اللاهوت الروحي

التسبحة لغة الحب وطريق الانتصار



التسبحة لغة الحب وطريق الانتصار

التسبحة
لغة الحب وطريق الانتصار

1-
الانتصار على قوة شد الحياة الحاضرة:

عبر
إطلالة الكنيسة على أمجاد الحياة الأبدية كما يجلها لنا روح القدوس (له كل الكرامة
والمجد) بقلم القديس يوحنا الإنجيلي الحبيب نري بكل وضوح تلك الحقيقة المفرحة
الممتعة أن التسبيح هو لغة النفوس التي أحبت الرب يسوع فسلكت طريق الانتصار ”
ورأيت كبحر من الزجاج مختلط بنار والغالبين على الوحش وصورته وعلى سمته وعدد اسمه
واقفين على البحر الزجاجي معهم قيثارات الله وهم يرتلون ترنيمة موسي عبد الله
وترنيمة الخروف قائلين عظيمة وعجيبة هي أعمالك أيها الرب الإله القادر على كل شئ.
عادلة وحق هى طرقك يا ملك القديسين. من لا يخافك يارب ويمجد اسمك لأنك وحدك قدوس
لأن جميع الأمم سيأتون ويسجدون أمامك لأن أحكامك قد أظهرت “. [ رؤ 15: 2-4 ]

وهكذا
كلما نسبح الرب ونرنم له. نرتفع بنعمته فوق كل قوي شد العالم وجاذبته لنعيش عربون
حياتنا الأبدية. والتسبيح هو إشباع روحي عميق يملأ الإنسان بلذة سمائية تغنيه عن
تسول واستجداء أي لذة بعيدة عن دائرة الملكوت.

مقالات ذات صلة

وهكذا
علمنا آباؤنا القديسون كيف نحارب الخطية والعادات الرديئة دون يأس. بل بأيمان
ورجاء في شخص الرب يسوع المسيح الذي احبنا وبذل ذاته لأجلنا كذبيحة مسائية عند
الجلجثة.. وعلمونا كيف ننتصر بالصلاة والتسبيح المستمر على كل إمكانيات الوحش
(الشيطان).

 

2-
الانتصار على الضيقات والأحزان:

عبرت
كنيسة العهد القديم البحر الأحمر بينما كان فرعون خلفها وكانت الظروف تبدو صعبة
جداً والخطر يحيط بها من كل ناحية ولكن الرب بنعمته أعطي لشعبه قوة التسبيح
والترنيم فسبحوا (الهوس الأول) وهو عبارة عن الإصحاح الخامس عشر من سفر الخروج..
والكنيسة وهي تعبر البحر مسبحة ومرنمه كانت تسير بقوة أكلة الفصح ومفعول رش الدم
أي بقوة عمل ذبيحة الصليب. ونحن أيضاً مازلنا نشدوا بنفس تلك الترنيمة الخالدة
ونحن نري بعين الإيمان حضور الرب معنا وقيادته المفرحة لنا.. إذ كانوا في القديم
يسيرون تحت قيادة الرب الذي كان يتجلى لهم في صورة عمود نار ليلاً وسحابة نهاراً.

وفي
الهوس الثالث نختبر مشهداً رائعاً جداً جداً.. إذ نري أنفسنا فجأة نسير وسط أتون
من النار محمي إلى سبعة أضعاف.. ولكنها نار غير حارقة إذ قد ابطل الرب بنعمته
مفعولها من أجل كنيسته التي يحبها.. كنيسته التي تمثلت في ثلاثة شبان أقوياء هزموا
كل كبرياء الشر وكل تهديدات الملك هم حنانيا وعزاريا وميصائيل.. ولكن ما هو سر قوة
الكنيسة وما الذي جعلها تنتصر على قوي العالم الحاضر بكل إمكانياته وسلطاته ودقة
مؤامراته..؟؟

الله
مجد حضر الرب معنا وسط الآتون.. أننا نشكرك جداً.. نسجد لك ونبارك اسمك القدوس يا
ابن الله فمجد جلالك وعظمة حبك ولا نهائية عمل قدرتك يرفعنا بعظم قوة فوق كل
الظروف.. يارب جمال وجهك القدوس ونحن نلتف حولك وسط الأتون.. يشغلنا تماماً عن
وجوه الأعداء وملامح الغضب وإشارات التهديد.

 

3-
الانتصار على الشكوك:

وضع
الآباء قطع رائعة أسموها الثيؤتوكيات من كلمة (تي ثيئوتوكوس) أي والدة الإله وهذه
القطعة هي عبارة عن تمجيد لسري التجسد والفداء وتأكيد على إيماننا بلاهوت الرب
يسوع. فالروحانية الأرثوذكسية تقوم على الشبع الفكري والقلبي بالحقائق الإيمانية
الراسخة التي جاهد من أجلها كاروزنا مار مرقس وآباؤنا العظماء أثناسيوس وديسقورس
وكيرلس من جمهور من الشهداء والمعترفين الذين جاهدوا الجهاد الحسن واكملوا السعي
وحفظوا الإيمان وأخيرا وضع لهم إكليل البر.. وهم الذين بفضل محبتهم للرب يسوع
وبفضل تعبهم واحتمالهم العجيب لبغضه العالم لهم.. سلمونا الإيمان قوياً سليماً..
وهكذا نحن نرتل التيؤتوكيات معترفين بكل قوة بالإيمان المسلم لنا مجاهدين أن نحفظه
ونسلمه بأمانة للأجيال اللاحقة.

 

اسم
الرب يسوع:

تحتوي
التسبحة على جزئية رائعة جداً هي الإبصالية.. والإبصالية تعني ترنيمة ولكن
الترنيمة الكنيسة هنا تتميز بتكرار ذكر اسم الرب يسوع.. وكلمة (يسوع).. هى التسمية
التي عي بها ربنا الحبيب القدوس عند تجسده وهي بذلك تحمل لنا قوة حضور الرب يسوع
في وسطنا ” الكلمة صار جسداً وحل بينا ورأينا مجده ” [ يو 1: 14 ]
فتكرار اسم الرب يسوع هو تعزيتنا الحقيقية.. فهو (له كل المجد) رفيق غربتنا وقائد
نصرتنا.

أما
معنى كلمة يسوع فهي: مخلص.. وهي بذلك تحمل لنا معني الفداء والكفارة والخلاص.. تحمل
معني الغفران الذى نلناه مقابل بذل الابن الحبيب لدمه على الصليب حباً في البشرية
المسكينة المهزومة المعذبة.” وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن
يرفع ابن الإنسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه هكذا
أحب الله العالم حتى بذلك ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به لكي تكون له
الحياة الأبدية. لأنه لم يرسل الله ابنة إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به
العالم ” [ يو 3: 14 – 176 ]

والابصاليات
تؤكد على ذلك التقليد الأرثوذكسي القديم وهو المنادة الدائمة بأسم الرب يسوع
المسيح لتقديس الفكر والشبع بنور وجه الرب القدوس والتمتع بمجد حضوره المفرح فأسم
الرب برج حصين يركض إليه الصديق ويتمنع أننا ننادي وندعو باسم الرب يسوع فنرتفع
بنعمته وننتصر على كل قوى الشر وكل هواجس الفكر وكل هموم القلب.

 

أبعاد
هامة وأساسية للتسبيح:

أ
– البعد الإسخاتولوجي (الأخروي)

فالتسبيح
هو عملنا الدلائم على مدي الأبدية في السماء ونحن نعيش مجد وحلاوة التسبيح في
حياتنا الحاضرة فنتذوق عذوبة الحياة الأبدية وفرح الملكوت وكما يقول أبونا الحبيب
القمص بيشوى كامل أن أوقات الصلاة والتسبيح لا تحسب من الزمن الحاضر بل من الزمن
الأخروي الأبدي. وبذلك يحمل التسبيح حرية الانطلاق إلى مجد القديسين المسبحين في
كنيسة السماء: ” بعد هذا نظرت وإذ جمع كثير لم يستطع أحد أن يعده من كل الأمم
والقبائل والشعوب والألسنة واقفون أمام العرش وأمام الخروف متسربلين بثياب بيض وفي
أيديهم سعف النخل وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين الخلاص لألهنا الجالس على العرش
وللخروف وجميع الملائكة كانوا واقفين حول العرش والشيوخ والحيوانات الأربعة وخروا
أمام العرش على وجوهمم وسجدوا لله قائلين آمين البركة والمجد والحكمة والشكر
والكرامة والقدرة والقوة لألهنا إلى أبد الأبدين أمين ” [ رؤ 7: 9-12 ]

 

ب-
البعد الكتابي:

فالأربعة
هوسات عبارة عن قطع مأخوذة بالنص من الإنجيل وأيضاً الثيؤتوكيات عبارة عن شرح
وتكريم لرؤى وأحلام ورموز وإشارات ومواقف وردت في الإنجيل مثل عليقة موسى وعصى
هارون وتابوت العهد وسلم يعقوب وغيرها..

وبذلك
علمتنا كنيستنا الجميلة كتابنا المقدس هو كتاب تسبيح وتعظيم للرب ولكل أعماله
الخلاصيه ولأعمال محبته ورحمته التى قدمها بغني الحب والحنان واللطف لنا نحن
الخطاة الضعفاء.

 

ج
– بعد ليتورجى:

+
ليتورجيا تعني عمل شعب.. فالتسبيح هو عمل الشعب كله وهو ليس فقط عمل الشمامسة كما
يظن البعض.. والعمل الجماعي يخرج بالإنسان من دائرة الذات والأنانية إلى حياة الحب
والشركة وقبول الآخر والإحساس به وخدمته.

+
العمل الليتورجي في الكنيسة يعالج أمراض الأنانية والبغضة والإدانة واحتقار الآخر..
فنحن كأعضاء في الكنيسة يكمل كل منا الآخر.. والكنيسة لا تستطيع أن تستغني حتى عن
شخص واحد فقط.. فهذا الشخص الواحد له قيمة عظيمة فهو عضو في جسد الرب يسوع.

+
العمل الليتورجي يجمع في الكنيسة جميع المؤمنين الغني والفقير.. الرجل والمرأة
أصحاب المراكز العليا في المجتمع وأصحاب المهن البسيطة. الدارسين والمتعلمين
والأقل تعليما. فالعمل الليتورجي الصحيح.. يجعلنا نري في كل إنسان هيكلاً مقدساً
للروح القدس نري أن قيمة الإنسان تنبع من قيمة دم المسيح الذي سفك من أجله وعمل
الروح القدس الذي قدسه وكرسه..و محبة الآب القدوس التي تحتضنه وتغمره.. وفي
التسبيح نجد أنفسنا في شركة مع القديسين الذين سبقونا فنطلب صلواتهم عنا (مجمع
القديسين) ونتذكر حياتهم وننظر إلى نهاية سيرتهم فنتمثل بأيمانهم (الذكصولوجيات)

 

د
– بعد افخارستى:

الكنيسة
كعروس حقيقة روحية تحب دائماً الارتباط والاتحاد بعريسها الحبيب الرب يسوع. وهو
بنعمته أعطي لكل نفس أن تتحد به م ن خلال التمتع بمائدة الافخارستيا.. لذلك أحبت
كنسيتنا القداس فهو يمثل مجد حضور الرب والشبع به والاستغناء به عن كل أمجاد
العالم.. وكل اغراءات الخطية.. لذلك تعد الكنيسة نفسها للقداس.. بصلاة رفع بخور
عشية من اليوم السابق ثم تبدأ بصلاة نصف الليل بالأجبية.. ثم تسبحة نصف الليل
بالابصلمودية وكل هذا يشعل بداخلها الحب والاشتياق للاتحاد به والدخول إلى مذاقه
العرس الأبدي.

 

ه
– بعد تربوي:

التسبحة
هي جامعة (كنيسة) متكاملة.. فهي تعلم وتشجع على الالتزام بالإنجيل وكيفية دراسته
وتعلمنا الرموز والنبوات الموجودة به. تعلمنا كيف نصلي ونشكر ونسبح.. وتعلمنا
وتجعلنا نعيش بوعي وحب أحداث الخلاص من خلال ابصاليات وذكصولوجيات المناسبات
والأعياد.. هي مدرسة تعلمنا شركة القديسين والتفرس في محبتهم للرب والاقتداء بهم..
التسبحة يجب تدريسها وتعليمها من خلال منهج متكامل يوزع على الأعمار المختلفة..
يجب أن نقدم التسبحة في الخدمة الافتتاحية لكل الاجتماعات.. ولكن بأسلوب سهل بسيط
وبفهم.. فالتسبيح هو حق لكل مؤمن ولكي ننجح في هذا علينا أن نقدم التسبيح بصورة
مشوقة مفرحة لفصول إعداد خدام فهم الذين سيقومون بتقديم التسبيح بصورة مبهجة
للأجيال التالية.. فيجب الاهتمام بالدرجة الأولي بمن يعلم التسبيح.. فقد نجح كثير
من معلمي التسبيح في تقديمها بطريقة متعبة مملة جعلت الشعب يهرب من تعلمها إلى أن
جري العرف على أن التسبيح هو ملك خاص للأخوة الشمامسة فقط وهكذا عكس الفكر الكنسي الأصيل.

الرب
يستخدم هذا التراث الكنسي الآبائي الرائع.. لكي يتقدم بفرح وحب إلى معرفة أعمق
لشخص الآب السمائى الذى يحبنا والابن الحبيب القدوس الذى فدانا والروح القدس الذى
قدسنا فنتذوق منذ الأن عربون أفراح العرس الأبدى.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى