علم الكتاب المقدس

كيف نفهم الكتاب



كيف نفهم الكتاب

كيف
نفهم الكتاب

لكي
نصل إلى فهم الكتاب فهماً روحياً أي كاملاً لا منطقياً بالعقل فقط هناك مبادئ
أساسية ثلاثة:

أولاً:
تفسير الكتاب بالكتاب

المبدأ
الأول هو قراءة الكتاب على الدوام لنبلغ إلى تفسير الكتاب بالكتاب كما يقول الآباء
إننا بالقراءة المتواصلة نكتشف تركيب الكتاب الداخلي الذي هو قصد الله وتدبيره,
نكتشف الخط العام الذي يربط عميقاً بين أجزاء الكتاب مهما كانت متباعدة في الظاهر.
إن الكتاب كله تتخلله داخلياً تيارات من السر الإلهي توجهنا إلى نقطة واحدة تكمل
فيها كل الأسفار, وهذه النقطة ليست إلا المسيح بالذات. بدون المسيح يبقى الكتاب
غير كامل يبقى ناقصاً وبدون معنى. لقد قال الرب في إنجيل يوحنا (إن الكتب تشهد لي
ولا تريدون أن تأتوا إليّ لتكون لكم الحياة) (يو39: 5-40). فالمفسر الأول والأعظم
للكتاب هو المسيح نفسه. إنه يعلن ذلك للجميع: أنا نفسي مفتاح الكتاب والأسفار تشهد
لي, فيجب بالتالي قبل كل شيء أن نعرف كيف نربط كل شيء بالمسيح, وأن العهد الجديد
مخفي في القديم, والعهد القديم معلن في الجديد على حد قول الآباء. أن كل ما جرى في
العهد القديم حقيقي هو ولكنه كان ظلاً لشيء آخر سوف يأتي, ظلاً يبشر مسبقاً بالجسم
قبل ظهوره. من المهم جداً معرفة قراءة العهد القديم على ضوء ذلك فيستضيء حينذاك ما
حدث في الظل. إن ابراهيم مثلاً يأخذ ابنه اسحق ليذبحه على جبل موريا. ولكن جبل
موريا هو نفسه جبل أورشليم حيث سيشاد الهيكل وحيث سيحكم على السيد بالموت. ويعقوب
ينام في مكان يدعى لوز ويحلم بالسلم ويقول (ما أرهب هذا المكان إنه باب السماء إنه
بيت الرب (بيت أيل)). ولكن هذا المكان هو نفسه بيت لحم التي تعني بيت الخبز، خبز
الرب, حيث يفتح باب السماء وينزل خبز السماء إلى الأرض. إن يعقوب عندما جرى له هذا
الحادث لم يكن يعلم كامل معناه. ونحن أيضاً لا نعلم الآن في حياتنا مع الله ما
سنكون فيما بعد. نحن مثل ابراهيم ويعقوب بل أكثر منهما لأننا في المسيح, نحن مثل
بولس نسير في نور المسيح وحقيقته ولكننا مثله لم نبلغ بعد إلى ملء الملكوت الآتي
إلى القيامة. فلا نعلم ماذا سنكون وماذا نفعل الآن. إن الله هو الذي يعمل فينا.
الله يقول لبولس اذهب إلى مكدونيا فيؤول ذهابه إلى اهتداء بلاد اليونان كلها. الله
يذهب بيوحنا إلى جزيرة بطمس منفياً فيعلن له سفر الرؤيا هناك. إن الكتاب يتحدث عنا
إذاً ولكن لكي نفهم ذلك يجب أن نعطي ذواتنا للرب كلياً كل لحظة من حياتنا, وذلك
بالصلاة ومحبة القريب والعمل لمجد الله.

 

ثانياً:
تفسير الكتاب بالليتورجيا

للكتاب
جوهر ليتورجي. فالليتورجيا تشركنا مع الله في سر الموت والقيامة, وهذا بالضبط ما
يتكلم عنه الكتاب إلى أن يتحقق. وهذا محقق لنا كل يوم في القداس الإلهي. إننا هنا
نحيل القارئ إلى كراس الليتورجيا الذي أشرنا إليه في بدء هذا البحث وقد بينّا فيه
مطولاً معنى الساعات والقداس الإلهي من جهة التطابق المقصود فيها بين حياة الرب
يسوع وحياتنا اليومية, فغاية الليتورجيا على مدار الساعات والأسبوع والسنة إنما هي
استعراض تدبير الخلاص وحياة الرب كي ندخل فيها فيتقدس زماننا بنزول الأبدية إليه.
بالليتورجيا إذاً نكتشف الكتاب حياتنا ونعيشه. ونضيف إلى ذلك أن في تقليد الكنيسة
قطعاً ليتورجية ذات معان عميقة, هي تفسير حي للكتاب. مثلاً على ذلك قانون أندراوس
الكريتي الذي تتلوه الكنيسة في الصوم الكبير{إنها قصيدة توبة عظيمة (على أثر سقوط
أندراوس في هرطقة المشيئة الواحدة على ما يظن وهذا غير أكيد) إنها وثيقة شخصية,
صراخ نفس تئن, ولكنها في الوقت نفسه تعكس فرحاً عظيماً. في الحقيقة ليس من حزن في
هذا القانون. إن أندراوس يطبق كل خطايا التوراة على نفسه ولكن بعد تلاوة القانون
مباشرة ترتل الكنيسة (أيها الأمم انغلبوا لأن الله معنا) أي أن هذه الخطايا ليست
للحزن والقانون نشيد فرح لأن الله قد حطم الخطيئة وحل بيننا}.فهذا القانون يعطينا
تفاسير عديدة عظيمة للكتاب: (أنا هو الدرهم الضائع يا رب لأنني أحمل صورتك يا ملكي
أما أنت فأشعلت نور الكتاب في العالم وجئت تفتش عني).. إن في الليتورجيا حقاً
كنوزاً دفينة نحن نعيش فوقها في خيم كالبؤساء بينما يكفي أن نحفر قليلاً لنكتشفها.
إن كتاب التريودي والبند كستاري وترتيب أناجيل الآحاد في الصوم الكبير الخ.. ثروة
لا تقدر. هذا كله يجب أن نتغذى منه ونتمثله لكي نتعلم سر الله المعطى لنا في
كلمته.

 

ثالثاً:
تفسير الكتاب بالآباء

إن
الآباء بدورهم ليسوا سوى تفسير حي للكتاب وشرح له وتعليق. لقد مثلوا الكتاب, وهم
يحيون في ألفة مع الروح مؤلف الكتاب إلى درجة يكتشفون معها الكتاب لا من الكتاب بل
من ينابيع قلبهم. لقد ورد في سيرة القديسة مريم المصرية لكاتبها الأب زوسيما, أنه
عندما لقيها في البرية بعد خلوة 47 عاماً صارت تتلو له آيات من المزامير ولما
سألها هل لديك سفر المزامير أجابت (لم أقرأ المزامير في حياتي قط وإنما روح الكتاب
نفسه هو فيّ). ليس الآباء علماء أو فلاسفة يفسرون الكتاب علمياً (لا نحتقرن لذلك
علم الكتاب) ولكن كيانهم كله قد أصبح روحانياً وقد رأينا أن روحاً قدساً واحداً في
الروحانيات المختلفة. إن قلب الرجل الروحاني الذي يتمثل كلام الله دون انقطاع
يفهمه ويتذوقه بمعناه الأكثر داخلية ويختبره ويجسده وينقله للغير, وبذا يثبت عرقاً
تقليدياً ثميناً مستمراً. لقد قصد شابان شيخاً ناسكاً في بلاد رومانيا في عصرنا هذا
وابتدآ يسألانه كيف خلق الله الإنسان والإنسان منحدر من القرد؟ فأجاب بآية من
المزامير (لما كان الإنسان في كرامة ولم يعتبر قيس بالبهائم التي لا عقل لها وشبه
بها!).ثم مرت فوقهم طائرات نفاثة فقالا للشيخ انظر هذه الاختراعات الحديثة, وكم هي
عظيمة مقدرة الإنسان على التسلط على الطبيعة فأجاب: (سنشهد في يوم الدين عن صورة
الله في الإنسان ما يستطيع الإنسان أن يفعله من العظائم!). وجاء شاب إلى شيخ آخر
طالباً إليه بإلحاح أن يفهمه معاني المزامير سريعاً فأجاب خذ سفر المزامير واقرأ.
فبدأ يقرأ, ولم يصل إلى الآية الثانية من السفر كله: (طوبى للرجل الذي في ناموس
الرب هواه وفي شريعته يلهج نهاراً وليلاً) حتى أوقفه قائلاً: اذهب واصنع كذلك
فتفهم عندئذ المزامير.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى