الارشاد الروحى

سرّ مشكلة عدم الاستقرار والتقلب في الطريق الروحي وارتداد الكثيرين

هنا مشكلة عند كثير من الذين آمنوا بالمسيح وعرفوه وهي عدم الاستمرار في طريق الحياة الأبدية وكثرة التعثر وانقلاب النفس وتمردها بعد أن تؤمن وتحيا فترة من الزمن حياة فيها أفراح كثيرة، ولكن عند منعطف الألم والضيق تضطرب وقد تسقط صريعة تحت الألم ومواجهة وصية الترك والإخلاء وحمل الصليب وتقديم الجسد ذبيحة حية [ فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية ] (رومية 12: 1)
وعند مواجهة شدة الألم تبدأ الشكوى لماذا الألم، وهل الله سمح بالألم والا هي إرادته، ولماذا هذه الآلام والضيقات فليرفعها عني لأني لم أسير معه لأتألم، ولماذا الأشرار لا يتألمون مثلي… وهكذا يظهر التذمر ويتأرجح الإنسان ما بين فكره وإرادته التي تتكل على كلام الناس وأفكارهم، وبين الإنجيل والوصية، وفي النهاية الغالبية العظمى تميل نحو إرادتها وتود أن تهرب من هذا الطريق التي تراه ضيقاً صعباً لا يتناسب مع وعد الراحة التي قالها الرب: وأنا أريحكم، فتذهب للطريق الواسع الرحب لترتاح من هذا الثقل: [ ادخلوا من الباب الضيق، لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك وكثيرون هم الذين يدخلون منه ] (متى 7: 13)

يا إخوتي أن الإيمان بالمسيح له تكلفة، وهي أن يبذل الإنسان ذاته ويُعطي قلبه، لا فكرة ولا بالكلام المُنمق الحلو، لأن الإيمان في حقيقته ليس مجرد عواطف جياشة، بل هو بذل في واقع حياة عملية مستعد الإنسان فيها أن يتبع الرب للصليب ليموت معه على مستوى الواقع العملي المُعاش…
والإيمان بالنسبة للكتاب المقدس، هو منبع ومركز الحياة الروحية الأصيلة – أي الحياة مع الله برغبة قلبية حقيقية واضحة – ولا تستقيم الحياة مع الله أو يكون لها أي وجود قائم بلا إيمان حي واعي يتخطى الحياة النفسية الانفعالية المتقلبة، لأن الانفعال النفسي العاطفي لا يكون دليلاً على الإيمان الحي والحقيقي، لأنه عادةً الانفعالات العاطفية تعني أنه لازال الإنسان طفلاً في الإيمان ولم يبلغ بعد ليكون رجلاً يستطيع أن يأخذ قرار واضح ملتزم، لأن الطفل لا يأخذ قرار إرادي واعي وواضح ويحسب بكل دقة كل ما يُقبل عليه وبخاصة أمام المواقف التي تحتاج لحسم، بل يظل يلهو ويسقط ويقوم ويتعثر في خطواته، ويعتمد على المكافئة التي ينتظرها من والديه، لذلك من هم أطفال في الإيمان لا يستطيعون أن يسلكوا باستقامة أو يقبلوا الألم بسهولة ويقبلوا حمل الصليب، لأن وصية الرب تحتاج لرجال إيمان يحيون بها، لذلك قوله: [ فأن أعثرتك يدك أو رجلك فاقطعها والقها عنك، خير لك أن تدخل الحياة أعرج أو أقطع من أن تُلقى في النار الأبدية ولك يدان أو رجلان ] (متى 18: 8)، وهذه الآية وغيرها الكثير التي تتكلم عن الترك والإخلاء وتبعية الرب وحمل الصليب لا يقدر أن ينفذها أحد أو يحياها أن لم يخرج من مرحلة الطفولة ويُصبح رجل إيمان
[ اسهروا اثبتوا في الإيمان كونوا رجالاً تقووا ] (1كورنثوس 16: 13)

لذلك فأن الدليل الأكيد على الإيمان الحقيقي الحي هو تجاوب الإنسان بطاعة الإيمان [1]مع قصد الله الذي يحققه خلال الزمن. فعلى منوال ابراهيم [ أب كل المؤمنين ] (رومية 4: 11) نعيش ونموت في الإيمان (عبرانيين11) الذي يتممه يسوع حتى الكمال (عبرانيين 12: 2)، فتلاميذ الرب يسوع الأخصاء هم الذين آمنوا به وصدقوه لذلك [ تركوا كل شيء وتبعوه ] (لوقا 5: 11)، وعاشوا حياة مقدسة وشركة مع بعضهم البعض ومع جميع القديسين في النور:

· [ وجميع الذين آمنوا كانوا معاً، وكان عندهم كل شيء مشتركاً ] (أعمال 2: 44)
· [ شاكرين الآب الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين في النور ] (كولوسي 1: 12)
· [ الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح، أن قلنا أن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة نكذب ولسنا نعمل الحق، ولكن أن سلكنا في النور كما هو في النور، فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية ] (1يوحنا 1: 3 – 7)

وكل من سمع دعوة الله لهُ في المسيح فهو يحب الرب ويصدق عمله متكلاً على نعمته المُخلِّصة، فيؤمن به بعمق ويتأصل في هذا الإيمان الحي العامل بالمحبة [2]، الذي هو فرح القديسين، لذلك في تعبيرات حلوة عميقة يصف فيها القديس بولس القديس فليمون، ونفس ذات الكلام موجه لكل من يؤمن هذا الإيمان الصريح الواضح: [ أشكر إلهي كل حين ذاكراً إياك في صلواتي. سامعاً بمحبتـــك والإيمـــان الذي لك نحو الرب يسوع ولجميع القديسين. لكي تكون شركـــة إيمـــانك فعالـــة في معرفة كل الصلاح الذي فيكم لأجل المسيح يســـوع. لأن لنا فرحاً كثيراً وتعزية بسبب محبتك لأن أحشـــاء القديسين قد استراحت بك أيها الأخ ] (فليمون 1: 4 – 7)

وهذا هو عمل الإيمان الحي حينما يسكن الإنسان، لأن البار بالإيمان يحيا [3][ وأما الإيمان فهو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى. فأنه في هذا شهدا للقدماء… بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل من قايين فيه شهد لهُ أنه بار… بالإيمان نُقِلَ أخنوخ لكي لا يرى الموت ولم يوجد لان الله نقله إذ قبل نقله شهد له بأنه قد أرضى الله [4]. و لكن بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه… بالإيمان إبراهيم لما دُعي أطاع أن يخرج إلى المكان الذي كان عتيداً أن يأخذه ميراثاً فخرج وهو لا يعلم إلى أين يأتي. بالإيمان تغرب في أرض الموعد … بالإيمان سارة نفسها أيضا أخذت قدرة على إنشاء نسل وبعد وقت السن ولدت إذ حسبت الذي وعد صادقاً… بالإيمان موسى لما كبر أبى أن يُدعى ابن ابنة فرعون، مفضلاً بالأحرى أن يُذل مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية، حاسباً عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر لأنه كان ينظر إلى المجازاة، بالإيمان ترك مصر غير خائف من غضب الملك لأنه تشدد كأنه يرى من لا يرى… فهؤلاء كلهم مشهوداً لهم بالإيمان لم ينالوا الموعد. إذ سبق الله فنظر لنا شيئاً أفضل لكي لا يكملوا بدوننا. ] (عبرانيين 11)

لذلك يا إخوتي ستظل حياتنا متقلبة طالما لازلنا أطفالاً، لأن الطفل يحيا في تخبط بسبب انفعالاته الغير منضبطة والحياة في الخيال وليس في الواقع العملي المُعاش، لأن الطفل يحلم أحلام أكبر من إمكانيته، ويتخيل أنه إنسان عظيم في كل شيء، ولكن كل أحلامه لم ولن تتعدى الخيال بالرغم من أنه يُصدقها ويراها حقيقة في عينيه، لذلك أمام أقل ألم وضيق تظهر طفولته في تزمره على الواقع الذي اصطدم به وجعله يفوق من أحلام اليقظة التي يحيا بها، فليتنا نستفيق وكل واحد يقيس إيمانه على وصية المسيح، وهل هو يحمل الصليب بمسرة أم أنه غير قادر على حياة الوصية ويحتاج أن ينضج وينمو ليكون رجل الإيمان الحي.

_______________________________________
[1] (الإيمان والطاعة شيء واحد غير منفصل، فالذي عنده إيمان، لا بُدَّ من أن يُطيع الله، والذي يُطيع الله هوَّ الذي به يؤمن، وكما قال القديس بولس الرسول: “أنتم عبيد للذي تطيعونه” )
[2] الظاهر في طاعة الوصية
[3] (عبرانيين 10: 38)
[4] بالطاعة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى