علم الخلاص

17- ومازال السؤال يلح: ما هو الدافع القوي الذي دعى الله للتجسد، أو ما هي حتمية التجسد الإلهي؟



17- ومازال السؤال يلح: ما هو الدافع القوي الذي دعى الله للتجسد، أو ما هي<br /> حتمية التجسد الإلهي؟

17-
ومازال السؤال يلح: ما هو الدافع القوي الذي دعى الله للتجسد، أو ما هي حتمية
التجسد الإلهي؟

ج:
هناك أسباب عديدة لحتمية التجسد الإلهي نذكر منها الآتي:

أ-
المحبة: الدافع القوي للتجسد هو المحبة ” لأن المحبة قوية كالموت.. مياه
كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة والسيول لا تغمرها. ان اعطى الإنسان كل ثروة بيته
بدل المحبة تُحتَقر احتقاراً ” (نش 8: 6، 7) ويقول القديس أثناسيوس ” لم
يشأ رب المجد أن تبقى صورته (الإنسان) المجيدة ملطخة بالأثم وملوثة وفاسدة، فتحرك
حنانه.. وتحرك قلبه.. وتحرك تدبيره ليخلص الإنسان ويرد اعتباره، ويرد له كرامته أو
يرد له الصورة الأصلية التي خلقه عليها. فقد تجسد الله الكلمة.. وفي تجسده كل الحب،
وما من حب أعظم من هذا أن يقبل الإله صورة الهوان، صورة التراب وهو رب المجد،
الساكن في نور لا يُدنى منه، والنار الآكلة” (1).

 

وقد
تجد إنساناً عظيماً في مركز مرموق يحترمه الناس وتنحني له الهامات، وإذ به ينحني
لأسفل حتى تكاد رأسه تمس الأرض، وتتعجب ماذا يفعل هذا الرجل العظيم؟.. انه ينحني
ليربط سيور حذاء طفل صغير قد يكون حفيده، فما الذي دفع هذا الرجل لهذا التنازل؟
انه الحب..

 

سأل
الملك غير المؤمن وزيره المسيحي: تقولون أن الله تجسَّد وصُلب ومات، فما هو الدافع
لهذا العمل الذي يرفضه العقل؟

 

الوزير:
أسألك يا سيدي أن تمهلني عدة أيام وأجيبك على سؤالك، فوافقه الملك.

 

وفي
يوم سار الملك مع وزيره في حديقة القصر، وإذ بالمربية تسير بعربة الأمير الصغير،
وفجأة اعطى الوزير إشارة للمربية فدفعت العربة وما بها في بحيرة الماء الصناعية
أمام عيني الملك، فماذا فعل الملك؟.. لقد ألقى بنفسه في الماء إلاَّ أنه وجد نفسه
يحتضن تمثالاً كامل الشبه بإبنه، وقبل أن يتملكه الغضب أسرع إليه الوزير قائلاً:

 

عفواً
سيدي الملك. سامحني لأني فعلت هذا، فأنا الذي صنعت التمثال وأوصيت المربية بإلقائه
في البحيرة متى أشرت لها بذلك.. يا جلالة الملك عندما شعرت بأن ابنك يغرق في
البحيرة لماذا لم ترسلني أو ترسل أحد الجنود لإنقاذه؟

 

الملك:
لأنه أبني. أنت تعلم أنني إنسان شجاع ولا أهاب الموت، وأفدي أبني بحياتي وأنا راض
ومسرور.

 

الوزير:
وهكذا أيها الملك عندما رأى الله أولاده يهلكون بالموت الأبدي أخذ شكل إنسان وصُلب
ومات وقام، وقهر الموت وأنقذنا منه، كمثل ملك وجد جنوده مقهورين أمام عدوهم في
ساحة الوغي فارتدى زي الجنود، وقاد الحرب وانتصر، وأهلك العدو القوي ووهبنا النصرة.

 

ب-
انتزاع الموت: كما ان الموت دخل إلى أعماق حياة الإنسان كان لابد أن الحياة تدخل
إلى الأعماق لتطرد الموت وتحيى الطبيعة التي فسدت بالموت فيقول البابا أثناسيوس
الرسولي ” لم يكن ممكناً أن يحوّل الإنسان الفاسد إلى عدم فساد إلاَّ المخلص
نفسه الذي خلق من البداية كل شئ من العدم، ولم يكن ممكناً أن يعيد للبشر صورة الله
ومثاله إلاَّ صورة الآب (الابن) ولم يكن ممكناً أن يُعلّم البشر عن الآب ويقضي على
عبادة الأوثان إلاَّ الكلمة الضابط الكل الذي هو ابن الآب الوحيد الحقيقي”
(تجسد الكلمة 20: 1).

وقال
أيضاً ” يجب أن نعلم أن الفساد الذي حصل لم يكن خارج الجسد بل لصق به، وكان
مطلوباً أن تلصق به الحياة عوض الفساد، حتى كما تمكن الموت من الجسد تتمكن منه
الحياة أيضاً.

والآن
لو كان الموت خارج الجسد لكان من اللائق أن تتصل به الحياة من الخارج. أما وقد صار
الموت ممتزجاً بالجسد وسائداً عليه، كما لو كان متحداً به، فكان مطلوباً أن تمتزج
الحياة أيضاً، حتى إذا ما لبس الجسد الحياة بدل الموت نُزع عنه الفساد.. لهذا
السبب كان معقولاً جداً أن يلبس المخلص جسداً، حتى إذا ما اتحد الجسد بالحياة، لا
يبقى في الموت كمائت، بل يقوم في عدم الموت أو لبس عدم الموت.. ” (تجسد
الكلمة 44: 4 – 6).

وقال
البابا كيرلس الكبير ” لو كان تجسد الكلمة وتأنسه أمراً لابد منه لخلاص الذين
على الأرض، فلو لم يكن قد وُلِد مثلنا بحسب الجسد، لما كان قد اشترك في الذي لنا،
وبالتالي لما كان حرَّر طبيعة الإنسان من الوصمة التي أصابتها من آدم، وما كان قد
طرد الفساد من أجسادنا” (ضد نسطور 1: 1) (1).

 

وقال
أيضاً ” لم يكن هناك وسيلة أخرى لزعزعة سلطان الموت إلاَّ فقط بتجسد الابن
الوحيد. الذي اقتنى لنفسه جسداً قابلاً للفساد (للموت).. لكي يستطيع بكونه هو نفسه
الحياة أن يزرع في الجسد امتيازه الخاص الذي هو الحياة ” (المسيح واحد 75: 1352)(2)

 

ويقول
البابا كيرلس الكبير أيضاً “كيف كان يمكن للإنسان الذي تحت سلطان الموت أن
يستعيد الخلود، كان لابد أن يدخل جسده الميت في شركة قوة الله المحيية. أما قوة
الله المحيّية فهي اللوغوس (الكلمة) وحيد الآب” (تفسير لوقا 22: 19)(3).

 

3-
الاتحاد بالله: لم يكن الهدف من التجسد رفع الخطية فقط بل اتحاد الله بالإنسان
فيقول البابا أثناسيوس الرسولي لأن الاتحاد المطلوب هو أن الكلمة المتجسد يصنع
اتحاداً بين ما هو إنسان بطبيعته وبين ما هو إله بطبيعته ” (ضد الأريوسيين 2:
81)

 

ويقول
البابا كيرلس الكبير أن مبادرة الصلح جاءت من الله لكيما يتحد بالإنسان ” ان
الطبيعة الإنسانية أُسرت وصارت في قبضة الموت وساد عليها الفساد لذلك فمن الضروري
لكي تقوم علاقة جديدة لا يهدها الفساد أن يتم لقاء بين الله والإنسان، تجد فيه
جميع المشاكل القائمة بين الأثنين حلها النهائي والأخير، فكان الحل الإلهي – لأن
المبادرة بيد الصالح وحده – ان يأخذ لنفسه جسداً من هذه الطبيعة الفاسدة ويجعله
واحداً مع لاهوته في اتحاد لا انفصال فيه او اختلاط مثل اتحاد النار بالحديد
” (4).

4-
تلاقي العدل الإلهي مع الرحمة الإلهية: فعندما تحدُث مشكلة بين شخصين ويتدخل شخص
ثالث لفض النزاع يجب أن يكون هذا الوسيط من نفس مستوى الطرفين المتنازعين، وليس
أقل منهما لئلا يُحتَقر، وليس أعلى منهما لئلا يستغل سلطته فيحل النزاع ظاهرياً
فقط، وأيضاً يجب أن يكون الوسيط محبوباً من الطرفين، ومحل ثقة منهما ملتزماً
بتعهداته أمامهما، وإذا تأملنا ما حدث في التجسد والفداء نجد السيد المسيح هو الذي
حلَّ النزاع بين الله والإنسان، وحقق أمنية أيوب عندما قال بأسى ” ليس بيننا
مصالح يضع يده على كلينا ” (أي 9: 33).

 

وإن
كان التسامح والعفو والمغفرة ضد عدل الله الكامل، وموت الإنسان ضد رحمة الله
الكاملة، والله لا يمكن أن يتنازل عن عدله ولا عن رحمته، وهذا ما يمثل مشكلة صعبة
وعويصة، ومن يقدر على حلها إلاَّ الله القادر على كل شئ؟‍ وفعلاً قام بحلها عن
طريق تجسده المنيف فالتقى العدل مع الرحمة في شخص الفادي الكريم.

 

وما
أجمل تشبيه نيافة الأنبا رافائيل الأسقف العام عندما شبه سقوط آدم بالمصباح الذي
انقطع عنه التيار الكهربائي، فلا توجد أية وسيلة أخرى لعودة الإنارة للمصباح إلاَّ
بعودة نفس التيار الكهربائي له، وأي تيار آخر أو أي فولت آخر لن ينجح في إعادة
الإنارة، وهكذا الإنسان لكيما يعود إلى حالته الأولى المنيرة لا يصلح أن يُعيده
نبي ولا ملاك بل لابد أن يتولى الخالق نفسه إعادة خلقته التي فسدت، وأيضاً عملية
توصيل التيار الكهربائي للمصباح تشبه عملية التجسد التي فيها اتحد اللاهوت
(الكهرباء) بالناسوت (المصباح) فأضاء لنا المسيح نور العالم طريق الملكوت.

 

تذكر

+
الله لم يكن محتاجاً للإنسان ليعبده. إنما خلق الله الإنسان من فرط جوده ومحبته..
الله يعلم بسابق علمه إن الإنسان سيسقط بغواية ابليس ولذلك دبَّر له أمر الخلص منذ
الأزل.

 

+
الوصية لم تكن سبباً لسقوط الإنسان. إنما سقط الإنسان بسبب غواية الحية وشكه في
كلام الله، والموت كان نتيجة طبيعية لمخالفة الوصية.

 

+
كان سقوط آدم سقوط للبشرية جمعاء مثل شجرة التفاح اللذيذة التي أصابها عطب فكل
ثمارها وبذارها أصبحت تحمل الفساد.. حتى الأنبياء كانت لهم أخطائهم.

 

+
إن سأل أحد: وما ذنبي أنا في خطية آدم؟ يرد عليه القديس أغسطينوس: وأي فضل لك في
خلاص المسيح؟

 

+
من نتائج سقوط آدم الموت الروحي الأبدي، والموت الجسدي، والموت الأدبي، والعقوبات
التي حلت بالإنسان والحية، وتسلط الشيطان، وفساد الطبيعة البشرية.

+
لم يكن هناك بديلاً للتجسد فمثلاً:


فناء الإنسان وخلقة إنسان جديد لا تحل القضية.


خلاص الله للإنسان بالقوة يتعارض مع عدل الله، ومع حرية الإنسان.


ترك الإنسان لمصيره المشئوم يتعارض مع صلاح الله، ومحبته، ورحمته، وكرامته، وحكمته.


الصفح عن خطية الإنسان يتعارض مع العدل الإلهي.


التوبة توقف فعل الخطية، ولكنها لا تحل مشكلة الخطية التي تمت، ولا تلغي العقوبة
إنما تنقلها من التائب إلى الفدية.

 

الحسنات
لا يذهبن السيئات لأن الأعمال الصالحة واجب على الإنسان وليس تفضل منه.

 

من
صفات الفادي أن يكون:

أ-
إنسان

ب-
بلا خطية

ج-
يُقدم نفسه بإرادته

د-
يكون قابلاً للموت

ه-
أقوى من الموت

و-
غير محدود

 

وهذه
الشروط لا تتوفر في الذبائح الحيوانية، ولا في نبي ولا رئيس أنبياء، ولا في ملاك
ولا رئيس ملائكة. لكن الله بغير إستحالة تجسد وتأنس وفيه أكتملت صفات الفادي.

+
مبدأ الإنابة يتمشى مع العدالة الإلهية، ومع العقل والمنطق.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى