علم

الغيرة والحسد



الغيرة والحسد

الغيرة
والحسد

القديس
كبريانوس أسقف قرطاجنة

 

مقدمة

القديس
كبريانوس هو أحد آباء الكنيسة الذين كتبوا باللاتينية، لذلك يقال عنه أنه من آباء
الكنيسة اللاتينية. وقد وُلِدَ في مستهل القرن الثالث الميلادي وعلى ما يبدو بين
أعوام 210– 200 م في مدينة قرطاجنة بشمال أفريقيا. وكان ينتمي لعائلة غنية حيث
تربى ونشأ وتثقف في قرطاجنة نفسها. وقد اشتهر بالخطابة والفصاحة. وكان يقتني منزلا
فخماً مليئاً بالحدائق كما ذكر جيروم في كتاب “مشاهير الرجال “. وبسبب
الانحطاط في الآداب والأخلاقيات العامة في المجتمع الذي عاش فيه وكذلك الفساد الذي
كان يسود عاصمة المقاطعة الرومانية، رفض هذا الوسط وبحث عن حياة أفضل ومََثل
أخلاقي أرقى، لذلك ه يأت له العناية الإلهية بأن يتقابل مع كاهن تقي هو
“كايسيليوس”
Caecilius الذي أرشده إلى قراءة الكتاب المقدس، ثم تحول إلى المسيحية وأعطى
كل ثروته للفقراء وكرس نفسه لخدمة الكنيسة والشعب في قرطاجنة. ونظراً لخدمته
المتفانية حبا في الملك المسيح، رأى أسقف قرطاجنة أن يرسمه كاهًنا، وعندما خلا
كرسي قرطاجنة بنياحة أسقفها، أجمع الشعب بأن يتسلم كبريانوس عصا الرعاية فصار
أسقًفا على كرسي قرطاجنة عام 249 م.

 

ما
كاد كبريانوس يجلس على كرسي أسقفية قرطاجنة حتى أثار الإمبراطور داكيوس اضطهادا
شديدا على الكنيسة، كان في غاية العنف والقسوة حتى شمل كل الإمبراطورية. وبسبب
تمسك كثير من المسيحيين بالإيمان وشهادتهم القوية للمسيح يسوع، استشهد عدد كبير
منهم، أما الأسقف كبريانوس فرأى أن يتوارى عن الأبصار في مكان آمن وظل على اتصال
بالمؤمنين يشجعهم ويقويهم ليظلوا ثابتين على الإيمان أثناء فترة الاضطهاد.

عندما
انتهى الاضطهاد في عام 251م بمقتل الإمبراطور داكيوس بدأ الهدوء والسلام يسود
كنيسة شمال أفريقيا وعاد كبريانوس إلى مقر كرسيه في قرطاجنة ودعا إلى مجمع من
أساقفة أفريقيا ف ي نفس العام لمناقشة موضوع الساقطين من المسيحيين الذين ارتدوا
عن الإيمان أثناء فترة الاضطهاد، حيث قرر الأساقفة المجتمعون دخول المرتدين في دور
التوبة وعدم قبول أحد منهم في داخل الكنيسة إلا إذا كان مشرفاً على الموت.

 

ثم
تلى هذه الفترة من الهدوء سلسلة الاضطهاد التي بدأها الإمبراطور فالريان على
المؤمنين وملاحقة الكهنة والأساقفة. وتم نفي كبريانوس في عام 257 م بعيدا عن
قرطاجنة، لكنه عاد إلى كرسيه من المنفى وأخذ يُعد نفسه للاستشهاد. وفي عام 358 م
قطعت رأسه بالقرب من مدينة قرطاجنة، ونال إكليل الشهادة وأصبح أول أسقف شهيد في
منطقة شمال أفريقيا.

 

ومن
أشهر الأعمال الكتابية التي تركها لنا الأسقف كبريانوس والتي نشرها
“بونتيوس”
Pontius هي الرسائل لتي بلغ عددها 81 رسالة، بالإضافة إلى المقالات
المتنوعة التي تدور حول المسائل العملية لحياة الكنيسة، ومن أشهرها تلك التي كتبها
إلى صديقه “دوناتوس” يشرح له فيها الدوافع التي دفعته إلى التح ول من
الوثنية إلى المسيحية، مصو را العالم الوثني بمساوئه ومفاسده. كما كتب كبريانوس
مقالة شهيرة عن “وحدة الكنيسة”.

 

أما
بالنسبة للمقالة التي بين أيدينا والتي تحمل عنوان “الغيرة والحسد ”
فعلى ما يُعتَ قد أنها ُ كتبت في أواخر عام 256 م أو بدايات عام 257 م، أي قبل
استشهاده بحوالي عام واحد. وهي تقع في مجموعة الأعمال التي ص نفها الشماس
“بونتيوس” وتحمل اسم “الصبر الجميل”
De Bono Patientiae

 

وقد
كتب هذا المقال أثناء فترة مناقشة النزاع حول معمودية المرتد ين حيث انتهز
كبريانوس الفرصة ليرثى على الغيرة والحسد لخصومه. وقد أشار أو ً لا إلى أن الغيرة
والحسد هما خطية خطيرة مصدرها الشيطان، وتكون مخفية داخل أعماق النفس المظلمة. ثم
استعرض بعض الأحداث من العهد القديم ذكر فيها نتائج الغيرة والحسد التي تمّلكت على
قلوب غير الحكماء مثل: قايين عندما حسد أخاه هابيل وقتله، عداء عيسو لأخيه يعقوب،
حقد إخوة يوسف البريء على أخيهم، وكيف ثار الملك شاول على داود عندما انتصر على
جليات ودمار شعب اليهود لعدم إيمانهم بالمسيح. إن الغيرة والحسد بذار سامة داخل
الكنيسة وعندما تتأصَّل فإنها ُتثمِر الكراهية والشقاقات والخصومات، لذلك حّث
السيد المسيح على عدم ُ كره الإنسان لأخيه الإنسان. وفي نهاية الحديث ينصح
كبريانوس بمحبة الأعداء متمثلين بالسيد المسيح، مقنعا أولئك الساقطين في خطية
الغيرة والحسد أن يَعَدِلوا عنها، مظهراً لهم المكافآت الروحية التي يحظى بها
أولئك الذين يحبون بعضهم البعض وتربطهم المحبة والروابط الأخوية.

 

ويُلاحَظ
في هذه الرسالة، أنها ُتظهِر لنا الطقوس التي كانت تتم في أولئك المتقدمين للعماد
من جحد الشيطان وفاعلية المعمودية في حياتهم.

 

ليست
خطية بسيطة!

أيها
الأخوة الأحباء قد يبدو في نظر البعض أن الغيرة بسبب الأشياء الحسنة التي نراها في
الغير، وكذلك حسد من هم أفضل منا، خطأ هين وبسيط. وعندما نرى أنه هين وبسيط، فإننا
لا نخشى منه وعندما لا نخشى منه فإننا نستهين به، وعندما نستهين به يصبح من الصعب
علينا أن نتجنبه، وبالتالي يتحول إلى وبا ء خفي ومظلم لتدمير أنفسنا. وهذا الأمر
إن لم يلاحظه الشخص الحكيم ليتجّنبه، سيتسّلل خِفيًة ليصيب القلوب غير الحذرة.
علاوة على ذلك فقد أوصانا الرب أن نكون متع قلين وأن نراقب أنف سنا بحذر شديد
(راجع مت 42: 24)، لأن عدونا نفسه دائماً في حالة ترقُّب وانتظار لأنه إن زحف إل ى
قلوبنا فإنه يشعل النيران من شرر صغير، ويصنع مشاكل كبيرة من أشياء صغيرة. وبعد أن
يسيطر على الشخص غير الحكيم فانه يبدأ في تهدئته وراحته بنسيم رطب ورياح هادئة،
بعد أن يكون قد أثار داخله عواصف وزوابع الغضب التي تفقده الإيمان وتحطم سفينة
الحياة. (1)

 

لذلك
أيها الأخوة الأحباء يجب علينا أن نكون متيّقظين ونجاهد بكل قوتنا لنرد بصبر وترقب
العدو الثائر علينا والذي يصوَّب بكل ضراوة سهامه ضد كل جزء من أجسامنا ليتركنا
جرحى كما سبق وحّذر الرسول بطرس في رسالته قائًلا: “اصحوا واسهروا لأن إبليس
خصمكم كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه” (1بط 5: 8)

 

كيف
يحاربنا العدو

2.
فالعدو يحاصر كل منا بمفرده، وهو كأي عدو يحاصر أسراه، يفحص الأسوار باحًثا إن كان
يوجد فيها موضع أقل ثباًتا وحصانة حتى يمكنه الاقتراب والاختراق إلى الداخل. لذلك
فإنه يَعرض على العيون المغريات والمتع السهلة حتى أنه من خلال النظر يُفسد العفة،
وهو يُغري الآذان بنغمات شجية لكيما بسماعها تضعف روح الجهاد المسيحي، وهو يستثير
اللسان لكي يخطئ ع ندما توجه إليه إهانة ما، ويُحَرِّض الأيدي على وحشية القتل
عندما يعتدي أحد ع ليها، ولكي يصنع من الإنسان شخصا محتاًلا فإنه يغريه بمكاسب غير
شريفة، وحتى يسيطر على النفس بالمال يعرض عليها أرباحاً ضارة، ويَعِدها بأمجاد
أرضية ليُفقدها السماوية، ويُظهر لها أشيا ء كاذبة ليسلب منها الحقيقة. وأخيراً
عندما لا يستطيع العدو أن يخدع ويحتال، فإنه يعلن بوضوح وبجسارة حرباً عنيفة بلا
كلل على خدام الله محاوًلا غلبتهم على الدوام، لأنه دائماً ما يكون عدوانياً، فهو
مخادع وقت السلام وعنيف وقت الاضطهاد.

 

3.
لذلك أيها الأخوة الأحباء يجب أن يقف ا لعقل مستعداً ومُسَلَّحاً ضد كل خطط إبليس
الخادعة أو تهديداته الواضحة، ويكون دائماً مستعداً للرد عليه كما أن العدو دائماً
مستعداً للهجوم. وبما أن سهامه التي تتسلل إلينا خِفيًة تكون متكررة وهو يقذفنا
بها بشكل سري وخفي إلى حد أننا قد لا نلاحظها، لذلك فإن مثل هذه الهجمات تكون أكثر
فاعلية في إمكانية إصابتنا. فدعونا إًذا ننتبّه لنفهم تلك الهجمات لنردَّها.

 

الغيرة
من أخطر الحروب

ومن
بين هذه الحروب هناك خطية “الغيرة والحسد “، وإذ ما تعمق أي منَّا في
ذلك الأمر سيكتشف أنه لا شيء يجب على الإنسان المسيحي تجّنبه ولا شيء يستحق الحذر
منه أكثر من وقوع أحدنا في الحسد والحقد، عندما يقع أحدنا في الفخاخ الَخفِيّة
التي للعدو الخادع، حيث بالحسد يتحول الأخ إلى كراهية أخيه، فلا يدرك أنه يقتل
نفسه بالسيف الذي يصنعه هو بنفسه وليس أحدا غيره. وحتى نستطيع أن نفهم ذلك الأمر
فهماً كامًلا وأن ندركه بأكثر وضوح دعونا نرجع إلى معرفة مصدره وأصله، دعونا نرى
من أين تبدأ الغيرة؟… أي متى وكيف تبدأ؟ ليصبح من السهل علينا تجنُّب هذا الشر
الخبيث إذا ما عرفنا حجمه وأصله.

 

أصل
الغيرة

4.
لهذا السبب فإنه منذ بدء العالم وقع الشيطان نفسه في الهلاك ودمَّر الآخرين أيضاً.
ذاك الذي كان في مجده الملائكي وكان مقبوًلا ومحبوباً لدى الله. فبعدما رأى
الإنسان مخلوًقا على صورة الله ومثاله، سقط هو بالتمام في الغيرة بحسده الخبيث.
فقبل أن يُسقط أحداً غيره في خطية الحسد كان قد سقط هو بنفسه في الغيرة. لقد كان
هو نفسه أسيراً قبل أن يَأسر أحداً، ودمر نفسه قبل أن يُدمر آخرين. وإن كان بمقتضى
حسده حَرم الإنسان من نعمة الخلود التي أعطيت له، فهو نفسه كان قد فقد ما كان عليه
من قبل. أيها الأحباء فما هي جسامة الشر الذي بمقتضاه سقط الملاك ومن خلاله ُ خدع
وَتَغيَّر ذاك السامي في العلو والمجد، وبه انخدع ذلك المخادع.

 

وهكذا
من ذلك الوقت يتفشى الحسد على الأرض، حيث عندما يسقط أحد ما أي الإنسان في الحسد ويتبع
سيد الهلاك منقاداً، ف إنه يَُقلِّد الشيطان كما هو مكتوب “أنه بحسد إبليس
دخل الموت إلى العالم” (حك 24: 2) هكذا يقّلده أولئك الذين إلى جانبه.

 

أمثلة
على الغيرة من الكتاب المقدس

5.
من َثم بدأت في النهاية بوادر الكراهية بين الأخوة الأوائل (قايين وهابيل). هكذا
جاء القتل البغيض للإخوة عندما غار قايين الظالم من هاب يل البار، عندما اضُطهِدَ
الصالح من الشرير نتيجة للغير ة والحسد. فكم كانت نيران الغيرة قوية لتتميم تلك
الجريمة، إلى حد أن قايين لم يضع المحبة الأخوية أو جسامة الخطية أو حتى مخافة
الله وجزاء الخطية في حسبانه. فذاك الذي كان أول من ظهر بِرّه (هابيل) ُ ظلم بجور..
لقد قاسى من الكراهية وهو الذي لم يعرف الكراهية، لقد ُذبح بطريقة وحشية ذاك الذي
لم يقاوم وهو يُقتل.

 

لقد
تسببت الغيرة أيضاً في عداء عيسو لأخيه يعقوب، فبسبب حصول يعقوب على بركة أبيه
اشتعلت الغيرة في نفس عيسو وتحوّل إلى الكراهية ثم إلى الاضطهاد. وكان الحسد أيضاً
هو سبب بيع يوسف بيد إخوته، فبعد أن عرض عليهم في ب راءة وبساطة، كأخ لأخوته،
المجد العظيم الذي ظهر له في رؤياه اشتعلت عقولهم الحاقدة بالحسد نحوه.

 

وماذا
ُترى قد أثار شاول الملك أيضاً لكراهية داود –ذاك البريء الرحيم الصبور الوديع –
إلا دافع الغيرة؟ إذ حاول أن يقتله مراراً باضطهادات متكررة. لأنه عندما قتل جليات
وذبح هذا العدو الجبار ب معونة ونعمة الله، انطلق الشعب بإعجاب واستحسان في مدح
داود، فتوّلدت داخل شاول نيران الكراهية والاضطهاد من خلال الحسد.

 

ولئلا
يطول الحديث بذكر أسماء، دعونا نأخذ في اعتبارنا دمار شعب قد هلك مَرّة وإلى الأبد.
ألم يهلك اليهود على هذا النحو؟ إذ قد ف ضلوا أن يحسدوا المسيح على أن يؤمنوا به..
وإذ استخفوا بالأعمال العظيمة التي قام بها ُ خدعوا بغيرة عمياء ولم يستطيعوا أن
يفتحوا أعين قلوبهم ليروا أعمال المسيح الإلهية.

 

6.
الآن إذ نرى هذه الأمور، أيها الأخوة الأحباء، لُنحَصِّن قلوبنا التي قد تك رست
لله بشجاعة ويقظة رافضين مثل هذا الشر العظيم المدمر، وليكن موت الآخرين (أي
الشخصيات التي ذكرناها سّلًفا) مفيداً لخلاصن، ولُتَقدِّم عقوبة الأحمق منفعة
للمحترسين.

 

نتائج
الغيرة

ولكن
مع ذلك فلا يوجد ما يجعل أحدا يظن أن مثل هذه الخطية يمكن أن تأخذ شك ً لا وأحداً
فقط أو أن تنحصر في حدود ضيّقة أو تقتصر على نطاق م حدود. فدمار الغيرة مُتشعِب،
نامٍ ومنتشر على نطاق واسع. إنها مصدر كل الشرور، منبع الكوارث، بذرة الخطية، أصل
التعديات، منها تنشأ الكراهية ومنها تخرج العداوة. فالغيرة ُتلهب الجشع عندما لا
يكون الإنسان مكتفياً بما عنده، عند رؤيته لمن هو أغنى منه، وهي تدفع إلى اشتهاء
الكرامة عندما يرى شخصٌ ما شخصاً آخر أكثر منه ارتفاعاً في الكرامة.

 

فعندما
ُتعمي الغيرة حواسنا وتخضِع بواطن العقل لسيطرتها، حينئ ذٍ لا يُعمَل لمخافة الله
اعتبار وُتهمل تعاليم المسيح ولا يُكترث بيوم الدينونة. فالكبرياء ينفخ، والقسوة
تجلب المرارة، وع دم الإيمان يراوغ الفكر مُش ّ ك ً كا إياه، وعدم الاحتمال يثير
النفس، الخلاف في الرأي يسبب الحَْنق، والغضب يزداد اشتعالاً فلا يستطيع من صار عب
دا لسلطان غيره، أن يُحَجِّم نفسه أو يقودها. وهكذا تتحطم رابطة سلام الرب،
وُتنتهك المحبة الأخوية ويُفسَد الحق وتنقسم الوحدة وينغمس الشخص في الهرطقات
والانشقاقات، خاصة عندما يَستخف بالكهنة أو يَحسد الأساقفة أو عندما يشت كي من عدم
سيامته هو نفسه كاهناً أو أسقً فا بالأولى أو عندما لا يحتمل. الآخر الذي قد صار
أعلى منه في الرتبة محتقراً إياه. (2)

 

هكذا
يتمرد الشخص المتكبر بسبب الغيرة، ويصير ضحية للحسد، فيثور بغضب على عدوه مري دا
إيذائه، وهولا يثور ضد الشخص نفسه، بل ضد الكرامة التي صارت لهذا الشخص.

 

تأثير
الغيرة على النفس

7.
هكذا حًقا تكون الدودة التي تأكل النفس، الوباء الذي في أفكار الإنسان، كم هي
ضخامة صدأ القلب عندما يُغار من فضيلة إنسان آخر أو من سعادته، أي أن يكره فيه مواهبه
أو البركات الإلهية، أن يَعتبر خير الآخر كشرٍ لنفسه، أن يتعذب بسبب رخاء الأشخاص
المشهورين، أن يجعل من مجد الآخرين عقوبة لنفسه، أن يضع جلا دا ليعذب به ق لبه، أن
يأتي بعذابات لأفكاره ومشاعره ليمزق بها أعماقه الداخلية، أن يضرب أعماق القلب
ببراثن البغضة والكراهية. مثل هؤلاء الناس لا يهنأ لهم طعام ولا يلذ لهم شراب، بل
هناك دائماً تنهدات وأحزان وآلام، وبما أن الحاسد لا يُعلِن أبداً عن غيرته فإن
قلبه محاصر وممزق لي ً لا ونهاراً على الدوام. فالشرور الأخرى لها حد وأي خطايا
يفعلها ا لإنسان لها نهاية. ففي حالة الزن ا تتوقف الجريمة عندما تتم الشهوة
باقتراف الخطية. وفي حالة القتل تتوقف الجريمة عندما يُرتكب القتل. وبامتلاك
الغنيمة ينتهي جشع السارق. وإتمام الخدعة يضع حدا للمخادع؛ أما الغيرة فليس لها حد،
إنها شر دائم وخطية لا تنتهي، فكلما نجح المحسود نجاحا أكبر كلما يلتهب الحاسد
بالأكثر من نيران الحسد.

 

8.
من هنا تكون تعبيرات الوجه المتوعّدة، النظرة الشريرة، وشحوب الوجه وارتعاش
الشفتين وصرير الأسنان والكلمات الماجنة والإهانات التي بلا لجام واليد المتأهبة
لوحشية القتل، وحتى إن كانت الأيدي في الوقت الحالي بلا سيف فهي مسلحة بالكراهية
النابعة من عقل متقد بالغضب ولذلك يقول الروح القدس في المزمور “لا تغر من
الذي ينجح في طريقه من الرجل المجري مكايد ” (مز 7: 37) وأيضا “الشرير
يتفكر ضد الصديق ويحرق عليه أسنانه، الرب، يضحك به لأنه رأى أن يومه آت” (مز
16: 12- 13) كذلك يشير ويّنبه الطوباوي بولس إلى ذلك عندما يقول: “حنجرتهم
قبر مفتوح بألسنتهم قد مكروا، سم الأصلال تحت شفاهم وفم هم مملوء لعنة ومرارة.
أرجلهم سريعة إلى سفك الدم في طرقهم اغتصاب وسحق وطريق السلام لم يعرفوه، ليس خوف
الله قدام عيونهم” (رو3: 13-18)

 

خطورة
الغيرة

9.
عندما ُتجْرَح الأعضاء بالسيف ف إن الشر يكون أَهْوَن والخطر يصبح أقل، وَتسهُل
المعالجة عندما يكون الجرح ظاهراً. فعندما يؤتى بالعلاج يشَفى الجرح الظاهر سريعا،
ولكن جراح الغيرة مختفية ومختبئة لا تقبل الشفاء؛ حيث أن الغيرة دفينة وكامنة في
أعماق النفس المظلمة. فمَن منكم كان حسوداً أو خبيًثا فلينظر كيف يكون مخادعا ومؤذ
يا وكارهً ا لمَن يكرههم. فأنت لست عد والخ ير الآخر بقدر ما أنت عدو لنفسك. فأيا
كان الشخص الذي تضطهده بالغيرة فهو قادر على الهرب منك وتجنبك ولكنك لا تستطيع أن
تهرب من نفسك، فأينما كنت يصاحبك خصمك، فالعدو دائماً في قلبك والدمار مغلق داخلك
وأنت مَُقيَّد ومربوط برباطات من السلاسل التي لا مفر منها؛ أنت مأسور بالغيرة
كسيد لك؛ فلا تعزية تخفف عنك. إنه شر مستمر أن تضطهد شخصاً مُنعَم عليه من الله،
إنها نكبة بلا علاج أن تكره شخصاً سعيداً.

 

الإتضاع
سلاح ضد الغيرة

.
لذلك أيها الأخوة الأحباء فلقد نبه الرب عن هذا الخطر لئلا يقع أحداً في فخ الموت
نتيجة ل غيرته من أخيه، فعندما سأله التلاميذ عن الأعظم بينهم قال “لأن
الأصغر فيكم جميعاً هو يكون عظي ما” (لو 48: 9). وبجوابه هذا قطع عليهم كل
سُبل الغيرة لأنه استأصل ومزَّق كل سبب وأساس للحسد. َف َ غير مس موح لتلميذ
المسيح أن يكون غيورا أو يكون حاسدا. فلا مجالا للنزاع بيننا على مجد السلطة… بل
بالإتضاع نصل إلى أعلى الدرجات، فقد تعّلمنا كيف نصير مرضيين أمامه. وأخيراً
يرشدنا وينصحنا بولس الرسول أيضا عن كيف يجب علينا نحن الذين استنرنا بنور المسيح
وقد هربنا من ظلمة أعمال الليل، أن نسير في أعمال النور، فيكتب ويقول: “قد
تناهى الليل وتقارب النهار فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور لنسلك بلباقة
كما في النهار لا بالبطر والسكر، ولا بالمضاجع والعهر ولا بالخصام والحسد ”
(رو 13: 12-13) فإذ قد فارقت الغيوم قلبك وإذ انقشع منها الليل وإذ تلاشت الظلمة
وأضاء بهاء النهار حواسك وإذ بدأت أن تصير إنساناً للنور، فاعمل أعمال المسيح لأن
المسيح هو النور والنهار

 

نور
المحبة وظلام الغيرة

.
لماذا تندفع نحو ظلمة الغيرة؟! لماذا تورط نفسك في سحابة الحسد؟! لماذا تطفئ كل
نور للسلام والمحبة بظلام الغيرة؟! لماذا تعود للشيطان الذي سبق وجحدته؟!(3) لماذا
صرت مثل قايين… إذ كان حاسدا لأخيه ويضمر له الكراهية فقد حُسب كقاتل؟ فيوحنا
الرسول يقول في رسالته معلنً ا: “كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس أنتم تعلمون
أن كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة فيه ” (1يو 15: 3) وأيضاً: “من
قال أنه في النور وهو يبغض أخاه فهو إلى الآن في الظلمة، فمن يحب أخاه يثبت في
النور وليس فيه عثر ة وأما من يبغض أخاه فهو في الظلمة وفي الظلمة يسلك ولا يعلم
أين يمضي فهو يقول أن مَن لأن الظلمة أعمت عينيه ” (1يو 2: 9-11) يبغض أخاه
يسير في الظلمة ولا يعلم إلى أين يذهب لأنه دون أن يدرك يّتجه إلى جه نم وبجهل
وعدم بصيرة يزج بنفسه في العقاب، مُنسَح بِا من نور المسيح الذي ينذرنا قائلاً: “أنا
هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة” (يو 12: 18)

 

ولكن،
من يتبع المسيح هو الذي يحفظ وصاياه، يسلك في تعاليمه، يقتفي آثار أقدامه وطرقه
ويتم ثل بتعاليمه وأعماله. كما يحثنا بذلك بطرس الرسول وينصح نا إذ يقول: “لأنكم
لهذا دعيتم ف إن المسيح أيضا تألم لأجلنا تاركا لنا مثالا لكي تتبعوا خطواته”
(1بط 2: 21)

 

البساطة
والمحبة المسيحية

12.
علينا أن نتذكر بماذا يدعو المسيح شعبه وما هو الاسم الذي يطلقه على قطيعه.. أنه
يدعوهم “خراف ” (راجع يو 10: 12، 2: 15). لأن البراءة المسيحية تقابل
تلك التي للخراف، وهو يدعوهم هكذا لأن بساطة الفكر (المسيحي) تشبه طبيعة الخراف البسيطة.
فلماذا يتوارى الذئب في ثياب الحمل؟ (راجع مت 15: 7) لماذا يدعو نفسه باطلا أنه
مسيحي بينما هو يخزي قطيع المسيح؟ فبماذا إً ذا ندعو من يضع اسم المسيح عليه دون
أن يسير في طريق المسيح سوى أنه مجدف على الاسم الإلهي وبعيد عن طريق الخلاص، حيث
أن الرب نفسه يُعَلِّم ويقول أن من يحفظ الوصايا يحيا (راجع مت 17: 19)، وانه
يُدعَى حكي ما من يسمع ومن يعمل بكلماته (راجع مت 24: 7)، وأنه يُدعَى أعظم في
ملكوت السموا ت من عمل وعلَّم (راجع مت 19: 5). لأنه يتحقق نفع الواعظ الذي
يُعَلِّم تعلي ما صالحا ومفيدا متى كان الذي يخرج من فمه يتحقق بالأعمال التي
تتبعه. (4)

 

وُترى
بماذا أوصى الرب تلاميذه؟ وأي من مشورات المسيح الصالحة ووصاياه السماوية يجب أن
ُتحفظ أكثر من أن نحب بعضنا بعضا بال محبة التي أحب بها هو تلاميذه؟ ؛ (راجع يو 12:
15، 34: 13) فكيف بالأكثر يستطيع أحدٌ أن يحفظ السلام ومحبة الله إذا كانت قد دخلت
إليه الغير ة؟ هل يستطيع ذاك أن يكون مسالماً أو مُحباً؟ 13.

 

13.
وأيضاً عندما أبرز القديس بولس الرسول فضائل السلام والمحبة وعندما جَزَمَ بشدة
أنه لا نفع للإيمان أو للعطايا أو حتى لآلام المعترف أو الشهيد إلا إذا حفظ
الوصايا كاملة وتامة، وأضاف قائًلا: “المحبة تتأنى وترفق المحبة لا تحسد.
المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ” (1كو 4: 13) فهو يعلمنا ويُظهر لنا، أنه من كان
دو ما متأن يا ومترفًقا ومتحرراً من الغيرة والحسد يستطيع أن يقتني المحبة،
وبالمثل في موضع آخر عندما كان ينصح الإنسان الذي امتلأ من الروح القدس وصار ابًنا
لله بالميلاد السماوي بألا يتبع شيء سوى الأمور الروحية والإلهية، فلقد كتب هذا
التعليم حين قال: “وأنا أيها الأخوة لم أستطع أن أكلمكم كروحيين بل كجسديين
كأطفال في المسيح. سقيتكم لبناً لا طعاماً لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون بل الآن
أيضاً لا تستطيعون، لأنكم بعد جسديين. فإنه إذ فيكم حسد وخصام وانشقاق ألستم
جسديين. وتسلكون بحسب البشر” (1كو3: 1-3)

 

الإنسان
المسيحي لا يعرف الحسد

14.
أيها الأخوة الأعزاء، لابد من سحق الرذائل والخطايا الجسدية وأن ندوس بقوة الروح
بأرجلنا الوباء الذي يُبتلى به الجسد الأرضي، وإلا عندما نعود لتصرفات الإنسان
العتيق نتورّط في الفخاخ المميتة. كما سبق فنبهنا الرسول لمنفعتنا بحكمة إذ قال: “فإًذا
أيها الأخوة نحن مديونون، ليس للجسد لنعيش حسب الجسد لأنه إن عشتم حسب الجسد
فستموتون، ولكن إن كنتم بالروح ُ تميتون أعمال الجسد فستحيون لأن كل: الذين
ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله ” (رو 8: 12-14) فإن كنا أبناء الله،
وإن كنا قد بدأنا فعلا لنكون هياكل له (راجع 1كو 16: 3، 2كو 16: 6)، وإن كنا نعيش
بقداسة، وروحانية بعد أن قبلنا الروح القدس وحولنا أعيننا من الأرض إلى السماء وإن
كنا قد رفعنا قلوبنا المملوءة بالله والمسيح كما يحّثنا الرسول: “إن كنتم قد
قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسي ح جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق لا
بما على الأرض لأنكم قد مُّتم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله ومتى أُظهِرَ
المسيح في حياتنا فحينئذٍ تظهرون أنتم أي ضا. دعونا إًذا نحن الذين مُتنا في معه
في المجد ” (كو 3: 1-4) المعمودية ودُفِّنا بحسب الخطايا الجسدية الت ي
للإنسان العتيق والذين قمنا مع المسيح في الميلاد السماوي الجديد، أن نهتم ونعمل
بالمثل الأمور التي للمسيح كما يعلمنا وينصحنا الرسول مرة أخرى ويقول: “الإنسان
الأول من الأرض ترابي، والإنسان الثاني الرب من السماء كما لبسنا صورة الترابي.
علاوة سنلبس أيضاً صورة السماو ي” (1كو 15: 47-49) على ذلك فنحن لا نستطيع أن
نحمل صورة السماوي إلا أن كنا على صورة المسيح ومثاله، وهي الحالة التي بدأنا أن
نكون عليها الآن.

 

15.
فذلك لكي ُتَغيِّروا ما كنتم أنتم عليه وتبدأوا أن تصيروا ما لستم عليه، وحتى يشرق
فيكم الميلاد الإلهي وتستجيبوا للتهذيب الإلهي الذي لله الآب، وحتى يتمجد الله في
الإنسان من خلال حياته المكرمة والممدوحة. (5) كما يحثنا ويحذرنا الله نفسه وَيعِد
الذين يمجدونه بدورهم قائًلا: “فأني أكرم الذين يكرمونني والذين يحتقرونني
يصغرون” (1صم 30: 2). فالرب الذي يشّكلنا ويَعدُّنا لكي ما نتمجَد، وابن الله
الذي يغرس فينا صورة الله الآب يقول في إنجيله: “سمعتم انه قيل تحب قريبك
وتبغض عدوك، وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلي مبغضيكم
وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات.
فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر عل ى الأبرار والظالمين ” (مت 5:
42-45)

 

فإن
كان من المجد والفخر للإنسان أن يكون أبناؤه مشابهين له، وأن يكون باقي الأبناء
مشابهين لأبيهم، فكم بالأكثر يكون فرح الله الآب عندما يولد أبناؤه بالروح حتى
أنهم من خلال أعمالهم وتسبيحهم يمجدون الله! فكم يكون إكليل البر عظي ما والتاج
المعد لكم عندما لا يقول الله عنكم: “ربيت بنيت ونشأتهم أما هم فعصوا على
” (إش 2: 1) بل عندما يطوبكم ويدعوكم السيد المسيح للمكافأة بقوله: “تعالوا
إلي يا مباركي أبي رثوا الملكوت المُعد لكم منذ تأسيس العالم “(مت 25: 34)

 

أكليل
الإنتصار

16.
إن الفكر يا إخوتي الأحباء، يجب أن يتقوَّى بالتأمل ويجب أن يتحصن ضد سهام إبليس
بمثل هذه التداريب الروحية. فلتكن القراءا ت الروحية باستمرار في أيادينا وذكر
الله دائماً في حواسنا. والصلاة فلتكن بلا انقطاع ويجب إن نكون مهتمّين بالأعمال
الروحية حتى أنه كلما يدنو مّنا العدو ويحاول الاقتراب منا، يجد القلب مغلًقا
ومُسَلَّحاً ضده. لأن إكليل الإنسان المسيحي ليس هو الإكليل الذي يناله في زمن
الاضطهاد فقط. ولكن للسلام أيضاً إكليل، الذي به ُنَكلَّل كمنتصرين في حروبنا
المتنوعة. حينما ننتصر على الخصم ونطرحه. فالتغلب على الشهوة يقابله إكليل العفة،
ومقاومة الغضب والعنف مكافأته إكليل الصبر، أما النصرة على الجشع فهي نبذ المال،
ومدح الإيمان هو في احتمال ضيقات هذا العالم والثقة في المستقبل. ومن لا يتعالى في
رخائه (يتفاخر بغناه) ينال مجد الإتضاع. ومن يعطف ويصادق الفقراء ينال الغنى
السماوي. ومن لا يحسد أحداً ويحب إخوته بلا رياء، يُكرَم ويُكافأ بالمحبة والسلام.
فنحن كل يوم نعدو في ميدان الفضائل لكي ما نصل إلى أكاليل وتيجان البِرّ بدون
انقطاع.

 

نصائح
علاجية لمن سقطوا في الغيرة والحسد

.
ولكي تستحقوا هذه الأكاليل، أنتم الذين امتلأتم بالغيرة والحسد عليكم أن تتركوا
تماماً كل نية سيئة كانت فيكم قبًلا. ويجب أن تتغيروا إلى طريق الحياة الأبدية
مقتفي ن خطوات الخلاص. اقتلعوا من قلوبكم الأشواك والعوسج، حتى تأتي بذار الرب
بثمر وفير ولكي يأتي المحصول الإلهي والروحي بحصاد غني ووفير. اقطعوا تماماً سُم
المرارة، وكذلك مرض النزاع، طهروا العقل الذي أُصيب بغيرة الحية. دعوا المرارة
التي استقرت داخلكم تلين بعذوبة المسيح. إذ أخذتم من سر لصليب الطعام والشراب.(6)
فلتدعوا الخشبة التي أفادت (بني إسرائيل) وجعلت الماء عذباً في “مارة”
(7) تفيدكم أنتم بالحقيقة في شفاء قلوبكم المرتخية، وإن فعلتم هذا فلن تتعبوا في
الحصول على علاج لشفائكم، فابدأوا في علاج أنفسكم من الموضع الذي َتسَبَّب في
جرحكم. أحِب من كنت تكرههم من قبل، أكرم أولئك الذين حسدتهم مقل ً لا من شأنهم
بغير وجه حق، ت شبَّه بالصالحين إن كنت تستطيع أن تفعل مثلهم، وإن كنت لا تستطيع
ذلك فابتهج بالحقيقة معهم، وهنئ المتفوقين عليك. اجعل نفسك مشاركاً معهم في
وحدانية المحبة، وشريكاً لهم في شركة الحب ورباط الأخوّة. فسوف ُتغَفر ذنوبك حين
َتغفِر أنت أيضاً للآخرين (راجع مر 25: 11)، وسوف ُتقبل، تقدماتك حين تتقدم إلى
الله كصانع سلام (راجع مت 23: 5) وأفكارك وأعمالك سيقودها الله حين تفتكر في
الأمور الإلهية والحقة كما هو مكتوب “ليتف ّ كر قلب الإنسان في أمور حقه. لكي
ما تكون خطواته منقادة من الله” (أم 1: 16)

 

18.
علاوة على ذلك فهناك أمور كثير ة يجب أن تتفكر فيها، تّذكر الفردوس حيث لن يرجع
قايين ثانية إذ قد قتل أخاه بسبب الغيرة، تّذكر ملكوت السموا ت الذي لن يسمح الرب
بدخوله إلا لمن لهم قلب وفكر واحد، تّذكر أن هؤلاء فقط، يمكن أن يُدعَوا أبناء
الله: الذين هم صانعو سلام (مت 9: 5) الذين بواسطة الميلاد الإلهي (المعمودية)
وحِفظ الوصايا أصبحوا واحداً، صائرين على مثال الله الآب والمسيح.(8) تّذكروا أننا
تحت أنظار الله، وأننا نجتاز سلوكنا وحياتنا تحت قضاء الله. أننا نصِل في النهاية
إلى إمكانية رؤيته، إن كنا ُنرضيه إذ هو يُلاحظ أعمالنا، إن كنا ُنظهِر أنفسنا
كمستحقين لنعمته وغفرانه إن أرضيناه أولا في هذا العالم، وبالتالي سنكون في رضاه
إلى الأبد في السماء.

————————

*
نشرت في كل من:

Ante-Nicene
Fathers Volume V Cyprian
،
Treatise X، p 491-496

Catholic University Press Patristic Series St. Cyprian، Treatises
Treatise X

وتمت
مراجعتها على الترجمة الألمانية التي نشرت في مجموعة
Bibliothek der Kirchenvater لصادرة عام 1918 من مدينة Munchen قام بترجمتها من
النص اللاتيني
J. Bar واحتلت الصفحات 311-329.

(1)
يوضح القديس كبريانوس طريقة عمل الشيطان إنه في بداية الأمر يزين لنا الخطية ويهون
منها، وعندما نسقط فيها بأسرنا فيها بشدة مفقداً إيانا الرجاء

(2)
وهنا يشير القديس إلى داء قد نجده موجوداً حتى في يومنا هذا. إذ نجد من يقاومون
الآباء الكهنة أو الأساقفة، وقد يصل إلى درجة اختلاق البدع والانشقاقات، ويكون كل
ذلك بدافع الغيرة الموجودة في هؤلاء المنشقين

(3)
نلاحظ هنا إشارة واضحة إلى طقس جحد الشيطان قبل نوال سر العماد.

(4)
يشير القديس كبريانوس هنا إلى آلام الرب يسوع في الموعظة على الجبل: “فمن نقض
إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلَّم الناس هكذا يدعى أصغر في ملكوت السماوات. أما من
عَمِلَ وعَلّم فهذا يدعى عظيماً في ملكوت السماوات” (مت 5: 19) عن وجوب
المعلم أن يكون أول من يلتزم بما يُعَلّم به.

(5)
يقصد القديس كبريانوس هنا إنه من خلال التزام المسيحي بوصايا الرب، تكون حياته
شهادة حية للمسيح أمام الناس فيتمجد أبونا السماوي “أنتم ملح الأرض…أنتم
نور العالم… فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم: الحسنة ويمجدوا
أباآم الذي في السموات” (مت 5: 13، 14، 16)

(6)
يقصد جسد ودم المسيح اللذان نتناولهما في سر الافخارستيا.

(7)
يشير القديس آبريانوس هنا إلى القصة الواردة في سفر الخروج، عندما جاء بنو إسرائيل
إلى منطقة “مارة” في برية سيناء حيث لم يجدوا إلا الماء المر،: فأخذ
موسى شجرة بأمر الرب وطرحها في الماء فصار عذباً (خر 15: 22-24) والشجرة هنا كانت
رمز لخشبة الصليب التي حولت حياتنا من مرارة الخطية إلى عذوبة البر.

(8)
يوضّح القديس كبريانوس هنا أن الإتحاد بين أعضاء الكنيسة هو على مثال وحدانية الآب
والابن آما يقول رب المجد في صلاته الوداعية: “ليكون الجميع. وأحداً آما أنك
أنت أيها الآب فيّ وأنا فيك” (يو 17: 21)

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى