علم

من أجل إصلاح الذين يعيشون في الأهواء ويسعون وراء الإكرام والمديح



من أجل إصلاح الذين يعيشون في الأهواء ويسعون وراء الإكرام والمديح

من
أجل إصلاح الذين يعيشون في الأهواء
ويسعون
وراء الإكرام والمديح

القديس
أفرام السرياني

تعريب
الأب أفرام كرياكوس

 

مقالات ذات صلة

إني
أرتعد يا إخوتي وقلبي يتحسر من الحزن بسبب النبي القائل: “أنظروا أيها
المتهاونون وتعجّبوا واهلكوا….” (حبقوق ۱: ٥؛ أع
۱٣: ٤۱)

هذا
أولاً بسبب عدم تأدبي لأني صرت مَعبَراً لكل خطيئة، وقيّد العدو بشدةٍ أعضائي
كلّها بالخطيئة. كان عليّ بالأحرى أن أبكي وأنوح على نفسي بسبب خزيي وبعدها أفحص
ما يتعلّق بالآخرين. كان عليّ أولاً أن أُخرج الخشبة من عيني وبعدها أنظر القذى
التي في عين الآخرين. (متى ٧: ٣ – لوقا ٦: ٤۱).

لكن
التهاونَ الحاصل في أيامنا يجعلني أغور عميقاً في الحزن، لاني أرى ضعف التعليم
الحاضر، ولا أستطيع أن أحتمل وفق قول النبي: “رأيتُ الجهلاءَ فمقتُّهم”
(مز ۱۱٨: ۱٥٨).

أيّ
جهاز لم يستخدمه العدو ضدنا أو أية مكيدة خادعة لم يَسدُ بها علينا؟ من لا ينوح على
المصائب التي تلاحقنا؟ لكن انتبهوا، أرجوكم، لكلماتي أنتم الذين اقتبلتم الحياة
الرهبانية وارتعدوا، لأننا وإن كنا نحمل الاسكيم الرهباني، إلا أننا نشارك العدوَّ
في شرّه.

اسكيمنا
ملائكي، لكن طريق عيشنا عالمي. هل الملائكة في السماء يعيشون في الخصام والغيرة كما
نراها اليوم فيما بين الرهبان؟ لقد تجذّر فيما بينهم الحسد والفساد والنميمة. في
الواقع يزرع الشيطان، وبطرق مختلفة سمومه في كل واحد منّا، ويقضي بفنّ على كل
واحد. الواحد يصوم، لكنه يغار ويتعاطى النميمة. الآخر يضبط نفسه من الشهوة
والثرثرة، لكنه واقع في التكبّر. آخر أيضاً يمارس السهرانية لكنه غارق في النميمة،
آخر أيضاً ابتعد عن النميمة لكنه يعاني من التذمر وعدم الطاعة. آخر يضبط نفسه من
المآكل لكنه يتباهى ويتفاخر ويستعلي. آخر يصبر على الصلوات لكنه مغلوب عليه من
الغضب.

كل
واحد يمسكه الشر بطرق مختلفة، ولا يوجد من يعي ضعفه وشرّه. لذلك يحلّ الخصام
والخلاف فيما بين الرهبان. من لا يرتعد لذلك؟ من لا يحزن على ذلك؟ كيف انحرفنا عن
السلوك الرهباني القديم؟ لقد تركنا العالم، لكننا نفكر عالميّاً. تركنا القنية،
لكننا لا نتخلى عن الخلافات. تركنا بيوتنا، لكننا غارقون في الهموم. ليس لنا غنى
لكننا لا نبتعد عن التفاخر. تركنا الزواج لكننا لم نتخلَّ عن الشهوة. نتواضع
ظاهريّاً، لكن أنفسنا تسعى وراء الإكرام والمديح. ظاهريّاً نحن بلا قنية، لكن
الطمع يسودنا. بالكلام نمتنع لكن بالذهن نتعلّق وبكلّ شيء.

من
ذا الذي لا يرثي لحالنا ولتعليمنا؟ عجب واحد من أعمال الرهبان وبخاصة الشباب
والمبتدئين: لم ينكروا بعدُ العالم حتى بدأوا ينتفخون ويتشامخون. لم يتلقوا بعد
دروسهم الأولى حتى بدأوا يرشدون الآخرين. لم يروا بعدُ الداخل حتى بدأوا يتبحّرون
في الاعماق. لم يعبروا بعد العتبة حتى أخذوا يتطايرون في السحب. لم يذوقوا بعدُ
النسك حتى أخذوا يتولعون بالمجد الباطل. لم يسمعوا بعدُ صوت التاديب حتى بدأوا
يؤنبون الآخرين. لم ينخرطوا بعدُ في الأخوية حتى باتوا يأمرون. لم يدخلوا بعدُ باب
الدير حتى أخذوا يعترضون ويحكمون ويغضبون. ولماذا أُطيلُ الكلام سُدى؟ كثيرة هي
عاداتهم السيئة هذه. لا يوجد من يستشعر. لا يوجد من يتنكر لخصاله الرديئة، من أجل
الله، وكي يقدّم نفسه خادماً للإخوة عن طريق الطاعة. بعكس ذلك، وعن طريق التوبيخ
يرى من المناسب أن يُعارض. إن أمروه يجعل نفسه آمراً. لا يُبدي حماساً في الأعمال
الصالحة، بل يعتاد الأشياء الباطلة. لم يَقضِ بعد ثلاثة أيام في الدير حتى بدأَ
يخاصم من شاخ في الحياة الرهبانية. هذا لأنه لا يريد أن يُطيع، لا يريد أن يخضع
ويقطع مشيئته فيفتش عن الألاعيب والحيل… بدل الطاعة ينتقد ويأمر ويؤنّب ويغضب
ويثور…

يُقال
له “إفعل هذا يا أخي”، فيُجيب “لا أفعله إن لم يأتِ معي ذاك”.
“إنه مستغرق في قراءة الكتاب المقدس. وأنا عليَّ أن أُطالع”. ويقول
أيضاً: “فلان يستريح؛ عليَّ أنا أيضاً أن أستريح.. هذا الأخ ذهب ليلاقي
الآباء؛ يجي أن اذهب أنا أيضاً. هذا الأخ نال الإكرام؛ يجب أن أناله أنا أيضاً. هذا
الأخ حصل على مِثل هذا المقام والمسؤولية لِمَ لَم أُقَم عليها أنا أيضاً؟”
وغيرها من رجوليات الشباب… هذا هو تواضع المبتدئين. هذه هي أتعابهم. بهذا كله
يسعون الى الملكوت جاهلين أنهم يدفعون بأنفسهم الى الهلاك ويصيرون أعداء الله.

هذا
التصرف كله يظهر أننا لم نترك بعد سلوكنا الدنيوي الخارجي. ظاهريّاً تركنا العالم،
لكن في الواقع بقي اهتمامنا عالمياً ولا دفاع لنا. نحن بالاسكيم رهبان، لكن بحسب
الاستعداد الداخلي بقينا قساةً لا إنسانيين. بالإسكيم متواضعون لكن في النية
مؤذونَ. في الشكل مؤمنون لكن في الواقع كافرون، في الشكل محبّون لكن في الواقع
أعداء، في الشكل أصدقاء وفي الواقع حاقدون. في الشكل صائمون، لكن في الداخل لصوص.
في الشكل أعفّاء وفي القلب فاسقون. في الظاهر هادئون لكن في الداخل نحلمُ. في
الشكل ودعاء لكن في الواقع متشامخون. في الشكل أعزّاء لكن في الواقع وقحون. في
الظاهر مرشدون وفي الواقع غشاشون. في الظاهر أبرياء لكن في الواقع رهيبون. في
الظاهر لا نحسد لكن في الواقع كلنا غيرة وفساد. في الظاهر نساعد لكن في الواقع
خائنون.

ما
هو السبب الذي جعلنا أن نكون هكذا؟

هذا
لأنه ليس لنا تواضع حقيقي. ليس خوف الله عندنا وأمام اعيننا. نزدري ونستخفّ بوصية
المخلص. بكلمة الرب توطدت السموات (مز ٣٢: ٦) وأمّا نحن فلا
نتقبلها حتى نظير كلمتنا. ذلك الفم الرهيب غير المدرك المرعب تفوّه وقال: “من
أراد أن يصير فيكم عظيماً يكون لكم خادماً” (مر ۱٠:
٤٣). ونحن قبل أن ندخل أبواب الاسكيم الرهاني نتواقح ونتكبّر بعضنا
على بعض. ونؤذي بعضنا بعضاً. نعتبر أنفسنا حكماء، رؤساء، مثقفين كلّنا معلّمين
وأوّلين، فلا ينقصنا حتى الرسول القائل: “لو كان كل الجسد سمعاً فاين
الشم؟” (۱كور ۱٢: ۱٧). لو كنا كلنا أوّلين،
كلنا رؤساء، كيف يكون تنوّع أمر الله؟ ربما يقنعكم القول التالي: “لا يأخذ
أحدٌ هذه الكرامة بنفسه بل المدعو من الله”(عب ٥: ٤)، أو القول
الآخر: “لا تكونوا معلمين كثيرين يا إخوتي” (يعقوب ٣: ۱).
لذلك عيّن الله رئاسات وسلاطين (تيطس ٣: ۱) لأنهم ولو كانوا كلهم في
السموات عديمي الفساد والموت، كونهم أرواحاً خادمة، إلا إن الله لم يَسُرَّه ان
ينتموا الى طغمة واحدة، بل فيما بين الخدّام الالهيين العادمي الموت أمَرَ الله أن
يوجد رؤساء وسلاطين ولا يتخطى الواحد منهم مرتبته. طالما صاروا كلهم بترتيب
وتنوّع، لماذا نحن نختلف فيما بيننا؟ ملائكة ورؤساء ملائكة لا يعصون أمر الله،
ونحن نستعبد بعضنا بعضاً، نريد أن نتخطى بعضنا بعضاً ونستعجل في أذية واستضعاف
بعضنا بعضاً، كأننا ننجز هكذا شيئاً كبيراً هامّاً. يا لها من جهالة في الذهن
تجعلنا لا نصغي إلى قول الرسول: “ما دُعيَ كلُّ واحد فيه ايها الإخوة فليلبث
في ذلك مع الله” (۱كور ٧: ٢٤)

ماذا
جرى حتى لم نعد نخاف ابداً الربَّ الذي قال: “كلّ من أُعطي كثيراً يُطلب منه
كثيرٌ” (لوقا ۱٢: ٤٨). هكذا وبهذه الطريقة يُكتسب
التواضع، فلا نعيش غير مبالين بدون خوف الله، وكأننا لن نسمع الحكم الرهيب ولن
نعطيَ جواباً عن أعمالنا. أرجوكم، ايها الاخوة الأحباء ألاّ تعيشوا هكذا حتى لا
نصبح عثرة للذين هم في الخارج، فلا نزيدنَّ خطايا على خطايانا، فيُجدَّف بسببنا
على الإسكيم الرهباني لأن تلك الساعة الرهيبة سوف تأتي ولن تتأخر حين سنُحاسب
ونكون بلا دفاع. ماذا يمكننا أن نقول حينئذٍ؟ ماذا كان على الرب أن يفعل ولم يفعله
لنا؟ ألم نَرَ كلمة الله نفسه متواضعاً آخذاً صورة عبدٍ (في ٢: ٦) لكي
نكون نحن أيضاً وضيعين؟ ألم نرَ وجهه غير الموصوف يُهزَأ به ويُبصَق عليه (متى
٢٦: ٦٧، ٢٧: ٣، مر ۱٤:
٦٥، لوقا ٢٢: ٦٤) لكي لا نغضب كثيراً عندما
يحتقروننا؟ ألم نرَ ظهره يُجلدُ حتى نطيع بدورنا من هم أعلى منا؟ ألم نرَ كيف
لطموا وجهه الذي ينظر الى الأرض فيجعلها ترتعد (مز ۱٠٣:
٣٢) حتى لا نكون نحن أيضاً وحوشاً نفترس بعضنا البعض؟ ألم نسمعه يقول:
“أنا لا أفعل شيء من عندي” (يو ٨: ٢٨) حتى لا نكون
نحن أنانيين مكتفين بأنفسنا؟ ألم نسمعه يقول أيضاً “أنا أطيع ولا أقاوم”
(أش ٥٠: ٥) حتى لا نتذمر ونعترض؟ ألم نسمعه يقول “تعلموا
مني أنا الوديع والمتواضع القلب” (متى ۱۱: ٢٩) حتى
نكون نحن أيضاً ودعاء متواضعين لا أناساً يفسدون ويؤذون بعضهم بعضاً (غلا ٥:
۱٥)؟ يوم الحساب قريب، فماذا نقول وبماذا نجيب؟

أرجوكم
ايها الأخوة لا تفعلوا هكذا، حتى لا نُطرد من الغبطة الابدية بداعي أهوائنا
الجسدية، حتى لا نخسر المجد الابدي بداعي إكرام واحد عابر، حتى لا ندان في الجحيم
الرهيب، جحيم النار، بسبب خصام، غيرة أو نميمة. إن كنت تريد أن تخلص بدون ريب.
لماذا تلاحظ قريبك على الدوام؟ إن كنتَ قد دخلت الطريق وحملت النير لماذا تبدّل
رأيك؟ وإلاّ كيف يظهر ثمر طاعتك؟ تشجع لأنه لا المراكز ولا الإكرام، لا صدور
المآدب والمقامات، لا الرئاسة ولا المجد يدخلونك ملكوت السموات ويمنحونك غفران
الخطايا.

كل
هذا لا ينجّي من الهلاك بل بالأحرى يهلك؟ بينما التواضع والطاعة المحبة والصبر
وطول الاناة، الأمور هذه هي التي تنجّي الإنسان. لا نستطيع أن نتقدّم ونخلص سوى عن
طريق التشبه بربّنا في كل شيء.

ألم
تسمعوا من قال: “لم آتِ لأُخدَم بل لأَخدُم” (متى ٢٠:
٢٨) وأيضاً “جئتُ ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني”
(يو ٦: ٣٨)

وأيضاً
“فمن يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع” (متى ٢٣:
۱٢؛ لوقا ۱٤: ۱۱)

ألم
تسمعوا من قال: “طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات” (متى
٥: ٣)

ألم
تسمعوا القول: “جلستَ وتقوّلتَ على أخيك وعيّرتَ ابن أمّك”، وأن الرب
يعد قائلاً ” لكني سأوبخك وأنصب ذنوبك أمامك” (مز ٤٩:
٢٠-٢۱)

وأيضاً:
“إن الذي يبغض أخاه فهو في ظلمة” (۱يو ٢: ۱۱)
ألم تسمعوا أن الشيطان سقط من السموات بسبب تكبره (أش ۱٤:
۱٣-۱٥) كيف أنه سقط من مجده العظيم بسبب معاندته لله؟ كيف
أن مريم أخت موسى بسبب قول رديء امتلأت برصاً. ولماذا أمام هذه الأمثال كلها نسدّ
آذاننا كالحيات السامة؟ لا أعني فقط الآذان الجسدية بل آذان قلبنا لأن الجسدية
تسمع لكن الآذان القلبية لا تلبّي. لماذا لا نثق بالرسول القائل: “من يثبت في
المحبة يثبت في الله” (۱يو٤: ۱٦). أرجوكم إذاً أنتم
قطيع المسيح المختار. لنكن ساهرين طالما لدينا الوقت. لنضبط أنفسنا طالما لدينا
الفرصة ربما تأتي فجأة تلك الساعة الرهيبة فنحزن بمرارة. نندم لكن دون فائدة. لنكن
ساهرين حتى لا نلقَ ذلك الخزي الكبير أمام الله والملائكة والبشر. لنوقف الخصامات
خاصة نحن الذين في سن الرشد. تواضعوا بقدر استطاعتكم. في زمن آبائنا كانت الرفاهية
شائعة ومع ذلك كانت حياتهم دقيقة في اتباع الوصايا. كان لديهم تواضع كبير وبساطة
وانسحاق. اليوم أيضاً الحرب كبيرة فلا تكونوا غير مبالين كما لا تعتبروا أنكم
أدركتم الكمال. أنتم بحاجة الى كثير من التعب ومن الوقت لكي تخلصوا.

لا
تعتقدوا أن في اللباس الأسود والزنّار تكمن الحياة الرهبانية. كما لا الأيادي
النظيفة تخلّص ولا البراعة في تفسير الكتاب هي الكمال. لا في حلق الرأس (عادة
الرهبان قديماً) ولا في ترتيب الشعر بل في اكتساب الفضائل المناسبة. لا أقول هذا
كله لأقلل من أهمية الإسكيم الرهباني. حاشا. لكن لكي أؤكد أنه علينا أن تتجانس معه
طريق حياتنا وأعمالنا. الإسكيم بدون الأعمال لا نفع له. فلا تكونوا لا مبالين
وكسالى تحتاجون إلى تعب كثير لتلجموا أهواء الجسد. إن كان كلامي هذا لا يسرّكم فلا
بأس من ذلك لأني أريد أن استخدم الكيّ حتى تتحرّروا من الجرح البليغ. لا تعتقدوا
أن الله يجهل أهواءكم الخفية. إني اخجل في وصف ما تفعلون في السر، إن ذكرتها لا
تتحملون بل تهربون بعيداً.

لذلك
ارجوكم تواضعوا عن طريق الطاعة والمحبة والبساطة وإذلال النفس والانسحاق، بها
تخضعون بعضكم لبعض وتضبطوا أنفسكم متسلحين بالصوم، بالصلاة والسهر.

لا
تتجبّروا بالخصام وتتعالوا بالترتيل. لا تكونوا ساهرين في أفكاركم ونظراتكم
كالوحوش المفترسة بينما تنعسون في الصلاة وتغلقون العينين (متى ۱٣:
۱٥؛ أع ٢٨: ٢٧؛ مرا ٣: ٤٥؛
أش ٦: ٥ – ٢٩: ۱٠). لا تكونوا مقتدرين في
الثرثرة كالثيران وفي تمجيد الله خسعاناً كالثعالب. لا تكونوا في الجدل غالبين وفي
الروحيات ضعفاء. لا تكونوا مغبوطين في المزاح وعابسين عندما تنصحون. لا تكونوا
أصحاء في النهار وفي شراهة البطن ومرضى وكسالى في الصلاة الليلية. لا تكونوا
شجعاناً في الحديث مع الآخرين وضعفاء في العمل والتطبيق. لا تكونوا مقتدرين فيما
تأمرون ومُحبطين فيما تُؤمرون. لا تكونوا مسرورين في اخضاع الآخرين ونافرين في
الخضوع للآخرين. لا تكونوا قساة في أوامركم ومتذمرين لأوامر الآخرين… لا تكونوا
مسرعين إلى الموائد ومتكاسلين في الأشغال. لا تكونوا أقوياء في كثرة المآكل وضعفاء
في الصوم. لا تكونوا متهللين في شرب الخمر ومتحفظين لشرب الماء. لا تكونوا ساهرين
تراقبون ما حولكم بينما ذهنكم مظلم لا يميّز الصلاح. لا تكونوا مهذبين أمام النساء
ومتوحشين امام الإخوة.

بعكس
ذلك أرجوكم يا أبناء الله الأحباء، توقوا إلى الأعمال الصالحة، إلى كل ما هو
للبنيان، كل ما له صيت حسن (في ٤: ٨). فوق كل شيء، اسعوا وراء
التواضع، المحبة، الصلاح والوداعة. تنازلوا لبعضكم البعض ولا تتخاصموا. اتعبوا في
الصوم والصلاة كي تستطيعوا ان تتغلبوا على الاهواء الجسدية حتى لا نحرم من مثل هذه
الخيرات الكبيرة بداعي الاهواء الهزيلة. فلا نخسرنّ المجد الابدي ساعين وراء المجد
العابر. لنسرع أرجوكم طالما نحن في الجسد لنعمل ما يُرضي الرب (أف ٥:
۱٠). لنسرع ونغصب أنفسنا لأن العاصفة آتية فلا نكن غير مبالين. صراعنا
ليس ضدّ الناس المنظورين لأن محاربنا غير منظور. لذلك الخطر كبير للمتهاملين أما
للغالبين فلهم ثواب عظيم.

لنحارب
عدوّنا بفن وحكمة. إن دعانا الى الشراهة فلنحاربه بالإمساك. إن أثار فينا شهوة
الزنى فلنضبط حواسنا ونصبر فيتبخّر. إن دفعنا الى الغضب فلنتسلح بالوداعة والسلام.
إن أشعل فينا الكراهية فلنلتصق بالمحبّة. إن دفعنا إلى طلب الإكرام فلنُظهر له
انسحاقنا، إن حرّضنا على طلب المجد فلنرتدِ البساطة. إن جعلنا نلجأ الى الكبرياء
فلنتفكّر بتواضع الربّ. إن جرّنا الى حسد أخينا فلنفتكر بما آل اليه قاين (تك
٤: ۱۱). إن دفعنا الى النميمة فلنتذكر هلاك عيسو (تك
٢٥: ٣٤….عب ۱٢: ۱٦-۱٧)؛
إن جعلنا نتكلّم شرّاً فلنَصن نفسنا بالصمت. هكذا إن قاومناه يهرب ولن يثبت
أمامنا. فتعود إلينا النعمة الإلهية من جديد.

ثق
يا أخي اني أخطات في كلّ ما نصحتك به. كونوا أنتم على الأقل أنقياء لأنني تمرّغت
كثيراً في حمأة الخطيئة. اهتموا عن طريق التوبة الصادقة بتحريري أنا ايضاً. ثقوا
إني لم أتبع ولا واحد من تلك النصائح لكن أنتم زيّنوا كلماتي بالعمل. إني واثق
أنكم تصيرون بلا عيب. اما أنا فسأدان عما أقول ولا أفعل.

لذا
لا نتهامل في سبيل خلاصنا. لا تعتبروا أقوالي خيالية. لم أضِف شيئاً جديداً عما في
الكتب المقدسة ولم أكذب فيما قلته. طوبى للذي يتقبل بذار الكلمة كالأرض الصالحة
ويثمر، الواحد ثلاثين والآخر ستين والآخر مئة (متى ۱٣:
٨-٩). هكذا مزيَّنين بالثمار منوَّرين بالفضائل تسرّون ربّنا يسوع
المسيح. وهو بدوره يبهجكم في راحة ملكوته الى أبد الدهور. آمين

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى