بينها أربعة، صنوف من الأعمدة، من
حجر أحمر تيجانها من حجر أبيض. تلك الكَنيسة التي تخص الموضع الذي أتمّ الله فيه
للناس رحمته، قد أمست مصطرعاً للخصومات البشرية القائمة بين مختلف الطوائف
المسيحية

 

.!مّا
المعبد الأرضي فهو ينحدر تحت قاعدة الكنيسة، دهليزا طويلاً ضيقاً لا يشبه ولا بوجه
من الوجوه – ما يمكن أن نتوقّعه من مغارةٍ زريبة. فهو لا يتصل بالفضاء الطلق، ولا
يبلغ إليه إلا بواسطة درج من هنا ودرج من هناك. وفيه ركن يقال له ” المذود
“، يتألّق فيه الذهب والفضة والحجارة الكريمة في وهج عشرات من السُرُج
المُضاءة بالزيت. وأما المرمر واليشَب والرخام والمعادن النادرة فقد وضع منها في
كل مكان. ” ومع ذلك، فليس بين الفضة والذهب ولد السيّد، بل على الحضيض “،
على حدّ ما كان يردّده القديس إيرونيمس الناسك الكبير الذي قضى حياته، متوحّدا، في
إحدى المغاور المجاورة. ووسط صفيحة من رخام، تتلألأ نجمة من الذهب، يُراد بها
تحديد الموضع الذي ولد فيه المسيح. وهناك دمية من الشمع الوردي: طفلٌ بضّ، مبتسم،
موضوع فوق قليل من القش، يْرَاد به التذكير بالإله الحي. ولولا تقوىَ تلك الجماهير
المتدفقة بلا انقطاع، الآتية من أقاصي البلاد وأعماق القرون، لتضع، فوق تلك الرموز
الواهية، شفاهاً مفعمة بالإيمان، لساورنا، هنا، ذاك القلق إلى الساخط الذي تكاد
جميع المزارات المقدسة تبعثه في النفوس

 

. بيد
أن الحدث الذي احتوته المغارة لم يكن ليظلّ مكتوماً. ” فقد كان في تلك
الناحية رعاة يبيتون في البادية، يسهرون على رعيّتهم في هجعات الليل “. هل
كانوا رعاةً من القرية، آبوا، مع الليل، بماشيتهم، إلى مربضها، وراحوا يتداولون
السهرَ على حلالهم من غائلة الضواري واللصوص؛ أم كانوا من أولئك البدو الأقحاح
الذين لا يزر بون أبداً قطعانهم في الحظائر، بل، يكتفون، عند قدوم الليل، بربط
سوقها بأذنابها؟..

 

.
حراسة المواشي في الليل، لا تزال من العادات الشائعة في فلسطين. ولكم يسُمع، في
جوف الظلام وهدأة الصمت، تجاوب السهارى قي ألحانٍ موقّعة أو صوت المزمار، وأحيانا،
بنواحه المتناوب!..

 


وإذا ملاك الرب وقف بهم، ومجد الرب أضاء حولهم، فخافوا خوفاً عظيما. فقال الملاك: ”
لا تخافوا! فها أنا ذا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب.إنه ولد لكم اليوم، في
مدينة داود، مخلص، هو المسيح الربّ. وهذه هي العلامة: تجدون طفلاً مقمطاً في مذود.
” وانضمّ بغتة، إلى الملاك، جمهور من الجند السماوي، يسبّحون الله ويقولون: ”
المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام وبالناس المسرّة ” ولما انصرف
الملائكة عنهم إلى السماء، قال الرجال الرعاة بعضي لبعض: لنذهب إلى بيت لحم، وننظر
هذا الأمر الواقع الذي أعلمنا به الرب ” فجاءوا مسرعين، ووجدوا مريم ويوسف،
والطفل مضجعاً في المذود. فلمّا رأوه، أخبروا بالكلام الذي قيل لهم عن هذا الصبي.
وكل الذين سمعوا، تعجبوا مما قيل لهم من الرعاة.. ثم رجع الرعاة وهم يمجّدون الله
(لوقا 2: 8 – 20)

 

. لقد
كشف الله لأولئك الرعاة المساكين ما كان لم يزل بعد مطويا عن الناس: مجيء ذاك الذي
سوف يلقّب نفسه بالراعي الصالح

 

“وأنت
أيضاً يجوز في نفسك سيف.. ” (لوقا 2: 35)

.
لمّا بلغ الولد ثمانية أيام – وهي المهلة القانونية – أجريت له، مراسيم الختان،
بمقتضى العادة القديمة التي جرى عليها الأسلاف، منذ إبراهيم، والتي كانت في نظر
إسرائيل، عربون العهد المقطوع مع الله. ختان يوحنا (معمدان الغد) كان قد احتُفل
بها احتفالاً عائلياً، أشرق، في غضونه، مجد الله على زكريّا أبيه. ورأوا ختان يسوع،
ابن هذين المسافرين، عابريْ السبيل، فقد جرت على أقصى ما تكون البساطة.. وفي الوقت
عينه، سميّ الطفل يسوع، على حسب ما تقدّم به الملاك

 

. لم
تكن عملية الختان سوى واحدة من الفرائض الشرعية التي كان يُلزَمُ بها الوالدين عند
ولادة كل صبيّ، ولاسيّما البكر. فإنّ الله كان قد أمر أيضاً أنْ: ” كل ذَ
كَرٍ بكر يكون مقدساً للرب ” (خروج 13: 2، 13)، وذلك تذكاراً للنعمة التي
أنعم اللّه بها عليهم، ليلة ضَرب أبكار المصريين، وعفى عن أبكار إسرائيل.. وكان
على الأهل أن يقضوا تلك الفريضة، قبل انقضاء الشهر الأول، فيفتدوا الصبيّ بتقدمة
ما يعادل، خمسة شواقل. وكانت العادة المرعيّة أن يُذْهب بالولد إلى الهيكل، وإن
لَم يَردْ ذكر هذه الفريضة، في الكتاب المقدس، بوجهٍ حاسم

 

. هذا،
وكانت المراسيم الموسويةّ تقضي على المرأة، بعد وضعها، أن تشخص إلى الهيكل لتقوم
بفريضة التطهير. فإنها كانت تحسب نجسة أربعين يوماً بعد الوضع، إذا كان الوليد
ذكراً، وثمانين يوماً إذا كان أنثى. وكان عليها أيضاً أن تقرّب لله ذبيحة مماّ
تسمح به حالتها: فإمّا حملاً حولياً، وإماّ زوجي حمام أو يمام (سفر اللاويين 12)

 

: يمّم
يوسف ومريم إلى أورشليم لقضاء هاتين الفريضتين، فكان ذلك سبب اعتلان آية أخرى،
فريدة في خطورتها فقد كان في المدينة شيخ صدّ يق، ورع، أقبل، بوحي الروح، إلى
الهيكل، في اللحظة التي كانت فيها الأسرة المتواضعة قد انتهت إليه مع الطفل، في ما
بين الجماهير المزدحمة. وكان اسم الشيخ سمعان. وكان اللّه قد وعده بأنه لا يرى
الموت، ما لم يشاهد، بأمّ عينيه، المسيح الذي كانت تترقبه نفسه فعرف بوحي من
العلاء أن الطفل الذي جاءت به مريم، إنما هو مسيح الرب؛ فحمله بين ذراعيه، والنشوة
تغمر قلبه، وراح يعُرب عن حبوره المتدفّق بذاك النشيد الذي تردّده الكنيسة، حتى
يومنا هذا، عند ساعة الرقاد، وساعة الموت، متوسّمة ألفاظه أسمى تعبير عن الثقة
الكاملة باللّه

 

.
” الآن، أيها السيد، تطلق عبدك يا سيد، على حسب قولك، بسلام. لأن عييّ قد
أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب، نور إعلان للأمم ومجدا لشعبك
إسرائيل ” (لوقا 2: 9 2-32). بيد أنه ما كاد ينهي، أمام الله، نشيد حمده، حتى
ألقى الروح، في رُوعه، كلمات أخرى. قال، وهو يتوجّه بكلامه إلى مريم: ” ها إن
هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين، في إسرائيل، ولعلامة تقاوم! وأنت أيضاً يجوز في
نفسك سيف، لتعلن أفكار من قلوب كثيرةَ! ” (لوقا 2: 24 – 35)

 

.
كَلمات، لعمري، غريبة، في مسمع تلك الأمّ، وكانت لا تزال بعد في غمرة الفرح
بوليدها، تحمل في قلبها اليقين مما وُعدت به من لدُن العلاء! ومع ذلك فإن صورة
المسيح قد تمثّلت، خالصَةً، في كلام الشيخ، وبرز من خلاله، ” المسياّ ”
اكثر التصاقاً بالواقع الذي بات يترقبه، مِمّا جاء وصفه في بشارة الملاك. فسمعان
قد تنبّأ بتلك الدعوة الكاملة التي سوف ينادي بها المسيح نداء عظيماً. ولكنّ ما
جاء في أعقاب كلامه قد سبق فرسم أيضاً مأساة المسيح في مختلف أطوارها: كفر إسرائيل،
ثم الصراع الحاسم، ثم، عند أقدام الصليب الآتي، مريم واقفةً تذرّف الدموع!.

 

. وإن
امرأة طاعنة في السنّ – حنة بنت فنوئيل – فيها روح النبوّة أيضاً، أقبلت، في تلك
الساعة، تدعّم أقوال الشيخ، وتؤنس في الطفل آية الفداء.. سمعان وحنّة: وليّان من
أولياء الله الصالحين، ونموذجان من أولئك اليهود الأوفياء، وأولئك المتواضعين
الذين باتوا يحملون الله حقّا فيَ قلوبهم، غير مكترثين بالفريسيين وتمحّكاتهم، ولا
بالصدوقيين وحبائلهم

 

: هناك
أيضاً حادثة أخرى لا تقل عن الأولى خطورة. فالإنجيلان القانونيان اللذان يرويان
لنا طفولة المسيح (متى ولوقا) يتكاملان، هنا، بوجه مفاجئ. فبينما نرى القديس لوقا
يتفرّد بوصف ” تقدمة يسوع إلى الهيكل “، وذكر الكلمات التي أنبأ فيها
سمعان بالمسيح المتألم، نرى القديس متى يتفرّد، هو أيضا، برواية حادثة أخرى، اعتلن
فيها مجدُ العليّ، مالك السماء. قال

 

.
” لمّا ولد يسوع، بيت لحم اليهودية.. إذا مجوس من المشرق، قد جاءوا إلى
أورشليم قائلين: ” أين هو المولود ملك اليهود؟ فإننا رأينا نجمه في المشرق،
وأتينا لنسجد له “. وبعد إذ عرفوا أن بيت لحم هي، على حسب الكتب، القرية التي
يجب أن يولد فيها ذاك الصبيّ المصطفى، شدوا رحالهم إليها. ” وإذا النجم الذي
رأوه في المشرق، يتقدمهم، حتى جاء ووقف فوق الموضع حيث كان الصبي”. وكان يوسف
ومريم، في إثر رجوعهما من أورشليم، قد غادرا المغارة وأويا إلى أحد منازل القرية.
” ورأوا الصبي مع مريم أمه، فخرّوا وسجدوا له، ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له
هدايا، من الذهب واللبان والمرّ ” (متى 2: 1 – 12)

 

. إن
المشهد الطريف الذي يمثّل أولئك المسَافْرين الثلاثة، القادمين بأبهّة من المشرقَ،
سجوداً أمام سرير طفل فقير، بات بين سائر مشاهد إنجيل الميلاد من أكثرها وقعاً في
المخيلّة. وأمّا رموزه فقد نوّه إليها الصوفيوّن مراراً كثيرة: وقد آنسوا، من
خلالها، خضوع سلطات الأرض لسلطة ابن اله العليّ؛ ورأوا في الذهب رمزاً إلى مُلْك
المسيح، وفي اللبان رمزا إلى ألوهيّته، وفي المرّ رمزاً إلى إنسانيّته الصائرة إلى
الموت

 

. من
كان، يا ترى، أولئك المجوس القادمون من الشرق؟ لقد ثبت عليهم، منذ أوائل القرن
الثالث، لقب ” الملوك المجوس “؛ وفي ذلك، ولا ريب، إشارة إلى ما ورد في
المزمور 72: 10: ” ملوك ترش يش والجزائر، يرسلون تقدمة، ملوك شبأ وسبأ يقدمون
له هدية “. أما في الأصل، فقد كان المجوس كهنة الدين المز دكي الذي كان عليه
أهل ماداي والفرس. وكانوا يعيشون عيشةً شديدة الانطواء على ذاتها، عُرفوا فيها
بالتقشّف، وتعهّد بالنار المقدّسة فيَ المشارف، ورصد مسالك النجوم، وتفسير الأحلام.
وكان لهم إذ ذاك سطوة عظيمة.. وإنما لا يبدو أن هناك دليلاً على أن المجوس، عهد
ولد المسيح، كان لهم بعد، في أمتهم، مكانة عالية. وأكبر الظن أن المجوس كانوا قد
أمسوا، آنذاك، من جملة المنصرفين إلى مراقبة النجوم، فلكيّين ومنجّمين في آن واحد،
منهم الحسن ومنهم الرديء، منهم الرصين، ومنهم المشعوذ.. وأمّا المجوس الذين ورد
ذكرهم في الإنجيل، فقد كانوا، بلا مراء، من خيرتهم

 

وأمّا
أن يكون أولئك الرجال -ومهنتهُم ترقب الغيوب – قد أنبئوُا بميلاد المسيح، فليس في
ذلك ما يتعذّر على الفهم. فاليهود كانوا قد أذاعَوا، في جميع أرجاء الشرق، وحتى في
الأصقاع النائية من بلاد فارس – حيث جرت أحداث سفر أستير (من أسفار العهد القديم)
– عظيم ما كانوا يرقّبون. وربما كان المجوس على علم بالنبؤة التي كان بلعام قد
تنبأ بها – بإرغام من الله – لصالح الشعب المختار: ” يبرز كوكب من يعقوب
ويقوم قضيب من إسرائيل.. ” (سفر العدد 24: 17). وكان الأسينيوّن يذهبون إلى
تطبيق تلك الآية النبوية على زعيم فرقتهم؛ وذكر النجم يتردد في كثير من نصوصهم،
ويومئ إلى ظهور شخص خارق.. وأمّا تاقيطس (وهو مؤرخ لاتيني شهير (55 – 120) عرف
بتشاؤمه وشخصيته البارزة، له ” الحوليات ” و” التواريخ ”
و” أخلاق الجرمانيين “)، فبالرغم من اعتزازه برومانيّته، فقد كتب في
تاريخه: ” لقد كان اليقين شائعاً، استناداً إلى بعض.النبوءات القديمة، من أن
الشرق سوف يغلب، وأنه سوف يخرج، بعد قليل، من اليهودية، أولئك الذين يحكمون
المسكَونة ”

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى