اللاهوت الرعوي

محاضرات فى علم اللاهوت الرعوى



محاضرات فى علم اللاهوت الرعوى

محاضرات
فى علم اللاهوت الرعوى

الأنبا
تادرس

كلية
البابا شنوده الإكليريكية – مطرانية شبرا الخيمة

 

مقالات ذات صلة

الفهرس

الفصل الأول: المسيح مثال الرعاة

الفصل الثانى: دعائم العمل الرعوى

الفصل الثالث: الكهنوت

الفصل الرابع: سمات الراعى

 

الفصل الأول: المسيح مثال الرعاة

حينما
نتكلم عن الرعاية، فإننا نتحدث عن رب المجد يسوع نفسه. فهو الراعى الحقيقى، وهو
الراعى الأول، وهو راعى الرعاة. ولايمكن أن توجد رعاية حقيقية وصادقة خارج شخص رب
المجد يسوع.

والسيد
المسيح لم يكلمنا عن مثاليات غير قابلة للتنفيذ، ولكن كل ما طلبه منا قام هو
شخصيًا بتنفيذه. ولأنه هو الراعى الحقيقى، قفد قال عن نفسه: “أنا هو الراعى
الصالح.”(يو11: 10) ودعاه بولس الرسول “راعى الخراف الأعظم.”(عب20:
13) وناداه داود النبى “الرب راعى فلا يعوزنى شئ.” (مز 1: 23)

1.
السيد المسيح مثال فى الرعاية الحقيقية:

والراعى
الحقيقى هو الذى يتعب من أجل الخراف؛ يترك التسعة وتسعين ويبحث عن الضال، وعندما
يجده يحمله على منكبيه فرحاً. لذلك عندما نستعرض حبه العجيب وفداؤه – منذ نزوله من
السماء وتجسده من العذراء مريم ومشاركتنا فى كل شئ ما خلا الخطية وحدها، يتحد بنا
ويأخذ جسد طبيعتنا ويخلصنا من أسر العدو بالفداء الذى أتمه على الصليب، حيث جاز
الموت من أجل خلاصنا – فإننا نجد أن التجسد هو افتقاد رعوى حقيقى، والفداء بذل
رعوى حقيقى.

كانت
هناك فجوة بين الله والإنسان؛ فما هو إلهى كان إلى فوق، وما هو إنسانى إلى أسفل.
وفى تجسدِه أصلح السمائيين مع الأرضيين وجعل الإثنين واحدًا. وكما يقال فى القداس
الغريغورى: “كراعٍ صالح سعيت فى طلب الضال. كأبٍ حقيقى تعبت معى أنا الذى سقط..
” ويقول عن نفسه فى سفر حزقيال: “أنا أرعى غنمى وأربضها، يقول السيد
الرب. وأطلب الضال وأسترد المطرود وأجبر الكسير، وأعصب الجريح، وأبيد السمين والقوى
وأرعاها بعدل.” (حز 34: 15- 16)

وفى
الإصحاح الرابع والثلاثين من سفر حزقيال، كما فى الإصحاح العاشر من سفر معلمنا
يوحنا، حديث تفصيلى عن الرعاية تقرأه الكنيسة ضمن مراسم سيامة البطاركة والأساقفة.

فى
الجزء الأول من سفر الإصحاح الرابع والثلاثين من سفر حزقيال يعاتب فيه الرعاة
الذين يقصرون فى حق الرعية، مقارنا بين الراعى المتفانى الباذل والراعى المتهاون
والمستهتر فى عمل الرعاية التى ائتمنه الرب عليها، مؤكدًا أن الرعاية الحقيقية هى
عمل الله نفسه.

ويؤكد
معلمنا بطرس الرسول نفس المعنى فى قوله: “لأنكم كنتم خرافا ضالة، لكنكم رجعتم
الآن إلى راعى نفوسكم وأسقفها.” (1بط 25: 2) ويقول القديس أغسطينوس: “إنى
أرى الكنيسة كقطيع يسير خلف راعيه.” فالله هو الراعى الحقيقى نستمد منه
المعونة والمثال ونخدم بقوته، واضعين أمامنا شخص المسيح القدوس. والكنيسة تسير
وراءه كقطيع يسير وراء راعى الغنم.

وكلمة
راعى” تطلق على رب المجد يسوع وعلى الرسل الأطهار، والأساقفة،
والخدام، والخادمات، والآباء، والأمهات. ويسمى الكهنة أيضا “رعاة” عندما
يشار إلى العمل الكهنوتى.

2.
السيد المسيح مثال فى البذل:

قدم
لنا السيد المسيح مثالاً فى البذل بأن قدم ذاته على خشبة الصليب. وقد أشار معلمنا
يسوع إلى هذا بوضوح عندما قال: “أنا هو الراعى الصالح، والراعى الصالح يبذل
نفسه عن الخراف.” (يو 11: 10) إن البذل علامة حب. والسيد المسيح لم يشفق على
نفسه فى أمور كثيرة كان يتفانى فيها من أجل الآخرين.

3.
السيد المسيح مثال فى التعب:

وفى
هذا يقول: “ابن الإنسان ما جاء ليخدَم، بل ليخدِم ويبذل نفسه فدية عن كثيرين.”
(مت 28: 20) كان رب المجد يسوع يطوف القرى والمدن كلها على قدميه يكرز ببشارة
الملكوت. لم يشفق على نفسه. مشى نصف يوم ليصل إلى السامرة من أجل خلاص نفس واحدة.

4.
السيد المسيح مثال فى الحكمة:

السيد
المسيح هو نفسه أقنوم الحكمة، وهو أرانا كيف أنه أخفى ألوهيته عن الشيطان بحكمة
إلهيه عجيبة لكى يتمم خلاصنا. وهذه الحكمة حيرت الشيطان، إذ جرَّبه قائلاً: “إن
كنت أنت ابن الله.. ” وهكذا حتى وصل إلى الصليب وأضاع على الشيطان فرصة تعطيل
عمل الله الذى أتمه على الصليب.

5.
السيد المسيح مثال فى التعليم:

كان
التلاميذ دائمًا ينادونه: “يامعلم” ويسألونه: “يارب علمنا”.
وقيل عن السيد المسيح: “فتح فاه وعلمهم قائلاً”. (مت 2: 5) وهذا مبدأ
هام يعلمنا إياه قداسة البابا، مناديا: “إمح الذنب بالتعليم”. فقبل أن
تعاقب على الخطأ، إشرح الصواب أولأً. كان السيد المسيح يبكت الكتبة والفريسيين على
جفاف تعليمهم وحرفيته، وأرسَى مبدأ أن يكون التعليم بالروح وليس بالحرف.

أعطانا
السيد المسيح ألا نكون عثرة للأخرين، وأن يكون عطاؤنا فى الخفاء (فلسَى الأرملة).
كان السيد المسيح مثالاً فى التعليم بشخصه وبكلامه وسلوكه. وعندما كان يعلمنا أن
نحب أعداءنا، نادَى على الصليب من أجل صالبيه: “ياأبتاه اغفر لهم”.

6.
السيد المسيح مثال فى العمل الفردى:

فى
أثناء خدمته على الأرض، أعطى ربنا يسوع أهميةً خاصة لكل إنسان؛ فقيرًا أو غنيًا،
صحيحًا أو مريضًا، خاطئا أو بارًا، متعلمًا أو جاهلاً، رجلاً أو امرأةً، طفلاً أو
شيخًا. كان يهتم بأى إنسان، وبكل إنسان،، وبكل الإنسان. اهتم بالعمل الفردى مع
المرأة السامرية، والمرأة الخاطئة، ومع زكا. فوسط اهتماماته بالعمل العام وعمل
الفداء، لم ينس العمل الفردى.

7.
السيد المسيح مثال فى الصلاة:

لا
يستطيع الراعى أن يخدم دون أن يصَلى. والمسألة ليست فى مَدى علم الخادم ولا كثرته،
ولكنها فى الرُكب منحنية تصلى باتضاع أمام الله.

كان
ربنا يسوع يقضى نهاره فى الخدمة وليله فى الصلاة، فهل كان محتاجًا إلى الصلاة؟ بل
كان يعطينا مثالاً كيف نخدم، وكيف يكون الراعى الأمين محب للصلاه. إن الصلاة هى
مكوِّن أساسى من مكونات الخدمة، وبدونها فالعمل غير متكامل.

8.
السيد الميسح مثال فى إعداد الخادم:

فى
أثناء خدمته على الأرض، لم ينفرد الرب يسوع – ولم يكتفى – بالعمل وحده. أعدَّ
الإثنى عشر تلميذًا والسبعين رسولاً، ثم قال لهم: “اذهبوا.. اكرزوا.. علموهم..
عمدوهم.”

9.
السيد المسيح مثال للدعوة:

الله
يدعو أولاده دائما للخدمة، كل واحد حسب إمكانياته وبحسب ما أعطاهم من مواهب.
فالكنيسة الناجحة ليست الكنيسة التى يخدم فيها الأسقف أو الكاهن بمفرده. ولكن هى
الكنيسة التى يخدم فيها الشعب كله. ولذلك فالعمل الناجح له شِقين: عمل الله مع
الإنسان؛ إذ يعطيه مواهب وإمكانيات، وعمل الإنسان؛ حيث يجعل نفسه أداه فى يد الله.

10.
السيد المسيح يعمل فى الرعاة ومعهم:

لا
يمكن لأى عمل رعوى أن ينجح دون أن يعمل الله فيه، لأن الله هو الخادم الحقيقى. هو
يعمل معنا وبنا ويتمجد اسمه فى كل مكان وزمان. هو راعى نفوسنا وأسقفها. هو يعمل فى
الرعاة فتصير قلوبهم كقلبه ممتلئة حبا وبذلاً.

أحيانًا
نجد خادمًا يعمل لعشرين سنة ولا يوجد تقدُّم فى حياته؛ فهو يكرِّر خدمة سنة واحدة
عشرين مرَّة. هذا الخادم لم يضع حياته بين يدَى المسيح. وهو لم يترك الله يعمل فيه
ومعه ليغيَّرَه، ويملأ قلبه حبًا وينمو فى حياته وأفكاره ومفاهيمه وتعاليمه. وهذا
الخادم لم يسمع إلى وصية الرسول بطرس، “أنتم أيها الأحباء، إذ قد سبقتم
فعرفتم، احترسوا من أن تنقادوا بضلال الأردياء فتسقطوا من ثباتكم. ولكن انموا فى
النعمة وفى معرفة يسوع المسيح.” (2 بط 17: 3)

من
سِمات الخادم الناجح أنه يعرف أن يد الله معه دائمًا، فلا تتحول الخدمة إلى
“روتين”. ولكن يصير قلبه ممتلئا حبا وكلماته ككلِمات سيده: “أنت
تلميذ ذاك،” (يو 28: 9) ويكون حضور الله ظاهرًا جليًا فى العمل، إذ أن
“لغتك تظهرك.” (مت 73: 26) وهكذا يكون الله هو نسمة حياة الخدمة، وشمسها
الدافئة، وحيويتها المتدفقة. فإذا غاب المسيح غاب كل شئ، لكن فى حضوره يكون الحصاد
وفيرًا. إن جهاد الخادم الأساسى فى أن يكون أداه طيعة فى يد المسيح، لأنه “إن
لم يبن الرب البيت، فباطلاً يتعب البناؤُون. وإن لم يحرس الرب المدينة، فباطلاً
سهر الحراس.” (مز 1: 127) وهو الذى قال: “بدونى لا تقدرون أن تفعلوا
شيئا.” (يو 5: 15)

إن
الخدمة الناجحة لا تبدأ من المنبر، بل من المخدع. موسى أولاً، ثم يشوع؛ موسى يرفع
يديه فينتصر يشوع. لذلك يجب على الخادم – قبل أن ينضم إلى مجموع الخدام – أن يدخل
الى المخدع لطلب المعونة. وقبل أن يبدأ الافتقاد، يجب أن يدخل الى الكنيسة. ويؤكد
بطرس الرسول على ضرورة أن ترعى رعاية الله نظارًا، لا عن اضطرار بل عن اختيار،
صائرين أمثلة للرعية: “ومتى ظهر رئيس الرعية، تنالون إكليل المجد الذى لا
يبلى.” (1 بط 2: 5) ويأمر الكتاب المقدَّس الرعاة بأن “احترزوا إذاً
لأنفسكم ولجميع الرعية التى أقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله
التى اقتناها بدمه.” (أع 28: 20)

والخادم
الذى لايهتم بنفسه، ينطبق عليه قول الكتاب المقدس: “جَعلونى ناطورة (حارس)
الكروم، أما كرمى فلم أنطره.” (تث 6: 1) وهو الأمر الذى جعل بولس الرسول يقول:
“أقمِع جسدى وأستعبده، حتى بعدما كرَزتُ للآخرين لا أصير أنا نفسى مرفوضا.”
(1 كو 27: 9)

وخلاصة
الأمر أن الله هو الراعى الحقيقى. هو الذى أسس الرعاية، وهو مصدرها. ولا نستطيع أن
نقبل أى عمل رعوى من دون الله. فهو المثال، وهو الراعى، وهو السند. أما من ينظر
إلى الرعاية على أنها عمل “أكاديمى” بحت ويفصل بينها وبين الله، فإنه
يتحول إلى مدرِّس وليس راع. وهناك فرق كبير بين الاثنين.

 

الفصل الثانى: دعائم العمل الرعوى

يرتكز
العمل الرعوى على ثلاثة أعمدة هى الحب، والحكمة، والاتضاع.

أولا:
الحب

لخص
السيد المسيح الكتاب المقدس كله فى، “الله محبة.” وقد وضع لنا الأساس
القوى فى عدم وجود عمل رعوى بدون محبة متبادلة بين الراعى والرعية.

وعندما
سأل السيد السيح سمعان بن يونا: “أتحبنى..؟” أجاب سمعان: “أنت تعلم
يارب أنى أحبك.” فقال له يسوع: “ارع غنمى.” وتكرر هذا الحديث ثلاث
مرات لأنه لا توجد رعاية بلا حب متبادل، إذ أننا “نحن نحبه لأنه هو أحبنا
أولا.” (1 يو 19: 4)

والله
الذى أحبنا أولا ترجم محبته لنا بأعمال كثيرة وليس بالأقوال، فهو يقول لنا: “لا
أترككم يَتامَى.” (يو 18: 14) لذلك فإن الخادم يتقدم للخدمة لأنه مديون لله
بالمحبة. الخادم لا يتفضل على الخدمة بمواهبه وإمكانياته، لكنه يسدد جزء بسيط من
دَين محبة الله له. وعلى قدر إدراك الخادم لمحبة الله يحاول أن يعبر عن هذا الحب
بالعمل، لأن معلمنا يوحنا يقول: “يا اولادي لا نحب بالكلام و لا باللسان بل
بالعمل و الحق.” (1 يو 18: 3) إن الرب يسوع أجاب عندما سئل عن أعظم الوصايا: “تحب
الرب الهك من كل قلبك و من كل نفسك و من كل قدرتك و من كل فكرك و قريبك مثل نفسك.”
(لو 10: 27) وهذا هو العمل الرعوى؛ أن تحب بالعمل وليس باكلام. ويقول قداسة الباب
شنودة الثالث عن ضرورة اقتران العمل بالحب: “إن الله قبل أن يقبل العمل
المُقدَّم، لابد وأن ينظر إلى قدر الحب الذى فى قلبك.” حينما قدَّم حنانيا
وسَفِيرَة ثمن البيت، كان قلبهما خال من المحبة، لذلك كان عملهما بلا قيمة ولم
يقبله الله.

وعندما
تقدَّم الخدمة عن حب، فإنها تفرح قلب الله ولو كانت خدمة بسيطة (فلسَى الأرملة،
المرأة ساكبة الطِيب، إلخ.) “من يثبت فى المحبة يثبت فى الله والله فيه.”
(1 يو 16: 4) وبعبارة أخرى، فإن العمل الرعوى ينمو بالمحبة. كلما ازدادت محبتك له
ولأولاده، كلما ازداد العمل الرعوى فى حياتك. وفى حديثه لتلميذه تيموثاؤس، يحدد
بولس الرسول صفات الراعى فيقول: “غير مدمن الخمر و لا ضرَّاب و لا طامع
بالربح القبيح بل حليمًا غير مخاصم و لا محب للمال” (1 تى 3: 3) فهو إنسان
محب للكل، مجامل للكل، وخدوم للكل، وقلبه مفتوح بالمحبة للكل.

ويتحدث
بولس الرسول فى الإصحاح الثالث عشر من الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس عن المحبة،
والتى تصل إلى البذل والصليب والاستشهاد، فيقول: “وإن سلمت جسدى حتى أحترق
ولكن ليست لى محبة فلا أنتفع شيئا.” (1 كو 3: 13) وهو يقصد بالمحبة أن يحمل
آلام الناس ويتفانى من أجلهم ويبذل نفسه من أجلهم، وفى كل هذا لا يتذمر أبدًا. وهو
أيضا ينسب لنفسه أخطاء الآخرين، مثلما يتكلم دانيال بصفة الجمع قائلا: “أخطانا
و أثمنا و عملنا الشر و تمرَّدنا وحدنا عن وصاياك وعن أحكامك.” (دا 9: 5)
وصلى وصام ووضع نفسه مع الخطاة وتوسل لله عنهم رغم أنه لم يفعل شيئا.

 

بعض
سمات المحبة:

1.
الأبوَّة الروحية للجميع

فالإنسان
الذى يمتلئ قلبه بالحب يشعر بالأبوة نحو الآخرين، ويمتلئ قلبه بالإحساس بالمسئولية
نحو الخطاة والمحتاجين، ويشعر بالحب والأبوة للجميع دون تفرقة.

2.
الحنان والرفق بالخطاة

القلب
الممتلئ بالمحبة يترفق بالخطاة، ويشفق عليهم، ويراعى ظروفهم، ويتأثر بضعفاتهم،
ويقف إلى جانبهم، ولا يحتقرهم.

ترَفق
السيد المسيح بالمرأة الخاطِئة وبالزانية، لأنه من مِنا بلا خطية؟ إننا كلنا تحت
الضعف؛ يخطئ أخى اليوم ويتوب، وأخطئ أنا غدًا وقد لا أجد فرصة للتوبة. إن مشاعر
المحبة كثيرًا ما تكون سببًا لجذب الآخرين، مثلما جذب السيد السميح السامِرية وزكا
ومتى العشار، فتابوا ورجعوا. ويقول قداسة الباب شنودة الثالث: “إذا كنت تذهب
لخدمة القديسين، فلا فائدة. نحن نخدم الجميع، وأولا الخطاة.”

3.
السهر على حراسة القطيع

الخادم
المُحِب يبحث عن المخدومين ويسهر عليهم لكى لا يهلك منهم أحد. الخادم الساهر على
حراسة القطيع يستطيع أن يقول: “الذين أعطيتنى إياهم لم يهلك منهم أحد.”
(يو 12: 17)

4.
البذل والتضحية فى الجهد، والوقت، والإمكانيات

لا
يبخل الإنسان المحب أن يتمم عمل الله بكل الإمكانيات التى أعطاها الله له. وهو
يعرف أن هذه الإمكانيات هى أمانة عنده، ويفرح جدًا عندما يقدمها لله ولا يبخل بشئ
منها.

5.
إحتمال الإساءة والحروب

القلب
المحب يحتمل الإساءة والحروب من داخل الكنيسة ومن خارجها، من الأصدقاء والأعداء،
من المحبين والكارهين، إذ أننا “من أجلك نمات كل النهار.” (رو 36: 8)
وكذلك فإننا “نشتم فنبارك، نضطهد فنحتمل، يفترى علينا فنعظ.” (1 كو 12: 4)

6.
إحتمال الأتعاب

تسمى
الكنيسة العمل الرعوى “تعب المحبة”، فهو مفرح جدًا للقلب المملوء حبًا،
ومتعب جدًا للقلب الخالى من المحبة.

7.
الجهاد الروحى

أنت
تمارس أصوامك، وصلواتك، وقراءة الكتاب المقدس، وتحضير الموضوعات، وحضور القداسات
من أجل المحبة. ولكن بدون المحبة تشعر أنها واجب عليك، وحِمل ثقيل من الأفضل ألا
تمارسه. القلب الممتلئ بالحب يقول: “ومعك لا أريد شيئا.” (مز 25: 73)

 

ثانيًا:
الحكمة

الحكمة
هى الأساس القوى الثانى للعمل للعمل الرعوى، وغياب الحكمة يمكن أن يتسبب فى هلاك
نفوس كثيرة. وعدم الحكمة فى اختيار الآية المناسبة أو العبارة المناسبة يمكن أن
يضيع حياة إنسان.

الحكمة
هى سر نجاح الأنسان، وهى التى تجعل الراعى يبحث عن النفوس ليربحها. ويقول الكتاب
المقدس: “رابح النفوس حكيم.” (أم 30: 11) عندما سأل الله سليمان الحكيم
عن بغيته قال: “اعط عبدك قلبا حكيمًا فهيمًا لأحكم على شعبك وأميز بين الخير
والشر. لأنه مَن يقدر أن يحكم على شعبك العظيم هذا؟” (1 مل 9: 3) لذلك قال له
الله: “قد أعطيتك أيضا ما لم تسأله غنى وكرامة حتى أنه لا يكون رجل مثلك في
الملوك كل أيامك.” (1 مل 13: 3) ولذلك فإننا حتى الآن نحتذى حكمة سُليمان.
وسفر الأمثال هو أكبر مثال للنعمة الإلهية الخاصة التى أعطاها الله لسليمان الذى
لم يطلب غير الحكمة. والله مستعد أن يعطى الحكمة لكل مَن يسأله حسَب وَعده: “لأنى
أنا أعطيكم فما وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها.” (لو 15: 21)
والحكمة مطلوبة فى الكنيسة للخدام على كافة مستوياتهم. فالبطريرك غير الحكيم سيصبح
مثل “نسطور”، والكاهن غير الحكيم سيصبح مثل “أريوس”، لذلك فإن
“رأس الحكمة مخافة الله.” (مز 10: 111)

حددت
الكنيسة صفات الشمامسة عندما عينت سبعة شمامسة أولا، ويذكر سفر الأعمال أن هؤلاء
الشمامسة كانوا “مملوئين من الروح القدس وحكمة.” (أع 3: 6) وقيل عن موسى
النبى أنه “تأدَّب بكل حكمة المصريين.” (أع 22: 7) وتعتبر الكنيسة أن
الأسرار السبعة المقدسة هى نبع الحكمة فى حياة الخادم “الحكمة بنت بيتها.
نحتت أعمدتها السبعة.” (أم 1: 9)

والإنسان
الحكيم يتقبل التوبيخ، والنصح، والإرشاد، والتوجيه. أما غير الحكيم فيرفضها جميعا.
ولذلك يقول سفر الأمثال: “لا توَبخ مستهزئا لئلا يبغضك. وبخ حكيمًا فيحبك.”
(أم 8: 9) وعندما كان السيد المسيح (أقنوم الحكمة) يتعامل مع الناس كانوا يتعجبون
ويسألون من أين أتت هذه الحكمة.

والحكمة
عطية إلهية يعطيها الله للبسطاء والمتواضعين، فهو يختار الجهال ويعطيهم حكمة، إذ
قال بولس الرسول: “بل اختار الله جُهال العالم ليخزى الحكماء.” (1 كو 27:
1) كان التلاميذ من جهال هذا العالم، لكنه وعدهم أن “أعطيكم فمًا وحكمة لا
يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها.” (لو 15: 21)

وبحكمة
تبدأ خدمتك، بأن تسأل وتطلب الإرشاد من الآخرين و “لا تكن حكيما في عيني نفسك.”
(أم 7: 3) عندما وصل بولس الرسول إلى أثينا، لم يكن فيها مسيحى واحد، وبحكمة الله
الذى استخدمه فى الخدمة، خرج منها ولم يكن فيها وثنى واحد.

 وكثيرًا
ما يثور أمامنا سؤال حول قول الرب فى أن نكون “حكماء كالحيات.” (مت 16: 10)
وفى هذا يقول قداسة البابا شنودة الثالث: “الحكمة فى المسيحية بسيطة.
والبساطة فى المسيحية حكيمة.” وهنا يثبت قول بولس الرسول: “لا بحكمة كلام
لئلا يتعطل صليب المسيح.” (1 كو 17: 1) فالحكمة البسيطة هى من الله وليست من
الإنسان، وهى ليست أداة بلاغة، ولا هى للكبرياء ولا لضرر الآخرين.

 

بعض
علامات الحكمة:

وفى
الرعاية توجد علامات كثيرة للحكمة، نختار بعضها لكى نوضح التطبيق العملى للحكمة فى
العمل الرعوى

1.
إجادة التعامل مع الناس

من
الخطأ أن يتعامل الخادم بأسلوب ثابت مع كل الناس. يجب أن يختار الأسلوب المناسب
لكل سن، وجنس، وطبع. وكما قال بولس الرسول: ” فصرت لليهود كيهودى.. و للذين
تحت الناموس كأنى تحت الناموس.. للذين بلا ناموس كأنى بلا ناموس.. للضعفاء كضعيف..
صرت للكل كل شئ لأخلص على كل حال قومًا.” (1 كو 20: 9-22) فالخادم الحكيم
يتكيف مع الطبيعة مع الاحتفاظ بالعمق مع الله فى كل شئ.

2.
اللباقة فى الكلام والتصرف

الخادم
يجب أن يعرف كيف يتكلم وكيف يعلم التعليم الصحيح وأن يختار المدخل المناسب. عندما
ذهب بولس الرسول إلى “أثينا”، دخل اليها من مدخل الإله المجهول. وعندما
صرخ الإسكافى: “يا الله الواحد!”، انتهزمرقص الرسول الفرصة لأن يبشره
بالإله الواحد.

3.
حسن انتهاز الفرص

إذا
جاءت فرصة لكسب نفس للمسيح فى أثناء رحلة أو جولة، فانتهزها ولا تتركها.

4.
التوقيت المناسب

لكل
عمل وقته المناسب؛ فللصلاة وقت، وللإفتقاد وقت آخر. إن حسن اختيار الوقت المناسب
يساعد على نجاح العمل الرعوى.

5.
حسن الجمع بين المتناقضات

يجب
أن يجيد الخادم الجمع بين المتناقضات، “فرحا مع الفرحين، وبكاءًا مع الباكين.”
وعلى سبيل المثال، فهو قادر أن يجمع بين عدة مشاعر متناقضة، بينها:

‌أ.
الفرح والحزن: يتمتع الخادم بسلام وفرح داخليين فى صلواته، ومزاميره، وميطانياته،
وقدَّاساته. وهو أيضًا يشعر بالحزن على الخطاة، والأشرار، والنفوس التى هلكت.

‌ب.
الإحساس بالمسئولية وعدم القلق: إذا قلق الخادم بسبب إحساسه بالمسئولية فقد يصل
الأمر إلى إصابته بالأمراض الجسدية، لكن الحكمة التى يعطيها الله إياه تذكره بأن
مشاكل الرعاية بين يدَى من لا يغفل ولا ينام.

‌ج.
طول الأناة والحماس: قد يتعين على الخادم أن يكون طويل الأناة عندما يستدعى الموقف
ذلك. وفى بعض الأحيان، فإن التأجيل قد يكون مضرّا. الخادم الحكيم هو من يستطيع أن
يفرِّق بين هذا وذاك، ويعرف متى يسرع ومتى يتأنى ليعمل كل عمل فى حينه.

‌د.
الأبوة والقيادة والرئاسة: لابد للراعى من أن يسلك كأب، لكن فى نفس الوقت يحمل روح
الرئاسة فلا يسكت على خطأ قائم. وهو يعرف متى يستعمل السلطة الرئاسية (“بيتى
بيت الصلاة يدعى.” مت 13: 21) ومتى يستعمل حنان الأبوة (“أنت بطرس، وعلى
هذه الصخرة أبنى كنيستى.” مت 18: 16)

‌ه.
الحب والحزم: فى العمل الرعوى ينبغى أن بقدم الحب لكل إنسان؛ لكل المحتاجين. ولكن
نحتاج للحزم عندما يوجد خطر يهدد الكنيسة، فالسيد المسيح الذى قال لبطرس الرسول: “أنت
بطرس، وعلى هذه الصخرة أبنى كنيستى.” (مت 18: 16) هو الذى قال لبطرس نفسه: “إذهب
عنى ياشيطان. أنت معثرة لى.” (مت 23: 16)

‌و.
الخدمة والخلوة: يحتاج الخادم دائمًا إلى وقت للخلوة، ولا يتعارض هذا مع وقت
الخدمة والرعاية.

‌ز.
الصلاة والعمل: الحكمة تقود الخادم ليعرف متى يغلق بابه ويتفرغ للصلاة، ومتى يخرج
للخدمة والعمل الرعوى.

‌ح.
البساطة والعمق: البساطة لا تعنى السطحية، والعمق لا يعنى المكر أو الخبث. إن
البساطة المسيحية فى الحكمة، والعمق فى الإيمان والعلاقة الله.

‌ط.
الرحمة والعدل: إن الهنا رحيم وعادل، وهو يعلمنا أن للرحمة وقت وللعدل وقت آخر.
والحكمة هى أن نختار الوقت المناسب لكل منهما.

‌ي.
السلام والنشاط: الخادم الحكيم يجمع بين السلام الداخلى واهتمامه بالخدمة
واحتياجاتها بدون أن يفقد سلامه.

أخيرًا
ياأحبائى نتذكر قول الوحى الإلهىعلى لسان يعقوب الرسول: “من هو حكيم و عالم
بينكم فلير أعماله بالتصرف الحسن في وداعة الحكمة” (يع 13: 3) فالذى يسلك فى
الحكمة يسلك فى النور، والذى يسلك فى الجهل يسلك فى الظلام. والذى يسلك فى الظلام
هو أعمى، وإن قاد الأعمى أعمى فكلاهما يسقطان فى حفرة.

 

ثالثا:
الإتضاع:

طلب
رب المجد أن نتعلم منه الاتضاع بقوله: “تعلموا منى لانى وديع و متواضع القلب
فتجدوا راحة لنفوسكم.” (مت 29: 11) وقد قدم مثالا عمليًا فى الإتضاع فى خدمة
غسل الأرجل. وهو علمنا أن ابن الإنسان جاء ليخدِم ويبذل نفسه فدية عن آخرين من
المرضى والحزانى المحتاجين. وهو الذى شَفى مجنون أعمى أخرس، ثم قيل عنه أنه مجنون.
لم يطلب كلمة شكر، ولم ينتظرها، مقدِمًا مثالاً فى الإتضاع. والإنسان المتضع لا
يطلب كرامة لنفسه، عملا بقول الرب: “مجدًا من الناس لست أقبل.” (يو 41: 5)
وفى رحلة الصليب قيل عنه: “كشاة تساق إلى الذبح.” (أش 53: 7، أع 32: 8)
وهو لم يتذمر من آلام الصليب، وكذلك الخادم لا يتذمر من ثقل الخدمة، ولكن يقبل
آلام الخدمة باتضاع حتى يسمع ما قاله السيد المسيح للأنبا بيشوى: “كفاك تعبا
ياحبيبى بيشوى.”

وفى
اتضاعه، ينسب الله أعماله إلى البشر؛ فناموسه أصبح “ناموس موسى”. وهو
الذى علمنا أن “من أراد أن يصير فيكم عظيما يكون لكم خادما.” (مر 43: 10)
فالعظمة ليست فى المراكز، ولكن فى أن نأخذ بركة خدمة أولاد الله.

 

مفهوم
الإتضاع:

1.
الوداعة فى المعاملة

كان
السيد المسيح وديعا فى معاملته مع المرأة السامرية. لم يكن عنيفا ولا قاسيا فى
كلامه ولا حتى مع من شتموه وعيرُوه، بل كان يرد عليهم فى وداعة.

2.
عدم التسرُّع

الإنسان
المتضع لا يتسرع فى اتخاذ قرارته، بل “ليكن كل إنسان مسرعا فى الاستماع مبطئا
فى التكلم مبطئا فى الغضب.” (يع 19: 1)

3.
عدم الانتقام

إذا
أهين الخادم من أحد المخدومين وحاول أن يرد الإهانة، فهو يفقد هدوئه، ووداعته،
واتضاعه. لا تنتقم لنفسك، بل قل: “من أجلك نمات كل النهار.” (مز 22: 44،
رو 36: 8)

4.
قمع الذات

الإنسان
المتضِع يقمع ذاته ولا يتذمر على شئ. هناك من يشكر الله فى الظروف الحسنة، لكن
عندما تصبح الأوضاع غير مواتية، يتغير، ويتذمر ويفقد هدوئه وسلامه. تذكر أن الله
أخرَج شعب إسرائيل من أرض العبودية، لكن عندما تذمروا، حرَمهم من دخول أرض الموعد.
الخادم الحقيقى يقمع ذاته ويتحكم فى نفسه. وهو يحمل الصليب بفرح، عارفا أنه
“إن أراد أحد أن يأتى ورائى، فلينكر نفسه و يحمل صليبه و يتبعنى.” (مت
24: 16، مر 34: 8، لو 23: 9)

5.
عدم الإدانة

ما
أكثر ما يقع الخادم فى خطية الإدانة ويفقد سلامه. إن الإدانة هى ضربة كبرياء،
وكثيرا ما تتضمن تعدِّى على وجود الله؛ فمن أنت أيها الإنسان حتى تدين الآخرين؟ من
منكم بلا خطية؟ من أقامك قاضيا؟ إذا لم تقل كلاما حسنا، فلا تقل كلاما رديئا، لأن
هذا يقودك إلى الإدانة.

6.
لا يطلب ما لنفسه

الإنسان
المتضع لا يفكر فى كرامته ولا وقته، لكنه بيحث عن الآخرين. الخادم لا يشفق على
نفسه، بل يتعب ليربح الآخرين، ولا يسمح لنفسه أن يستريح ليتعب الناس. الراعى
الحقيقى لا يعتبر نفسه رئيسا أو متسلطًا، لذلك يصلى القديس أغسْطينوس: “أذكر
يارب سادَتى عبيدك.” وإذا كنا ندعو الفقراء “إخوة الرب” فلابد أن
نعطيهم الكرامة التى تليق بهذا الاسم. إنه هو نفسه الذى قال: “وبخ، انتهر،
عظ”، وقال: “بكل أناة وتعليم.” (2تى 2: 4) ومن تعاليم البابا شنودة
الثالث للكهنة: “كن أبا وسط أخوتك، وأخا وسط أولادك.”

إن
الناس لا يستريحون لمن يكلمهم بكبرياء أو تعالِى، لأن الراعى الحقيقى لا يتكبر فى
مظهره، ولا فى كلامه، ولا بعمله، ولا بروحانياته.

 

علامات
الكبرياء:

لا
يشعر بعض الخدام بأن سلوكهم قد يشير إلى الكبرياء. إلا أن وجود بعض الظواهر قد
يشير إلى إحساس الخادم بالكبرياء حتى لو لم يكن الخادم نفسه يفطن لذلك. ومن هذه
الظواهر:

1.
يتكلم مع الآخرين بدون احترام

2.
يتكلم بحدة وبوجه غير مبتسم

3.
يتكلم بصوت عال بدون مبرر

4.
دائما يفتخر بخدمته وبمجال رعايته

5.
يظهر غير محتشم ويتحلى بالزينات

6.
متمسك برأيه

 

الفصل الثالث: الكهنوت

لا
شك أن الكهنوت هو كمال الأسرار. وعظمة الكهنوت مستمدَّة من الكاهن الأعظم ربنا
يسوع المسيح، الذى قدم ذاته ذبيحة على الصليب، مبطلاً ذبائح وكهنوت العهد القديم،
ومؤسسًا كهنوت العهد الجديد. فبعد أن تم الفداء على الصليب، أراد الله أن يشرك
البشر فى هذا العمل، فقدم لنا الكهنوت العام والكهنوت الخاص.

أولاً:
الكهنوت العام

الكهنوت
العام هو كهنوت الحمد والتسبيح. وفى أكثر من موضع يتحدث الكتاب المقدس عن أننا
“كلنا ملوك وكهنة.” وليس المقصود أن يكون الشعب كله ملوكا وكهنة. لكن
المقصود أن كل إنسان قبل المسيح فاديا ومخلصًا فإنه قد نال كرامة أن يكون ابن لملك
الملوك ويمارس الكهنوت العام الذى لا يقدم ذبيحة العهد الجديد من الخبز والخمر ولا
الذبائح الحيوانية كما كان فى العهد القديم، بل يقدم ذبائح الحمد والتسبيح لله.
ويشير إلى ذلك داود المرتل بقوله: “ليكن رفع يدَى قدَّامك كذبيحة مسائية
أمامك.” (مز 2: 141) فكل إنسان، إذن، هو كاهن يجيب نداء الرسول بولس وطلبه
“أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية.”
(رو 1: 12) وفى هذا يقول القديس يوحنا ذهبى الفم: “إن كل عضو فى جسد المسيح
السرى يشترك فى حياة الفادى الكهنوتية وفى موته الكفارِى متحد كالجسد بالرأس؛ أى
بشخص يسوع المسيح. ويستطيع كل مؤمن أن يقدم ليتورجية داخلية غير مرئية، وذلك
بالقدر الذى يشترك به فى الذبيحة التى قدمها يسوع بذاته على الأرض ولا تزال
مُقدَّمة فى السماء بصورة أبدية.”

و”الليتوجية
معناها صلاة المجموعة. ولذلك فالمؤمنين ليسوا مجرد سامعين أو متفرجين عند حضورهم
القداس الإلهى، بل هم أعضاء مشاركين. لذلك تقول الكنيسة فى تحليل الخدام: “عبيدك
يارب خدام هذا اليوم، الكهنة، والشمامسة، والإكليروس، وكل الشعب..
” فالكل خدام فى شركة، لكن لكل واحد حسب نصيبه فى الخدمة. وتأكيد هذا المفهوم
عند الشعب يزيد من قوة المؤمنين، ويشعرهم بارتبارط روحى من خلال حضورهم القداسات
باستمرار.

ثانيًاً:
الكهنوت الخاص

يقول
معلمنا بطرس الرسول: “كونوا أنتم أيضًا مبنيين كحجارة حية، بيتا روحيًا،
كهنوتا مقدسا لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح.” (1 بط 2: 5-9)
وحين يكلم الرسول بطرس الشعب بهذا الكلام، فإنه يقصد الكهنوت بمعناه الخاص. وكما
سبقت الإشارة، فإن “كلنا ملوك وكهنة” لا يُقصَد بها أن يكون الشعب كله
ملوكا وكهنة، بل أننا أصبحنا أبناءًا وبناتا لملك الملوك.

الكهنة
هم خدام الأسرار. وفى الكنيسة الأولى أقيم نظارًا (أساقفة) وشيوخ (كهنة) وخدام
(شمامسة) لكى يكملوا أعمال الرسل المُسَلمة لهم. وكان موكول إليهم أن يمارسوا
سلطانهم فى الكنائس وأن يكونوا اللسان المُعبر والإرادة المنظورة لهذه النعمة
الكهنوتية. وهم مؤتمنون على الكرازة بالكلمة وعلى توصيل الأسرار لكل الناس.
وللكهنوت نعمة خاصة تنبع من كهنوت السيد المسيح له المجد، رئيس الكهنة الحقيقى.
فكلما ازداد اتحاد الكاهن بشخص المخلص ازداد قوة فى كهنوته. ويقول القديس يوحنا
ذهبى الفم: “إن الكاهن الواقف ليقدِّس القرابين يجب أن يكون طاهرًا كما لو
كان واقِفا فى السموات عينها فى وسط تلك القوات السمائية. حينما ترى الرب ذبيحا
وموضوعا على المذبح، والكاهن واقفا يصلى على الذبيحة، والشعب يشترك فى الصلاة، هل
تستطيع أن تقول أنك لازلت بين الناس على الأرض، أم أنك انتقلت إلى السماء، وطرحت
عنك الأفكار الجسدية؟ ألسْتَ تتأمل الأشياء التى فى السماء بفكر نقِى وبروح متحررة
من الجسد؟ ياللعجب من حب الله للإنسان، إذ أن الساكن فى الأعالى يكون فى هذه
الساعة بين يدَىّ الكاهن يعطى ذاته لمن يريد. حينما نتصور إيليَّا يرفع الصلاة
فتنزل النار من السماء على الذبيحة؛ إنها بلا شك تمت فى رعب. أما الآن فى العهد
الجديد، فلا تنزل نار من السماء، بل الروح القدس نفسه يستمع إلى الطلبات التى
يطلبها الكاهن عن شعبه فتضئ النعمة النازلة على الذبيحة فى نفوس الجميع، فيتألقون
أكثر من الفِضة المصفاة بالنار. يالعظمة هذا السر الرهيب، ولولا مساندة نعمة الله
العظيمة للحميع، لفنِىَ الكل فى هذه اللحظات. مَن هذا الذى يقوم أمام المجد
الإلهى؟ موسَى لم يستطع أن ينظر الله لأنه لا يستطيع أحد أن يراه ويعيش. والكاهن
يحمل الإله على يده، فأى سلطان وكرامة عظيمة ورهيبة جدًا.”

 

سلطان
الكهنوت

لقد
أعطى الله للكاهن سلطان وكرامة لم يعطِهما للملائكة ولا لرؤساء الملائكة، لأنه لم
يخاطبهم قائلا: “كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا فى السماء، وكل ما
تحلونه على الأرض يكون محلولا فى السماء.” (مت 19: 16، مت 18: 18) وهذا يعنى
أن ما يفعله الكاهن على الأرض يصدِّق الله عليه فى السماء، وما ينطق به العبد
يؤيده سيده. هذا سلطان سمائى وكرامة سمائية. وفى هذا يتأمل يوحنا ذهبى الفم: “أى
سلطان يكون أعظم من هذا؟ إذا أعطى ملك لإنسان أن يضع من يريد فى السجن ويطلق سراح
من يريد، فسوف يكون لهذا الإنسان احترام بين الشعب كله، فما بالك بمَلك الملوك؟
الله يعطى الكهنوت هذه الكرامة وهذا السلطان العظيم. أفلا يستحق الكاهن احترام
الشعب وتوقيره؟ فالأشياء الصالحة التى تدخِلنا ملكوت السموات كلها تتم عن طريق
الكهنة؛ من ولادة ثانية، إلى أكل جسد الرب ودمه.” ويقول رب المجد: “إن
كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يرى ملكوت الله.” (يو 3: 3)
وأيضًا: “من يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت فى وأنا فيه.” (يو 56: 6) فكيف
يمكن لأى إنسان دون هذه الأمور– التى لا تتم سوى بواسطة الكاهن – أن يربح الأكاليل
المعدَّة للفائزين؟

لذلك
يجب علينا أن نكرم الكهنوت بما يليق وكرامة مَن اختارهم وأرسلهم الله نفسه. نكرمهم
أكثر من الوالدين، لأن الوالدين ولدونا من مشيئة رجل، أما الكهنة فولدونا من الله
ولادة روحية وأعطونا نعمة البنوة لله والحرية من قِبله.

فى
العهد القديم أعطى الله للكهنوت سلطانا لشفاء بعض الأمراض، فما بالنا بالعهد
الجديد؟ أعطى الله كهنوت العهد الجديد سلطانا أكثر بكثير، لذلك فإن الذين يحتقرون
الكهنة يستوجبون اللعنة أكثر من داثان وجماعته، ويستحقون عقابًا أشد قساوة.

الكاهن
هو الذى يصلح الإنسان مع الله. لذلك يجب له الإحترام، حتى لو أتى منه سلوك شخصى
غير لائق. طالما أن كهنوته محفوظ فله الإحترام.

 

الدعوة
إلى الكهنوت

يقول
الوحى الإلهى على لسان بولس الرسول: “لا يأخذ أحد هذه الوظيفة من نفسه، بل
المدعو من الله كما هارون.” (عب 4: 5) فالله ينظر ويختار ويريد. فى البداية
إختار الأبكار، وقال لموسى: “قدِّس لى كل بكر؛ كل فاتح رحم من بنى إسرائيل من
الناس ومن البهائم إنه لى.” (خر 2: 13)

إختار
الله هارون وبنيه لخدمة الكهنوت؛ يكونوا نصيبًا للرب (إكليروس للرب). وعند تقسيم
الأرض، قال إن هارون ونسله لا يأخذوا شيئا لأن الرب هو نصيبهم؛ يأكلون مما يعطى
للرب. (يش 7: 18) وقبل أن يبدأ هارون وأولاده خدمتهم، أمر الرب موسى أن يمسحهم
أمام كل الجماعة، وأن يقدموا ذبيحة للرب فى محفل مقدس وهم لابسون ثياب مقدسة
مصنوعة كأمر الرب. (خر 28، خر 30، خر 40، لا 7) والمسحة هنا تشمل التقديس،
والتكريس، والتخصيص.

وأمر
الله أن يضع علامة من ذهب على جبهة هارون، فتكون علامة للرضا أمام الرب عن هارون
وعن الشعب. ولم تكن ثياب الكهنة من باب المظهر وحسن اللبس، ولكن كما قال عنها: “للمجد
والبهاء.” (خر 2: 28، خر 40: 28)

يذكر
عن القديس باسيليوس أسقف نيصص أنه كان يلبس ثياب فاخرة جدا للخدمة. وعندما أعثرت
هذه الثياب أحد الناس، كشف الله للقديس هذا الأمر. فأخذه القديس إلى غرفة داخلية
وخلع عن نفسه ثياب الخدمة، فظهر ثوب الخيش الذى كان يرتديه على جسده. وقال له: “يا
ابنى، هذه الثياب إنما هى تكريمًا لله وليست تكريمًا للإنسان. لأنه إن كان الله
يُلبس خدام العهد القديم المجد والبهاء، أفلا يهتم بخدام العهد الجديد؟”

وفى
العهد القديم، كان يصاحب المسحة حلول الروح القدس. ويقابلها فى العهد الجديد وضع
اليد الرسولية المتسلسلة من الرسل، إلى البطاركة، إلى الأساقفة، وكذلك النفخة
المقدسة فى فم الكاهن يوم سيامته. وعلى هذا، فالكهنوت اختيار، ودعوة، ومسحة، وإرسالية.
ويقول الوحى الإلهى على لسان أشعياء النبى: “روح السيد الرب علىَّ لأن الرب
مسحني لأبشر المساكين؛ أرسلنى لأعصب منكسرى القلب، لأنادى للمسبيين بالعتق
وللمأسورين بالإطلاق.” (أش 1: 61) ومن هنا نلاحظ أن المسحة تأتى قبل
الإرسالية، وقبلهما يأتى الاختيار والدعوة. وبدون هذا الترتيب الإلهى لا يكون
الأمر مفيدًا، كما يقول أرميا النبى: “هاأنذا على الذين يتنبأون بأحلام كاذبة،
يقول الرب. الذين يقصُّونها ويضِلون شعبى بأكاذيبهم ومفاخراتهم وأنا لم أرسلهم ولا
أمرتهم فلم يفيدوا هذا الشعب فائدة، يقول الرب.” (أر 32: 23) ونرى أيضًا أن
كهنوت العهد الجديد يتم بالدعوة، إذ أن الرب يسوع “دعَى تلاميذه الإثنى عشر،
وأعطاهم سلطانا على أرواح نجسة حتى يخرجوها ويشفوا كل مرض وكل ضعف.” (مت 1: 10)
ويؤكد البشير لوقا أن السيد المسيح “دعَى تلاميذه الإثنى عشر وأعطاهم قوة
وسلطانا على جميع الشياطين وشفاء أمراض.” (لو 1: 9) وأنه “عين.. سبعينا
آخرين.” (لو 1: 10) ويصف يوحنا الإنجيلى كيف أن السيد المسيح دعى تلاميذه
واختارهم “وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم.” (يو 16: 15) وأنه
أعلن عند انتهاء خدمته على الأرض أنه “كما أرسلنى الآب أرسلكم أنا.” (يو
21: 20) ويعرِّفنا الرب أن الأمر يحتاج لصلاة بقوله: “فاطلبوا من رب الحصاد
أن يرسل فعلة إلى حصاده.” (مت 38: 9)

وفى
الإرسالية، يحدد الله مكان ونوع العمل، فيقول لتلاميذه: “إلى طريق أمم لا
تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا.” (مت 5: 10) وبعد ذلك “اذهبوا
وتلمِذوا جميع الأمم، وعمِّدوهم باسم الاب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا
جميع ما أوصيتكم به.” (مت 28: 19-20) و “اذهبوا إلى العالم أجمع و
اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها؛ مَن آمن واعتمد خلص ومَن لم يؤمن يُدَن.” (مر
16: 15-16) وبذلك “تكونون لى شهودًا فى أورُشليم وفى كل اليهودية، والسامرة،
وإلى أقصى الأرض.” (أع 8: 1)

والكهنوت
رسالة معينة، والكاهن ملزَم بتنفيذ هذه الرسالة. يوحنا المعمدان جاء ليشهد للنور
وليهيئ للرب شعبًا منتظرًا، إلا أنه لم يُسمح له بتقديم ذبائح كباقى كهنة العهد
القديم. من هنا كان واضحًا أن رسالة يوحنا كانت للكرازة بمعمودية التوبة وإعداد
القلوب لقبول الرب.

وعملية
اختيار الكاهن تتم بإرشاد الروح القدس. فالروح القدس يرشد البطريرك فى اختيلر
الأساقفة، ويرشد الأساقفة فى اختيار الكهنة. ونرى هذا واضحًا فى وصية بولس الرسول:
“احترزوا إذا لأنفسكم ولجميع الرعية التى أقامكم الروح القدس فيها أساقفة
لترعوا كنيسة الله التى اقتناها بدمه.” (أع 28: 20)

ويتم
التكريس بالمسحة المقدسة التى تشمل وضع اليد والنفخة المقدسة. يحدد الكتاب المقدس
ما يتعلق بوضع اليد فى سفر أعمال الرسل. (أع 3: 6) أما النفخة المقدسة فبدأت من فم
رب المجد يسوع للتلاميذ كما هو مذكور فى إنجيل البشير يوحنا “فقال لهم يسوع
ايضا: ’سلام لكم كما ارسلني الاب أرسلكم أنا.‘ و لما قال هذا نفخ وقال لهم: ’اقبلوا
الروح القدس.‘” (يو 20: 22: 20) ومنهم بالتسلسل للبطاركة والأساقفة.

 

درجات
ورُتب الكهنوت

يقول
القديس بولس: “فأنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد، وأنواع خِدَم موجودة
ولكن الرب واحد، وأنواع أعمال موجودة ولكن الله واحد الذى يعمل الكل فى الكل.
ولكنه لكل واحد يعطى إظهار الروح للمنفعة؛ فإنه لواحد يعطى بالروح كلام حكمة،
ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد، ولآخر إيمان بالروح الواحد، ولآخر مواهب شفاء
بالروح الواحد، ولآخر عمل قوات، ولآخر نبوة، ولآخر تمييز الأرواح، ولآخر أنواع
ألسِنة، ولآخر ترجمة ألسِنة. ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه، قاسمًا لكل
واحد بمفرده كما يشاء.” (1كو 12: 11: 4)

أى
أنه وإن كانت هناك مواهب متعددة، لكن معطيها هو رب واحد. وإن كان الكل يخدم، إنما
يخدم رب واحد. ويؤكد الرسول بولس أنه قد “وضع الله أناسا فى الكنيسة: أولا
رسلا، ثانيًا أنبياء، ثالثا معلمين، ثم قوات، وبعد ذلك مواهب شفاء أنواع تدابير
وأنواع ألسِنة.” (1كو 28: 12) وكما وهو واضح، فأنه لا غِنى عن أن يمتلئ جميع
الخدام من الروح القدس على مختلف أنواع خدمتهم ودرجاتهم. ويشير سفر أعمال الرسل
إلى أهمية هذا الامتلاء عند اختيار الشمامسة الأوائل، الذين كانوا “سبعة رجال
منكم مشهودًا لهم ومملوئين من الروح القدس وحكمة.” (أع 3: 6)

 

درَجات
ورُتب الكهنوت

الشمَّاسية

 

القسِّيسية

 

الأسقفية

 

 

1.           
1.
الإبسالتس

2.           
2. الأغنسطس

3.           
3. الإيبوذياكون

4.           
4. الذياكون

5.           
5. الأرشى ذياكون

6.           
 

7.           
1.
القس

8.           
2. القمص

9.           
 

10.       
1.
الأسقف

11.       
2. المطران

12.       
3. البطريرك

 

ولكل
رتبة كنسية طقس سيامة خاص بها كما هو موضح تاليًا:

· فعند سيامة
الإبسالتِس والأغنسطس، يتضمن الطقس النطق والنفخة مقدسة.

· وعند سيامة
الإبوذياكون، يتضمن الطقس النطق، والدعوة، والنفخة مقدسة.

· وفى سيامات
الرتب الأخرى (الذياكون، والأرشى ذياكون، والقس، والقمص، والأسقف، والمطران،
والبطريرك) فيتضمن الطقس نطق، ودعوة، ووضع اليد، والنفخة مقدسة.

ويوضح
الكتاب المقدس أن حلول الروح القدس يتم عن طريق وضع اليد، كما حدث مع أهل السامرة
(أع 8)، والقديسين بولس وبرنابا (أع 13)، وأيضًا مع أهل أفسس (أع 19).

 

ولكى
ينجح الكاهن فى خدمته، فعليه مسئوليات كثيرة أهمها:

1.
إماتة أهواءه الجسدية

يجب
أن يسلك الكاهن حياة روحية سامية، تاركا وراءه مجد العالم. فالإنسان الذى يريد أن
يخدم الله لابد أن يكون مستعد لأن يرفض العيش بطرق أهل العالم.

2.
مراقبة حياته الخاصة

إن
لم يراقب الكاهن حياته الخاصة فهو لا يستطيع أن يقدم شئ للمخدومين. فكيف يتحدث عن
الصلاة وهو لا يصلى؟ لابد أن يهتم بتدبيره الداخلى لكى يكون له دالة عند الله،
وتصبح حياته شهادة لاسم الرب يسوع، كما يقول قداسة البابا شنودة الثالث: “الناس
تستطيع أن تقرأ عن المسيح فى الكتب، لكنها تريد أن ترى المسيح فى حياة الكاهن.”

3.
انضباطه فى احتياجات الجسد

إذا
لم يضبط الكاهن احتياجات جسده، فيمكن أن يعطله ذلك عن الإستمرار فى الخدمة، وقد
يكون عثرة لنفسه وللآخرين. الويل لمن تأت من قبلِه العثرات.

4.
عدم الخوف من الضيقات

الكاهن
لا يخاف من الضيقات ولا يهرب منها، بل يواجهها بشجاعة من أجل الخراف الضالة.

5.
الاقتناع بهدف الخدمة

الهدف
الأسمى لخدمة الكاهن هو خلاص النفوس. ويجب على الكاهن أن يضع هذا الهدف امامه فى
كل حين، وألا يتمرد على خدمته. وإذا لم يكن الكاهن محققا نجاحًا فى الخدمة، فليضع
الأمر بين يدى الله ولا ييأس ولا يفقد رجائه.

6.
القلب العطوف

القلب
العطوف يجعل الكاهن قادرًا أن يغفر بسرعة لمن يسئ إليه شخصيًا، ولكن لا يتهاون مع
مَن يسئ إلى الكنيسة. وكذلك يكون الكاهن متجاوبًا ومتفاعلا مع مشاكل المخدومين؛
يرق لضعفاتهم وضيقاتهم، ويفرح بأعمالهم الصالحة.

7.
القدوة الحسنة

وذلك
حتى يقود الآخرين بدلا من أن يوقعهم فى عثرة.

8.
التشفع إلى الله باستمرار

يجب
أن يحرص الكاهن على الصلاة من أجل حياته ومن أجل الشعب لكى يرفع الله غضبه عن
الكنيسة. وينبغى أن يعى ما يقوله هو نفسه فى أثناء القداس الإلهى: “عن خطاياى
وجهالات شعبك.”

 

الفصل الرابع: سمات الراعِى

لابد
وأن يجاهد الخادم من أجل القداسة كل أيام حياته. ويقول القديس أورينيموس أن الدرس
الذى لا يسند كلماته بأفعاله يفقد التأثير على سامعيه. ولذلك ينبغى أن يفحص الخادم
نفسه جيدًا ويدقق فى حياته حتى يتمتع بالسمات اللازم توافرها فيه. على الأخص ينبغى
أن يكون الخادم:

1.
بلا لوم

وهذه
هى الصفة التى وُصف بها الأسقف فى رسالة بولس الرسول إلى تلميذه تيموثاؤس (1 تيمو
2: 3) لأنه إذا كان الخادم ملومًا، فكيف يعمل على إزالة اللوم عن الآخرين؟ وإن
كانت يداه متسِخة، فكيف ينظف بهما أيادى المخدومين؟ ورغم أنه من المستحيل أن يكون
الخادم كاملا، لكنه يجب – على الأقل – أن يسعى دائمًا إلى الكمال. وبقدر ما تلتصق
حياته الداخلية بالرب يسوع، وبقدر ما يشبع إنسانه الداخلى من حياة القداسة، فإن
الرعية تتنسم فيه رائحة المسيح الذكية.

يجب
أن يكون الخادم بلا لوم، ليس فقط أمام المخدومين، لكن أيضًا أمام غير المؤمنين.
فيجب أن يكون مشهودًا له من الذين هم من خارج.

وعلى
الخادم أن يفحص نفسه دائمًا لئلا، فيما يظن أنه بلا لوم، يُعَير الآخرين. وليعرف
قدر نفسه، فلا يدَّعِى الكمال، بل يتضع دائمًا، ويأتى باللوم على نفسه فى كل
الأمور.

2.
محتشمًا

ليس
المقصود احتشام الملبَس فقط. لكن مفهوم الاحتشام فى المسيحية يمتد ليشمل احتشام
القلب عن الخلاعة والنجاسة. وهو يعنى أن الاحتشام ليس عملا ظاهريًا فقط، وإنما هو
عمل داخلى فى القلب. فالقلب المحتشم لا يفتح أبوابه للخطية القلبية، والعين
المحتشمة ترفض المناظر النجسة، والعقل المحتشم لا يقبل الأفكار الشريرة، والحواس
المحتشمة لا تتجه نحو الشر والنجاسة. تلك أمور تجرى فى الخفاء، ولا يعلم بها أحد
إلا ألله وحده، وكتمانها عن أب الاعتراف يجعلها تتكاثر وتنمو.

لذلك
فإن مفهوم الاحتشام الحقيقى هو التقاء القلب بالرب يسوع فى حب حقيقى، وعلاقة
داخلية قوية، وحياة توبة متجددة. فالله هو القادر أن يشبع هذا القلب، ويستر عليه،
وينزع منه كل النقائص.

عندما
التقلى الرب يسوع بالمرأة الزانية، لم يطلب منها تغيير الملابس الخارجية، بل اهتم
أولا بخلع القلب الشرير وتقديس الأعضاء. إن تغيير المظهر الخارجى هو تعبير عن
التغيير الداخلى.

وصاحب
القلب المحتشم يكون محتشمًا فى تصرفاته، ولا يكون فى كلامه “لا القباحة ولا
كلام السفاهة والهزل التى لا تليق، بل بالحرى الشكر.” (أف 4: 5) ويقول القديس
أمبروزيوس أن حالة الفكر الداخلى تنطبع على اتجاهات الجسد وتصرفاته، ومنها يُعرَف
إن كان الإنسان الداخلى فى قلوبنا طائشًا. وهكذا فإن التصرفات الخارجية هى صوت
يعبر عن الروح الداخلية.

3.
مُتشَدِّدًا

يوصى
الكتاب المقدس الخدام بالتشدد، والشجاعة، وعدم الخوف. فالخادم المتشدد الحازم يثق
فى الله ويؤمن بقوته، لذلك فهو لا يخاف ولا تضطرب نفسه. ويذكر الكتاب المقدس أن
موسى أوصى يشوع قائلا: “تشدد وتشجع.. والرب سائر أأأمامك،
هو يكون معك، لا يهملك ولا يتركك. لا تخف ولا ترتعب.” (تث 31: 7- 8) ويؤكد
الله نفس الكلام ليشوع بقوله: “
أما أمرتك؟ تشدد وتشجع لا ترهب ولا ترتعب
لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب.” (يش 9: 1)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى