الارشاد الروحى

فساد قانون الحرام والحلال

المعرفة الطبيعية ضد الحياة ورجاء القيامة
فساد قانون الحرام والحلال

فساد قانون الحرام والحلالأن المعرفة الطبيعية للإنسان الساقط تنبع من خبرة الموت الذي يعيشه، لأنها ترى أن كل ما في الوجود خاضع للحياة الإنسانية وسلطان شريعة الخير والشر، وذلك كما حددها الإنسان في قوانينه النابعة من مفهومه الطبيعي حسب خبرته الخاصة في تحديد كل ما هو خير وشر في نظره الخاص، مع أنه يعترف بقبول الإنسان الساقط مُعلناً رحمة الله وغفرانه، ولكن يُعلن رحمة وغفران بلا تجديد أو تمجيد الحياة الإنسانية وتحويل الزمن لعملة سماوية لربح المجد الآتي في آلام الرب القائم من بين الأموات، لذلك نجده يرفض الزمن أن يتحول لمجد، ولا يقبل الألم والضيق ولا حتى يطلب قوة تجديد من الله في سر تدبيره العظيم الذي تحقق بمجيئه الخاص في ملء الزمان !!!
بل بتهور واندفاع من كبرياء القلب الدفين يرفض الآخرين المختلفين معه ولا يبصر القانون الإلهي من خلال الشركة !!! مع أن المزمور الثامن يُعلن بوضوح، إن الإنسان ملك متوج من الله على كل الخليقة لكي يسود على الكل من خلال الشركة وليس من خلال الاستقلال والابتعاد عن الله وبالتالي عن الآخرين، لأنه لا يستطيع أن ينظر لآخر مختلف معه في سر خلقة الله للإنسان الجامع والواحد في الطبع والصورة !!!

[ أَيُّهَا الرَّبُّ سَيِّدُنَا مَا أَمْجَدَ اسْمَكَ فِي كُلِّ الأَرْضِ حَيْثُ جَعَلْتَ جَلاَلَكَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ ! . مِنْ أَفْوَاهِ الأَطْفَالِ وَالرُّضَّعِ أَسَّسْتَ حَمْداً بِسَبَبِ أَضْدَادِكَ لِتَسْكِيتِ عَدُوٍّ وَمُنْتَقِمٍ . إِذَا أَرَى سَمَاوَاتِكَ عَمَلَ أَصَابِعِكَ الْقَمَرَ وَالنُّجُومَ الَّتِي كَوَّنْتَهَا. فَمَنْ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ وَابْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ !. وَتَنْقُصَهُ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ وَبِمَجْدٍ وَبَهَاءٍ تُكَلِّلُهُ. تُسَلِّطُهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ. جَعَلْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. الْغَنَمَ وَالْبَقَرَ جَمِيعاً وَبَهَائِمَ الْبَرِّ أَيْضاً. وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَسَمَكَ الْبَحْرِ السَّالِكَ فِي سُبُلِ الْمِيَاهِ. أَيُّهَا الرَّبُّ سَيِّدُنَا مَا أَمْجَدَ اسْمَكَ فِي كُلِّ الأَرْضِ ] (مزمور 8)

لذلك يقع الإنسان في جهل حقيقة الفساد الداخلي الذي يجعله يحيا في الموت الذي يهرب منه ولا يقدر على أن يواجهه، بل يخاف ويشعر بتهديد من ما هو حوله، بل ومن أي إنسان يحاول أن يعتدي عليه، لذلك لا يقبل الألم من الآخرين بل وقد يصل أنه لا يقبل اعتراض أحد على فكره أو أي شيء يعتنقه أو يصدر من قدرته أو عمله، وذلك لأن الإنسان بطبعه الساقط الخاضع للموت يموت كإله مزيف أمام هذه المشاكسات التي تهدد أمانه المزيف، وكما وضح المزمور أنهم [ لا يعلمون ولا يفهمون في الظلمة يتمشون تتزعزع كل أسس الأرض ] ويسيرون فيما هو بعيد عن الطريق المرسوم لهم ولذلك يكمل المزمور قائلاً: [ أنا قلت أنكم آلهة ( وهي الصورة الإلهية بحسب الخلق كما هو واضح في سفر التكوين ) وبنو العلي كلكم ( دون تمييز بين جنس أو لغة أو شعب أو حتى دين ) لكن مثل الناس تموتون ( لأن الموت يدركنا بسبب السقوط وطبيعة الفساد التي مست جسد الإنسان ) وكأحد الرؤساء (أي الشيطان) تسقطون ]، ولذلك يختم المزمور قائلاً: [ قم يا الله أحكم على الأرض ( أي البشر الذين صاروا تُرابيين ) لأنك أنت يا الله ملك الخليقة ] (أنظر مزمور 82 : 6 – 7 )

فيا إخوتي الله هو نور الحياة، لأن الخالق هو واهب كل الأشياء وجودها وحياتها، والإنجيل يؤكد لنا أن معرفة الخير والشر مرت بمرحلة الطفولة التي ذكرها الرسول: [ لما كنت طفلاً مثل طفل كنت أفهم ] (1كو 13: 11)، وهي تحديد الخير والشر على أساس الشريعة الموسوية ومفهوم الإنسان القاصر فيها كطفل لم يعي بعد الكمال الإلهي ويستوعب سر مشيئة الله، [ ولكن لما صرت رجلاً أبطلت ما للطفل ]، فقد جاء الكمال بالرب المسيح، وهو الذي جعل معرفة الخير والشر من خلال معرفتنا بالثالوث القدوس كشركة وحياة، لأننا لا نقبل الحلال والحرام كأساس للسلوك، ولا نقبل ونرفض الآخرين على أساس عدل الأرض وقوانين الإنسان، بل نقبل كل ما هو من المحبة والشركة كأساس للسلوك والحياة، لأنه لهذا وضع الرب يسوع الكنيسة في العالم، مُعطياً لها أن تكون أساس الخليقة الجديدة والبناء الروحي الصحيح الكامل الذي فيه يجمع الكل معاً في وحدة جسد المسيح الحي: [ وأنتم جسد المسيح وأعضاؤه كأفراد ] (1كو 12: 12)

فقد أتى اليوم الذي نعي فيه عمل الله، وأن ندرك الوحدة التي لا تبنى قط على أساس التمييز بين الحرام والحلال، بل على أساس الحياة المشتركة في المحبة؛ لأن تجنب الشر لا يخلق الوحدة، بل التآلف والاجتماع بالثالوث القدوس الذي وحده هو الذي يجعلنا واحد في سر تجسد الكلمة وإعلان الحياة في شخصه الذي وهبنا إياها:
إني أنا حي فأنتم ستحيون (يو 14: 19)
كما أرسلني الآب الحي و أنا حي بالأب فمن يأكلني فهو يحيا بي (يو 6: 57)
بعد قليل لا يراني العالم أيضاً و أما انتم فترونني إني أنا حي فانتم ستحيون (يو 14: 19)
لأنه مكتوب أنا حي يقول الرب انه لي ستجثو كل ركبة و كل لسان سيحمد الله (رو 14: 11)
وهذه هي الشهادة أن الله أعطانا حياة أبدية و هذه الحياة هي في ابنه (1يو 5 : 11)
والحي و كنت ميتا و ها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين و لي مفاتيح الهاوية و الموت (رؤ 1: 18)

ومن هنا تأتي الرؤيا ويُستعلن لنا سر التدبير على أساس اتحاد اللاهوت بالناسوت في الرب الواحد الذي جمعنا وآلفنا كأعضاء له مقدسين في الحق، وبهذا السر ندخل في حياة الشركة بسبب تجسد الكلمة والمسحة التي أخذها في الأردن، وصلبه وقيامته، وجلوسه عن يمين الآب وحلول الروح القدس …

فعندما نتوب ونحيا وفق التدبير الإلهي، فإننا نُدرك أساسات الشركة مع بعضنا البعض ومع الكنيسة ككل ومع الرسل والقديسين، لأن الرب يسوع المسيح رئيس الحياة وملك الدهور هو مصدرها الوحيد، وهو الذي أظهر لنا الحياة الإنسانية في كمالها المجيد بتجسده، وأعلن مجد الحياة الإلهية في أقنومه، وأعلن لنا سر شركته في الجوهر الواحد مع الآب والروح القدس كإله واحد غير منقسم، بالسلوك أي بالعمل، وبالتعليم وبالمعجزات:
وَإِذْ قَالَ هَذَا أُخْجِلَ جَمِيعُ الَّذِينَ كَانُوا يُعَانِدُونَهُ وَفَرِحَ كُلُّ الْجَمْعِ بِجَمِيعِ الأَعْمَالِ الْمَجِيدَةِ الْكَائِنَةِ مِنْهُ (لو 13: 17)
وَأَمَّا أَنَا فَلِي شَهَادَةٌ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا لأَنَّ الأَعْمَالَ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ لِأُكَمِّلَهَا هَذِهِ الأَعْمَالُ بِعَيْنِهَا الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا هِيَ تَشْهَدُ لِي أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَنِي (يو 5: 36)
أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ. اَلأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا بِاسْمِ أَبِي هِيَ تَشْهَدُ لِي (يو 10: 25)
وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِالأَعْمَالِ لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ (يو 10: 38)
أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ؟ الْكلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي لَكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ (يو 14: 10)
صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ وَإِلاَّ فَصَدِّقُونِي لِسَبَبِ الأَعْمَالِ نَفْسِهَا (يو 14: 11)

وأختم كلماتي بكلمة الرسول يوحنا بإعلان سر التجسد وعمل الله العظيم قائلاً: [ الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فان الحياة أُظهرت و قد رأينا و نشهد و نخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب و أُظهرت لنا. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح. ونكتب إليكم هذا لكي يكون فرحكم كاملاً ] (1يو 1: 1 – 4 )

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى