مقالات

معرفة الله الحقيقية على مستوى الخبرة واللقاء

https://orsozox.com/site

الله هو في أساس أصل ومصدر كل شيء، ومعرفته هي معرفة الحياة، لا على مستوى الفكر إنما على المستوى العملي المُعاش، أي الدخول في قانون روح الحياة: [ لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت ] (رومية 8: 2)…

فالله لا يُعرف في القواميس والفهارس والمعاجم الفكرية واللاهوتية على مستوى اللفظ وإدراك العقل من جهة قدراته الخاصة وشطارة كل أحد على إدراك الحقائق الإلهية وفحصها حتى لو كانت صحيحة تماماً، والتي لا يوجد فيها نصيب للغير متعلم أو الذي لم ينل درجة علمية عالية لأنه لم ولن يفهم الكُتب والأبحاث المتعمقة، لأن ذلك يُرسخ مفهوم المسيح الخاص بجماعة معينة ومن لهم فكر وقدرة على الاستيعاب مع أن الرب لم يأتي للمفكرين والعُلماء وحدهم بل للعالم كله، لأن حينما نعرف الله على مستوى الإقناع العقلي فقط بدون لقاؤه كشخص حي وحضور مُحيي، فسنتبع الإله الذي نصنعه لأنفسنا حسب قدرة استيعابنا على القراءة والفهم وإدراك عقولنا التي تتوقف على تعليم كل واحد فينا وإمكانياته العقلية وذكاءه الخاص، لأننا نضع في مخيلتنا أفكار عنه واضعينه في قالب عقلنا الصغير، والذي لا يمكن أن يُقيم – في هذه الحالة – لقاء حي مع الله القدوس الحاضر بقوة حياته لتسري فينا، لأن العقل يأخذ معلومات ويحفظها بحسب قدراته، ولكنه لا يستطع أن يتذوق قوة الحياة التي في الله من خلال المعلومات والحفظ وإخراج الأفكار !!!

فالعقل حينما تُحشر فيه المعلومات ينتفخ الإنسان ويقدم المعرفة الجافة ظناً منه أن هذا هو الخلاص وقوة حياة الإنسان، ويختلف بشدة وضراوة مع كل أحد لا يقنع بفكره وقناعته التي يظن أنها استنارة ومعرفة حقيقية على مستوى الحق الذي ينبغي أن يؤمن به الجميع، لأن هذا هو فعلاً الحق الإلهي الذي لا ينبغي أن يُنقض أبداً !!!

ولكن في الحقيقية الله روح وليس عقل (كما يُخطأ البعض ويترجم كلمة اللوغوس على أساس أنه مُشتق من الفلسفة اليونانية بمعنى العقل) أو معلومة تُقدم للناس: [ الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا ] (يوحنا 4: 24)

معرفة الله = حياة، بمعنى حينما نعرف الله كشخص حي وحضور مُحيي تسري فينا حياته كقوة نغلب بها الشر والفساد ونقرب إليه بالحب والتقوى ونلتصق به فنصير معه روحاً واحداً في انسجام تام، مع رؤية متواصلة وتغيير دائم لتنطبع فينا صورته الحلوة ونصير قديسين وبلا لوم أمامه في المحبة، لأن محبة إلهنا انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا (رومية 5: 5 ) …

+ لأن هذه مشيئة الذي أرسلني أن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير (يوحنا 6: 40)
+ لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت (رومية 8: 2)
+ وأما من التصق بالرب فهو روح واحد (1كورنثوس 6: 17)
+ نحن جميعا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح (2كورنثوس 3: 18)
+ كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة (أفسس 1: 4)

يا أحبائي لننتبه، أنه يوجد فرق بين معرفتين، معرفة الكتب، والمعرفة الشخصية الداخلية !!!

* معرفة الكتب: معرفة عقلية تتوقف على القدرة على التفكير والمقارنة والبحث بدقة والنشاط الذهني، وتتفاوت من قدرة عقل لعقل، وغالباً ما تؤدي للقناعة العقلية والتي يُمكن أن تتغير مع مرور الوقت تحت أي ظرف، والقراءة والإطلاع والمعرفة فيها منفعة ضرورية جداً – بالطبع – من جهة توليد الاشتياق في داخل القلب مع المعرفة الصحيحة والسليمة، وذلك أن كانت تهدف – حقاً – للوصول لله الحي كشخص نشتهي أن نلتقي به، أما أن توقفت على القدرة على الاستذكار والبحث العلمي والقاموسي فقط كشيء مجرد مثل باقي العلوم، حتى لو كان صحيح 100% ، ستولد انتفاخ ويصبح الإنسان متكبر غير قابل أن يتعلم من أحد، وان اتضع يكون اتضاع للافتخار الداخلي ليظهر أنه يعرف الله وهو بعيد كل البعد عن شخصه المُحيي تمام البعد !!!

+ [ وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع بل ببرهان الروح والقوة ] (1كورنثوس 2: 4)
+ [ فأجاب يسوع و قال لهم أليس لهذا تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله ] (مر 12: 24)

* المعرفة الشخصية الداخلية: هي عبارة عن حس باطني واعي، ومعرفة مباشرة قلبية تنتج من لقاء حي مع ينبوع الحياة الأبدية تؤدي إلى الفرح العميق والسعادة الحقيقية، لأن فيها لقاء شخصي جداً واتصال مباشر واعي بالله الحي، يدفع الإنسان ليسير وراء ربنا يسوع بالحب والإيمان بتقوى، وتحل عليه قوة الله (( وللننظر للقاء ربنا يسوع مع كل إنسان التقى به في الإنجيل ماذا حدث له وكيف سار وراءه وسمع نداءه المُحيي، بالرغم من أن معظمهم كانوا صيادي سمك بسطاء للغاية وغير متعلمين: [ بل اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء، واختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود (1كورنثوس 1: 27و 28)؛ [ اسمعوا يا إخوتي الأحباء أما اختار الله فقراء هذا العالم أغنياء في الإيمان وورثة الملكوت الذي وعد به الذين يحبونه (يعقوب 2: 5) ] ))

من هنا نقدر أن نستوعب كلام ربنا يسوع حينما لم يكتفي أن يتكلم عن معرفة الكتب وحدها، بل ألحقها بكلمة ( قوة الله ): [ فأجاب يسوع و قال لهم أليس لهذا تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله ] (مرقس 12: 24)

يا أحبائي هدف حياتنا الحقيقي لا أن نعرف مسيح الكتب والمراجع والبحث العلمي والفكري ( رغم أهميتها وضرورتها جداً لكل من يُريد أن يبحث عن الله الحي )، بل لنا اليوم أن نعرف مسيح الحياة الذي يعتقنا من ناموس الخطية والموت، الكتب والتوقف عند المعرفة فقط لا تُعطي عتقاً من سلطان الموت والفساد وغلبة الشرّ والدخول لملكوت الله، بل المسيح يسوع – له المجد – هو من يعطي عتقاً وقوة قيامة وحياة حب وسلام دائم !!!

العقل والفكر يحتاج لبرهان وبحث ومناقشات وحوارات لا تنتهي لنصل لمن هو على خطأ ومن هو على صواب، أما المعرفة الحياتية في لقاء حي مع الله، لا يحتاج لبرهان أو إقناع عقلي أو فكري، لأن في هذا اللقاء يقين قاطع باللمس والرؤيا الداخلية:

+ الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة (1يوحنا 1: 1)
+ الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح (1يوحنا 1: 3)

يا أحبائي كيف لنا أن نعرف أن منظراً ما جميلاً أو أن قطعة موسيقية جميلة ؟ !!! أبالبرهان ؟ أم بالقراءة والتفتيش والبحث في الكتب ؟ أم حينما نرى بأنفسنا ونسمع بآذاننا !!!
بل إننا نرى جمال المنظر ونسمع الموسيقى ونشعرها، ونتلامس مع الأمر كأمر واقعي حدث أمامنا واستقبلته حواسنا وأثر فينا داخلياً، ولا حاجة بنا أن يقنعنا أحد بهذا الأمر فكرياً، ولا فائدة من أن يُناقشنا أحد ليقنعنا به !!!

وكذلك أن لم نتلامس مع الله الحي بالإيمان الحي والحب، وان نسعى أن نلتقي به، وحياتنا تترجم هذا اللقاء بتقوى ومحبة عميقة له وتُثمر لحساب مجده، فأن كلامنا سيظل نظري يتوقف على قدراتنا العقلية والفكرية، ومن يوم ليوم يتغير حسب استنتاجنا العقلي والفكري وقدراتنا على البحث والمعرفة، وهذا هو الإله الذي نكونه في ذهننا، عبارة عن مجموعة من الأفكار والمعلومات، بل ونقاوم كل من يختلف معنا بشراسة ونُهين الآخرين ونحمل روح العداوة والخصومة، ونُصيَّر من أنفسنا مُعلمين للآخرين، ولكن ليس لنا حياة !!!

فلنا اليوم أن نعرف مسيح الحياة ونحيا معه في علاقة شركة على مستوى الروح والحق ونلبس قوة الله من الله وليست من أنفسنا وقدراتنا، وبالطبع أن لا ألغي المعرفة لأنها مهمة للغاية ونافعة جداً لكل من نال موهبة من الله في التعليم والدراسة لأجل بُنيان الكنيسة، ولكن معرفة بلا قوة الله ومعرفته كشخص حي وحضور مُحيي يُحرر النفس من سلطان الشر والفساد ويغيرنا لصورته كل يوم، سنضل أنفسنا بالمعرفة، بل وستبعدنا معرفتنا عن الحياة ونعيش في فلسفة كلام لا علاقة له بالله الحي والمحيي، بل نظن أننا بذلك رجال الله ونحن ابعد ما يكون عنه بدليل أننا لا نستطيع ان نسمع صوته وأن نحيا بالوصية التي مركزها المحبة [ حب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك – حب قريبك كنفسك ] …

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى