اللاهوت الطقسي

الفصل الأول



الفصل الأول

الفصل الأول

الأعياد Feasts

كلمة “أعياد” ([1]) هى فى
الحقيقة “مواسم ” أو
مواعيد
للمقابلة” بين الله وشعبه، وهى نفس الكلمة المستعملة فى (خروج 25: 22)
“وأنا أجتمع بك هناك”.

وإذا كان هناك موعد إلهى للنفس للتقابل فيه مع
الله، فما أسعد المناسبة وما أقدسها! إنها جديرة بأن تسمى عيداً لأن فيها الفرح
الحقيقي.

لذلك فكلمة عيد تحمل فى العبرية معنى “الفرح “
أو “البهجة ” وكأن الأعياد فى جوهرها عودة إلى الحياة الفردوسية
الأولى، إلى جنة عدن.. حيث عدن تعنى “بهجة “.

ولهذا صارت الأعياد عند اليهود “محافل
مقدسة ” (لاويين 23: 2)،
إذ كانت الجماعة تجتمع معا للإحتفال به ببهجة
قلب فى محفل مفرح حول الله القدوس. وقد شملت هذه المحافل أعياد أسبوعية
“السبت
“، وأعياداً شهرية “الهلال “، وأعياداً سنوية، وسنة سبتية كل سبع
سنوات، ويوبيلية كل خمسين عاماً، وكأن الله يريدنا أن نقضى عمرنا عيداً لا ينقطع!

V نظام الأعياد والأصوام اليهودية:

أولاً: قيام نظام
الأعياد على تقديس كل ما هو سابع فى الزمن على كل المستويات:

1 – السبت هو
السابع فى الأيام (خروج 20: 8-11).

2 – عيد
الأسابيع أو البنتقسطى أو الخمسين بعد سبعة أسابيع من عيد باكورة الحصاد (لاويين
23: 16).

3 – الشهر
السابع من السنة الدينية له قدسية خاصة، فهو رأس السنة المدنية، ويُعيَّد لبدايته
لا كبقية رؤوس الشهور أو كعيد هلال جديد (عدد 10: 10)، وإنما له إحتفال خاص
به ويدعى عيد الهتاف أو عيد الأبواق (لاويين 23: 23و24).

4 – تقديس كل
سنة سابعة كسنة سبتية (خروج 23: 10و11، لاويين 25: 1-7).

5 – تقديس
السنة الخمسين أى اليوبيل وهى السنة التى تلى سبع مرات من السنوات السبتية (لاويين
25: 8-22).

ثانياً: ظهرت أعياد
أخرى تمس مناسبات يهودية هامة كعيد الفوريم (القرعة) الذى أقامته أستير الملكة مع
مردخاى، وعيد تدشين الهيكل أو عيد التجديد الذى تم فى أيام يهوذا المكابى (مكابيين
الأول 4: 56 -61).

ثالثاً: بالنسبة
للأصوام فبجانب الصوم الفردى الذى يمكن لكل عضو فى الجماعة المقدسة أن يمارسه فى
أى يوم عدا أيام الأعياد، وُجد الصوم العام الأسبوعى فى يومى الإثنين والخميس، بين
الفصح إلى البنتقسطى، وما بين عيد المظال وعيد التجديد. ففى يوم الخميس صعد موسى
إلى جبل سيناء وفى يوم الإثنين نزل عندما استلم الشريعة فى المرة الثانية. بعدما
قضى أربعين يوماً مع الله فوق الجبل.

V مفاهيم يهودية للأعياد:

كانت الأعياد عند
اليهود تدور فى فلكين أو ثلاثة: الأول يبدأ بذبيحة الفصح حتى يوم الخمسين،
تُكرس هذه الفترة للتفكير فى دعوة إسرائيل، والتأمل فى حياته فى البرية قبل تمتعه
بأرض الموعد. والثانى هو الشهر السابع الذى يشير إلى تملك إسرائيل أرض
الموعد خلال نعمة الله الفائقة. فإن كانت الفترة الأولى تكشف عن محبة الله الذى
يدعونا لملكوته بنعمته ويسندنا فى جهادنا لنخرج من العبودية منطلقين روحياً نحو
أورشليم العليا، يبدأ معنا الطريق ويرافقنا فى برية هذا العالم، فإن الفترة
الثانية تمثل تمتعنا بعربون الروح ودخولنا إلى ملكوته المفرح بنعمته الغنية،
ويمكننا من جانب آخر أن نقول تجاوزاً أن الفترة الأولى تمثل كنيسة العهد القديم
التى بدأت بالخروج خلال الرمز والنبوات، والفترة الثانية تمثل كنيسة العهد الجديد
التى تمتعت خلال المسيا المصلوب القائم من الأموات.

بجانب هذين الفلكين
يظهر يوم الكفارة العظيم الذى يُحتفل به فى الشهر السابع، لكن يحمل طابعاً خاصاً
به، وإن كان البعض يرى أنه يمثل الربط بين الفلكين السابقين. على أى الأحوال تظهر
أهميته من دعوة الكتاب المقدس له براحة السبوت أو سبت الراحة
(بالعبرية “سبت سبتون ”
Shabbat
Shabbaton
) (لاويين
16: 31 و23: 32).
إنه يكشف عن عمل الفداء بالصليب وإنطلاقنا إلى الراحة
الأبدية!

ولليهود تعبيران عن
أعيادهم، هما ” موعد ” و” حج “ الأول يعنى “اجتماع
” والثانى مشتق من الكلمة العبرية التى تعنى “يفرح “.

الأول يعلن أن
العيد هو اجتماع الكل معاً حول الله مفرح القلوب، والثانى يكشف عن غاية
العيد كفرح فى الرب. وقد اُستخدم التعبير الثانى على وجه الخصوص للأعياد الثلاثة: الفصح
والخمسين والمظال. فى هذه الأعياد يلزم ظهور كل الذكور ممثلين الشعب كله، أمام
الرب فى الهيكل (انظر خروج 23: 14و 34: 23، تثنية 16: 16)،
يستثنى منهم العبيد
والصم والخرس والعرج والمرضى وغيرالقادرين على الصعود إلى جبل بيته بسبب الشيخوخة
وأيضاً الدنسون، وقد أعطى الحاخامات لهذه الأعياد الهامة([2])
ثلاثة أسماء عبرية تعنى: الحضرة، الظهور فى أورشليم، التقدمات العبرية للمتعبدين،
هذه الأسماء تكشف عن فهم اليهود لهذه الأعياد بكونها حضرة أمام الرب، وإنطلاقه
الكل بروح واحد إلى أورشليم وظهور الجميع ومعهم تقدمات للعيد بقلوب فرحة متهللة.

هذه المفاهيم اليهودية
للعيد اختبرها رجال الله الحقيقيون، وإن كان قد شوهها الكثيرون خلال تمسكهم بالحرف
دون الروح، وإنشغالهم بالشكليات دون الجوهر!

كانت أعياد بنى إسرائيل
قديماً أعياداً أرضية لكنها ترمز إلى حقائق روحية سماوية، والشعب القديم كانت
دعوته أرضية وبركاته أرضية، على عكس المؤمنين فى العهد الجديد، فهم كما يدعوهم
بولس الرسول “شركاء الدعوة السماوية “
(عبرانيين 1: 3)
ومن ثم فليست لهم أعياد بالمفهوم القديم فى العالم، لأنهم سماويون وليسوا من
العالم، لذا فإن الرسول بولس يكشف هذا الأمر محذراً المؤمنين من الأستمرار فى
المفاهيم المادية لطريقة التعييد اليهودية، وذلك فيما كتبه لأهل كولوسى: “فلا
يحكم عليكم أحد فى أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت، التى هى ظل الأمور
العتيدة ” (كولوسى16: 2 و17).

هذا المفهوم الروحى
الذى يوصى به الرسول بولس مؤسس على أن المؤمنين بالمسيح قد ماتوا مع المسيح عن
أركان العالم. وأنهم قد قاموا مع المسيح، ويهتمون بما فوق لا بما على الأرض، حيث
المسيح جالس عن يمين الله (انظر كولوسى 2: 20 و3: 1 و2)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى